الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي عشر: الجنائز
الجنائز بفتح الجيم جمع جنازة، وهي بالفتح والكسر اسم للميت في النعش.
ما يندب للمحتضر:
1-
أن يحسن ظنه باللَّه تعالى بقوة الرجاء فيما عند اللَّه تعالى من الكرم والرحمة والعفو، لحديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: (لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللَّه)(1)، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (يقول اللَّه عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي..)(2) .
ويندب لمن يكون عند المحتضر أن يحمله على تحسين ظنه باللَّه تعالى.
2-
يندب أن يوجَّه من حضرته الوفاة إلى القبلة، بأن يجعل على جنبه الأيمن ووجهه للقبلة إن لم يشق ذلك، وإلا وضع على ظهره ورجلاه للقبلة ولكن يرفع رأسه قليلاً ليصير وجهه لها.
3-
يندب أن يَدْخل عليه حال احتضاره أحسن أهله وأصحابه ويكثروا من الدعاء له ولأنفسهم لأنه من أوقات الإجابة.
4-
يندب أن يُلقَّن الشهادة، بأن تذكر عنده ليقولها، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا اللَّه)(3) ولا يقال له قل ذلك لئلا يقول لا. وإذا قالها ألا يُلحُّ عليه بإعادتها إلا إذا تكلم بعدها بكلام أجنبي فإنه يعاد تلقينه (4) .
5-
إبعاد الجنب، والحائض، والنفساء، وكل شيء تكرهه الملائكة من تمثال أو آلة لهو، من عند المحتضر، لأن ملائكة الرحمة تنفر من كل ذلك.
6-
إحضار طيب عنده كبخور، لأن الملائكة تحبه.
(1) أبو داود: ج 3/ كتاب الجنائز باب 17/3113.
(2)
مسلم: ج 4/ كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب 1/2.
(3)
مسلم: ج 2 / كتاب الجنائز باب 1/1، وقيل إن علامة الموت على الإيمان أن يصفر وجه الميت ويعرق جبينه وتذرف عيناه دموعاً، ومن علامة الموت على سوء الخاتمة والعياذ باللَّه أن تحمرَّ عيناه وتريد شفتاه.
(4)
رجح المالكية كراهية قراءة شيء من القرآن عند المحتضر لأنه ليس من عمل السلف.
ما يندب فعله للميت قبل غسله:
إذا فاضت روح المحتضر بالفعل (1) فيندب ما يلي:
1-
إغماض عينيه، لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت:(دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر..)(2) .
2-
شد لحييه بعصابة عريضة تربط من فوق الرأس.
3-
تليين مفاصله برفق بحيث يُرَدُّ ذراعاه لعضديه وفخذاه لبطنه.
4-
وضع شيء ثقيل على بطنه خوف انتفاخه كحديدة أو حجر، لما روى البيهقي قال:(مات مولى لأنس بن مالك عند مغيب الشمس، فقال أنس رضي الله عنه: ضعوا على بطنه حديدة)(3) .
5-
ستره بثوب صوناً عن الأعين، وقال بعضهم يغطى وجهه، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(سُجِّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرة)(4) . أما ثيابه التي فاضت روحه فيها قيل: يُنزع بعضها وقيل: لا يُنزع منها شيء.
6-
الإسراع (5) بتجهيزه وتكفينه ودفنه مخافة التغير، إلا إن مات غريقاً أو تحت هدم أو فجأة فإنه يؤخر تجهيزه حتى يُتحقق من موته بظهور أمارات التغير. روي عن علي رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال له:(يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت لها كفؤاً)(6) .
7-
إعلام الناس عن موته بدون رفع صوت كأن تكون بإعلانات.
⦗ص: 251⦘
(1) وعلامة ذلك: انقطاع نفسه وإحداد بصره وانفراج شفتيه وسقوط قدميه فلا ينتصبان.
(2)
مسلم: ج 2/ كتاب الجنائز باب 4 /7.
(3)
البيهقي: ج 3/ ص 385.
(4)
مسلم: ج 2/ كتاب الجنائز باب 14/48، وحبرة: سوداء.
(5)
استثنوا من قاعدة <<العجلة من الشيطان>>: التوبة، والصلاة إذا دخل وقتها، وتجهيز الميت، وتعجيل الأوبة من السفر، ورمي أيام التشريق، ونكاح البكر، وتقديم الطعام للضيف إذا قدم، وقضاء الدين إذا حل، وإخراج الزكاة عند حلولها.
(6)
الترمذي: ج 3 / كتاب الجنائز باب 73 / 1075.
ما يكره فعله بعد الموت:
1-
يكره تبخير الدار إلا إن قُصد إزالة رائحة كريهة.
2-
تكره قراءة القرآن بعد الموت لأنه ليس من عمل السلف.
3-
يكره رفع الصوت بالإعلان عن موته.
غسل الميت:
حكمه: فرض كفاية على الأحياء إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين.
أقله: غسل الميت مرة واحدة كغسل الجنابة، تعبداً (1)(وقيل نظافة) ، بلا نية، بماء مطلق، بحيث يغسل رأس الميت ثلاث مرات، ثم يجعل على شقه الأيسر ليغسل شقه الأيمن ظهراً وبطناً، ثم يجعل على شقه الأيمن ليغسل شقه الأيسر ظهراً وبطناً. ولا يعاد ذاك الغسل إذا خرج من الميت نجاسة وإنما تزال النجاسة فقط.
ويقوم التيمم مقام الغسل عند فقد الماء أو تعذر الغسل، كأن مات حرقاً ويخشى أن يتقطع جسده من الدلك أو صب الماء.
وكل من وجب غسله وجب تكفينه والصلاة عليه ودفنه.
(1) ثمرة الخلاف من القول تعبداً أو نظافة هو: إن قلنا تعبداً فلا يجوز غسل الكافر على قول الإمام مالك، وإن قلنا نظافة جاز غسل الكافر (على قول الإمامين الشافعي وأبي حنيفة) .
شروط فرضية غسل الميت على الأحياء:
1-
أن يكون الميت مسلماً، فلا يغسل الكافر بل يحرم، وإنما يجب تكفينه ودفنه، وكذا المحكوم بكفره (المرتد، والزنديق، والساحر) ولو كان صغيراً، وكذا الكتابي.
وإن اختلط مسلم بكفار غُسلوا جميعاً وكفنوا ومُيزِّ المسلم بالنية في الصلاة بحيث تُنوى الصلاة على المسلم منهم.
2-
أن يكون مستقرَّ الحياة، إن كان سقطاً، بعلامة كالصراخ أو الرضاع الكثير، ولا تعتبر الحركة ولا العطاس ولا التبول ولا الرضاع القليل علامات على استقرار الحياة، فإن لم يُعلم استقرار الحياة كره تغسيله والصلاة عليه إلا أنه ندب غسل الدم عنه ووجب لفه بخرقة ومواراته بالتراب.
3-
أن يوجد من جثة الميت ثلثا بدنه فأكثر بالإضافة إلى الرأس، أما إن وجد من الجثة أقل من ثلثيها كره تغسيله على المعتمد وإنما وجب تكفينه ودفنه فقط.
4-
أن لا يكون شهيد معركة، وشهيد المعركة هو من قتل أثناء مقاتلة الحربيين ولو ببلد الإسلام، وإن لم يقاتل هو، بأن كان نائماً، أو غافلاً، أو قتله مسلم ظناً منه أنه كافر، أو داسته الخيل، أو رجع عليه سيفه، أو تردى في بئر، أو سقط من شاهق حال القتال. أما إن رُفع من المعركة حياً غير مغمى عليه فإنه إذا مات بعدها غُسل وصُلي عليه (أما من رفع مغمى عليه واستمر إلى أن مات فهذا شهيد لا يغسل) .
ومن مات بيد حربي لكن في غير ساحة القتال فالمعتمد أنه شهيد، وهناك قول أنه يغسل ويصلى عليه.
ويجب أن يدفن الشهيد في ثيابه إن سترته (بما فيها الخف والقلنسوة والمنطقة (1) لخاتم الفضة إن قلت قيمته) بعد نزع السلاح والدرع، فإن لم تستره ثيابه، أو وجد عريانا، ستر جميع بدنه بثوب أو زبد على ثيابه ما يستره. لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:(أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقتلي أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم)(2) . وما روى جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد: (لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكاً يوم القيامة) ولم يصلّ عليهم (3) .
(1) ما يشد به الوسط.
(2)
أبو داود: ج 3/ كتاب الجنائز باب 31/3134.
(3)
مسند الإمام أحمد: ج 3 /ص 299.
أولى الناس بغسل الميت:
أ- بالنسبة للرجل: آولى الناس بغسله على الترتيب:
1-
زوجته إن صحَّ نكاحها بشرط أن لا تكون رجعية ولا كتابية، ولو أوصى بخلاف ذلك، ويندب لها أن تستر عورته حال غسله. عن عائشة رضي الله عنها قالت:(لو استقبلت من الأمر ما استدبرت ما غسّل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه)(1) .
2-
إن لم تكن الزوجة أو أسقطت حقها أو غابت، قُدِّم الأقرب فالأقرب من أوليائه فيقدم الابن، فابنه، فأب، فأخ، فابنه، فجدّ، فعم، فابنه.
3-
فإن لم يكن القريب من أوليائه أو أسقط حقه أو غاب، غسله أخ لأم أو خال أو جدّ لأم
4-
فإن لم يكن له أقرباء أو أسقطوا حقهم غسّله أجنبي.
5-
إن لم يوجد الأجنبي غسلته امرأةٌ من محارمه، ووجب عليها ستر جميع بدنه وقيل: العورة فقط، ووجب عليها أن لا تباشر جسده بيدها إلا بخرقة تلفها على يدها. وتقدم محارم النسب ثم محارم الرضاع ثم محارم المصاهرة.
6-
فإن لم يوجد له محارم نساء يمَّمته امرأة أجنبية لمرفقيه.
وإن كان الميت صبيا (ثماني سنوات فما دون) جاز للأجنبية أن تنظر له وأن تغسله.
(4) مسند الإمام أحمد: ج 6 /ص 267.
ب- بالنسبة للمرأة: أولى الناس بتغسليها على الترتيب:
1-
زوجها إن صح نكاحها ولم تكن مطلقة رجعية، ويندب له أن يستر عورتها. لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارأساه، فقال: بل أنا يا عائشة وارأساه. ثم قال: ما ضرك لو متِ قبلي، فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك)(1) .
2-
فإن لم يكن الزوج أو أسقط حقه أو غاب، فأقرب امرأة لها تغسلها، فتقدّم البنت، فابنة الابن، فالأم، فالأخت الشقيقة، فالأخت لأب، فبنت الأخ، فالجدة، فالعمة، فابنة العم.
3-
فإن تولى الأقرباء أو لم يوجدوا أو أسقطوا حقوقهم غسلتها المرأة الأجنبية.
4-
فإن لم توجد المرأة الأجنبية غسلها أحد محارمها، ووجب عليه ستر جميع بدنها، وأن لا يباشر جسدها بالدلك بل بخرقة كثيفة يلفها على يده ويدلك بها.
5-
وإذا لم يوجد المحرم يممّها الأجنبي إلى الكوعين فقط.
وإن كانت الميتة أنثى رضيعة عمرها دون السنتين والثمانية شهور جاز للأجنبي أن ينظر لها وأن يغسلها لأنه لا عورة لها.
(1) ابن ماجة: ج 1 /كتاب الجنائز باب 9 /1465.
ما يجب عل الغاسل وما يندب له:
يجب على الغاسل أن يستر عورة الميت من سرته إلى ركبتيه إن كان رجلاً مع رجل أو إن كانت امرأة مع امرأة.
ويندب أن يكون الغاسل ثقة كي يستوفي الغسل، ويستر ما يراه من سوء، ويظهر ما يراه من حسن، فإن رأى ما يعجبه من تهلل وجه الميت وطيب رائحته ونحو ذلك، فإنه يستحب له أن يتحدث به إلى الناس، وإن رأى ما يكرهه من نتن رائحة أو تقطيب وجه أو نحو ذلك لم يجز له أن
⦗ص: 254⦘
يتحدث به. لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (ليغسلّ موتاكم المأمونون)(2) .
وعنه أيضا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (اذكروا محاسن موتاكم عن مساويهم (3) .
(1) ابن ماجة: ج 1/ كتاب الجنائز باب 8/1464.
(2)
الترمذي: ج 3/ كتاب الجنائز باب 34/1019.
مندوبات الغسل:
1-
عدم حضور الغسل أحد إلا الغاسل ومعينه.
2-
وضع الميت على مرتفع حال الغسل لأنه أنقى.
3-
تجريد الميت من ثيابه، لسهولة تنظيفه، عدا العورة (من السرة إلى الركبة) فإنه يجب سترها؛ إلا إذا كان الغاسل زوج الميت أو الميتة فعندها يندب الستر.
4-
عصر بطن الميت حال الغسل برفق لإخراج ما في بطنه من نجاسة لتقليل العفونة، والإكثار من صب الماء حال غسل مخرجيه من تحت السرة بخرقة كثيفة وجوباً يلفها على يده اليسرى.
5-
توضئة الميت بعد إزالة ما عليه من نجاسة وأوساخ وتعهد أسنانه وأنفه بالتنظيف، عند المضمضة والاستنشاق، بواسطة خرقة مبلولة نظيفة وإمالة رأسه إلى صدره برفق لمضمضته.
6-
يندب الإيتار بالغسل إن حصل الإنقاء بأقلّ من السبع حتى السبع فعندها تُطلب النظافة لا الإيتار؛ أي إن نقي من مرتين فقط يندب إضافة غسلة ثالثة، وإن نقي بأربع ندب إضافة غسله خامسة وهكذا إلى السبع، فإن نقي بثمان فلا يندب إضافة غسلة تاسعة. عن أم عطية رضي الله عنها قالت:(دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته. فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك، بماء وسدر. واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور)(3) .
7-
يندب إذابة سدر أو صابون في ماء الغسلة الثانية ودلك الجسد به، ثم يصب عليه الماء النظيف، لحديث أم عطية المتقدم.
8-
يندب إذابة كافور بماء الغسلة الأخيرة ثم يصب على الجسد، ولو كان الميت مُحْرِماً أو امرأة معتدة، لأن الموت يقطع التكليف ولذا يغطى رأس المحرم بالكفن.
9-
يندب تنشيف الجسد جيداً خشية أن لا يبتل الكفن.
10-
يندب وضع الطيب، وأفضلها الكافور، على قطنة وجعلها على منافذ الميت ومواضع سجوده كالجبهة واليدين والرجلين وفي منعطفات جسمه كإبطيه.
11-
يندب ضفر شعر المرأة وإلقاؤه من خلفها، لما روت أم عطية رضي الله عنها قالت:(وجعلنا رأسها ثلاثة قرون)(2) .
12-
يندب اغتسال الغاسل بعد الفراغ من الغسل، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:(من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)(3) .
(1) مسلم: ج 2/كتاب الجنائز باب 12/36.
(2)
مسلم: ج 2/كتاب الجنائز باب 12/36.
(3)
أبو داود: ج 3/ كتاب الجنائز باب 39/3161.
مكروهات الغسل:
1-
يكره تسريح شعر رأس الرجل ولحيته، وقص أظفاره وشعره وشاربه، وإزالة شعر إبطيه وعانته. ويحرم حلق لحيته وشاربه، وإن سقط شيء من ذلك رد إلى الكفن ليدفن معه.
2-
يكره تغسيل الجنب للميت (لا الحائض) .
3-
يكره تغسيل السقط، وهو من لم يستهل صارخاً ولو ولد بعد تمام أمد الحمل.
تكفين الميت:
حكمه: فرض كفاية على المسلمين لكل ميت فرض غسله عليهم.
أقله:
أ- للرجل: ثوب يستر عورته من سرته إلى ركبتيه.
ب- للمرأة: ثوب يستر جميع بدنها.
مندوباته:
1-
عدم تأخير التكفين عن الغسل.
2-
أن يكون بما يلبسه من الثياب عادة للعبادة كصلاة الجمعة لحصول البركة بثياب مشاهد الخير ولو كانت قديمة، إن اتفقت الورثة على ذلك، وكان الميت لم يوص بأقل من ذلك.
3-
أن يكون الكفن أبيض، لما روى أبو المهلب سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم)(1) .
4-
أن يكون الكفن قطناً لأن النبي صلى الله عليه وسلم كّفن فيه.
5-
أن يزاد على التكفين بثوب واحد وأن يكون وتراً:
أ- بالنسبة للرجل:
أفضل الكفن للرجل خمسة:
1-
وزرة (2) : تستره من السرة إلى نصف الساقين، والسروال أفضل.
2-
قميص: يستره من الرقبة إلى القدمين، وله أكمام وأزرار.
3-
عمامه لها عذبة قدر ذراع يُغطى بها وجهه.
4-
لفافتان.
ب- بالنسبة للمرأة:
1-
خمار يُغطى به رأسها وعنقها ويسدل على وجهها.
2-
قميص.
3-
وزرة.
4-
أربع لفافات.
ويندب أن يزاد على كفن الرجل والمرأة قطنة توضع على خرقة بين الفخذين مخافة أن يخرج شيء من أحد السبيلين.
كما يندب تبخير الكفن ووضع طيب داخل كل لفافة من الكفن.
(1) النسائي: ج 4/ص 34.
(2)
معناها الكساء الصغير.
ما يجوز بالكفن:
1-
يجوز التكفين بملبوس نظيف طاهر لم يشهد به مشاهد الخير.
2-
يجوز التكفين بمصبوغ بالزعفران أو الورس (نبات أصفر في اليمن) .
ما يكره بالكفن:
1-
يكره أن يكون الكفن من حرير أو خزٍّ أو نجس إذا أمكن غيره، سواء كان الميت امرأة أو رجلاً.
2-
يكره أن يكون الكفن مصبوغاً بأخضر أو أصفر إذا أمكن غيره، وإلا فلا كراهة.
3-
يكره الاقتصار بالكفن على ثوب واحد، أو زيادة الأكفان على الخمسة بالنسبة للرجل وعلى السبعة بالنسبة للمرأة، لأنه من الإسراف.
نفقة التكفين:
يجب تكفين الميت من ماله الخاص الذي لم يتعلق به حق الغير، كالمرهون عند الدائن، فإن
⦗ص: 257⦘
تعلق به حق الغير كالدين مثلاً يقدّم الدين عليه، فإن لم يكن له مال خاص فيؤخذ ممن تلزمه نفقته في حال حياته، كالوالد على ولده الصغير أو العاجز، والولد على والديه الفقيرين، ويستثنى من ذلك الزوجية، فالزوج غير ملزم بنفقة تجهيز زوجته ولو كان غنياً وكانت هي فقيرة. فإن لم يكن لمن تلزمه نفقته مالٌ للكفن فمن بيت مال المسلمين، فإن لم يكن فعلى المسلمين القادرين.
ومثل نفقة الكفن نفقة الغسل والحمل والدفن.
حمل الميت إلى المقبرة والتشييع:
حكم حمل الميت إلى المقبرة: فرض كفاية كغسله وتكفينه والصلاة عليه.
حكم التشييع: مندوب، لما روى البراء رضي الله عنه في حديث له قال:(أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز)(1) .
(1) البخاري: ج 1/ كتاب الجنائز باب 2/1182.
مندوبات الجنازة:
1-
يندب المشي للمشيعيين في ذهابهم، لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة أبي الدحداح ماشياً ورجع على فرس)(2) .
2-
يندب الإسراع في الجنازة إسراعاً وسطاً بحيث يكون فوق المشي المعتاد وأقل من الهرولة. لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها، وإن يك سوى ذلك، فشر تضعونه عن رقابكم)(2) .
3-
يندب تقدم المشيِّع أمام الجنازة إن كان ماشياً وتأخره عنها إن كان راكباً.
4-
يندب تأخر النساء، ولو كنَّ مشاة، إلى وراء الجنازة ووراء الرجال.
5-
يندب، إن كان الميت أنثى، ستر النعش بقبة من الجريد أو غير ويلقى عليه ثوب أو رداء وذلك لمزيد الستر.
6-
يندب، إن كان الميت صغيراً، حمله على الأيدي لا في النعش.
(1) الترمذي: ج 3/ كتاب الجنائز باب 29/ 1014.
(2)
البخاري: ج ا /كتاب الجنائز باب 50/ 1252.
ما يجوز في الجنازة:
1-
يجوز أن يحمل النعش أربعة أشخاص أو أكثر أو أقل بدون كراهة.
2-
يجوز ستر النعش بحرير إن لم يكن ملوناً.
3-
يجوز للمرأة المسنة أن تتسيِّع [؟؟] الجنازة، أما المرأة الشابة فيجوز لها إن لم يخشى منها الفتنة وكان
⦗ص: 258⦘
الميت ممن يعزُّ عليها كأبيها أو ابنها، وأما من يخشى منها الفتنة فلا يجوز خروجها. لما روت أم عطية رضي الله عنها قالت:(نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا)(1) .
4-
يجوز للمشيعين الجلوس على الأرض قبل وضع الجنازة من على الأعناق
5-
يجوز للمشيعين أن يسبقوا الجنازة إلى المقبرة.
6-
يجوز نقل الميت قبل الدفن وكذا بعده من مكان إلى آخر بشرط أن لا ينفجر حال نقله وأن لا تنتهك حرمته وأن يكون لمصلحته؛ كأن يرجى بركة الموضع المنقول إليه أو ليدفن بين أهله أو لقرب زيارة أهله.
7-
يجوز البكاء بصوت منخفض عند الموت وبعده وبلا قول قبيح. لما روى عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)(2) .
(1) مسلم: ج 2/ كتاب الجنائز باب 11/35.
(2)
البخاري: ج 1/ كتاب الجنائز باب 34/1232.
مكروهات الجنازة:
1-
يكره الصياح خلفها لما فيه من إظهار الجزع وعدم الرضا بالقضاء.
2-
يكره رفع الصوت خلفها ولو بالقراءة أو بالذكر أو طلب الاستغفار لها لمخالفة السلف.
3-
يكره تكبير النعش أو حمل الصغير بنعش لما فيه من التفاخر.
4-
يكره فرش النعش بحرير أو إذخر أو ستره بحرير ملون.
5-
يكره اجتماع النساء للبكاء عليه بصوت منخفض.
6-
يكره اتباع الجنازة بالمباخر والشموع، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال:(لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار)(1) .
7-
يكره أن يقوم الناس عند مرور الجنازة عليهم وهم جلوس، لحديث علي رضي الله عنه قال:(قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قعد)(2) .
8-
يكره حملها بلا وضوء لأنه يؤدي إلى عدم الصلاة عليها.
9-
يكره الركوب للمشيعين في الذهاب ولا بأس به في العودة لانتهاء العبادة، لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه المتقدم (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة أبي الدحداح ماشياً ورجع على فرس) .
10-
يكره الانصراف بلا صلاة عليها ولو بإذن أهلها، أما بعد الصلاة عليها وقبل الدفن فيجوز بعد الإذن من أهلها.
11-
يكره إدخال الميت إلى المسجد، وتكره الصلاة عليه في المسجد والميت خارجه.
(1) أبو داود: ج 3/ كتاب الجنائز باب 46/3171.
(2)
مسلم: ج 2/ كتاب الجنائز باب 25/82.
ما يحرم بالجنازة:
1-
لا يجوز الندب على الميت أي عدّ محاسنه.
2-
لا يجوز صبغ الوجوه، وشق الجيوب، ولطم الخدود للحديث المتقدم (ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) .
3-
لا يجوز اجتماع النساء للبكاء على الميت بصوت عالٍ.
الصلاة على الميت:
حكمها:
1-
فرض كفاية على المسلمين لكل من فُرض غسله عليهم؛ إذا قام به بعضهم سقط عن الآخرين لكن ينفرد بالثواب من قام به منهم.
2-
مكروهة لكل من كُره غسله، كالسقط الذي لم يستهل صارخاً، وكمن فُقد أكثر من ثلثه.
3-
محرمة على المسلمين، إن كان الميت كافراً أو محكوماً بكفره (المرتد) ولو كان صغيراً، أو كان ذمياً.
شروط صحة الصلاة على الميت:
أ- شروط تتعلق بالميت:
1-
أن يكون الميت مسلماً، فتحرم الصلاة على الكافر لقوله تعالى:{ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً} (1) .
2-
أن يكون الميت حاضراً، فلا تجوز على الغائب وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فهي من خصوصياته صلى الله عليه وسلم.
3-
أن يكون الميت طاهراً، فلا تجوز الصلاة عليه قبل الغسل أو التيمم.
4-
أن لا يكون شهيداً، فتحرم الصلاة عليه كحرمة الغسل.
5-
أن يكون الموجود من الميت ثلثيه فأكثر مع الرأس.
⦗ص: 260⦘
(1) التوبة: 84.
ب - شروط تتعلق بالمصلي:
1-
الطهارة.
2-
استقبال القبلة.
3-
ستر العورة.
أركان الصلاة على الميت:
1-
النية: بأن يقصد الصلاة على هذا الميت أو على من حفر من أموات المسلمين. ولا يضر عدم معرفة الميت ذكراً كان أو أنثى، أو إن اعتقد أنه ذكر فكان أنثى أو بالعكس. ولا يشترط استحضار نية الفرضية ولا تعيين الميت، لكن إن عيّنه ثم تبين أنه غيره لم تصح الصلاة.
2-
أربع تكبيرات بما فيها تكبيرة الإحرام لانعقاد الإجماع عليها زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن كان بعضهم يكبر ثلاثاً والبعض أربعاً والبعض خمساً إلى التسع. وتقوم كل تكبيرة مقام ركعة، فإن زاد الإمام على الأربع تكبيرات عمداً أو سهواً أو تأويلاً، فيجب على المؤتمين أن يسلموا ولا ينتظروه بل يكره لهم ذلك، لتصح صلاتهم وصلاته وكذا إن انتظروه. وإن أنقص الإمام من التكبيرات سهواً سبحوا له فإن رجع وأكمل أكملوا معه، وإن لم يرجع كبروا لأنفسهم وسلموا وبطلت الصلاة على الإمام (وقيل: تبطل عليهم أيضاً لبطلانها على إمامهم) . وإن أنقص الإمام التكبيرات عمداً وهو يرى ذلك مذهباً له فلا يتبعه المأمومون بل يكملوا وصحت الصلاة لهم وله. وإن أنقص عمداً دون أن يرى ذلك مذهباً له بطلت صلاته وصلاة المؤتمين لبطلان صلاة الإمام. وإن سلم الإمام من ثلاث تكبيرات عمداً أو سهواً وطال الفصل أعاد الصلاة، وإن لم يطل الفصل بعد السلام سهواً أتى برابعة وأعاد السلام. ومَن سبق بالتكبير، كمن دخل الصلاة ووجد الإمام يدعو، انتظرهم وجوباً حتى يكبروا ولا يكبر قبلهم، ويدعو المسبوق بعد تكبير الكائن بعد سلام الإمام، وإن لم ينتظرهم حتى يكبروا وكبر لم تحسب له هذه التكبيرات وتصح صلاته فإذا سلم الإمام قضى المسبوق ما فاته من التكبير سواء رفعت الجنازة فوراً أم لا.
3-
الدعاء للميت عقب كل تكبيرة بما تيسر، حتى بعد التكبيرة الرابعة على المعتمد، من قبل الإمام والمأمومين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إذاصليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)(1) .
وأقل الدعاء: "اللَّهم أغفر له، اللَّهم ارحمه".
⦗ص: 261⦘
وأحسنه ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا صلى على الجنازة. قال: اللَّهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به. اللَّهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فاغفر له. اللَّهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنَّا بعده)(2) . وأن يكون الدعاء بعد الثناء على اللَّه تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم.
وإن كان الميت امرأة يكون الدعاء: "اللَّهم إنها أمتك وبنت عبدك وبنت أمتك"، ثم يتابع الدعاء بصفة التأنيث.
وإن كان الميت طفلاً ذكراً يكون الدعاء: "اللَّهم إنه عبدك، وابن عبدك، أنت خلقته ورزقته، وأنت أمتّه، وأنت تحييه، اللَّهم اجعله لوالديه سلفاً، وذخراً وفرطاً، وأجراً، وثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، ولا تفتَّنا وإياهما بعده. اللَّهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم، وأبدله داراَ خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وعافِهِ من فتنة القبر وعذاب جهنم".
ويزيد على الدعاء المتقدم بعد التكبيرة الرابعة: "اللَّهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقنا بالإيمان، اللَّهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، لمن توفيته منا فتوفَّه على الإسلام، واغفر للمسلمين والمسلمات".
ويكون الدعاء بصيغة المفرد إن كان ميتاً واحداً، وبصيغة التثنية إن كانا ميتين، وبصيغة الجمع إن كانوا أكثر.
وإن والى التكبيرات بدون دعاء أعاد الصلاة.
4-
تسليمة واحدة بعد التكبيرة الرابعة، سواء كان إماماً أو مأموماً. ويجهر بها الإمام بحيث يسمع من يليه، ويسرُّ بها المأموم. روى البيهقي عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنهما قال:(أرى ثلاث خلال كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعلهن، تركهن الناس: إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة)(2) .
5-
القيام للقادر عليه، فإن صلى قاعداً بغير عذر لم تصح الصلاة.
(1) أبو داود: ج 3 /كتاب الجنائز باب 60/3199.
(2)
مجمع الزوائد: ج 3 /ص 33.
(3)
البيهقي: ج 4 /ص 43.
مندوبات صلاة الجنازة:
1-
رفع اليدين حذو المنكبين عند التكبيرة الأولى فقط.
2-
حمد اللَّه تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم عقب كل تكبيرة وقبل الشروع في الدعاء، بأن يقول:"الحمد للَّه الذي أمات وأحيا، الحمد للَّه الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. اللَّهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد".
3-
الإسرار في الدعاء للإمام والمؤتمين.
4-
الجهر في التكبير والسلام للإمام بحيث يسمع من خلفه، والإسرار بهما للمؤتم.
5-
الالتفات على اليمين بالسلام.
6-
وضع الميت أمام القوم، ويقف الإمام مقابل وسط الميت، إن كان ذكراً، وحذو المنكبين، إن كانت أنثى أو خنثى، جاعلاً رأس الميت، رجلاً كان أو امرأة - عن يمينه؛ إلا في الروضة الشريفة فيجعل رأس الميت على يسار الإمام تجاه رأس النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لزمه قلة الأدب. وتجوز الصلاة على الميت المحمول على أيدي الناس أو وأعناقهم أو على الدابة.
7-
يندب تكرار الصلاة على الجنازة إن وقعت أولاً من فذ ولو تعدد الأشخاص إن لم يدفن. مكروهات صلاة الجنازة:
1-
تكره قراءة الفاتحة في الصلاة على الميت.
2-
يكره تكرار الصلاة إن وقعت أولاً جماعة بإمام.
3-
تكره الصلاة على الميت في المسجد وإن كان الميت خارج المسجد.
4-
تكره صلاة فاضل بعلم أو عمل أو إمام على بدْعي ردعاً لمن هو مثله، أو على مظهر كبيرة كزنا وشرب خمر، أو على من حدّه القتل.
أولى الناس بالصلاة على الميت:
1-
من أوصى الميت بالصلاة عليه، إن كان الإيصاء لبركة الموصى له وإلا فلا.
2-
فإن لم يوص فالخليفة، وهو الإمام الأعظم لا نائبه بالحكم.
3-
فإن لم يوجد فأقرب عصبة (يقدّم الابن ثم ابنه ثم الأب ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم الجد ثم العم ثم ابن العم) فإن تعددت العصبة المتساوون في القرب من الميت قدّم الأفضل منهم لزيادة فقه أو حديث أو نحو ذلك.
4-
فإن لم تكن هناك عصبة فالأجانب سواء، إلا أن يقدم الأفضل منهم كما في صلاة الجماعة. 5- عند عدم وجود الرجال تصلي النساء دفعة أفذاذاً.
⦗ص: 263⦘
دفن الميت:
الدفن هو وضع الميت في حفرة في جوف الأرض، ولا يجوز وضعه على سطح الأرض والبناء عليه.
حكمه: فرض كفاية إن أمكن، أما إن لم يمكن، كأن مات في سفينة بعيدة عن الشاطئ وتعسر أن ترسو على مكان قريب يمكن دفنه فيه قبل تغير رائحته، فإنه يغسل ويُصلى عليه ثم يُلقى في الماء مستقبل القبلة على الشق الأيمن غير مثقل، ومن ثم يجب على من يجده بعد ذلك أن يدفنه. وكذا ميت البحر الغريق فيه.
أقل الدفن:
أن يكون في حفرة في جوف الأرض، أقل عمقها: أن تمنع ظهور الرائحة ونبش السباع، وطولها وعرضها: ما يسع الميت ومن يتولى دفنه.
أما بالنسبة للسقط الذي لم يستهل صارخاً فيجب لفه بخرقة ومواراته في التراب.
مندوبات الدفن:
1-
يندب وضع الميت في قبره على شقه الأيمن مستقبل القبلة، وأن توضع يده اليمنى على جسده، وأن يقول القائم بوضعه:"بسم اللَّه وعلى ملة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. اللَّهم تقبله بأحسن قبول".
2-
يندب أن يسند رأسه ورجلاه بشيء من التراب أو اللبن.
3-
يندب اللحد في الأرض الصلبة (وهو أن يحفر حفرة أسفل القبر من جهة القبلة) لما روي أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال في مرضه الذي هلك فيه: (الحدوا لي لحداً، وَانْصِبُوا عليَّ اللبن نصباً، كما صنع برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (1) .
ويندب الشق في الأرض الرخوة (وهو أن يحفر حفرة في وسط القبر وأسفله كالنهر ثم يبنى جانباه بالِلْبن ويسقف بعد وضع الميت) .
4-
يندب سد اللحد بِلبْنٍ، فإن لم يوجد فبلوح، فإن لم يكن فبآجر، وإلا فبأي شيء آخر.
5-
يندب أن يحثو من كان قريباً من القبر من المشيعين ثلاث حثيات من التراب بكلتا يديه في القبر من قبل رأس الميت. لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً)(2) .
6-
يندب رفع القبر بمقدار شبر عن الأرض وأن يكون سطحه مسنماً (وقيل مسطحاً) .
⦗ص: 264⦘
(1) مسلم: ج 2/ كتاب الجنائز باب 29/90.
(2)
ابن ماجة: ج 1/ كتاب الجنائز باب 44/1565.
مكروهات الدفن:
1-
تكره الزيادة في عمق الحفرة على أكثر مما يمنع ظهور الرائحة أو نبش السباع.
2-
يكره طلاء القبر بالجبس أو الجير أو غير ذلك.
3-
يكره وضع أحجار أو خشب أو نحو ذلك على القبر، إلا إذا خيف ذهاب معالم القبر فيجوز وضع ذلك للتمييز. لما روي عن المطلب قال: (لما مات عثمان بن مظعون أُخرج بجنازته فدفن فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه
…
وقال: أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي) (1) .
4-
تكره كتابة اسم الميت وتاريخ موته على القبر، لما روى جابر رضي الله عنه قال:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ)(2) .
5-
يكره بناء بيت، أو قبة، أو مدرسة، أو مسجد على القبر، أو بناء جدران تحيط به إذا لم يقصد منها التفاخر أو الزينة، وإلا حرمت. ولا فرق في ذلك بين عالم وغيره.
6-
يكره جمع أموات في قبر واحد لغير ضرورة في وقت واحد.
7-
يكره فرش القبر بثوب، أو وضع مخدة تحت رأس الميت. لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال:(إذا أنزلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض)(3)، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:(لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئاً)(4) .
8-
يكره المشي على القبر إن كان مسنماً والطريق دونه ولم يزل فيه أجزاء من الميت.
(1) أبو داود: ج 3/ كتاب الجنائز باب 63/3206.
(2)
الترمذي: ج 3/ كتاب الجنائز باب 58/1052.
(3)
المجموع: ج 5 /254.
(4)
المجموع: ج 5 /254.
المحرمات في الدفن:
1-
يحرم كتابة شيء من القرآن على القبر.
2-
يحرم وضع الأحجار أو الخشب أو نحو ذلك على القبر بقصد التفاخر والمباهاة.
3-
يحرم التبول والتغوط على القبر.
4-
يحرم نبش القبر ما دام يُظن بقاء شيء من عظام الميت، أما نبشه بعد الدفن قبل أن يطول الفصل لإخراج مال ذي قيمة دفن معه فلا مانع بشرط أن يكون الميت غير متغير والمال لم يتلف بعد، أما إذا ظن تلف المال المدفون أو تغير الميت فيحرم نبش القبر.
5-
يحرم جمع أموات لغير ضرورة في قبر واحد في أوقات مختلفة.
6-
يحرم دفن مشركة أو كتابية حملت من مسلم في مقابر المسلمين، وإنما تدفن في مقابرها. ولا يستقبل بها قبلتنا ولا قبلتهم.
ما يجوز في الدفن:
1-
يجوز جمع أموات في قبر واحد لضرورة كضيق مكان، ولو كانوا ذكوراً وإناثاً أجانب يحرم بعضهم على بعض، سواء دفنوا في أوقات مختلفة أو في وقت واحد، ويجعل أفضلهم مما يلي القبلة، ويقدّم الذكر على الأنثى والحر على العبد والكبير على الصغير، لكن يندب أن يفصل بين كل اثنين بتراب. روي عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة.
وأمر بدفنهم بدمائه ولم يصلِّ عليهم، ولم يغسلهم) (1) .
2-
يجوز نبش القبر للدفن فيه إذا بَلي الميت كما يجوز المشي عليه، أما زرعه أو البناء عليه فلا يجوز.
3-
يجوز القعود والنوم على القبر.
(1) البخاري: ج 1 / كتاب الجنائز باب 74/1282.
التعزية بموت المسلم (1) :
التعزية هي حمل آل الميت على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب؛ كأن يقول "عظَّم اللَّه أجركم وأحسن عزاءكم وغفر لميتكم".
(1) أما إذا كان الميت كافراً فلا يُعذب ابنه المسلم به على قول الإِمام مالك.
حكمها: تعزية صاحب المصيبة مندوبة. والأولى أن تعم التعزية جميع أقارب الميت رجالاً ونساء كباراً وصغاراً، إلا المرأة الشابة فإنه لا يعزيها إلا محارمها دفعاً للفتنة. وكذا الصغير الذي لا يميز فإنه لا يُعزى. روى ابن مسعود رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عزى مصاباً فله مثل أجره) (1) .
(1) البيهقي: ج 4 /ص 95.
وقتها: من حين الموت إلى ثلاثة أيام، والأوْلى أن تكون بعد الدفن وفي بيت المصاب، وأما كونها عند القبر بعد تسوية التراب خلاف الأفضل. وتكره بعد ثلاثة أيام إلا إذا كان المعزّي أو المعزى غائباً.
ويندب تهيئة طعام لأهل الميت لكونهم حلَّ بهم ما يشغلهم، لحديث عبد اللَّه بن جعفر رضي
⦗ص: 266⦘
اللَّه عنهما قال:
لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعاماً فإنه قد جاءكم ما يشغلهم)(1) ، ويلح عليهم بالأكل لأن الحزن قد يمنعهم منه.
وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة، وإن كان في الورثة قاصر حرم إعداد الطعام وتقديمه.
(1) الترمذي: ج 3/ كتاب الجنائز باب 21/998.
زيارة القبور:
حكمها:
1-
مندوبة للرجال والنساء اللواتي لا يخشى منهن الفتنة وبشرط أن لا تؤدي زيارتهن إلى الندب والنياحة، لما روى بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)(1) .
2-
محرمة على النساء الشابات اللواتي يخشى منهن الفتنة، أو النساء اللواتي يخشى منهن الندب والنياحة.
الحكمة منها: الاتعاظ والتذكير بالآخرة والدعاء للميت. لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى
…
وقال: فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) (2)، وما رواه بريدة رضي الله عنه قال:(كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر. فكان قائلهم يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين. وإنا إن شاء اللَّه به للاحقون أسأل اللَّه لنا ولكم العافية)(3) .
⦗ص: 267⦘
(1) مسلم: ج 3/ كتاب الجنائز باب 36/106.
(2)
مسلم: ج 3/ كتاب الجنائز باب 36/108.
(3)
مسلم: ج 3/ كتاب الجنائز باب 35/104.