المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ النَّعْتِ   هذا هو النوع الأول من أنواع التوابع الخمسة، باب - فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الكَلَامِ

- ‌بَابُ الإِعْرَابِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الرَّفْعِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ النَّصْبِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الخَفْضِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الجَزْمِ

- ‌بَابُ قِسْمَةِ الأَفْعَالِ وَأَحْكَامِهَا

- ‌ باب نواصب المضارع

- ‌بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ

- ‌المَرْفُوعَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ الفاعِلِ

- ‌باب النائب عن الفاعل

- ‌بَابُ المُبْتَدَا وَالخَبَرِ

- ‌بَابُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌بَابَ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌بَابُ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌التَّوَابِعُ

- ‌بَابُ النَّعْتِ

- ‌المَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ

- ‌بَابُ العَطْفِ

- ‌بَابُ التَّوكِيدِ

- ‌بَابُ البَدَلِ

- ‌المَنْصُوبَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ بِهِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ المُطْلَقِ

- ‌بَابُ الظَّرْفِ

- ‌بَابُ الحَالِ

- ‌بَابُ التَّمْيِيزِ

- ‌بَابُ الاِسْتِثْنَاءِ

- ‌بَابُ لَا

- ‌بَابُ المُنَادَى

- ‌بَابُ المَفْعُولِ لأَجْلِهِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ مَعَهُ

- ‌المَخْفُوضَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ الإِضَافَةِ

- ‌خَاتِمَةٌ

الفصل: ‌ ‌بَابُ النَّعْتِ   هذا هو النوع الأول من أنواع التوابع الخمسة، باب

‌بَابُ النَّعْتِ

هذا هو النوع الأول من أنواع التوابع الخمسة، باب النعت، وبدأ بالنعت لأن هذه الخمسة إذا اجتمعت قُدِّم النعت، إذا اجتمعت في تركيب واحد قدم النعت، ويقال: باب الوصف والصفة، وأكثر النحاة على أنهما مترادفان، وابن القيم له كلام في بدائع الفوائد في التفريق بين النعت والصفة.

النعت في اللغة: بمعنى الصفة أو الوصف، والوصف والصفة مترادفان. وفي اصطلاح النحاة: هو التابع المشتق أو المؤول به المباين للفظ متبوعه. هذا أحسن ما يقال في حد النعت. قوله: التابع هذا جنس، والعلاقة بينه وبين المحدود العموم والخصوص المطلق، فكل نعت تابع ولا عكس، لأن النعت واحد التوابع، والتوابع خمسة ومنها النعت. إذاً التابع جنس يشمل التوابع الخمسة: النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل، فنحتاج إلى قيود لإخراج الأربعة ليبقى النعت. قال: المشتق أو المؤول به فخرجت كل التوابع: التوكيد والبدل وعطف البيان وعطف النسق والتوكيد اللفظي الجامد لأنها ليست بمشتقات، وبقي نوع واحد، وهو التوكيد اللفظي المشتق. إذاً قوله: المشتق أو المؤول به -وسيأتي معنى المشتق والمؤول بالمشتق- فصلٌ مخرج لبقية التوابع، فإنها لا تكون مشتقة ولا مؤولة بالمشتق. إذاً التوكيد والبدل والعطف لا تكون

ص: 407

مشتقة، فإذا جاءك التابع مشتقاً فاحكم عليه بأنه نعت، إذاً كون اللفظة مشتقة علامة على أنه نعت، فإذا وجد الاشتقاق فثم النعت، وإذا لم يوجد الاشتقاق حينئذ ارتفع النعت. فمثلا تقول في التوكيد: جاء القومُ أجمعون، فأجمعون توكيد وليس بمشتق، حينئذ تقول: أجمعون ليس بنعت. وتقول: جاء زيدٌ زيد، فزيد الأول فاعل، والثاني توكيد جامد، فليس بمشتق فلا يكون نعتًا، وتقول في البدل: جاء زيد أخوك، فأخوك بدل وليس بمشتق، فلا يكون نعتًا، وعطف البيان لا يكون مشتقاً، والمثال السابق صالح له، وتقول في عطف النسق: جاء زيد وعمرو، فعمرو معطوف على زيد وليس بمشتق؛ لأنه عطف نسق. فإن قيل: يردُ على أن سائر التوابع ليست بمشتقات ما إذا قلتَ: قال: أبو بكر الصديق، وقال: عمر الفاروق، ورأيت شاعراً وكاتباً. فالصديق مشتق صيغة مبالغة على وزن فعيل، والفاروق أيضًا مشتق صيغة مبالغة على وزن فاعول، وهما عطف بيان أو بدل، فكيف نقول: إن التابع المشتق لا يكون إلا نعتاً، فقد وجد البدل وعطف البيان كما في الصديق والفاروق مشتقين؟! الجواب: أن الصديق والفاروق هما في الأصل مشتقان ثم عوملا معاملة الألقاب، فجُعلا كالعلمين، بحيث إذا أطلقا انصرفا إلى الخليفتين الراشدين رضي الله عنهما فصارا كالعلم كزيد، فهما جامدان؛ لأن الأصل في العلم أنه جامد، والأصل فيما إذا كان دالاً على صفة ثم صار علمًا أنه يسلب دلالته على الصفة، فلا يدل على شيء حينئذٍ، كما لو سمي رجل بصالح، لا يلزم أنه صالح

ص: 408

بالفعل، وإنما الوصف بكونه صالحاً قبل جعل اللفظ علماً، فلما جعل اللفظ علماً سلب منه المعنى وهو الصلاح، كذلك محمود لا يدل على أنه متصف بالصفات الحميدة.

أما رأيت شاعراً وكاتباً، كاتباً عطف نسق وهو مشتق، فكيف يقال: عطف النسق لا يكون مشتقاً وقد وجد الاشتقاق في عطف النسق؟! الجواب: أنّ كاتباً ليس هو المعطوف، وإنما المعطوف محذوف كذلك رأيت شاعراً، شاعراً ليس هو المفعول، وإنما التقدير: رأيت رجلاً شاعراً، ورجلاً كاتباً، فرجلاً هو المعطوف، وكاتباً وشاعراً هذان نعتان في الموضعين، رأيت شاعراً ليس هو المفعول به في الحقيقة، وإنما هو صفة لموصوف محذوف، رأيت رجلاً شاعراً وكاتباً، أي ورجلاً كاتباً حينئذ لم يعطف المشتق، وإنما عطف المنعوت، وهو جامد.

قال: المباين للفظ متبوعه هذا فصل لإخراج نوع واحد من أنواع التوكيد اللفظي، وهو فيما إذا وقع التوكيد بمكرر وهو مشتق، نحو: جاء زيد الفاضلُ الفاضلُ، زيدٌ: فاعل، والفاضل الأول نعت، والثاني توكيد لفظي، إذاً وجد الاشتقاق، وصار التوكيد اللفظي مشتقاً؛ لأنه اسم فاعل، والجواب: أن النعت لا بد أن يكون مبايناً أي مغايراً لمتبوعه، زيد الفاضل، ليس الفاضل في اللفظ عين زيد، بل هو مباين ومخالف له، أما الفاضل الثاني فهي عين الأول، فحينئذ لا يكون نعتاً، وإنما هو توكيد، وشرط النعت أن يكون مبايناً لمتبوعه، وهنا الفاضل الفاضل، الفاضل الثاني لم تغاير

ص: 409

الفاضل الأول، بل هو عينه، حينئذ لا يقال: إنه نعت، بل هو توكيد لفظي.

عرفنا أن شرط النعت: أن يكون مشتقاً بصيغته، أو مؤولا بالمشتق بأن يكون جامداً ليس بمشتق، لكنه يقوم مقام المشتق للدلالة على ما دل عليه اللفظ المشتق. قال ابن مالك:

وَانْعَتْ بِمُشْتَقٍّ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ

وَشِبْهِهِ كَذَا وَذِي وَالمُنْتَسِبْ

والمراد بالمشتق هنا: ما دل على حدث وصاحبه. قولنا: ما أي لفظ دل على حدث وصاحبه كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، أربعة لا خامس لها في هذا الموضع، وإلا فالمشتقات عشرة عند الصرفيين، ولكن المراد به في باب النعت أربعة، إذا أُطلق المشتق حمل عليها، لأنها تدل على ذات وصفة، والمعنى ظاهر في اسم الفاعل إذا قيل: ضارب وفاضل وعالم وقاتل، فنقول: هذه أسماء فاعلين تدل على ذات أي على شخص، هذا الشخص قد اتصف بصفة، فإذا قيل: زيد، نقول: هذا دل على ذات فقط، ولم يدل على حدث، وإذا قيل: قَتْلٌ وضرْبٌ وأَكْلٌ وشرْبٌ دلت على حدث فقط، ولم تدل على ذات. ثم وضعت العرب لفظاً مشتركاً دالاً على ذات وحدث معًا، فقالت: قاتل وضارب مثلا، كأنه قال: زيد اتصف بحدث وهو القتل أو الضرب. فقاتل وضارب اسم فاعل، دل على ذات وصفة.

ص: 410

وأما المؤول بالمشتق، يعني ما يؤول ويرجع إلى المشتق فهو ما يقوم مقام الاسم المشتق في دلالته على معنى المشتق، منها الأول: اسم الإشارة، فاسم الإشارة يصح أن يقع نعتاً ويؤول بالمشتق، تقول: مررت بزيد هذا، مررت فعل وفاعل، وبزيد جار ومجرور، وهذا نعت لزيد، وقد وقع نعتًا وليس بمشتق بل هو جامد، ولكن نؤوله بالمشتق أي بزيد المشار إليه، أرجعته إلى اسم المفعول؛ لأن المشار اسم مفعول. فحينئذ فسرت اسم الإشارة باسم المفعول وهو مشتق. إذاً اسم الإشارة يقع نعتاً، وليس هو عينه بمشتق، وإنما يقوم مقام المشتق في الدلالة على ما دل عليه المشتق، وهو المشار إليه.

الثاني: ذو التي بمعنى صاحب، تقول: جاء رجل ذو علم، جاء فعل ماض، ورجل فاعل، وذو نعت، وهو جامد ليس بمشتق لكنها في قوة المشتق؛ لأنها بمعنى صاحب، والصاحب اسم فاعل وهو مشتق، إذاً هو في قوة المشتق.

الثالث: الاسم المنسوب، تقول: جاء رجل مكيٌّ أو قرشيٌّ، جاء فعل ماض، ورجل فاعل، وقرشي نعت، وهو جامد ليس بمشتق، لكنه في قوة المشتق أي المنسوب إلى قريش، والمنسوب اسم مفعول.

الرابع: الجملة الخبرية، فالجملة الخبرية تقع نعتاً، تقول: جاءني رجل أبوه عالم، رجل فاعل، وأبوه عالم مبتدأ وخبر، والجملة في محل رفع نعت لرجل، لأن الجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال، ويشترط هنا في الجملة أن تكون مشتملة على رابط

ص: 411

-كجملة الخبر- يربط بين الجملة والمنعوت، وأن تكون جملة خبرية لا إنشائية، كما قال ابن مالك:

وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ

...................

الخامس: المصدر، تقول: جاءني رجل عدل، فرجل فاعل، وعدل نعت؛ لأنه مؤول عند الكوفيين باسم الفاعل جاءني رجل عادل، أو على حذف المضاف ذو عدل أي صاحب عدل عند البصريين.

السادس: شبْه الجملة، تقول: مررت برجل في الدار، في الدار جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لرجل، ومررت برجل عندك، عند ظرف متعلق بمحذوف صفة لرجل.

إذاً الجار والمجرور والظرف إذا وقعا بعد النكرة يعربان صفة، وإذا وقعا بعد المعرفة يعربان حالا.

السابع: الاسم الموصول، تقول: جاء زيد الذي قام، فزيد فاعل، والذي نعت لأن الموصول مع صلته في قوة المشتق، أي جاء زيد القائم، حينئذ أحللت محله اسم فاعل وهو مشتق.

الثامن: أيُّ الوصفية، تقول: جاء رجل أيُّ رجل، يعني بلغ الكمال في الرجولة، فأيّ نعت؛ لأنها بمعنى كاملة.

وفائدة النعت أنه مخصص للنكرات، موضح للمعارف، يعني إذا وقع بعد النكرة فهو مخصص لها، والمراد بالتخصيص: تقليل الاشتراك، نحو: مررت برجل عالم، فلفظ رجل نكرة، ويحتمل أنه

ص: 412

عالم أو جاهل، فإذا قلت: عالم، خصصته، يعني أخرجت الجاهل، ثم بقي نوع اشتراك، هل الرجل هذا زيد أو عمرو أو خالد

إلخ.

فالصفة هنا خصصت النكرة بأن قللت الاشتراك، ولم ترفعه.

وإذا وقع بعد المعارف فهو للتوضيح، والمراد بالتوضيح هنا: رفع الاشتراك، تقول: جاء زيد، وأنت تعرف أن زيدًا علَمٌ مشترك، قد يكون زيدًا العالم، زيدًا الفاضل، زيدًا البخيل، زيدًا الكريم وهكذا، فإذا قلت: جاء زيد الكريم، تعيَّن.

إذاً الفرق بين التخصيص والتوضيح: أن التخصيص تقليل للاشتراك، والتوضيح رفع للاشتراك بالكلية، كذلك يقع النعت توكيداً، كقوله تعالى:(تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)[البقرة:196]، وقد يقع للمدح، (بسم الله الرحمن الرحيم) الرحمن الرحيم نعتان المراد بهما المدح، وقد يقع ويراد به الذم، (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) (الرجيم) المراد به الذم. قال في عقود الجمان:

وَوَصْفُهُ لِلْكَشْفِ وَالتَّخْصِيصِ أَوْ

تَأَكُّدٍ وَالمَدْحِ وَالذَّمِ رَأَوْا

قال الناظم - رحمه الله تعالى-:

النَّعْتُ قَدْ قَالَ ذَوُو الأَلبَابِ

يَتْبَعُ لِلمَنْعُوتِ فِي الإِعْرَابِ

كَذَاكَ فِي التَّعْرِيفِ وِالتَّنْكِيرِ

كَجَاءَ زَيدٌ صَاحِبُ الأَمِيرِ

ص: 413

النعت يتبع المنعوت في حكمه، فإن كان منعوته مرفوعاً كان النعت مرفوعاً، وإن كان المنعوت منصوباً كان النعت منصوباً، وإن كان المنعوت مجروراً كان النعت مجروراً، والعامل في المتبوع هو العامل في النعت، وهذا مذهب الجمهور ونسب إلى سيبويه. وذهب الخليل والأخفش إلى أن العامل في النعت هو التبعية وهذا أمر معنوي، فإذا قيل مثلاً: جاء زيد الفاضل، جاء فعل ماض، وزيد فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، والذي أحدث الضمة في زيد هو الفعل جاء، والفاضل مرفوع لأنه نعت لزيد، والنعت يتبع المنعوت في حكمه الإعرابي، إذا كان المنعوت مرفوعاً كان النعت مرفوعاً، وهنا النعت مرفوع لكون المنعوت مرفوعاً، إذًا طابقه في الإعراب، فهو مرفوع ورفعه الضمة الظاهرة على آخره، والذي أحدث الضمة في النعت الفاضل فيه قولان: الجمهور على أن العامل في المتبوع هو العامل في التابع، فحينئذ العامل في زيد هو عينه العامل في الفاضل، فيكون الفاضل مرفوعًا بالفعل جاء، فيكون الفعل جاء قد رفع اسمين: رفع الأول على أنه فاعل، ورفع الثاني على أنه نعت له، فيكون العامل لفظيا، وهذا مذهب الجمهور وهو أصح. وذهب الخليل والأخفش أن العامل هو التبعية، وهي كونك قد أتبعت زيدًا بالفاضل، وألحقتَ زيدًا الموصوفَ بالفاضل أي وصفته به، وهذا أمر معنوي وهو فعل الفاعل، وهذا محتمل أن تكون التبعية هي العامل، لكن إذا وجد في التركيب ما هو عامل لفظي وأمكن إسناد العمل إليه دون أن يقدر عامل معنوي فهو

ص: 414

أرجح، لأن الأصل في العوامل أن تكون لفظية، والعامل المعنوي ضعيف، حينئذٍ الأولى أن يعلق العمل باللفظي لأنه أرجح وأقوى من أن يعلق بأمر معنوي.

[النَّعْتُ قَدْ قَالَ ذَوُو الأَلبَابِ] النعت مبتدأ، وقد حرف تحقيق، وذووا فاعل مرفوع ورفعه الواو المحذوف للتخلص من التقاء الساكنين، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وذوو الألباب أي أصحاب الألباب، جمع لب والمراد به العقل، [يَتْبَعُ] أي النعت [لِلمَنْعُوتِ] أي المنعوتَ، فاللام زائدة، دخلت على المفعول به، وهذا شاذ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، [فِي الإِعْرَابِ] أي في واحد من أوجه الإعراب، ولابد من التقدير لأنه لا يتبع المنعوت في الإعراب مطلقاً، لأن الإعراب جنس تحته أنواع، والاسم حيث كان تابعاً حينئذٍ قد يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً، فإذا قيل يتبعه في الإعراب: رفعاً أو نصباً أو جراً، إذاً لا يمكن أن يتبعه في اثنين لأن الاسم لا يمكن أن يكون مرفوعاً منصوباً، أو منصوباً مجروراً، أو مرفوعاً مجروراً في وقت واحد، ولذلك نقول الاسم له باعتبار الإعراب ثلاثة أحوال: إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مجروراً. كذلك باعتبار التعريف والتنكير الاسم له حالان: إما أن يكون معرفة، وإما أن يكون نكرة. وباعتبار الإفراد والتثنية والجمع له ثلاثة أحوال: إما أن يكون مفرداً، وإما أن يكون مثنى، وإما أن يكون جمعاً. وباعتبار التذكير والتأنيث له حالان: إما أن يكون مذكراً، وإما أن يكون مؤنثاً. هذه

ص: 415

عشرة أحوال للاسم: ثلاثة في الإعراب، وثلاثة في الإفراد والتثنية والجمع، واثنان في التعريف والتنكير، واثنان في التذكير والتأنيث، هذه أربعة أقسام تحتها عشرة أنواع. وكل اسم له أربعة أمور من هذه العشرة، ولا يمكن أن تجتمع كلها في اسم واحد، فحينئذ يأخذ من كل قسم نوعا واحدا، القسم الأول الذي هو الإعراب له ثلاثة أحوال: إما أن يكو مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً، الاسم له حالة واحدة منها فإذا كان مرفوعاً انتفى النصب والجر، وإذا كان منصوباً انتفى الرفع والجر، وإذا كان مجروراً انتفى الرفع والنصب، فله حالة واحدة. وباعتبار الإفراد له حالة واحدة: إما أن يكون مفرداً أو مثنى أو جمعاً، فإذا كان جمعاً ارتفع الإفراد والتثنية، وإذا كان مثنى ارتفع الإفراد والجمع، وإذا كان مفرداً ارتفعت التثنية والجمع. وباعتبار التنكير والتعريف: إذا كان معرفة فحينئذٍ لا يمكن أن يكون نكرة، وإذا كان نكرة لا يمكن أن يكون معرفة، إذاً له حالة واحدة من التعريف والتنكير. وباعتبار التذكير والتأنيث له حالة واحدة إما أن يكون مذكراً، وإما أن يكون مؤنثاً. إذا قلت: جاء زيد، زيد له الرفع، والتذكير، والإفراد، والتعريف، أربعة أحوال، وإذا قلت: جاءت هند ارتفع التذكير، وحل محله التأنيث مع بقية الأوجه، وإذا قلت: جاء الزيدان، ارتفع الإفراد وحل محله التثنية مع بقية الأوجه، وهكذا في سائر الأنواع، لا يمكن أن تكون إلا أربعة منها.

النعت إما أن يكون حقيقياً، وإما أن يكون سببياً، فالحقيقي هو الذي رفع ضميرًا مستتراً، لأن النعت لا بد أن يكون مشتقاً، فإذا

ص: 416

كان مشتقاً لا بد أن يكون عاملاً، وذكرنا أن المشتق هنا المراد به اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل، وهذه ترفع ضميرًا مستترًا، فإذا قلت: جاء زيد العاقل، العاقل نعت تنظر بعد لفظ العاقل، هل هناك اسم ظاهر؟ فإذا لم يكن بعده اسم ظاهر تحكم عليه بأنه رفع ضميراً مستتراً، يعود على المنعوت، هذا ضابط النعت الحقيقي.

والنعت السببي هو الذي رفع اسماً ظاهراً، فإذا قلت: جاء زيد العاقل أبوه، فالعاقل نعت ثم تنظر في النعت هل رفع ضميراً مستتراً؟ الجواب لا، وإنما رفع اسماً ظاهراً وهو أبوه وهو فاعل. وهذا يسمى نعتاً سببياًَ، وعلة التسمية قالوا: لأنه جرى على غير ما هو له، فقولك: جاء زيد العاقل أبوه، جاء فعل ماضٍ، وزيد فاعل، وهو المنعوت، والعاقل نعت لزيد، وأبوه فاعل للنعت، هذا من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى فمَن الذي وصف بالعقل؟ هل هو زيد أو أبو زيد؟ الجواب: الموصوف بالعقل هو أبو زيد، إذاً هل جرى النعت والصفة التي تضمنها اللفظ المشتق على الموصوف أو على غيره؟ لاشك أنه على غيره، هذا يسمى نعتاً سببياً، فحينئذٍ العاقل أبوه ليس وصفاً لزيد، وإنما هو وصف لأبي زيد، فتقول هذا الوصف جرى على غير من هو له في الأصل، لأنه في الأصل لزيد ولذلك نعربه نعتا له، لكنه لما رفع اسماً ظاهراً انتقل في المعنى من جهة كونه صفة لزيد إلى كونه صفة لأبي زيد.

ص: 417

قال الناظم: النعت [يَتْبَعُ لِلمَنْعُوتِ فِي الإِعْرَابِ] أي في واحد من أوجه الإعراب رفعاً أو نصباً أوجراً، [كَذَاكَ فِي التَّعْرِيفِ وِالتَّنْكِيرِ] كذاك أي مثل ذاك والمشار إليه كون النعت يتبع المنعوت في واحد من أوجه الإعراب يتبعه في واحد من التعريف والتنكير، إذًا ذكر خمسة من العشرة، فيتبع النعت المنعوت في اثنين من خمسة، لأنه قال: يتبع للمنعوت في واحد من أوجه الإعراب الثلاثة، وفي واحد من التعريف والتنكير، إذاً في اثنين من خمسة.

النعت مطلقاً سواء كان النعت حقيقياً أو سببياً يتبع المنعوت في اثنين من خمسة، وهي التي ذكرها الناظم، فحينئذٍ إذا كان النعت حقيقياً أو سببياً وجب أن يكون رفعه أو نصبه أو جره على حسب المنعوت ولا ينفك عنه مطلقاً، كذاك في التعريف والتنكير، إذا كان المنعوت نكرة وجب أن يكون النعت نكرة مطلقاً سواء كان النعت حقيقياً أو سببياً، وإذا كان المنعوت معرفة وجب أن يكون النعت معرفة مطلقاً سواء كان النعت حقيقياً أو سببياً، ولذلك نقدر عند قوله يتبع للمنعوت في اثنين من خمسة سواء كان حقيقياً أو سببياً، ولا يجوز في شيء من النعوت مطلقاً الحقيقي والسببي أن يخالف منعوته في الإعراب، ولا أن يخالفه في التعريف والتنكير، وهذا أمر لازم للنوعين فتقول: جاء زيدٌ العاقلُ، تبعه في الرفع والتعريف، ولا يصح أن يقال: جاء زيد عاقل، ولا جاء رجل العاقل، ولا جاء زيدٌ العاقلَ إلا إذا قطع فحينئذٍ صار جملة مستقلة فيكون الكلام مركباً من جملتين جاء زيد أعني العاقلَ، أما الكلام في الجملة

ص: 418

الواحدة وعلى الأصل دون القطع فنقول جاء زيدٌ العاقلُ ولا يجوز أن يقال العاقلَ دون أن تقطع النعت، هذا في النعت الحقيقي والسببي.

وأما الأحوال الأخرى التي تختص بالاسم من حيث الإفراد والتثنية والجمع، ومن حيث التذكير والتأنيث، فحينئذٍ نقول: إن كان النعت حقيقياً أيضاً يتبع المنعوت في اثنين من خمسة: في واحد من الإفراد والتثنية والجمع، وفي واحد من التأنيث والتذكير، فحينئذٍ إذا نظرنا للأحوال العشرة نقول: النعت الحقيقي يتبع منعوته في أربعة من عشرة، واحد من أوجه الإعراب، وواحد من أوجه الإفراد وفرعيه، وواحد من التذكير والتأنيث، وواحد من التعريف والتنكير، تقول: مررت برجلٍ قائمٍ، ومررت برجلين قائمين، ومررت برجال قائمين، تبع منعوته في الجر هنا، قال برجالٍ بالكسر، وقائمين بالياء، ولا يشترط أن يكون تابعاً لما قبله في شخص الحركة، بل في مطلق الإعراب، يعني لو كان المنعوت مرفوعاً تبعه النعت في مطلق الرفع لا في عين الحركة، ولذلك تقول: مررت برجال قائمين كل منهما مجرور، إذاً يكون تابعاً له في مطلق الخفض وليس في عين الحركة. وتقول: مررت بامرأة قائمة، ومررت بامرأتين قائمتين، ومررت بنساء قائمات، إذاً الخلاصة: النعت الحقيقي يتبع منعوته في أربعة من عشرة واحد من أوجه الإعراب وواحد من الإفراد والتثنية والجمع، وواحد من التذكير والتأنيث، وواحد من التعريف والتنكير، ولا يجوز أن يخالف المنعوت واحدًا من هذه الأربعة.

ص: 419

أما النعت السببي فإنه يلزم حالة واحدة وهي الإفراد، ولا يكون مثنى ولا جمعاً إلا على لغة أكلوني البراغيث، وهي لغة ضعيفة لا يعول عليها. ومن حيث التذكير والتأنيث يتبع الاسم الظاهر الذي رفعه، ولا يتبع المنعوت، تقول: مررت برجل قائمٍ أبوه، قائم نعت لرجل تبعه في اثنين من خمسة، وهما الخفض والتنكير، ويلزم الإفراد مطلقًا، وباعتبار التذكير والتأنيث نقول: الاسم الظاهر قد وقع مذكراً وهو أبوه، فذُكِّر النعت لا لكون المنعوت مذكراً وإنما لكون الاسم الظاهر مذكراً، ولذلك لو قيل: مررت برجلٍ قائمةٍ أمُه، قائمة هذا نعت لرجل تبعه في اثنين من خمسة، وهما الخفض والتنكير، ويلزم الإفراد مطلقًا، وباعتبار التذكير والتأنيث هنا وقع المنعوت مذكراً والنعت مؤنثاً، لأنه نعت سببي رفع اسماً ظاهراً والنعت السببي في باب التأنيث والتذكير يتبع ما بعده لا ما قبله، والفاعل وهو أمه مؤنث حقيقي، حينئذٍ يجب تأنيثه لأنه كما سبق أن الفعل إذا كان فاعله مؤنثاً وجب التأنيث، وكذلك الوصف الذي هو اسم الفاعل إذا رفع اسماً ظاهراً وكان فاعله مؤنثاً بشرطه وجب التأنيث، إذا قلت: قامت أم زيد، حكم التأنيث أنه واجب، كذلك الوصف إذا أقيم مقام الفعل أخذ حكمه، حينئذٍ إذا رفع الوصف اسماً ظاهراً وكان مؤنثاً تأنيثاً حقيقياً وجب تأنيث الوصف، لأن الوصف في قوة الفعل يعامل معاملة الفعل، وإذا وجب في الفعل تجريده عن علامة تدل على تثنية الفاعل أو جمع الفاعل وجب تجريد الوصف عن علامة تدل على تثنية الفاعل أو جمعه، وحينئذٍ: مررت

ص: 420

برجل قائمة أمه، قائمة هذا في قوة قامت فيجب التأنيث، ولذلك سبق في المبتدأ من نحو: أقائم الزيدان، قائم مبتدأ، والزيدان فاعل سد مسد الخبر، لِمَ قالوا فاعل ولم يقولوا خبر؟ قلنا: لأن قائم في معنى الفعل، والفعل لا يرفع خبراً، وإنما يرفع فاعلاً، لأن النظر في المعنى فقائم الزيدان في قوة قولك: يقوم الزيدان، فإذا جاء الزيدان بعد الفعل يقوم رُفع على أنه فاعل، وإذا جاء تالياً لما هو في قوة الفعل يقوم كذلك يجب أن يكون مرفوعاً على أنه فاعل، ولا يكون خبراً، لأن الفعل لا يخبر عنه، وإنما يرفع ما بعده على أنه فاعل، كذلك هنا: مررت برجل قائمة أمه، قالوا: هذا في قوة الفعل فحينئذٍ يجب أن يعامل معاملة الفعل؛ لأنه رفع اسماً ظاهراً فإذا كان الاسم الظاهر مؤنثا واجب التأنيث - بشرطه - وجب تأنيث الوصف، وإذا كان الاسم الظاهر مثنى أو جمعاً وجب إفراد الوصف، لأن الفاعل لا يُلحَق بعامله علامة تدل على أن الفاعل مثنى أو جمع، تقول: مررت بامرأة قائمٍ أبوها، فامرأة هذا منعوت وهو مؤنث، وقائم نعت وهو مذكر، لأنك تقول: مررت بامرأةٍ قام أبوها ولا تقول: قامت أبوها، فذكر النعت مع كون المنعوت مؤنثًا باعتبار الاسم الظاهر، وتقول: مررت برجلين قائم أبواهما، برجلين هو الموصوف، وقائم رفع اسماً ظاهراً وهو فاعل مثنى، كما تقول: مررت برجلين قام أبواهما - أتيت بفعل ماض في مقام قائم - إذاً كذلك تقول: مررت برجلين قائمٍ بالإفراد؛ لأنه في معنى الفعل وقد رفع فاعلاً أبواهما وهو مثنى، والفعل إذا رفع فاعلا مثنى لا

ص: 421

تلحقه علامة تدل على أن الفاعل مثنى، كذلك الوصف الذي أُقيم

مُقام الفعل يجب تجريده من علامة تدل على أن الفاعل مثنى، ومثله قولك: مررت برجالٍ قائمٍ آباؤهم. كأنك قلت: قام آباؤهم، فيلزم الإفراد لأنه نعت سببي. ومن حيث التأنيث والتذكير يتبع ما بعده، جاء في القرآن:(رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا)[النساء:75] الظالم نعت للقرية، وكل منهما معرفة ومجرور، وباعتبار التذكير والتأنيث قال: الظالم ولم يقل الظالمة، لأنه تَبَعٌ لما بعده وهو أهلها، وهو مذكر، أيضًا قال: الظالم ولم يقل: الظالمين لأنه واجب الإفراد، فالنعت السببي يلزم الإفراد مطلقاً سواء كان الاسم الظاهر مفرداً أو مثنى أو جمعاً. [كَجَاءَ زَيدٌ صَاحِبُ الأَمِيرِ] هذا مثال للنعت الحقيقي، أي كقولك أو مثل جاء زيد صاحب الأمير، جاء فعل ماضٍ، وزيد فاعل، وصاحب نعت لزيد تبعه في الرفع، والعامل في النعت صاحب هو الفعل جاء، لأن العامل في النعت هو العامل في المنعوت على الصحيح، وتبعه في الإفراد، وفي التعريف، وفي التذكير، أيضاً زيد معرفة وصاحب الأمير معرفة، وزيد علَمٌ فهو أعرف من صاحب الأمير لأنه نكرة أضيفت إلى محلى بأل فهو في رتبة المعرَّف بأل، نأخذ من هذا أن الأصل في الصفة والنعت أن تكون أدنى من الموصوف في التعريف أو مساوية له، ولا يجوز أن تكون الصفة أعرف وأعلى درجة من الموصوف، ولذلك لم يجوزوا: مررت بزيد صاحبك على أنه نعت بل بدل، لأن المضاف إلى الضمير في رتبه العلم، والنعت إنما يؤتى به في الأصل للإيضاح، فإذا كان هو أعرف من المنعوت إذاً لا نحتاج إلى الصفة من أصلها، وإنما

ص: 422

يكون موضحا إذا كان مساوياً أو أدنى أما أعلى فلا، ولذلك مررت بزيد صاحبك، صاحب نكرة أضيفت إلى الضمير، وكل نكرة أضيفت إلى معرفة فهي في رتبة ما أضيفت إليه، إلا ما أضيف إلى الضمير فإنه في رتبة العلم، احترازًا مما لو نعت العلم بالنكرة المضافة إلى الضمير، فيكون النعت أرفع، ولذلك قالوا: لا يجوز أن تكون الصفة أرفع من الموصف، فإذا أضيفت النكرة إلى الضمير جعل في مرتبة العلم.

ص: 423