الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: أركان الحج والعمرة
تعريف الركن:
هو ما لا بد فعله ولا يجزئ عنه دم ولا غيره.
أولاً- أركان الحج:
أركان الحج أربعة هي:
1-
الإحرام.
2-
السعي بين الصفا والمروة.
3-
الحضور بعرفة ليلة النحر.
4-
طواف الإفاضة.
فمنها ما يفوت الحج بتركه ولا يؤمر بشيء وهو الإحرام، ومنها ما يفوت الحج بفواته ويؤمر بالتحلل بعمرة وبالقضاء في العام المقبل وهو الوقوف بعرفة، ومنها مالا يفوت الحج بفواته ولا يتحلل من الإحرام ولو وصل إلى أقصى المشرق بل لا بد من الرجوع إلى مكة ليفعله وهو طواف الإفاضة والسعي.
الركن الأول- الإحرام
هو نية الدخول في حرمات الحج أو العمرة أو هما معاً مع التلبية والتجرد من المحيط، فلا ينعقد بمجرد النية، والراجح: هو النية فقط، لحديث "إنما الأعمال بالنية"(1) ، وأما التلبية والتجرد فكل منهما واجب يُجبر بدم إذا ترك.
⦗ص: 340⦘
وإذا لم يعيِّن النسك بل قال: نويت الإِحرام للَّه تعالى فينعقد النسك ولكن لابد من بيانه قبل البدء بأي عمل، ويندب في هذه الحالة أن يعينه حجاً أو قراناً إن كان أحرم في شهر الحج لأنه أحوط لاشتماله على النسكين، أما إن كان أحرم قبل أشهر الحج فيندب له أن يصرفه إلى عمرة. وإذا نسي ما نوى عند إحرامه صرفه إلى قران (أي اعتبر نفسه أنه ناوياً القران) وينوي الحج وجوباً أي يحدث نية الحج وجوباً ويعمل القارن (اختياطاً) ويهدي له، لأنه إن كان ناوياً في النية الأولى حجاً فتكون نيته الجديدة للحج تكيد للنية الأولى، وإن كانت النية الأولى عمرة فيكون بنيته الجديدة للحج قد أردف الحج على العمرة فيصبح قارناً، وإن كان ناوياً القران لم يضره تجديد نية الحج. وعندئذ تبرأ ذمته من الحج فقط لا من العمرة لاحتمال أن يكون نوى الحج أولاً.
وإذا شك هل نوى عمرة أم حجاً، فإنه ينوي الحج وتبرأ ذمته منه فقط، ثم يأتي بعمرة، لأنه إن كانت نيته الأولى حجاً فالثانية تأكيد للأولى، وإن كانت الأولى عمرة فالنية الثانية للحج أقوى تلغي العمرة.
ولا يصح أن يغير نيته من حج إلى عمرة، ولا من عمرة إلى حج، ولا أن يصير المفرد قارناً (أي لا يصح إدخال العمرة على الحج) لكن المعتمر يمكن أن يصير قارناً (أي إدخال الحج على العمرة) بشرط أن ينوي القران قبل البدء بطواف العمرة.
وإذا تلفظ بالإحرام فخالف لفظه قصده بالنية، فالعبرة بالقصد لا باللفظ، والأَوْلى ترك التلفظ.
وإذا نوى رفض نيته بعد أن أحرم بالنسك فهو باقٍ على إحرامه ولا يضر الرفض، بخلاف الصلاة والصوم فإن نية الرفض فيهما مبطلة للعبادة.
(1) مسلم: ج 1/ كتاب الإمارة باب 45/155.
وقت الإحرام ومكانه:
للإحرام ميقاتان: زماني ومكاني. والميقات هو موضع الإحرام وزمانه.
الميقات الزماني للإحرام بالحج: يبدأ من أول ليلة شوال إلى ما قبل طلوع فجر يوم النحر بمدة تسع الإحرام والوقوف بعرفة ولو لحظة.
ويكره الإحرام بالحج قبل أول شوال ولكنه ينعقد، أما الإحرام بعد فجر يوم النحر فينعقد إحرامه للعام القادم. والدليل قوله عز وجل:{الحج أشهر معلومات} (1) .
الميقات الزماني للإحرام بعمرة: يصح الإحرام بالعمرة في كل أيام السنة بما فيها يوم عرفة وأيام التشريق، أو بعد الانتهاء من رمي الجمرات في اليوم الثالث من أيام التشريق إن لم يتعجل،
⦗ص: 341⦘
وبقدر رميها من اليوم الثالث بعد الزوال إن تعجل بالنسبة للمحرم بحج، فإن أحرم بعمرة قبل الانتهاء من أعمال العمرة الأولى أو قبل الانتهاء من رمي جمرات اليوم الثالث فلا ينعقد إحرامه. أما الإحرام بعمرة في الثالث من أيام التشريق قبل الغروب فيصح مع الكراهة لكن أفعال العمرة (الطواف والسعي) لا تصح إلا بعد الغروب، فإن فعلها قبل الغروب لا يعتد بفعله وعليه إعادتها بعد الغروب، وإلا فهو باقٍ على إحرامه أبداً، وإن كان تحلل قبل الغروب أفسد عمرته فيتمها وجوباً ويقضيها ويهدي.
2-
الميقات المكاني:
آ- للإحرام بالحج:
1-
الميقات المكاني لأهل مكة أو لمن هو مقيم بها أو بمنى أو مزدلفة هو مكة. ويندب للمكي أن يحرم من المسجد الحرام ثم يلبي هناك وهو جالس في مكان مصلاه، كما يندب للآفاقي المقيم بمكة أن يخرج إلى ميقات أهل بلده المكاني ويحرم منه، فإن لم يخرج فلا شيء عليه.
2-
لغير أهل مكة (الآفاقي) :
1-
ذو الحُلَيفة لأهل المدينة ولمن يأتي عن طريقها.
2-
الجُحفة (رابغ اليوم) لأهل مصر والشام والمغرب والسودان، وهي على بعد خمس مراحل من مكة.
3-
يَلملم لأهل اليمن والهند.
4-
قَرن لأهل نجد.
5-
ذات عِرْق لأهل العراق وخراسان ونحوهما كفارس والمشرق.
وكل من مرّ بميقات من هذه المواقيت أو حاذاه وجب عليه الإحرام منه، سواء مرّ عليه بحراً أو جواً، فإن جاوزه بغير إحرام حرم عليه ذلك ولزمه دم، إلا إذا كان الميقات جهته أمامه ويمر عليه فيما بعد، فإنه يندب له الإحرام من أول ميقات.
3-
لمن كان مسكنه بين مكة والميقات: أحرم من مسكنه.
ودليل تحديد المواقيت حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم وقتّ لأهل المدينة ذا الحُلَيْفَة، ولأهل الشام الجُحْفَة، ولأهل نجد قَرْن المنازل، ولأهل
⦗ص: 342⦘
اليمن يَلَمْلَم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) (1) .
وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق)(2) .
ب- الميقات المكاني للإحرام بعمرة:
1-
لأهل مكة ولمن هو مقيم بها: أرض الحِلّ (خارج مكة) ، فإن لم يخرج للحل وطاف وسعى أعاد طوافه وسعيه بعد خروجه للحل لفسادهما، ولا فدية عليه إذا لم يكن حلق فبل خروجه.
وأولى الأمكنة في العمرة أن يحرم المعتمر من الجعرانة، وهي مكان بين مكة والطائف، وإلا فمن التنعيم، وهي مساجد السيدة عائشة رضي الله عنها، وإنما كانت الجعرانة أفضل من التنعيم لأنها أكثر بعداً عن مكة. روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث له قال:(فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة)(3) .
2-
لغير أهل مكة: هو نفس مقات الحج.
(1) البخاري: ج 2/ كتاب الحج باب 7/1452.
(2)
أبو داود: ج 2/ كتاب المناسك باب 9/1739.
(3)
البخاري: ج 2/ العمرة باب 6/1693.
حكم الإِحرام لمن اجتاز الميقات:
1-
لا يجب الإحرام على من اجتاز الميقات في إحدى الحالات التالية:
آ- إذا مر بالميقات وهو غير قاصد مكة ولو كان ممن يخاطب بالحج.
ب- إذا مر بالميقات وهو قاصد مكة ولكن كان غير مخاطب بالإحرام كالعبد والصبي.
جـ- إذا مر بالميقات وهو قاصد مكة بمقدار التردد، كالمتردد عليها لبيع الفواكه والحطب.
د- إذا عاد إلى مكة بعد أن خرج منها من مكان قريب دون مسافة القصر ولم يمكث فيه كثيراً.
2-
يجب الإحرام على من اجتاز الميقات في إحدى الحالات التالية:
آ- إذا كان قاصداً مكة للنسك وكان ممن يخاطب بالإحرام.
ب- إذا كان قاصداً مكة للتجارة أو للزيارة وكان ممن يخاطب بالإحرام.
جـ- إذا كان مكياً سافر مسافة القصر ثم عاد من سفره إلى مكة ولم يكن من المترددين.
⦗ص: 343⦘
ما يترتب على من اجتاز الميقات بغير إحرام لمن هو واجب عليه:
1-
إذا تعدى مريد النسك الميقات بغير إحرام وجب عليه الرجوع إلى الميقات للإحرام منه، فإن رجع وأحرم فليس عليه دم، وإن لم يرجع أثم وعليه دم إلا إذا كان معذوراً كخوف فوات الحج أو رفقة أو خوف على نفسه أو ماله أو عدم قدرة على الرجوع لمرض مثلاً، فعندها لا يجب عليه الرجوع إلى الميقات وعليه دم لتعديه بغير إحرام، ولا ينفعه الرجوع بعده فأولى إذا لم يرجع.
2-
إذا اجتاز من يريد مكة لا للنسك الميقات بلا إحرام أثم ولا دم عليه، وإن أراد الإحرام بعد اجتياز الميقات أحرم ولم يلزمه الرجوع.
واجبات الإحرام:
1-
الإحرام من الميقات (كما سبق ذكره) .
2-
التلبية: ويجب وصلها بالإحرام، فمن تركها أو فصل بينها وبين الإحرام بفاصل طويل وجب عليه دم ولو أتى بها بعد الفاصل الطويل. أما الفاصل اليسير فلا يضر لكنه خلاف السنة حيث أنه يسن وصل التلبية بالإحرام حقيقة. لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال:(أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة)(1) .
3-
التجرد من لبس محيط، وكشف الرأس، بالنسبة للذكر (سيَرد في محرمات الإحرام) .
(1) البخاري: ج 2/ كتاب الحج باب 28/1477.
سنن الإحرام:
1-
الغسل قبل الإحرام، ولو لحائض أو نفساء. ولا تحصل السنة إلا إذا كان الغسل متصلاً بالإحرام، ولا يضر الفاصل اليسير بين الغسل والإحرام بمقدار شد الرحال وإصلاح الحال، أما إن فصل بينهما بفاصل طويل كأن اغتسل بالغدو وأحرم ظهراً فلا يجزئه الغسل، وقيل يحصل على سنة الغسل وتفوته سنة وصل الغسل بالإحرام. والدليل ما روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل)(1)، وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس لما ولدت:"اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي"(2) .
ولا يشرع التيمم بدل الغسل لمن فقد الماء.
2-
يسن للرجل لبس إزار (3) ورداء (4) ، ولو لبس غيرهما مما ليس مخيطاً ولا محيطاً كأن يلتحف برداء أو كساء أجزأه وخالف السنة. ونعلين في رجليه، لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين"(5) .
3-
يسن تقليد الهدي لمن كان معه (إن كان مما يقلد وهو الإبل والبقر) ثم إشعاره إن كان مما يشعر وهو الإبل وما له سنام من البقر (أما الغنم فلا تقلد ولا تشعر) .
والتقليد هو تعليق قلادة (6) في العنق، والإشعار هو أن يشق من السنام قدر الأنملة أو الأنملتين، ويكون بالجانب الأيسر، ويبدأ به من العنق إلى المؤخر.
والدليل ما روي عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة، قلَّد النبي صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعر، وأحرم بالعمرة)(7) .
4-
يسن إيقاع الإحرام بعد صلاة ركعتين للإحرام في غير وقت الكراهة. وتجزئ صلاة الفريضة عنهما.
5-
يسن وصل التلبية بالإحرام حقيقة أي بدون فاصل يسير.
(1) الترمذي: ج 3 /كتاب الحج باب 16/830.
(2)
مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 19/147.
(3)
ما يستر العورة من السرة إلى الركبة.
(4)
ما يلقى على الكتفين.
(5)
مسند الإمام أحمد: ج 2 /ص 34.
(6)
قلادة: جلادة.
(7)
البخاري ج 2 /كتاب الحج باب 105/1608.
مندوبات الإحرام:
1-
يندب لمريد الإحرام إزالة شعثه قبل الغسل وذلك بقص الأظافر والشارب، وحلق العانة، ونتف شعر الإبط، وترجيل شعر الرأس أو حلقة لما روى سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: "سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً) (1) .
2-
يندب الغسل في المدينة المنورة لمن أراد الإحرام من ذي الحليفة، وذلك استثناء من سنية وصل الغسل بالإحرام، لما ورد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اغتسل بالمدينة وتجرد من ثيابه ولبس ثوبي إحرامه ولما وصل لذي الحليفة ركع ركعتي الإحرام وأهل.
3-
يندب أن يحرم الراكب إذا استوى على ظهر راحلته، والماشي إذا شرع في المشي، للحديث
⦗ص: 345⦘
المتقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة)(2) .
4-
يندب الاقتصار على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم وهي: (لبيك اللَّهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك)(3) .
5-
يندب التوسط في رفع الصوت بالتلبية فلا يخفته جداً ولا يرفعه جداً بل بين ذلك.
6-
يندب التوسط في التلبية فلا يدأب عليها حتى لا يمل ويضجر.
7-
يندب تجديد التلبية عند تغير الحال؛ كقيام وقعود، وصعود وهبوط، واستيقاظ من نوم أو غفلة، وبعد صلاة فرض أو نفل، وعند ملاقاة رفقة، وغير ذلك أي تكوني شعار الحجاج فهي تغني عن التحية.
ويستمر في التلبية حتى يدخل مكة فيقطعها حتى يطوف ويسعى إذا أراد السعي عقب طواف القدوم، ثم يعادوها بعد ذلك حتى زوال الشمس يوم عرفة ووصوله إلى مصلاها فيقطعها عندئذ؛ فإن لم يعادوها كان تاركاًً للواجب وعليه دم. أي غاية التلبية مقيدة بقيدين: الوصول إلى مسجد نَمِرَة، وكونه بعد الزوال من يوم عرفة؛ فإن وصل قبل الزوال لبّى حتى يصلي الظهر والعصر جمع تقديم في يومها، وبعد الصلاة يقطع التلبية ويتوجه بالتضرع مبتهلاً بالدعاء وجلاً خائفاً من اللَّه راجياً القبول.
هذا لمن أحرم بالحج من خارج مكة، أما من أحرم به من مكة فيلبي بالمسجد الحرام في مكانه الذي أحرم منه، ويستمر بالتلبية حتى الرواح إلى مصلى عرفة بعد الزوال. وأما من أحرم من الميقات بعمرة أو حج ولكن فاته بحصر أو مرض فتحلل منه بعمرة، فإنه يلبي حتى إلى الحرم (مكة) ، ويلبي المعتمر (دون الميقات) من الجعرنة أو التنعيم حتى يصل إلى بيوت مكة، لأن المسافة قصيرة.
(1) البخاري: ج 2/ كتاب الحج باب 18 / 1466.
(2)
البخاري: ج 2/ الحج باب 28 / 1477.
(3)
مسلم: ج 2/ كتاب الحج باب 19 / 147. ومعنى لبيك: أجبتك إجابة بعد إجابة، أي أجبتك الآن كما أجبتك حين أذن إبراهيم بالحج في الناس، وكما أجبتك أولاً حين خاطبت الأرواح بـ (ألست بربكم) . وقيل: معناها أجبتك إجابة بعد إجابة في جميع أمرك وكل خطاباتك.
مُحرمات الإحرام بحج أو عمرة
أولاً- فيما يتعلق باللباس:
آ- بالنسبة للمرأة ولو كانت أمة أو صغيرة يحرم عليها ما يلي:
1-
لبس محيط بكف أو إصبع من أصابع اليد كقفاز أو كيس إلا الخاتم فلا مانع، أما لو
⦗ص: 346⦘
أدخلت يدها في كمها أو قناعها فلا شيء عليها، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"(1) .
2-
ستر وجهها كله أو بعضه ولو لحر أو برد أو غير ذلك، أما إذا أرادت ستر وجهها كله أو بعضه عن أعين الرجال جاز لها ذلك، وإن علمت أو ظنت الفتنة بها وجب عليها الستر، وفي كلتا الحالتين، إن خشيت الفتنة أم لا، يشترط في الساتر أن يكون بلا غرزٍ بإبرة أو نحوها. ولا ربط لها برأسها كالبرقع، بل المطلوب سدله على رأسها ووجهها، أو تجعله كاللثام وتلقي طرفيه على رأسها، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذَوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه)(2) .
فإن لبست المرأة محيطاً بيدها أو إصبعها، أو سترت وجهها كله أو بعضه لغير قصد التستر عن أعين الرجال، أو غرزت أو ربطت ما أسدلته على وجهها، فليذمها الفدية إن طال الزمن أما إن لم يطل فلا شيء عليها.
(1) البخاري: ج 2 /الإحصار وجزاء الصيد باب 24/1741.
ب- بالنسبة للذكر ولو كان صغيراً (يخاطب وليه بمنعه) يحرم عليه ما يلي:
1-
لبس محيط بأي عضو من أعضائه، سواء كان محيطاً بخياطة، أو بنسج كدرع الحديد (فإن العرب تسميه نسجاً) أو لبد، أو بصياغة كخاتم أو سوار، أو بعقد، أو بزر.
ويستثنى من لبس المحيط ما يلي:
1-
لبس الجورب والخف ونحوهما في حال فقد النعل أو غلاء ثمنه غلاءً فاحشاً زائداً على ثلث قيمته عادة، وفي هذه الحالة ليس عليه فدية بشرط أن يقطع أسفله من الكعب، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما (أن رجلاً قال: يا رسول اللَّه ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسّه الزعفران أو الورس) (3) .
2-
الاحترام بثوب أو غيره من حبل أو خيط وبغير عقد لأجل العمل، فإذا فرغ من عمله وجب نزعه وإلا فعليه فدية.
3-
شد منطقة (3) لو ضع نفقته أو نفقت عياله (لا لوضع نفقة غيره أو لتجارة) على جلد تحت إزاره. ويكره شد نفقته وهو محرم على عضده أو فخذه.
2-
يحرم عليه لبس محيط لبساً معتاداً كالقميص والسراويل والجبة (4) فإن وضع الجبة على أكتافه ولو لم يدخل يديه بالكمين حرم لأنه لبس معتاد، أما لو وضع أسفلها على كتفيه أو لف بها وسطه كالمئزر فلا شيء عليه. والأصل في ذلك الأخبار الصحيحة التي وردت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كالحديث المتقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ويجوز للمحرم إبدال ثوبه الذي أحرم به وبيعه أو غسله لنجاسة.
3-
يحرم عليه ستر وجهه ورأسه بأي شيء يعد ساتراً بالعرف، كأن يضع قطناً في أذنيه أو قرطاساً على صدغيه فإن فعل فعليه فدية. لكن يجوز له أن يضع خده على وسادة، ويجوز له أن يستظل ببناء كحائط أو سقيفة أو خيمة أو شجرة أو محارة (محمل) ، ويجوز له أن يتقي مطراً بشيء مرتفع عن رأسه كثوب، أو أن يحمل على رأسه حشيشاً أو قفة لحاجة تتعلق به أو بدابته أو لفقر فيحمل شيئاً لغيره بأجرة لمعاشه. والدليل على جواز ذلك ما روت أم الحصين رضي الله عنها قالت:(حججت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة)(5) .
(1) أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 34/1833.
(2)
البخاري: ج 2 /كتاب الحج باب 20/1468.
(3)
حزام يجعل كالكيس.
(4)
ويقال لها قباء أيضاً.
(5)
مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 51/312.
ثانياً- فيما يتعلق بالبدن:
1-
يحرم دهن شعر الرأس أو اللحية.
2-
يحرم دهن الجسد كله أو بعضه لغير علة ولو بغير طيب، أما إن كان لعلة فحرمة إلا أنه يستوجب الفدية إذا كان الدهن بمطيب، وإذا كان الدهن بغير مطيب فهناك قولان:
الأول: إن كان مكان العلة في باطن الكفين أو القدمين فلا فدية، والثاني: إن كانت العلة في باقي البدن (عدا باطن الكفين والقدمين) ففيه فدية.
3-
يجرم إزالة ظفر لغير عذر، أو شعر من ثائر جسده بحلق أو قص أو نتف. أما إن سقط من نفسه بسبب وضوء أو غسل، ولو كانا مندوبين، أو بسبب ركوب فلا شيء عليه. ويجوز للمحرم تقليم ظفر انكسر وكذا الاثنين والثلاثة بشرط أن يقتصر على تقليم ما يزول به الضرر لا لإماطة الأذى فإنه لا يجوز.
4-
يحرم إزالة الوسخ من على البدن، إلا إزالة الوسخ من تحت الأظافر أو من على اليدين كغسل يديه بمزيل للوسخ مثل الشنان فلا يحرم.
ويجوز شق دمل وحك وفصد وحجامة إن لم يعصبه، فإن عصبه ولو لضرورة فعليه فدية واحدة ولو تعددت مواقع العصب.
5-
يحرم مس طيب كورس وزعفران ومسك وعطر في ثوبه أو بدنه أو بأي عضو من أعضائه ولو ذهب ريحه (ذهاب الريح مسقط للفدية) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم (ولا تلبس من الثياب شيئاً مسّه الزعفران أو الورث) .
وكذا إن وضع الطيب في طعام أو كحل فهو حرام، إلا إذا وضع في الطعام وطبخ حتى استهلك وذهب عينه ولم يبق إلا لونه أو ريحه فلا حرمة فيه ولا فدية. وكذا إن حمل قارورة فيها طيب وقد سدت سداً محكماً فلا مانع. وإذا أصابه الطيب من إلقاء الريح فلا شيء عليه ولو كثر، إلا أنه يجب عليه نزعه أو إلقاء الثوب الذي وقع عليه الطيب أو غسل بدنه الذي أصابه الطيب قل أم كثر، فإن تراخى في نزعه فعليه فدية. وكذا إذا أصابه من خلوق الكعبة الذي يلقى عليها فيخير في نزع يسيره، أما كثيرة فيجب نزعه.
6-
يحرم الجماع ومقدماته كالقبلة والمباشرة ولو علم السلامة من نزول المني أو المذي، لقوله تعالى:{فلا رفث ولا فسوق ولا جدال (1) في الحج} (2) .
7-
يحرم الاستمناء وإن كان بسبب إدامة للنظر أو للفكر، أما إذا أمنى لمجرد النظر أو الفكر فلا حرمة بخلاف الإنزال بغيرهما فلا يشترط فيه الإدامة.
يحرم على المحرم عقد النكاح، ويقع باطلاً إن عقد، لما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْكحُ المحرم ولا يُنكح ولا يخطب"(3) .
9-
يحرم الخروج من طاعة اللَّه تعالى بأي فعل محرم، وإن كان ذلك محرماً في غير الحج إلا أنه يتأكد فيه.
10-
تحرم المخاصمة مع الرفقاء والخدم لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} .
ثالثاً- فيما يتعلق بالصيد:
(1) الرفث: الجماع ودواعيه، والجدال: المخاصمة.
(2)
البقرة: 197.
(3)
مسلم: ج 2 /كتاب النكاح باب 5/41.
يحرم التعرض في الحرم (1) للحيوان البري الوحشي كلّه أو بعضه كذنبه أو أذنه أو ريشه أو بيضه، وإن تأنث كالغزال أو الطيور التي تألف البيوت والناس، وسواء كان ممن يؤكل لحمه أم لا كالقرد والخنزير، وسواء بقتل أو بصيد أو ذبح أو إشارة إليه إن كان مرئياًً أو الدلالة عليه إن كان غير مرئي في الحرم مطلقاً، سواء كان مُحْرٍماً أم لا وفي كل السنة. أما خارج الحرم فيحرم إن كان مُحْرِماً فقط. بدليل ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة
…
"إن هذا البلد حرّمه اللَّه يوم خلق السماوات والأرض. فهو حرام بحرم اللَّه إلى يوم القيامة. وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة. لا يًعضد شوكه. ولا ينفر صيده. ولا يلتقط إلى من عرَّفها. ولا يختلى خَلاها"(2) .
ويقصد بالحيوان البري ما كان توالده وتناسله في البر وإن كان يعيش في الماء، ويدخل بذلك الضفدع والسلحفاة البريان وطير الماء.
وإن كان الحيوان البري مملوكاً لأحد زال ملكه عنه بالحرم وبالإحرام، فيرسله وجوباً إن كان معه حال إحرامه أو دخوله الحرم وإذا أرسله زال عنه ملكه حالاً ومآلاً، أما إن كان حين الإحرام ببيت فلا يزول ملكه عنه ولا يرسله ولو أحرم من البيت. ولا يستحب تملك الحيوان البري ولا يجوز قبوله بهبة أو غيرها.
وخرج بقولنا الحيوان البري البحري فلا يحرم لا في الحرم ولا في غيره، سواء كان الشخص
⦗ص: 350⦘
محرماً أم لا، بدليل قوله تعالى:{أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعً لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} (3) .
ويستثنى من حرمة التعرض له ما يلي:
1-
الفأرة ويلحق بها ابن عرس وكل ما يقرض الثياب من الدواب.
2-
الحية والعقرب ويلحق بها الزبور.
3-
الحدأة والغراب، ولا فرق بين الغراب الأبقع وغيره.
4-
الكلب العقور والمراد به: السبع، الأسد، الذئب، النمر، الفهد. بشرط أن يكون كبيراً، أما إن كان صغيراً فيكره قتله، وإن كان قتله فلا جزاء عليه على المشهور. ودليل جواز قتل ما ذكر ما روي عن عائشة رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"خمس من الدواب، كلهن فاسق، يقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب الغفور"(4)، وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى
…
إذا وثنت علينا حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوها..) (5) .
5-
أيُّ طير خيف منه على نفس أو مال، وكان لا يندفع إلا بقتله.
6-
الوزغ (أبو بريص) : لا يجوز أن يقتله المحرم في الحرم أما غير المحرم فيجوز. روي عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال للوزغ: فويسق ولم أسمعه أمر بقتله)(6) .
7-
لا شيء في قتل الجراد إن عمَّ (كثر) واجتهد المحرم في التحفظ من قتله فأصاب منه شيئاً بغير قصد، أما إن لم يتحفظ أو قتله عن قصد ففيه فدية، وهي إطعام بتقدير أهل الخبرة، إذا زاد العدد عن عشر جرادات.
أما الدجاج والإوز فيجوز للمحرم ذبحه في الحرم وأكله، لأنه ليس بصيد، بخلاف الحمام فإنه صيد، لأنه من أصل يطير في الخلاء فلا يجوز للمحرم ذبحه، فإن ذبحه أو أمر بذبحه فميتة، ولو كان متخذاً في البيوت لفراخ.
وكذا حكم لحم من صاده محرم أو من في الحرم بسهمه، أو كلبه، أو صِيدَ له (أي صاده حلال لأجله) ، أو ذبحه محرم حال إحرام إن صاده حلال لنفسه، أو دل المحرم حلالاً عليه
⦗ص: 351⦘
فصاده فمات، ففي كل هذه الحالات حكمه ميتة لا يحل لأحد تناوله، وجلده نجس كسائر أجزائه وكبيضه من الطيور (سوى الإوز والدجاج) إذا كسره أو شواه محرم أو أمر حلالاً بذلك فلا يجوز لأحد أكله.
أما ما صاده حِلٌّ لحِلّ (بخلاف ما لو صاده لمحرم) كإدخال الصيد إلى الحرم وذبحه فيه، فإن كان الصائد من ساكنيه يجوز أكله لكل أحد، أما إن كان من غير أهل الحرم فإذا صاده بالحل وأدخله إلى الحرم وذبحه فيه فهو ميتة.
(1) حدود الحرم: من جهة المدينة أربعة أو خمسة أميال مبدؤها من الكعبة وتنتهي بالتنعيم، ومن جهة العراق ثمانية أميال وتنتهي بالمقطع (جبل) ، ومن جهة عرفة تسعة أو ثمانية أميال وتنتهي بعرفة، ومن جهة الجعرانة تسعة أميال وتنتهي إلى موضع يقال له شعب آل عبد اللَّه بن خالد، ومن جهة جدة عشرة أميال تنتهي بالحديبية، ومن جهة اليمن إلى مكان يسمى أضاه.
(2)
مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 82/445.
(3)
المائدة: 96.
(4)
البخاري: ج 2 /الإحصار والجزاء الصيد باب 18/1732.
(5)
البخاري: ج 2 /الإحصار والجزاء الصيد باب 18/1733.
(6)
البخاري: ج 2 /الإحصار والجزاء الصيد باب 18/1734.
رابعاً- ما يتعلق بقطع الشجر والنبات:
يحرم قطع ما ينبت في الأرض بنفسه كالبقل البري إلا الإذخِر (نبات ذو رائحة طيبة) والسنا (نبات معروف للتداوي) والسواك والعصا والشجر للبناء بموضعه أو لإصلاح البساتين فلا يحرم قطعه. وكذا ما يستنبت للأكل كالسلق والكراث والبطيخ والخوخ ونحو ذلك. لما روى ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث المتقدم عند مسلم: "ولا يُعضد شوكه. ولا ينفر صيده. ولا يلتقط إلا من عرَّفها. ولا يختلى خَلاها (1) . فقال العباس يا رسول اللَّه الإِذْخِرَ فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال إلا الإِذخر"(2) .
وكل ما حرم قطعه لا جزاء فيه وإنما الإثم فقط.
كما يحرم صيد المدينة والتعرض له ويحرم أكله، كما يحرم قطع شجرها، لما روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة. وإني حرمت المدينة ما بين لا بيتها. لا يقطع عضاها (3) ولا يصاد صيدها"(4) . لكن لا جزاء في الصيد أو قط الشجر، وعدم ترتب الجزاء لا يعني تخفيف الحرمة بل حرمتها أشد ومنهم من أو جب الجزاء في صيد المدينة كصيد مكة.
(1) الخلا: هو الرطب من الكلأ.
(2)
مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 82/445.
(3)
العضاه: كل شجر يعظم وله شوك.
(4)
مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 85/458.
ما يكره للمحرم:
1-
شد نفقته بعضده أو فخذه.
2-
كبّ الوجه على الوسادة، أما وضع الخد عليها فجائز.
3-
ليس مصبوغ بعصفر أو نحوه، من كل ما لا طيب فيه ولكن يشبه ذا الطيب، لمُقتدى به من إمام أو عالم خوف تطرق الجاهل إلى لبس المحرم.
4-
شم الرياحين كالريحان والورد والياسمين، وشم الطيب كمسك وزعفران وكافور.
5-
المكث بمكان فيه طيب أو استصحابه. أما المكث في مكان فيه رياحين فلا يكره وكذا لا يكره استصحابه ولا مسه بلا شم.
6-
الحجامة بلا عذر، أو غمس الرأس في الماء خيفة قتل الدواب (قمل مثلاً) ، أو تجفيف الرأس بخرقه بشدة.
7-
النظر في المرأة خيفة أن يرى شعثاً فيزيله.
الركن الثاني- السعي بين الصفا والمروة
دليله: قوله تعالى: {إن الصفا والمرة من شعائر اللَّه، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} (1) .
وما روت حبيب بنت أبي تجرأة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال وهو يسعى: "اسعوا فإن اللَّه كتب عليكم السعي"(2) .
(1) البقرة: 158
(2)
الدارقطني: ج 2 /ص 255.
شروط صحة السعي بين الصفا والمروة:
1-
أن يكون سبعة أشواط، فإن سعى أقل من سبعة أشواط فلا يجزئه، وعليه أن يكمله إلا إذا طال الفصل عرفاً فعندها يستأنفه من أوله.
2-
أن يبدأ السعي من الصفا وينتهي بالمروة، لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نبدأ بما بدأ اللَّه به فبدأ بالصف وقرأ "إن الصفا والمرة من شعائر اللَّه" (1) ويحسب من الصفا إلى المروة شوط ومن المروة إلى الصفا شوط آخر.
3-
الموالاة بين أشواط السعي، فإن فرق بفاصل طويل فعليه أن يستأنفه ويغتفر الفاصل القصير.
4-
أن يكون بعد طواف صحيح سواء كان الطواف ركناً أو واجباً أو نفلاً، وإن كان محرماً بعمرة وسعى بعد طوافها غير الصحيح (طاف وهو محدث مثلاً) فإنه يبقى محرماً وعليه أن يرجع من أي مكان كان فيه لكي يعيد الطواف والسعي بعده، فإن كان قد أصاب النساء فقد أفسد
⦗ص: 353⦘
عمرته فعليه أن يقضيها من الميقات الذي أحرم منه ويهدي، وعليه لكل صيد أصابه الجزاء وعليه فدية اللبس والطيب.. الخ، وإن كان حلق فعليه فدية الحلق ولا بد من إعادة الحلق بعد إعادة الطواف والسعي لأن الحلق الأول وقع في غير محله. وإن لم يكن حلق أولاً ولم يفعل شيئاً من محرمات الإحرام بعد، فعليه أن يعيد الطواف والسعي ثم يحلق وليس عليه شيء آخر لا من هدي ولا غيره. وإن كان الذي سعى بعد الطواف فاسد قد أحرم بحج بعده، فيكون في هذه الحالة قارناً لأن طوافه وسعيه فاسداً ولم يبق معه إلا مجرد الإحرام وإرداف الحج عليه.
(1) الترمذي: ج 3 /كتاب الحج 38/862.
واجبات السعي:
1-
أن يقع بعد طواف ركن (الإفاضة) أو واجب (القدوم) ، فإن سعى بعد طواف لم ينو به شيئاً وقع الطواف نفلاً، أو نوى بطوافه طواف تحية المسجد، فعليه في الحالتين إعادة الطواف بنية طواف القدوم (إن كان ممن يجب عليه طواف القدوم) ومن ثم عليه إعادة السعي بعده ليكون سعيه بعد طواف واجب، إلا إذا خاف فوت عرفة فإنه يترك إعادة الطواف والسعي؛ وبعد طواف الإفاضة يأتي بالسعي، وعليه دم لأن طواف القدوم كان واجباً عليه وتركه.
أما إن لم يكن ممن يجب عليه طواف القدوم فيجب عليه تأخير السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة، فإن قدَّمه على طواف الإفاضة بأن أوقعه بعد طواف نفل، فيجب عليه إعادته بعد طواف الإفاضة ما دام في مكة، فإن تباعد عن مكة فعليه دم لتركه وجوب إيقاع السعي بعد طواف الإفاضة، ولا يجب عليه الرجوع في هذه الحالة لأنه لم يترك ركناً وإنما ترك واجباً.
2-
وجوب الموالاة بين السعي والطواف، فإن جعل فاصلاً طويلاً بين السعي وطواف الإفاضة وجب عليه إعادة طواف الإفاضة لإتباعه بالسعي ما دام بمكة، فإن تباعد عن مكة ولم يُعد السعي فعليه دم لتركه وجوب إتباع السعي بطواف الإفاضة دون فاصل.
3-
أن يسعى ماشياً إن كان قادراً، فإن سعى راكباً أو محمولاً لزمه دم إن لم يعده وكان خرج من مكة، أما إن لم يخرج من مكة فعليه إعادته ماشياً ولو طال الفصل ولم يجزئه الدم.
سنن السعي:
1-
تقبيل الحجر الأسود قبل الخروج للسعي وبعد صلاة ركعتي الطواف.
2-
أن يرقى الساعي في كل شوط على كل من الصفا والمروة إن كان رجلاً أما المرأة فتصعد إن خلا المحل من الرجال وإلا فلا. لما روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنى من الصفا قرأ: إن الصفا والمرة من شعائر اللَّه أبدأ بما بدأ اللَّه به فبدأ بالصفا. فرقي عليها. حتى رأى البيت فاستقبل القبلة. فوحد اللَّه وكبَره، وقال: لا إله إلا اللَّه
⦗ص: 354⦘
وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا اللَّه وحده. أنجز وعده. ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك. قال مثل هذه ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة) (1) .
3-
إسراع الرجال بين الميلين الأخضرين حال الذهاب إلى المروة، ولا إسراع في العودة على الراجح. لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة صلى الله عليه وسلم:(.. ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى. حتى أتى المروة)(2) .
4-
الدعاء على الصفا والمروة وبينهما بلا حد، كما في الحديث المتقدم.
(1) و (2) مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 19/147.
مندوبات السعي:
1-
يندب للساعي ما يشترط للصلاة من طهارة حدث وخبث وستر عورة فإن انتقض وضوءه أو تذكر حدثاً استحب له أن يتوضأ ويبني فإن أتم سعيه جاز، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت:"افعلي كما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري"(1) .
2-
يندب للساعي أن يشرب من ماء زمزم (بعد الطواف وتقبيل الحجر) قبل الخروج إلى السعي، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما:(أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك، فأت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها. فقال: اسقني. قال: يا رسول اللَّه، إنهم يجعلون أيديهم فيه. قال: اسقني. فشرب منه، ثم أتى زمزم، وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: اعملوا، فإنكم على عمل صالح)(2) .
3-
الخروج للسعي من باب الصفا، لحديث جابر رضي الله عنه المتقدم:(ثم خرج من الباب إلى الصفا) أي من باب بني مخزوم، وهو الذي يسمى باب الصفا.
4-
أن يصعد الساعي إلى أعلى الصفا والمروة في الرقي عليهما.
5-
يندب القيام أعلى الصفا والمروة والجلوس مكروه أو خلاف الأولى.
(1) البخاري: ج 2 /كتاب الحج باب 80/1567.
(2)
البخاري: ج 2 /كتاب الحج باب 74/1554.
الركن الثالث: الحضور بعرفة ليلة النحر
ويقصد به: الحضور بأرض عرفة على أي حال من الأحوال سواء كان يقظانً أو نائماً أو
⦗ص: 355⦘
مغمى عليه، وسواء كان قائماً أو قاعداً أو راكباً على دابة، سواء علم أنها عرفة أم لا. ويصح أن يكون ماراً لكن ضمن شرطين: الأول: أن يعلم أنه يمر بأرض عرفة.
الثاني: أن ينوي بمروره أداء ركن الحج وهو الحضور بعرفة فإن مرّ بها ولم يعلم أنها عرفة، أو مرّ بها دون أن ينوي أداء ركن الحج فلا يجزئه المرور.
دليله: ما روي عن عبد الرحمن بن يعمر الدِّيلي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه"(1) .
(1) ابن ماجة: ج 2 /كتاب المناسك باب 57/3015.
شروط صحة الحضور بعرفة:
1-
الحضور لحظة من ليلة العاشر من ذي الحجة (وتبدأ الليلة من غروب شمس عرفة إلى أذان يوم النحر) فإذا نفر من عرفة قبل الغروب لم يصح حجه.
ويجزئ الحضور ليلة الحادي عشر من ذي الحجة إن أخطأ أهل الموقف كلهم، بأن لم يروا الهلال لعذر من غيم أو غيره فأتموا ذي القعدة إلى الثلاثين ووقفوا ليلة العاشر من ذي الحجة ثم تبين أن وقوفهم كان ليلة الحادي عشر من ذي الحجة فيجزئهم ذلك.
2-
يشترط في الحضور مباشرة أرض عرفة أو ما اتصل بها، فلا يكفي أن يقف في الهواء كأن يمر عليها بالطائرة فلا يجزئه، أما إن كان راكباً على دابة فلا مانع.
واجباته:
1-
الطمأنينة في الحضور، بأن يستقر بمقدار الجلسة بين السجدتين، أما المار الذي لم يستقر بمقدار الطمأنينة فعليه دم.
2-
الحضور لحظة في أرض عرفة من بعد زوال شمس اليوم التاسع من ذي الحجة إلى الغروب، فإن فاته بغير عذر فعليه دم. ولا يجزئ هذا الحضور عن الحضور ليلة النحر.
سنن الحضور:
1-
يسن خطبتان في مسجد نمرة، بعد زوال شمس يوم عرفة، يعلم الإِمام فيهما الناس ما عليهم من مناسك، لما حدث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عرفة وقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام..) (1) .
2-
يسن جمع الظهرين (الظهر والعصر) جمع تقديم (ولو لأهل عرفة) وصلاتهما قصراً (لغير أهل عرفة) بأذان وإقامتين من غير تنفل بينهما، لحديث جابر: (ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم
⦗ص: 356⦘
أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً) (2) . ومن فته الجمع مع الإِمام جمع في رحله.
(1) مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 19/147.
(2)
مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 19/147.
مندوباته:
1-
يندب الوقوف عند الصخرات العظام في أسفل جبل الرحمة شرقي عرفة متجهاً إلى الكعبة (وهي غرب عرفة)، لما ورد في حديث جابر رضي الله عنه:(ثم ركب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف. فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة)(1) .
2-
يندب الوقوف مع باقي الناس لأن جمعَهم مَزيدُ الرحمة والقبول.
3-
يندب الغسل للوقوف والطهارة من الحدث والخبث.
4-
يندب المبيت بمنى ليلة التاسع وصلاة الصبح فيها، ثم المسير منها إلى عرفة بعد طلوع شمس اليوم التاسع، لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجه صلى الله عليه وسلم:(فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج. وركب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ولفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس)(2) .
5-
يندب النزول بمسجد نمرة بعد زوال شمس اليوم التاسع.
6-
يندب الوقوف راكباً وإلا واقفاً على قدميه ولا يجلس لعلة أو تعب، أما النساء فلا يندب لهن القيام، لما روت أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها (أن ناساً اختلفوا عندها، يوم عرفة، في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره فشربه)(3) .
7-
يندب التضرع والابتهال إلى اللَّه تعالى والدعاء بما أحب من خير الدنيا والآخرة حتى الغروب، لحديث طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللَّهم أجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً، اللَّهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر. وفتنة القبر اللَّهم إني أعوذ بك من شر يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر) (4) .
⦗ص: 357⦘
(1) و (2) مسلم: ج 2 /كتاب الحج باب 19/147.
(3)
البخاري: ج 2 /كتاب الحج باب 19/147.
(4)
البيهقي: ج 5 /ص 117.
الركن الرابع: طواف الإفاضة
ويقال له أيضاً طواف الركن لأنه فرض في الحج فمن لم يفعله بطل حجه، أو طواف الزيارة لأن الحاج يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكة، وإنما يبيت في منى.
دليل فرضيته: قوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} (1) . وحديث عائشة رضي الله عنها (أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت، فذكرت ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت. قال: فلا إذاً)(2) .
وقته: يبدأ وقته من طلوع فجر يوم النحر ويستمر إلى آخر شهر ذي الحجة، فإذا أخَّرَه عن ذلك لزم دم. أما الحائض أو النفساء فتحبس الرفقة والولي حتى تطهر وتطوف بشرط أمن الطريق حال الرجوع بعد الطواف، فإذا لم يؤمن الطريق رجعت إلى بلدها وهي على إحرامها، ثم تعود في العام القابل للإتيان بطواف الإفاضة (3) .
وأما من لم يطف طواف الإفاضة من ذكر أو أنثى جهلاً، ثم علم بفرضيته بعد رجوعه إلى وطنه، فإنه ينوي رفض الحج (أما الإحرام فلا يرتفض بل يبقى على إحرامه) ويفعل محرمات الإحرام، ومتى تيسر له الذهاب إلى مكة، مرَّ بميقات بلده بلا إحرام لبقائه على إحرامه الأول وطاف بالبيت طواف الإفاضة، ثم يذبح شاة مجزئة في الأضحية ثم يتحلل من إحرامه. وإن أراد الحج بعد ذلك أحرم من الحرم، أما إن أراد العمرة أحرم من الحل.
(1) الحج: 29، وسمي البيت العتيق لأن اللَّه تعالى أعتقه من يد الجبابرة فلا يصول عليه جبار إلا ويهلكه اللَّه، أو لكونه قديماً قال تعالى:(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) آل عمران: 96.
(2)
البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 144/1670.
(3)
يمكنها أن تقلد السادة الأحناف في هذه الحالة: تطوف وهي حائض أو نفساء وتذبح بدنه تتحلل. ومكان الذبح في مكة، فإن لم تستطع الذبح (لعدم إيجاد الثمن) ترجع إلى بلدها ومتى تيسر لها ذلك ترسل إلى مكة من توكله في الذبح عنها.
2-
الطهارة من الحدثين والخبث في البدن والثوب والمكان كالصلاة، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
شروط صحة الطواف:
1-
أن يكون سبعة أشواط، فإن ترك شيئاً من السبع وإن قل لا يجزئه، ولا يكفي عنه الدم إذا كان الطواف طواف ركن، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال:(قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين)(1) . وإن شك في العدد بنى على اليقين، وتمم الأشواط السبعة، ويعمل بقول غيره ولو كان واحداً إذا لم يكن مستنكحاً (أي صار الشك له عادة) فعندها يبني على الأكثر. وإن ذاد على السبعة أشواط فلا يضر لأن الزائد لغو لا اعتداد به.
2-
الطهارة من الحدثين والخبث في البدن والثوب والمكان كالصلاة، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير"(2) . فإن شك في الطهارة أثناء الطواف ثم بان الطهر فلا يعيد الطواف، وإن انتقضت طهارته ولو سهواً، أو سقطت عليه نجاسة أثناء الطواف بطل طوافه، أما إن لم يعلم بسقوط النجاسة إن كان الفصل قريباً ولم ينتقض الوضوء؛ أما إن طال الفصل أو انتقض الوضوء فلا إزالة النجاسة إن كان الفصل قريباً ولم ينتفض الوضوء، أما إن طال الفصل أو انتقض الوضوء فلا إعادة عليه. وإن احدث بعد الطواف فلا إعادة وقبل صلاة الركعتين أعاده إلا إذا خرج من مكة وشق عليه الرجوع فيكفيه طوافه ويصلي الركعتين وعليه أن يبعث بهدي.
3-
ستر العورة كالصلاة في حق الذكر والأنثى، وإذا بدت أطراف المرأة صح طوافها وندب لها إعادته ماد دامت بمكة، وقيل: لا إعادة عليها.
4-
جعل البيت على يساره حال الطواف وهو ماش جهةَ أمامه.
5-
خروج جميع البدن عن الشَّاذَرْوان (3) ، فإذا دخل بعض البدن في هواء البيت أعاده، أما إذا كان خرج من مكة وبعد ذلك ذكر أنه أثناء الطواف كان يدخل بعض بدنه في هواء الشَّاذَرْوان، فليس عليه العورة للإعادة ولكن يلزمه هدي. لذا من أراد أن يقبل الحجر الأسود أو يلمس الركن اليماني أثناء الطواف ينصب قامته بعد التقبيل أو اللمس وجوباًُ ثم يطوف، لأنه لو طاف وهو لم يزل مطأطئاً رأسه كان بعض بدنه في البيت فلا يصح ذاك الشوط.
6-
خروج جميع البدن عن حجر (4) سيدنا إسماعيل عليه السلام، لأن أصله من البيت لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:(كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه. فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحِجر فقال: صلي في الحجر إن أدخل البيت، فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروه حين بَنَوا الكعبة، فأخرجوه من البيت)(5) .
أن يكون الطواف داخل المسجد، فلا يجزئ خارجه ولا فوق سطحه، وأما من وراء زمزم وكذا
⦗ص: 359⦘
بالسقائف فإنه جائز للزحمة، فإن لم يكن هناك زحمة فأن لم يكن هناك زحمة فلا يجزئ وعليه الإعادة.
8-
الموالاة بين الأشواط بلا فاصل كبير، فإن طال الفصل ولو لحاجة فعليه الإعادة من أول شوط وبطل ما فعله، أما الفاصل اليسير فلا يضر، وكذا قطع الطواف لعزر كرعاف فإنه يبني - بعد غسل الدم- على ما تقدم من منه لغسل الدم، وأن كان إماماً راتباً ويبنى له أن يبدأ طوافه من الحجر الأسود (ويلغي جزء الشوط) . أما إن قطع الطواف لصلاة الجنازة أو لصلاة نافلة بطل طوافه ولو قصر الفصل.
(1) البخاري: ج 2 / كتاب الحج باب 71 / 1547.
(2)
الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 112 / 960.
(3)
وهو بناء لطيف من حجر أصفر يميل إلى البياض، ملصق بحائط الكعبة، محدودب مرتفع على وجه الأرض قدر ثلثي ذراع، وهو من أصل البيت.
(4)
وهو محاط ببناء على شكل قوس تحت ميزاب الرحمة، من الركن العراقي إلى الركن الشامي، طوله. نحو ذراعان.
(5)
الترمذي: ج 3 / كتاب الحج باب 48 / 876.
واجبات الطواف:
1-
صلاة ركعتين بعد الانتهاء من الطواف، للحديث المتقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما:(فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين) .
2-
ابتداء الطواف من الحجر الأسود، فإن ابتدأه من الركن اليماني مثلاً ألغى ما قبل الحجر وأتم إليه، فإن لم يتم إليه أعاده، وأعاد سعيه بعده ما دام بمكة، وإلا فعليه دم.
3-
الطواف ماشياً إن قدر عليه السعي، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت:(شكوت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)(1) . فإن طاف راكباً أو محمولاً فعليه الإعادة إن لم يخرج من مكة، فإن لم يُعِدْ فعليه دم.
4-
أن يقع طواف الإفاضة بعد الرمي.
(1) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 73 / 1552.
سنن الطواف:
1-
تقبيل الحجر الأسود بلا صوت ندباً في الشوط الأول (1) ، فإن لم يتمكن من تقبيله لمسه بيده إن استطاع وإن لم يستطع لمسه بعود مثلاً ثم وضع يده أو العود على فمه بعد اللمس، فإن لم يستطع شيئاً من ذلك كبّر فقط عند محاذاته ولا يشير بيده بل يقتصر على التكبير ثم يستمر في طوافه، ودليل ذلك ما روى سالم أن أباه حدثه قال: (قبَّل عمر بن الخطاب الحجر. ثم قال:
⦗ص: 360⦘
أم واللَّه! لقد علمت أنك حجر ولولا أني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) (2) . وروى عن نافع قال: ما تركته منذ رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعله) (3) .
وروى أبو الطفيل رضي الله عنه قال: (رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن)(4) .
2-
استلام الركن الأمامي في الشوط الأول، بأن يضع يده اليمنى عليه ثم يضعها على فمه من غير تقبيل، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما تركت استلام هذين الركنين، اليماني والحجر، مذ رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستلمهما، في شدة ولا رخاء) (5) .
3-
يسن الرَّمَل للذكر ولو غير البالغ في الأشواط الثلاثة الأول في طواف القدوم وطواف العمرة لمن كان محرماً لها من الميقات، لما روى جابر رضي الله عنه قال:(.. حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً..)(6) .
4-
يسن الدعاء بما يحب من طلب عافية وعلم وتوفيق وسعة رزق بلا حدّ محدود (7) في ذلك بل بما يُفتح عليه، والأوْلى أن يدعو بما ورد في الكتاب والسنة، ومن ذلك ما روي عن عبد اللَّه بن السائب رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)(8) .
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تهجد من الليل قال: (اللَّهم ربّنا لك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللَّهم لك أسلمت، وبك
⦗ص: 316⦘
آمنت، وعليك توكلت، وإليك خاصمت، وبك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وأسررت وأعلنت، وما أنت أعلم به منّي، لا إله إلا أنت) (10) .
(1) وكره الإِمام مالك السجود وتمريغ الوجه عليه.
(2)
مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 41 / 248.
(3)
مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 40 / 246.
(4)
مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 42 / 257، والمحجن: القضيب.
(5)
مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 40 / 245.
(6)
مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19 / 147، والرمل: هو الإسراع في المشي.
(7)
ورأى الإِمام مالك رضي الله عنه أن تحديد الدعاء من البدع.
(8)
أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 52 / 1892.
(9)
البخاري: ج 6 / كتاب التوحيد باب 24 / 7004.
9-
يندب أن يصلي ركعتي الطواف بعد فريضة المغرب وقبل النافلة لمن طاف بعد العصر.
10-
يندب إيقاع طواف الإفاضة بعد الرمي وعقب الحلق.
(1) أبو داود: ج 2 / كتاب المناسك باب 48 / 1876.
(2)
البيهقي: ج 5 /ص 78.
(3)
مسلم: ج 2 / كتاب الحج باب 19 / 147.
(4)
وسمي بذلك لأنهم يلزمونه للدعاء، وهو ما بين الركن والباب.
ثانياً - أركان العمرة:
أركان العمرة ثلاثة وهي:
1-
الإحرام من الميقات للآفاقي ومن الحل لمن هو بمكة (كما بينا سابقاً في بحث الإحرام) .
2-
الطواف.
3-
السعي بين الصفا والمروة.
وتؤدى الأركان الثلاثة على النحو السابق الذي بينّاه في أركان الحج.