المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول⦗ص: 303⦘: تعريف الصوم: - فقه العبادات على المذهب المالكي

[كوكب عبيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [المؤلفة]

- ‌تقديم [الشيخ إبراهيم اليعقوبي الحسني]

- ‌مالك بن أنس رضي الله عنه

- ‌[متن الكتاب]

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول: تعريف الطهارة:

- ‌الباب الثاني: الأعيان الطاهرة والأعيان النجسة

- ‌الباب الثالث: آداب قضاء الحاجة

- ‌الباب الرابع: الفصل الأول الوضوء

- ‌الباب الخامس: الغُسْل

- ‌الباب السادس: التيمم

- ‌الباب السابع: الحيض والنفاس والاستحاضة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الباب الأول: تعريف الصلاة:

- ‌الباب الثاني: الأذان والإقامة

- ‌الباب الثالث: شروط الصلاة:

- ‌الباب الرابع: صفة الصلاة

- ‌الباب الخامس: الفصل الأول سجود السهو

- ‌الباب السادس: صلاة التطوع

- ‌الباب السابع: صلاة الجماعة

- ‌الباب الثامن: صلاة المسافر (القصر والجمع)

- ‌الباب التاسع: صلاة الجمعة (1)

- ‌الباب العاشر: صلاة الخوف

- ‌الباب الحادي عشر: الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الباب الأول: تعريف الزكاة:

- ‌الباب الثاني: الفصل الأول

- ‌الباب الثالث: مصارف الزكاة

- ‌الباب الرابع: صدقة الفطر

- ‌كتاب الصوم

- ‌الباب الأول⦗ص: 303⦘: تعريف الصوم:

- ‌الباب الثاني: الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول⦗ص: 333⦘: تعريف الحج والعمرة:

- ‌الباب الثاني: أركان الحج والعمرة

- ‌الباب الثالث: واجبات الحج والعمرة

- ‌الباب الرابع: مندوبات الحج

- ‌الباب الخامس: الفصل الأول

- ‌الباب السادس: الفصل الأول

الفصل: ‌الباب الأول⦗ص: 303⦘: تعريف الصوم:

‌كتاب الصوم

-

ص: 302

‌الباب الأول

⦗ص: 303⦘

: تعريف الصوم:

ص: 302

الصوم لغة: الإمساك عن الشيء. بدليل قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً} (1) أي صمتاً.

وشرعاً: الإمساك عن المفطرات من شهوتي البطن والفرج، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية.

(1) مريم: 26.

ص: 303

أقسام الصوم:

ص: 303

1-

الصوم المفروض.

ص: 303

2-

الصوم المندوب

ص: 303

3-

الصوم المكروه.

ص: 303

4-

الصوم المحرم.

⦗ص: 304⦘

أولاً - الصوم المفروض

وهو صوم رمضان أداءً وقضاءً، وصوم الكفارات، والصوم المنذور.

صوم رمضان

صوم رمضان فرض عين بدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاُ أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه

} (1) .

وما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان" (2) .

وقد أجمعت الأمة على فرضية الصوم ولم يخالف أحد من المسلمين، فهو معلوم من الدين بالضرورة ويكفر منكره.

(1) البقرة: 183-185.

(2)

مسلم: ج 1 /كتاب الإيمان باب 5/21.

ص: 304

ثبوت شهر رمضان:

يثبت رمضان بأحد الأمور التالية:

ص: 304

1-

بكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"(1)

ص: 305

2-

برؤية هلال رمضان من قبل شاهدين عدلين (والعَدْل: ذكر بالغ عاقل غير مرتكب لكبيرة ولا مصرّ على صغيرة) . ويجب الصوم على كل من أخبره العدلان برؤية الهلال أو سمع أنهما يخبران غيره وإن لم يرفعا الشهادة إلى الحاكم. فإن ثبت رمضان برؤيتهما ولم يُرَ هلال شوال بعد الثلاثين يوماً من قبل غيرهما حال كون السماء صحواً ليلة الإحدى والثلاثين كُذٍبا في شهادتهما برؤية رمضان. ووجب تبييت نية الصوم لأنه تبن عدم انتهاء رمضان، أما إذا كانت السماء غائمة فلا يكذبا.

ولا يتحقق صوم رمضان برؤية عدل واحد، أو عدل وامرأة، أو امرأتين، للهلال ولا يجب الصيام بذلك.

ص: 305

3-

برؤية جماعة مستفيضة يفيد خبرهم العلم، وإن لم يكونوا عدولاً ولا ذكوراً ولا أحراراً، ولكن يُؤمَن تواطؤهم على الكذب، حال كون كل منهم يدعي أنه رأى الهلال لا أنه سمع برؤيته.

ص: 305

4-

برؤية واحد بالنسبة لمن لا اعتناء لهم برؤية الهلال، ولو كان هذا الواحد امرأة أو عبداً لكن بشرط أن يكون غير مشهور بالكذب وتثق النفس بخبره.

ص: 305

5-

يجب الصوم وإظهاره على كل من رأى الهلال، ولو لم يؤخذ بشهادته، فإذا أفطر فعليه القضاء والكفارة، ولو تأول على الأرجح أي كأن قال: لعلّي أنا مخطئ برؤيتي إذا لم يره غيري.

(1) البخاري: ج 2/كتاب الصوم باب 11/1810. وقال الإمام مالك: إذا توالى الغيم شهوراً أكملوا عدة الجميع حتى يظهر خلافه، ويقضوا إن تبين لهم خلاف ما هم عليه.

ص: 305

متى يعم الصوم:

ص: 305

1-

يعم الصوم سائر البلاد والأقطار إذا نقلت جماعة مستفيضة أو عن عدلين، أو نقل عدلان عن جماعة مستفيضة أو عن عدلين، ثبوت شهر رمضان، ولو لم يقع النقل عن طريق الحاكم.

ص: 305

2-

يجب الصوم ويعم إن نقل بحكم حاكم.

ص: 305

3-

يجب الصوم ويعم سائر الأقطار إذا ثبت الهلال بقطر منها، لا فرق بين القريب والبعيد من جهة الثبوت، ولا عبرة باختلاف المطالع مطلقاً.

⦗ص: 306⦘

حكم التماس الهلال:

يفترض على المسلمين فرض كفاية التماس الهلال في غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من شعبان ورمضان حتى يتبينوا أمر صومهم وإفطارهم. فيجب على كل من رأى الهلال إن كان عدلاً أو عدلين، أو كان مرجوّاً قبول شهادته عند الحاكم، فيحكم عندها الحاكم بثبوت شهر رمضان، وربما يرى الحاكم أن يأخذ بشهادة العدل الواحد ويحكم بثبوت رمضان.

ولا يثبت دخول الشهر بقول المنجمين أي الموقِّتين الذين يعرفون سير القمر لا في حق أنفسهم ولا في حق الآخرين، لأنّ الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال لا بوجوده.

يوم الشك: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شهر شعبان إن كانت ليلته غائمة ولم يُرَ هلال رمضان أما إذا كانت السماء صحواً، ولم يُرَ الهلال لم يكن يوم شك وإنما من شعبان حقاً.

حكم صومه:

ص: 305

1-

يكره صوم يوم الشك وقيل يحرم إن صامه احتياطاً، بأن يقول: أصومه لعله أن يكون من رمضان أحتسبه وإن لم يكن كان تطوعاً. ففي هذه الحالة لا يجزئه عن رمضان إن تبين أنه منه، وإن وجب عليه الإمساك فيه لحرمة الشهر وعليه القضاء. لقول عمار بن ياسر رضي الله عنهما:(من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أيا القاسم صلى الله عليه وسلم (1) .

ص: 306

2-

يندب إن صامه تطوعاً لأجل عادة كأن كان عادته صيام رجب وشعبان ورمضان أو صوم يومي الاثنين والخميس من كل شهر وصادف يوم الشك أحدهما.

ص: 306

3-

يجب صومه إن كان قضاء عن رمضان قبله، أو كفارة يمين، أو نذراً معين صادف يوم الشك (كأن يقول نذرٌ عليّ أن أصوم يوم قدوم زيد، وصادف ذاك اليوم يوم الشك) فإن صامه ثم تبين أنه من رمضان لم يجزئه عن رمضان الحاضر لعدم نيته ولا عن غيره من القضاء أو الكفارة، لأن زمن رمضان لا يقبل صوماً غيره، ويصبح عليه قضاء ذلك اليوم عن رمضان الحاضر وقضاء يوم آخر عن رمضان الفائت أو عن الكفارة أو عن النذر إن لم يكن معيناً أما إن كان النذر معيناً كما في المثال فات وقته وليس عليه قضاؤه.

ص: 306

4-

يندب الإمساك يوم الشك ليتحقق الحال، فإذا ثبت رمضان وجب الإمساك لحرمة الشهر وقضاء يوم بعده، فإن لم يمسك بعد ما تبين أنه رمضان وجب عليه القضاء والكفارة لانتهاك

⦗ص: 307⦘

حرمة رمضان، بأن أفطر عالماً بالحرمة ووجوب الإمساك. أما إذا لم يكن ممسكاً قبل أن يتبين أنه من رمضان فلا كفارة عليه، وإنما يجب الإمساك والقضاء.

شروط الصوم:

أولاً: شروط الوجوب

يجب صوم رمضان على كل مسلم ذكر أو أنثى، حرٍ أو عبدٍ بالشروط التالية:

ص: 306

1-

البلوغ: فلا يجب الصوم على الصبي.

ص: 307

2-

العقل: فلا يجب على المجنون ولا المغمي عليه، لما رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل"(1) .

ص: 307

3-

القدرة على الصوم: فلا يجب على العاجز حقيقة أو حكماً (كمرضع لها قدرة على الصوم لكن خافت على الرضيع هلاكاً أو شدة ضرر) .

ص: 307

4-

الإقامة: فلا يجب المسافر سفر قصر.

ص: 307

5-

النقاء من الحيض والنفاس، فإن نقيت الحائض أو النفساء قبل الفجر بلحظة أو مع الفجر وجب عليها صوم رمضان أو صوم كفارة أو صوم اعتكاف أو نذر في أيام معينة.

(1) أبو داود: ج 4/ كتاب الحدود باب 16/4403.

ص: 307

ثانياً- شروط صحة الصوم

ص: 307

1-

النية: هي شرط لصحة الصوم على الراجح، لأنها قصد الشيء خارج عن ماهيته. (وقيل: هي ركن) .

صيغتها: قصد الصوم جزماً ولو لم تلاحظ نية التقرب إلى اللَّه تعالى ولكن تندب. ولا يصح الصوم سواء كان فرضاً أم نفلاً بغير نية، وتكفي نية واحدة في صوم يجب تتابعه كرمضان، وكفارته (الفطر بالجماع) ، وكفارة القتل، وكفارة الظهار، وكالنذر المتتابع كمن نذر صوم شهر أو عشرة أيام متتابعة، ذلك لأن واجب التتابع كالعبادة الواحدة من حيث ارتباط بعضها ببعض وعدم جواز التفريق، فكفت النية الواحدة. أما إذا انقطع ما يجب تتابعه بمرض أو سفر فلا تكفي النية الأولى ولو استمر صائماً بل لا بد من تبييت النية كل ليلة ولو استمر بالصوم رغم السفر أو المرض وهو المعتمد، وقيل: تكفي نية واحدة إذا استمر

⦗ص: 308⦘

بالصوم، وأما إذا انقطع الصوم المتتابع بالحيض أو النفاس أو الجنون أو الإغماء (مما يوجب عدم الصحة) فلا تكفي النية بل لا بد من إعادتها ولو حصل المانع بعد الغروب وزال قبل الفجر.

وأما الصوم الذي لا يجب فيه التتابع كقضاء رمضان وكفارة اليمين فلا بد فيه من النية كل ليلة ولا تكفيه نية واحدة في أوله.

والنية الحكمية كافية، فلو تسحر ولم يخطر بباله الصوم وكان بحيث إذا سئل لماذا تتسحر؟ أجاب: لأصوم، كفاه ذلك.

شروط النية

ص: 307

1ً- التبييت من الليل (من غروب الشمس إلى طلوع الفجر) سواء كان الصوم فرضاً أم نفلاً، بدليل ما روته حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يُبيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له"(1) .

ولا يضر ما يحدث بعد تبييت النية من أكل أو شرب أو غير ذلك من المفطرات إذا كان ذلك قبل الفجر، بخلاف الإغماء والجنون إذا حصل أحدهما بعد تبييت النية فتبطل ويجب تجديدها إن بقي وقتها بعد الإفاقة، أما إن أفاق بعد طلوع الفجر لم تصح النية، وأما لو نوى الصوم في آخر جزء من الليل بحيث يطلع الفجر عقب النية أو معها صح صومه.

ص: 308

2ً- التعيين: أي تحديد ما قَصدَ من الصوم هل هو نفل أم رمضان أم قضاء أم نذر أم كفارة، فإن جزم بنية الصوم وشك بعد ذلك هل نوى تطوعاً أم نذراً أم قضاءً، انعقد صومه تطوعاً.

ص: 308

2-

النقاء من الحيض والنفاس: فلا يصحّ صوم حائض أو نفساء ما لم تنق قبل الفجر ولو بلحظة أو مع الفجر، ويكون النقاء بقَصَّة أو جفوف ولو لمعتادة القصة (أي إذا رأت الجفاف معتادة القصة فلا تنظرها بل يجب عليها الصوم) ، فإن شكّت هل طهرت قبل الفجر أو بعده فعليها صوم ذلك اليوم لاحتمال طهارتها قبل الفجر وعليها القضاء لاحتمال طهارتها بعد الفجر.

ص: 308

3-

العقل: فلا يصح من المجنون والمغمي عليه. أما وجوب القضاء ففيه تفصيل:

إذا أغمي على الشخص يوماً كاملاً؛ أو معظم اليوم، أو نصف اليوم، أو أقله وكان أوله عند النية مغمي عليه، ففي كل هذه الحالات يجب القضاء. أما إذا أغمي عليه لمدة

⦗ص: 309⦘

نصف اليوم أو أقل وكان ساعة النية مفيقاً فلا قضاء عليه إن نوى قبل الإغماء. والمجنون كالمغمي عليه في تفصيل القضاء.

وأما النائم فلا يجب عليه قضاء ما فاته وهو نائم ولو نام الشهر كله إن بيَّت النية في أول الشهر.

وأما حالة السكر فهي في تفصيل القضاء كحالة المغمي عليه، وقيل لا إنما تلحق بالنوم إذا كان السكر بحلال وتلحق بالإغماء إذا كان السكر بحرام.

ص: 308

4-

الإسلام: فلا يصح الصوم من الكافر وإن كان واجباً عليه ويعاقب على تركه زيادة على عقاب الكفر.

ص: 309

5-

صلاحية الزمن للصوم: فلا يصح الصوم في الأيام التي يحرم صومها (كيومي العيدين، والثاني والثالث من أيام التشريق لغير الحاج لأن فيه إعراض عن ضيافة اللَّه تعالى) .

(1) النسائي: ج 4 /ص 196.

ص: 309

أركان الصوم:

للصوم ركنان، أولهما النية، وثانيهما: الإمساك عن المفطرات، فمفهوم الصيام لا يتحقق إلا بهما. ورجح بعضهم أن النية شرط لا ركن وهو المعتمد ويبقى للصيام ركن واحد وهو الإمساك عن المفطرات. والمفطرات هي:

ص: 309

1-

تغييب حشفة بالغ (إن كان غير بالغ فلا يفسد صوم الواطئ ولا الموطوء) أو قدرها من مقطوعها في فرج مطيق (سواء في القبل أو الدبر) وسواء كان الموطوء نائماً أو مستيقظاً وسواء كان حيّاً أو ميتاً وسواء كان آدمياً أو بهيمة، وإن لم ينزل. واحترز بالإطاقة عما لو كان الإدخال بين الإليتين أو الفخذين أو في فرج صغير لا يطيق، فلا يبطل الصوم ما لم يُخرج منياً أو مذياً.

ص: 309

2-

إنزال المني أو المذي بلذة معتادة كمقدمات الجماع ولو نظراً أو تفكراً (فإن فعل وجب القضاء والكفارة) ، أما لو خرج المني أو المذي بنفسه أو بلذة غير معتادة بسبب الاحتلام فلا يفسد الصوم.

ص: 309

3-

الاستقياء: فمن استقاء عمداً وجب عليه القضاء إن لم يبتلع شيئاً، فإن ابتلع وجب عليه القضاء والكفارة. أما من درعه الفيء فلا قضاء عليه ما لم يبتلع منه شيئاً، لحديث أبي هريرة

⦗ص: 310⦘

رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقضِ"(1) .

ص: 309

4-

وصول متحلل (2) من منفذ عالٍ إلى الحلق، وإن لم يصل إلى المعدة، ولو وصل سهواً (شارداً) أو غلبة، فإنه مفسد للصوم (أما الجامد إذا وصل إلى الحلق فلا يفسد الصوم كما يكون بين الأسنان فلا يفطر ولو تعمد بلعه) وسواء كان الوصول عن طريق الفم أو العين أو الآنف أو الأذن أو مسام الرأس، فمن اكتحل نهاراً أو استنشق شيئاً فوصل أثره إلى حلقه أفسد صومه وعليه القضاء، أما من اكتحل ليلاً أو وضع شيئاً في أذنه أو أنفه أو دهن رأسه ليلاً فوصل أثره إلى حلقه نهاراً فلا شيء عليه.

ص: 310

5-

وصول مائع إلى المعدة من الأسافل من منفذ متسع كالدبر.

ص: 310

6-

وصول غير مائع إلى المعدة من الفم، أما إدخال جامد من منفذ أسفل المعدة فلا يضر ولو كان على شكل تحاميل.

ص: 310

7-

وصول بخور، أي الدخان المتصاعد من حرق عود بخور، إلى الحلق. ومثله بُخار القدر ودخان السجائر والنشوق فكلها مفطرة إذا وصلت إلى الحلق، أما إذا وصلت إلى الحلق بغير اختيار أي بدون استنشاق فلا قضاء عليه.

أما دخان الحطب وغبار الطريق فلا يفطر بوصوله إلى الحلق ولو تعمد استنشاقه، وكذا رائحة المسك والعنبر والزبد فلا تفطر ولو استنشقها؛ إلا أنها مكروهة.

ص: 310

8-

وصول قيء أو قلس إلى المعدة (الماء الذي يخرج مع التدشئة) إذا أمكن طرحه (فإن لم يمكن طرحه بأن لم يجاوز الحلق فلا شيء فيه مطلقاً) سواء كان القيء لعلة أو لامتلاء معدة، قلّ أو كثُر، تغيّر أم لا، رجع عمداً أم سهواً، فإنه يفطر.

أما البلغم سواء كان من الصدر أو الرأس فالمعتمد أنه لا يفطر مطلقاً ولو وصل إلى طرف اللسان للمشقة وقيل: إن كان بالإمكان طرحه فابتلعه، فإنه يفطر.

ص: 310

9-

وصول شيء يغلب سبقه إلى الحلق، من أثر ماء المضمضة أو رطوبة سواك، بأن لم يكن طرحه. فإذا وصل شيء إلى حلقه أو معدته فعليه القضاء في الفرض. أما إذا وصل شيء من ذلك إلى حلقه في صوم النفل فلا يفسده.

⦗ص: 311⦘

(1) الترمذي: ج 3 / كتاب الصوم باب 25/720.

(2)

مائع أو ما يتحلل ولو في المعدة.

ص: 310

أشياء لا تفطر:

ص: 311

1-

غلبة القيء إن لم يبتلع منه شيئاً ولو كثر.

ص: 311

2-

وصول غبار الطريق إلى حلق الصائم، أو دخول ذباب إلى حلقه، أو الدقيق لصانعه، أو غبار كيل (لمثل طحان، وناخل، ومغربل) .

ص: 311

3-

إذا طلع عليه الفجر وهو يأكل أو يشرب مثلاً فطرح المأكول ونحوه من فيه بمجرد طلوع الفجر.

ص: 311

4-

غلبة المني أو المذي بمجرد النظر أو الفكر.

ص: 311

5-

ابتلاع الريق المتجمع في فمه أو ابتلاع ما بين أسنانه من بقايا الطعام، إلا إذا كان كثيراً عرفاً وابتلعه.

ص: 311

6-

دهن جرح في بطنه متصلٍ بجوفه (يقال له جائفة) .

ص: 311

7-

الاحتلام.

ص: 311

8-

أخذ حقنة في الإحليل، لأنه منفذ لا يصل إلى المعدة، وكذا الحقنة من القبل للمرأة. ولكن كره الإمام مالك الحقنة للصائم.

الأعذار المبيحة للفطر في رمضان:

أولاً: المرض:

حكم بسبب المرض:

ص: 311

1ً- يجب الفطر ويحرم الصوم على من غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم، كذهاب منفعة عضو أو حاسة من الحواس، سواء كان مريضاً أو صحيحاً وخاف من ذلك. لقوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (1) . وقوله عز وجل: {ولا تقتلوا أنفسكم} (2) .

ص: 311

2ً- يجوز الفطر إذا مرض الصائم أو خاف زيادة المرض بالصوم أو خاف تأخر البرء من المرض أو حصلت له مشقة شديدة بالصوم. قال تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} (3) .

⦗ص: 312⦘

(1) البقرة: 195.

(2)

النساء: 29.

(3)

البقرة: 184.

ص: 311

ثانياً: الحمل والرضاع:

ص: 312

1-

يجب على الحامل والمرضع، ولو كانت المرضع مستأجرة، الفطر إن خافتا بالصوم هلاكاً أو ضرراً شديداً على نفسهما أو على ولديهما.

ص: 312

2-

يجوز الفطر للحامل والمرضع إن خافتا بالصوم المرض أو زيادته على نفسهما أو على نفسهما وولدهما، أما إن كان الخوف على الولد فقط فعليها القضاء مع الفدية.

ص: 312

3-

يجب الصوم على المرضع ولو خافت على نفسها أو ولدها أو ولدها ونفسها إن كان بإمكانها استئجار مرضع، أما إن لم يمكن لفقدان المرضع أو لعدم قبول الطفل ثدي المرضع أو لعدم توفر أجرة المرضع فيجوز لها الفطر. وإذا استأجرت المرضع كانت الأجرة من مال الولد إن كان له مال موقوف، أو من مال أبيه إن كان له أب لأن نفقته عليه.

ثالثاً: الجوع والعطش الشديدان:

يجوز الفطر لمن يعد قادراً على الصوم مع حصول شدة جوع وعطش، وعليه القضاء فقط.

رابعاً: كبر السن:

يجوز الفطر للشيخ الهرم الذي لا يقدر على الصوم في جميع فصول السنة، ومثله المريض مرضاً لا يرجى برؤه، قال تعالى:{لا يكلف اللَّه نفساً إلا وسعها} (1) . ويستحب لكليهما أن يخرجا فدية عن كل يوم إطعام مسكين.

(1) البقرة: 286.

ص: 312

خامساً: السفر:

يجوز الفطر مع الكراهية في يوم السفر وفي أيام الإقامة في السفر إن كانت أقل من أربعة أيام. قال تعالى: (وأن تصوموا خير لكم)(1)، وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) (2) .

والفطر للمسافر في رمضان وإن كان جائزاً، فإن الصوم أفضل له إن لم يجد مشقة أما إذا خشي التضرر به، كما لو خاف على نفسه من التلف، أو خاف تلف عضو منه، أو تعطيل منفعة فيكون الفطر عندها واجباً ويحرم الصوم، لما روى جابر رضي الله عنه (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج

⦗ص: 313⦘

عام الفتح إلى مكة فصام حتى بلغ كراع الغميم. فصام الناس- وفي رواية عن جعفر زاد فيها: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر (3) - ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب. فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة) (4) .

شروط جواز الفطر في السفر:

ص: 312

1-

أن يكون السفر سفر قصر.

ص: 313

2-

أن يكون السفر مباحاً.

ص: 313

3-

أن يكون شرع في السفر قبل الفجر بحيث يصل إلى المكان الذي يبدأ فيه بقصر الصلاة قبل طلوع الفجر، فإذا شرع في السفر بعد الفجر وكان مبيتاً للصوم يحرم عليه الفطر، وإن أفطر كان عليه القضاء فقط.

ص: 313

4-

أن يبيت نية الفطر بحيث يطلع عليه الفجر وقد نوى الفطر.

فمن أفطر في رمضان بسبب السفر -ضمن الشروط المذكورة- فعليه القضاء فقط دون الفدية. قال تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} (5)، أما إذا اختل شرط من هذه الشروط وأفطر فعليه القضاء والكفارة كما في الحالات التالية:

ص: 313

1-

إذا أصبح مفطراً في الحضر وعازماً على السفر ولكن بعد الفجر، فعليه القضاء والكفارة سواء سافر أم لا، وسواء كان متأولاً أم لا.

ص: 313

2-

إذا أصبح صائماً في السفر ثم أفطر أثناء النهار، فعليه القضاء والكفارة ولا يعتبر تأويله، لأنه جاز له الفطر فاختار الصوم وترك الرخصة، فإذا صام فليس له أن يخرج منه إلا بعذر، فلما أفطر متعمداً كانت عليه الكفارة لانتهاكه حرمة الدين.

ص: 313

3-

إذا بيَّت الصوم في الحضر وعزم على السفر بعد الفجر فأفطر قبل الشروع فيه بلا تأويلٍ، فعليه الكفارة لانتهاك الحرمة عند عدم التأويل، أما إذا أوّل بأن ظن إباحة الفطر فأفطر فلا تلزمه الكفارة.

وهناك خلاف فيمن سافر لأجل الفطر في رمضان هل يعامل بنقيض مقصوده مثلاً وتلزمه الكفارة مع القضاء أم لا.

⦗ص: 314⦘

(1) البقرة: 184.

(2)

البخاري: ج 2/ كتاب الصوم باب 33/1841.

(3)

مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 15/91.

(4)

مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 15/90.

(5)

البقرة: 184.

ص: 313

الأمور المرتبة على الصائم إذا أفطر:

أولاً- القضاء:

يجب القضاء على كل من أفطر في الحالات التالية:

آ- في الصوم المفروض:

يجب القضاء على كل من أفطر مطلقاً سواء كان الفطر لعذر (مرض، حيض،..) أو لاختلال ركن (كرفع نية الصوم، أو صب مائع بالحلق وهو نائم، أو أكله شاكاً في طلوع الفجر أو في الغروب.. وهنا يحرم فطره؛ أما لو أكل معتقداً بقاء الليل أو حصول الغروب ثم طرأ الشك فلا حرمة في ذلك ويجب عليه القضاء فقط) أو كان الفطر واجباً (كمن خاف على نفسه هلاكاً) أو جائزاً (كمن أفطر لشدة ألم أو لخوف حدوث مرض أو زيادته) أو حراماً (أي عمداً لغير سبب) أو سهواً أو غلبة (سبقه شيء إلى حلقه) أو إكراهاً.

ويشمل الصوم المفروض: المفروض المعين كرمضان، والمفروض غير المعين الواجب التتابع فيه ككفارة الظهار والقتل، وغير المعين غير الواجب التتابع فيه ككفارة اليمين وقضاء رمضان وجزاء الصيد وفدية الأذى والنذر غير المعين وصوم المتمتع والقارن الذي لم يجد الهدي.

ويندب لمن عليه شيء من رمضان تعجيل القضاء كما يندب التتابع، لكن إن مات ولم يقض فليس بعاص لأنه لا يجب القضاء على الفور (1) ككل صوم ولا يجب التتابع كصوم كفارة اليمين والتمتع وجزاء الصيد، ففي كلها يندب التتابع ولا يجب.

(1) عند السادة الأحناف: القضاء على الفور، فالفاء عندهم في قوله تعالى:{فعدة من أيام أخر} للتعقيب لذا من مات قبل أن يقضي مات عاصياً.

ص: 314

ب- في الصوم المنذور المعين:

إن أفطر لعذر فلا قضاء عليه، أما إذا بقي شيء منه بعد زوال العذر تعين الصوم فيه، وأما إن أفطر ناسياً فعليه القضاء.

الإفطار في القضاء صوم واجب:

من أفطر متعمداً في يوم من الأيام التي يقضي فيها ما فاته من صوم رمضان أو أي صوم واجب آخر، فليس عليه قضاء الأصل، وذلك على أرجح الأقوال.

⦗ص: 315⦘

جـ- في صوم التطوع:

يحرم الفطر عمداً في صوم التطوع، من غير ضرورة ولا عذر، ولو أفطر لسفر طرأ عليه، أو لحلف أحد عليه بطلاق البتِّ (الثلاث) ، وعليه القضاء، أما إن علم الصائم -في الحالة الأخيرة- تعلق قلب الحالف بمن حلف بطلاقها بحيث لو حنث يخشى عليه أن لا يتركها جاز له في هذه الحالة الفطر لقاء الحلف ولا قضاء عليه.

أما من أفطر ناسياً، أو غلبة، أو مكرهاً، أو لعذر، أو لخوف مرض، أو زيادته، أو شدة جوع أو عطش، أو عمداً طاعة لأحد والديه، إذا أمره بالفطر شفقة عليه من إدامة الصيام، أو طاعة لشيخ صالح أخذ على نفسه العهد أن لا يخالفه، وكذا طاعة الشيخ العلم الشرعي، أو طاعة لسيده إذا كان عبداً، ففي كل هذه الحالات إذا أفطر فلا حرمة في فطره ولا قضاء عليه.

ثانياً- الإمساك بقية اليوم عن المفطرات:

الحالات التي يجب فيها الإمساك:

ص: 314

1-

من أفطر بغير عذر في صوم فرض معين كصوم رمضان أو نذر معين بوقت، سواء أفطر عمداً أو غلبة أو نسياناً أو كرهاً أو خطأ كمن نذر أن يصوم الخميس فصام الأربعاء طناً منه أنه الخميس فيتم الأربعاء وعليه صوم الخميس.

ص: 315

2-

من أفطر سهواً في فرض غير معين ولكن يجب فيه التتابع ككفارة الظهار والقتل، إلا في اليوم الأول فالإمساك فيه مستحب.

ص: 315

3-

من أفطر ناسياً في صوم تطوع وكذا من أفطر عمداً على القول المرجوح.

- أما من أفطر عمداً أو سهواً في فرض غير معين ولا يجب التتابع فيه كجزاء الصيد وفدية الأذى وكفارة اليمين ونذر مضمون (أي غير معين بوقت) وقضاء رمضان، فيُخيّر بين الإمساك وعدمه.

- وأما من أفطر بعذر فزال عذره في النهار كمن كان مسافراً فأقام أو كان مجنوناً فأفاق فلا يجب عليه الإمساك ولا يستحب.

ثالثاً- الكفارة الكبرى:

ماهيتها:

ص: 315

1ً- بالنسبة للحر الرشيد: هي على التخيير إما إطعام أو عتق أو صوم، وأفضلها الإطعام فالعتق فالصوم.

⦗ص: 316⦘

آ- الإطعام: يجب تمليك ستين مسكيناً أو فقيراً كلّ واحد منهم مداً بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ملء اليدين المتوسطين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، من غالب طعام أهل البلد من قمح أو غيره. ولا يجزئ عن ذلك أن يطبخ ويدعو ستين مسكيناً على غداء أو عشاء، ولا يجزئ إعطاء الطعام إلى من تلزمه نفقتهم.

ب- العتق: وهو عتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المضرة كالعمى والبكم والجنون.

جـ- الصيام: وهو صوم شهرين متتابعين كل شهر ثلاثين يوماً، فإن أفطر في يوم منها ولو بعذر شرعي كالسفر أصبح ما صامه نفلاً ووجب عليه استئناف الصيام لانقطاع التتابع فيه. هذا بالإضافة إلى صوم يوم القضاء.

ص: 315

2ً- بالنسبة للعبد: هي الصوم فقط، فإن أذن له سيده أن يكفر بالإطعام جاز ذلك.

ص: 316

3ً- بالنسبة للأمة: يكفر عنها سيدها بالإطعام أو العتق لا بالصوم إن وطئها ولو أطاعته.

ص: 316

4ً- بالنسبة للسفيه: يأمره وليه بالتكفير بالصوم، فإن امتنع أو كان عاجزاً عن الصوم كفر عنه وليه بأدنى النوعين قيمة إما العتق أو الإطعام.

ص: 316

5ً- بالنسبة للزوجة: يكفر عنها زوجها بالعتق أو الإطعام إن أكرهها على الوطء، أما إن أطاعته كفرت عن نفسها بأحد أنواع الكفارة الثلاثة.

شروط وجوبها:

ص: 316

1-

العمد: فلا كفارة على ناسٍ أو مخطئ أو معذور.

ص: 316

2-

الاختيار: فلا كفارة على مُكْرَه، أو من أفطر غلبة.

ص: 316

3-

العلم بحرمة الفطر في رمضان، أما إن كان جاهلاً بحرمة الفطر فيه كأن كان جديد عهد بالإسلام أو جاهلاً أنه يوم رمضان، كمن أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان فلا كفارة عليه. أما من جهل وجوب الكفارة على الفطر العمد في رمضان مع علمه بالحرمة فلا تسقط الكفارة عنه.

ص: 316

4-

أن يكون الفطر في أداء رمضان، فإن كان في غيره كقضاء رمضان أو نذر

فلا تجب الكفارة.

ص: 316

5-

أن يكون منتهكاً لحرمة الشهر بلا تأويل قريب، أي غير مبالٍ بحرمة الشهر. أما إن كان متأولاً تأويلاً قريباً فلا كفارة عليه. والمتأول تأويلاً قريباً هو المستند في فطره إلى أمر موجود. ومن أمثلة التأويل القريب: من أفطر ناسياً أو مكرهاً، فظن أنه لا يجب عليه الإمساك بقية

⦗ص: 317⦘

اليوم بعد التذكر، فتناول مفطراً عمداً، فلا كفارة عليه لا ستناده إلى أمر موجود، وهو الفطر أولاً نسياناً أو بإكراه.

أو من سافر مسافة أقل من مسافة القصر، فظن أن الفطر مباح له لظاهر قوله تعالى:{ومن كان مريضاً أو على سفراً فعدة من أيام أخر} (1) فنوى الفطر من الليل وأصبح مفطراً لظاهر فلا كفارة عليه.

أو من رأى الهلال نهار الثلاثين من رمضان، فظن أنه يوم عيد وأن الفطر مباح فأفطر لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام:"صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته"(2) ، فلا كفارة عليه.

وأما المتأول تأويلاً بعيداً فهو المستند في فطره إلى أمر غير موجود، كالمرأة تعتاد الحيض في يوم معين فتبيت نية الفطر لظنها إباحته في ذلك اليوم لمجيء الحيض فيه عادة، فتصبح مفطرة أي تعجل الفطر قبل مجيء الحيض، فعليها الكفارة ولو رأت الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه. وكذا من رأى هلال رمضان ولكن لم تقبل شهادته أمام الحاكم فظن إباحة الفطر له فأفطر. أو من أفطر لعزمه على السفر في ذاك اليوم فلم يسافر فيه، أما إن سافر فعليه القضاء فقط دون الكفارة.

(1) البقرة: 185.

(2)

البخاري: ج 2 /كتاب الصوم باب 11/1810.

ص: 316

موجبات الكفارة الكبرى:

ص: 317

1-

تجب على كل من جامع مفسداً للصوم سواء كان فاعلاً أو مفعولاً.

ص: 317

2-

إخراج المني عمداً ولو بطريق إدامة الفكر أو النظر (أما إن أنزل بمجرد الفكر والنظر من غير إدامة فلا كفارة عليه وإنما القضاء فقط) إن كانت عادته الإنزال عند استدامة النظر، أما إن لم تكن عادته الإنزال عند استدامة النظر ففي وجوب الكفارة وعدمها قولان. أما إخراج المذي فإنه يوجب القضاء فقط.

ص: 317

3-

تعمد رفع نية الصوم نهاراً، كأن يقول: رفعت نية صومي أو رفعت نيتي، ومن باب أوْلى إذا رفعها ليلاً بعد أن كان بيتها وطلع الفجر وهو رافعاً لها، لا إن علق الفطر على شيء ولم يحصل عليه كأن قال: إن وجدت طعاماً أكلت فلم يجده أو وجده ولم يفطر فلا قضاء عليه.

ص: 317

4-

تعمد إيصال مفطر إلى المعدة عن طريق الفم فقط بشروط الوجوب المبنية سابقاً، أما وصول المائع إلى الحلق ورده فلا يوجب الكفارة وإنما يلزم القضاء فقط.

ص: 317

5-

وصول شيء إلى المعدة نتيجة تعمد الاستياك بالجوزاء (القشر المتخذ من أصول الجوز) نهاراً ولو كان ابتلاعها غلبة.

ص: 318

6-

وصول شيء إلى المعدة من القيء المتعمد إخراجه ولو وصل عمداً أو غلبة لا نسياناً.

وكذا تجب الكفارة على من صبّ شيئاً عمداً في حلق شخص آخر وهو نائم ووصل إلى معدته.

تعدادها:

لا تجب الكفارة الكبرى إلا عن كل يوم أفطره عمداً بالموجبات المذكورة وضمن الشروط.

وتتعدد بتعدد الأيام لا بتعدد موجبات الفطر في اليوم الواحد، فلو جامع في نهار رمضان ثم أكل عمداً فلا تجب عليه إلا كفارة كبرى واحدة عن ذاك اليوم.

رابعاً- التأديب:

يجب تأديب من أفطر عمداً في فرض أو نفل بما يراه الحاكم من ضرب أو سجن أو هما معاً، إلا أن يأتي تائباً قبل الظهور عليه فيعفى عنه.

خامساً- الكفارة الصغرى (الفدية) :

الحالات الموجبة للكفارة الصغرى:

ص: 318

1-

تجب على كل من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر. ويكون التفريط إن أمكن قضاء ما عليه من رمضان في شهر شعبان ولم يقض حتى حلول رمضان آخر، ويتحقق الإمكان بكون الباقي من شهر شعبان بقدر ما عليه من رمضان وهو صحيح مقيم خال من الأعذار.

أما إن اتصل عذره بقدر الأيام التي عليه إلى تمام شعبان، كمن كان عليه خمسة أيام مثلاً من رمضان وترك قضاءها وأخرها إلى أن بقي من شهر شعبان خمسة أيام، فلما بقي ذلك مرض حتى دخل عليه رمضان آخر، فلا كفارة عليه ولو كان في كل السنة مستطيعاً للقضاء. أما إن كان عليه خمسة أيام وبقي من شهر شعبان خمسة أيام فلم يقض ومرض في اليومين الأخيرين، فليس عليه كفارة إلا عن ثلاثة أيام فقط.

ص: 318

2-

تجب الفدية على المرضع إذا أفطرت خوفاً على ولدها فقط.

وتستحب الفدية لمن أفطر لكبر سن أو لمرض لا يرجى برؤه (هناك قول أنه يجب الإطعام) .

⦗ص: 319⦘

ماهية الفدية:

إطعام مدٍّ من غالب قوت البلد، بمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لمسكين أو فقير عن كل يوم فرط بقضائه حتى أتى رمضان مثله أو عن كل يوم لم يصمه المكلف بالحالات المذكورة سواء وجب عليه قضاؤه أم لا.

ولا تتكرر الفدية بتكرر المثل (أي لا تتضاعف إذا مر رمضانان دون أن يقضي) فإذا كان عليه يومان من رمضان ومضى على ذلك ثلاثة رمضانات أو أكثر فلا يلزمه إلا مدان عن كل يوم مد.

ولا يجزئ إعطاء مسكين واحد مدين عن يومين ولو كان كلّ مدّ في يومه، إذا كان هذان اليومان يعودان لشهر رمضان واحد. أما إن كان فرط في قضاء يوم في شهر رمضان حتى أتى مثله ثم فرط في قضاء يوم من شهر رمضان حتى أتى مثله، فأصبح عليه فديتان عن يومين كل يوم يعود لعام فهنا يجوز إعطاء مسكين واحد فديتي اليومين.

وقت إخراجها: تُخرج فدية كل يوم مع قضائه ندباً، وإلا تخرج متى وجبت (بمرور رمضان آخر) ولو قبل القضاء، أما قبل فلا يصح إخراجها.

ما يندب في رمضان وما يستحب للصائم:

ص: 318

1-

تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب وقبل الصلاة، وأن يكون فطره على رُطَبات (بلح) فإن لم توجد فتمرات، ويكون عددها وتراً. فإن لم يجد تمرات فماء. لما روى سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال بخير ما عجلوا الفطر"(1)، وما روى أنس رضي الله عنه قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر، قبل أن يصلي على رطباتٍ. فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات، حسا حسوات من ماء"(2) .

ص: 319

2-

الدعاء عقب الفطر بالدعاء المأثور: "اللَّهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت، وبك آمنت، ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء اللَّه، يا واسع المغفرة اغفر لي، الحمد للَّه الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت".

ص: 319

3-

السحور للتقوي به على الصوم ولو جرعة ماء، لحديث أنس رضي الله عنه عن النبي

⦗ص: 320⦘

صلى الله عليه وسلم قال: "تسحروا فإن في السحورْ بركة"(3) . ويدخل وقته بنصف الليل الثاني، وكلما تأخر كان أفضل بشرط أن لا يقع في شك بدخول الفجر.

ص: 319

4-

صلاة التراويح في رمضان لحديث أبي بكر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً (4) واحتساباً (5) غفر (6) له ما تقدم من ذنبه"(7) .

ص: 320

5-

كف اللسان والجوارح عن فضول الكلام والأفعال التي لا أثم فيها، أما التي فيها إثم كالغيبة والنميمة فيجب الكف عنها في كل وقت ويتأكد في رمضان. لما روى أبو بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"و [؟؟] إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإنه سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم"(8) .

ص: 320

6-

الإكثار من الصدقات والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان"(9) .

ص: 320

7-

الإكثار من تلاوة القرآن ومن الذكر كلما تيسر له ذلك.

ص: 320

8-

الاعتكاف وخاصة في العشر الأواخر من رمضان لتلمس ليلة القدر، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"(10) وما روى أبو بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(11) .

ص: 320

9-

يندب الصوم في السفر إذا كان رمضان لقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} (12) ولكن لا يجب ولو علم الوصول إلى الوطن بعد الفجر.

⦗ص: 321⦘

(1) البخاري: ج 2 / كتاب الصوم باب 44/1856.

(2)

البخاري: ج 2 / كتاب الصوم باب 10/696.

(3)

مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 9/45.

(4)

تصديقاً بما وعد اللَّه به.

(5)

محتسباً ومدخراً أجره عند اللَّه.

(6)

غفرت له ذنوبه كلها غير حقوق العباد فإنه متوقف على إبراء ذمته.

(7)

البخاري: ج 2 /كتاب صلاة الترويح باب 1/1905.

(8)

البخاري: ج 2 /كتاب الصوم باب 9/1805.

(9)

البخاري: ج 2 /كتاب الصوم باب 1/1803.

(10)

مسلم: ج 2/ كتاب الاعتكاف باب 3/8.

(11)

البخاري: ج 2 /كتاب صلاة الترويح باب 2/1910.

(12)

البقرة: 184.

ص: 320

ما يكره للصائم:

ص: 321

1-

ذوق شيء له طعم كملح، أو عسل، أو خل، ولو لصانعه، مخافة أن يسبق منه لحلقه. فإذا ذاق شيء منه وجب مجه، وإن وصل شيء إلى حلقه غلبة أو عمداً فعليه القضاء، فضلاً عن الكفارة في رمضان في حالة العمد.

ص: 321

2-

مضغ علك، أو كل ما يُعلك، كِلبان وتمر ليعطى لطفل، فإن سبق منه شيء إلى حلقه فعليه القضاء، وإن كان ذلك عمداً فالقضاء والكفارة.

ص: 321

3-

مداواة حفر الأسنان نهاراً، إلا إن خاف الضرر إذا أخر المداواة إلى الليل فلا تكره نهاراً بل تجب إن خاف هلاكاً أو شديد الأذى.

ص: 321

4-

يكره للنساء غزل الكتان الذي له طعم، ما لم تضطر للغزل فلا يكره. وأما الكتان الذي لا طعم له فلا يكره غزله.

ص: 321

5-

حصاد الزرع إذا كان يؤدي للفطر، ما لم يضطر الحصّاد لذلك. أما رب الزرع فله الاشتغال به ولو أدى إلى الفطر، لأن رب المال مضطر إلى حفظه.

ص: 321

6-

تكره مقدمة الجماع كالقبلة والفكر والنظر إن علمت السلامة من نزول المني أو المذي، فإن علم عدم السلامة أو ظن أو شك حرمت؛ فإذا فعلها ولم يحصل له إمذاء ولا إمناء فالصوم صحيح. وكذا إذا كان القصد من الفكر أو النظر أو القبلة اللذة فتحرم، أما إن كان بدون قصد اللذة كقبلة وداع أو رحمة فلا كراهة، فإذا نزل المذي أو المني في حالة الحرمة فعليه القضاء وتلزمه الكفارة اتفاقاً. أما إن أمنى أو أمذى بدون مقدمة الجماع فليس عليه شيء ويبقى صياماً صحيحاً. وإذا أمذى أو أمنى بسبب مقدمة الجماع في حالة الكراهة، فقيل: لا كفارة عليه إلا إذا تابع حتى أنزل، وقيل: عليه القضاء والكفارة مطلقاً إن تابع أو لم يتابع (وهو قول الإمام مالك) والقول المعتمد هو: أن هناك فرق بين اللمس والقبلة والمباشرة وبين النظر والفكر، فالإنزال بالثلاثة الأول موجب للكفارة مطلقاً وبالأخيرين لا كفارة فيه إلا إن تابع.

ص: 321

7-

التطيب نهاراً أو شم الطيب لأنه من جملة شهوة الأنف، والطيب أيضاً محرك لشهوة الفرج. 8- الحجامة والفصد إذا كان مريضاً وشك في سلامة من زيادة المرض التي تؤدي إلى الفطر، فإن علم السلامة من زيادة المرض جاز له ذلك، أو كان صحيحاً ولم تؤذه الحجامة أو الفصد جاز له ذلك، أما إن علم المريض أو السليم أن الحجامة أو الفصد تزيد في مرضه حرم عليه ذلك.

ص: 321

9-

الاستياك بعود رطب ويتحلل منه شيء، أما إن كان بشيء لا يتحلل فلا كراهة بالاستياك طوال النهار لأنه مستحب عند المقتضى الشرعي وهو الوضوء.

ما يجوز في الصوم:

ص: 322

1-

المضمضة لشدة العطش أو الحر، وتكره لغير موجب.

ص: 322

2-

الاستياك طوال النهار.

ص: 322

3-

الإصباح بجنابة.

ص: 322

4-

صوم الدهر، والحجة في ذلك الإجماع على لزومه لمن نذره ولو كان مكروهاً أو ممنوعاً لما لزمه.

ص: 322

5-

صوم يوم الجمعة رغم ورود النهي عن ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه (لا يَصُم أحدكم يوم الجمعة. إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده)(1) فعلة النهي هنا خوفه صلى الله عليه وسلم من فرضه على المسلمين وقد انتفت هذه العلة بوفاته عليه الصلاة والسلام.

(1) مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 24/147.

ص: 322

ثانياً- الصوم المندوب

دليله: ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يوماً في سبيل اللَّه إلا باعد اللَّه بذلك اليوم، وجهه عن النار سبعين خريفاً"(1) .

1-

صوم يوم عرفة لغير الحاج لما ورد أنه يكفر ذنوب سنتين، ويندب صوم الثمانية أيام قبله. روى أبو قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صيام يوم عرفة:"أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"(2)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول اللَّه ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"(3) . 2- صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء والثمانية أيام قبلهما من شهر محرم وبقية شهر محرم، لحديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صيام يوم عاشوراء: "أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي

⦗ص: 323⦘

قبله" (4) ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" (5) ، وما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر اللَّه المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة صلاة الليل" (6) .

ص: 322

3-

صوم رجب وشعبان وبقية الأشهر الحرم.

ص: 323

4-

صوم الاثنين والخميس، لما روى أسامة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس"(7) .

ص: 323

5-

صوم ثلاثة أيام من كل شهر، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:"أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لست بتاركهن في حضر ولا سفر نوم على وتر. وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى.."(8) والحكمة من ذلك أن الحسنة بعشر أمثالها فلذلك كان الإمام مالك يصوم اليوم الأول من الشهر، والحادي عشر، والحادي والعشرين.

ويكره صيام أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فراراً من تحيد أيام بعينها.

ص: 323

6-

صوم يوم النصف من شهر شعبان.

ص: 323

7-

صوم ستة من شوال بشرط عدم اعتقاد وجوبها، لما روى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"من صام رمضان ثم اتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر"(9) .

أما إذا صامها متتابعة وبعد العيد مباشرة، فإنه يكره لاحتمال اعتقاد الوجوب لأنهم فسروا "من" في قوله صلى الله عليه وسلم "من شوال" للبيان أنها من شوال فلا يشترط فيها التتابع.

(1) مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 31/167.

(2)

مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 36/196.

(3)

الترمذي: ج 3 / كتاب الصوم باب 52/757.

(4)

مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 36/196.

(5)

مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 20/134.

(6)

مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 38/202.

(7)

الدرامي: ج 2 /ص 20.

(8)

مسند الإمام أحمد: ج 2/ صلى الله عليه وسلم 271.

(9)

مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 39/204.

ص: 323

ثالثاً- الصوم المكروه

ص: 323

1-

يكره نذر صوم يوم مكرر، أو صوم الدهر، لأن النفس إذا لزمها شيء متكرر أو دائم، أتت

⦗ص: 324⦘

به على ثقل وندم فعندها يكون لغير الطاعة أقرب.

ص: 323

2-

يكره صوم يوم المولد النبوي الشريف لإلحاقه بالأعياد.

ص: 324

3-

يكره صوم ضيف بغير إذن رب المنزل.

ص: 324

4-

يكره صوم التطوع قبل صوم واجب غير معين كقضاء رمضان وكفارة ونذر، وإن عُيِّن كنذر يوم معين حُرِّم التطوع فيه.

ص: 324

5-

يكره صوم اليوم الثالث من أيام التشريق، إلا للحاج إذا لزمه هدي ولم يجده فإنه يصوم بلا كراهة.

ص: 324

6-

يكره تتابع الصوم لمن يضعفه ذلك عن عمل أفضل من الصوم.

ص: 324

7-

يكره صوم يوم عرفة (وقبله يوم) للحاج، لأن الفطر يقويه على الوقوف بعرفة.

ص: 324

8-

يكره صوم ست من شوال لمن كان يُقتدى به، إن صامها متتابعة ومتصلة بيوم العيد وأظهر صومها لكي لا يعتقد العامة وجوبها، أما إن اختل شرط من هذه الشروط فلا يكره صومها.

رابعاً- الصوم المُحرَّم

ص: 324

1-

صوم المرأة نفلاً بغير إذن زوجها، لما روى أبو بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه يوماً، من غير شهر رمضان إلا بإذنه"(1) . فإن صامت بغير إذنه فله أن يفطرها بالجماع لا بأكل وشرب ويجب عليها القضاء (أما إن استأذنته فليس له ذلك) إلا إذا لم يكن محتاجاً لها كأن كان مسافراً أو محرماً أو معتكفاً فلها أن تصوم بغير إذنه.

ص: 324

2-

صوم يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر"(2) .

ص: 324

3-

صوم اليومين الأولين من أيام التشريق، إلا للحاج المتمتع أو القارن إن لم يجد الهدي وفاته صوم ثلاثة أيام قبل عرفة فيصوم في أيام التشريق، لحديث نُبيشة الهُذَلي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر للَّه"(3) .

⦗ص: 325⦘

(1) ابن ماجة: ج 1 /كتاب الصيام باب 53/1761.

(2)

البخاري: ج 2 /كتاب الصوم باب 65/1890.

(3)

مسلم: ج 2 /كتاب الصيام باب 23/144.

ص: 324

مندوبات الطواف:

ص: 316

1-

يندب الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَل من طواف الإفاضة ومن طواف العمرة لمن كان محرماً بهما من دون المواقيت كالتنعيم والجعرانة، ومن طواف الإفاضة لمن لم يطف طواف القدوم لعذر أو نسيان وكان محرماً من الميقات.

ص: 316

2-

يندب تقبيل الحجر الأسود واستلام الركن اليماني في غير الشوط الأول، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني ولحجر فيكل طوفة. قال نافع: وكان ابن عمر يفعله)(1) .

ص: 316

3-

يندب التكبير مع كل من التقبيل أو وضع اليد أو العود على الفم بعد لمس الحجر الأسود.

ص: 316

4-

يندب أن يطوف طواف الإفاضة بثوبي الإحرام وعقب الحلق.

ص: 316

5-

يندب الاقتراب من البيت للرجل، أما المرأة فيندب لها الطواف من بعد الرجال كما تصلي خلف الرجال، لما روي عن عطاء قال:(كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم)(2) .

ص: 316

6-

يندب أن يصلي ركعتي الطواف في المسجد وخلف المقام، فإن صلاهما خارج المسجد أجزأ وأعادهما في المسجد ما دام على وضوء.

ص: 316

7-

يندب أن يقرأ في ركعتي الطواف بعد الفاتحة في الأولى (قل يأيها الكافرون) وفي الثانية (الإخلاص)، لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجِّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام. فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى فجعل المقام بينه وبين البيت. كان يقرأ في الركعتين قل هو اللَّه أحد، وقل يا أيها الكافرون)(3) .

ص: 316

8-

يندب الدعاء بعد صلاة ركعتي الطواف عند الملتزم (4) . كأن يقول: (اللَّهم إن البيت بيتك والعبد عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني

⦗ص: 362⦘

في بلادك، وبلغتني بنعمتك، حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عنّي رضاً، وإلا فمُنّ الآن قل أن تنأى عن بيتك داري، ويبعد عنه مزاري، هذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللَّهم أصحبني العافية في بدني، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني) . أو يدعو بما أحب من غير تحديد.

ص: 316