الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس: الفصل الأول
أوجه تأدية الحج والعمرة
أوجه تأدية الحج والعمرة ثلاثة وهي بحسب ترتيب أفضليتها: الإفراد، فالقران، فالتمتع.
والدليل على جواز هذه الأوجه الثلاثة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومن من أهل بالحج، وأهل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحج؛ فأما من أهل بالحج، أو جمع الحج والعمرة، لم يحِلّوا حتى كان يوم النحر)(1) .
(1) البخاري: ج 2 /كتاب الحج باب 33/1487.
أولاً: الإفراد:
وهو أن يحرم بالحج أولاً، ثم إذا فرغ منه أحرم بعمرة، وهو أفضل أوجه تأدية الحج، لأنه لا يجب فيه هدي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حجَّ مفرداً على الأصحّ.
ثانياً: القِران:
وله صورتان: الأولى: أن يحرم بالعمرة والحج معاً، بأن يقول: نويت العمرة والحج وأحرمت بهما للَّه تعال، ويلاحظ البداءة بنية العمرة ثم الحج.
والثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يردف الحج عليها؛ وذلك بشرطين:
1-
أن يكون الإرداف قبل بدء طوافها أو أثناءه، ويكره بعده وقبل صلاة ركعتي الطواف لكن يصح، أما بعد صلاة الركعتين فلا يصح الإرداف. فإن أردف الحج أثناء طواف العمرة أتمّ طوافه وجوباً وصلّى ركعتين، ولا يسعى بعده لوجوب إيقاع السعي بعد طواف واجب، وبالإرداف سقط طواف القدوم وصار طوافه تطوعاً لأنه صار كمن أنشأ الحج وهو بمكة
⦗ص: 376⦘
فيؤخر السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة. وفي القران تندرج أفعال العمرة بالحج أي يستغني بطوافه وسعيه وحلقه عن طوافها وسعيها وحلقها.
2-
أن لا يكون أفسد العمرة قبل إرداف الحج عليها، فإذا فسدت وجب عليه إتمامها فاسدة ثمَّ يقضيها وعليه دم. ولا يجوز له أن يردف عليه الحج لفسادها.
ويلزم الحاج في حالة القران هَدْي قياساًً على التمتع.
ثالثاً: التمتع:
وهو أن يحرم بالعمرة أولاً ويتم جميع أعمالها (طواف وسعي) أو بعضها في أشهر الحج، ويتحلل منها ويبقى متمتعاً بالتحلل إلى الحج، ثمَّ يحرم بالحج في نفس العام، ويلزمه هدي تمتع لقوله تعالى:{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} (1) . ولو تكرر منه فعل العمرة في أشهر الحج ثمَّ حجّ بعد عامه فيجزئه هدْي واحد، أما إن أحرم بعد انتهاء العمرة في أشهر الحج بقران فعليه هديان: هدي تمتع وهدي قران. ويصحّ إحرامه بالحج بعد سعي العمرة وقبل الحلق لها وعليه هدي لتأخير الحلق لها إلى ما بعد الفراغ من الحج، وإذا حلق لها بعد إحرامه بالحج لم يجزئه وعليه هدي آخر لتأخير حلق العمرة وفدية لحلقه وهو محرم بالحج.
أما إن انتهت أفعال العمرة قبل أشهر الحج ثم أحرم بالحج في أشهره في نفس العام لم يكن متمتعاً، وإنما يعتبر مفرداً وليس عليه هدي.
(1) البقرة: 196.
شروط تحقق الهدي على المتمتع والقارن:
1-
عدم إقامة المتمتع أو القارن بمكة أو بما في حكمها (أي بأي منطقة لا تبعد عن مكّة مسافة القصر فأكثر) وقت الإحرام بها، لقوله تعالى:{ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} (1) ، فمن أتى مكّة محرماً بعمرة في أشهر الحج ثم حج من عامه، أو دخل مكّة قارناً وحج، وجب عليه دم التمتع أو القران، ولو كان ناوياً بدخوله مكّة الإقامة فيها. وكذا من كان أصله مكّيّاً وكان منقطعاً خارجها، ثمّ عاد إليها للإقامة فيها ودخلها في أشهر الحج بعمرة ثم حج من عامه هذا، أو دخلها قارناً، فعليه دم. ويندب دم للتمتع أو القران لمن له أهل بمكّة وأهل خارجها.
2-
وأن يحجَّ من عامه، فمن أحرم بعمرة وتحلل منها في أشهر الحج ثمّ لم يحجّ إلا من قابل، أو فات المتمتع أو القارن الحج بفوات عرفة وتحلل بعمرة، فلا دم عليه في الحالتين.
3-
ويشترط لتحقق الهدي على المتمتع زيادة على ما تقدّم:
آ- عدم عودة المتمتع بعد أن تحلل من عمرته في أشهر الحج إلى بلده أو إلى بلد مثل بلده في البعد، ولو كان بلده أو مثله في الحجاز كالمدينة المنورة.
ب- أن يكون الحج والعمرة عن شخص واحد، فلو كانا عن اثنين، كأن يعتمر عن نفسه ويحج عن غيره أو بالعكس فلا دم عليه، وقيل: يجب عليه دم وهو الراجح.
(1) البقرة: 196.
الهدي على المتمتع المتوفي:
لو مات المتمتع بعد رمي جمرة العقبة تعين على ورثته أن يُهدوا عنه من رأس ماله. أما إذا مات قبل ذلك، فلا يلزم الورثة الإهداء عنه، لا من رأس ماله، ولا من ثلثه الذي تُنفِّذ فيه الوصايا.
⦗ص: 378⦘
الفصل الثاني
التحلل من الحج والعمرة
1-
التحلل من الحج: للحج تحللن أصغر وأكبر.
آ- التحلل الأصغر: ويحصل برمي جمرة العقبة أو فوات وقتها (وهو يوم النحر) ، وبه يحل للحاج كل محرمات الإحرام، إلا النساء والصيد فيحرمان، والطيب يكره.
ب- التحلل الأكبر: ويحصل بطواف الإفاضة إن كان قدّم السعي بعد طواف القدوم، وإلا فلا يتحلل إلا بعد السعي عقب طواف الإفاضة الواقع بعد الحلق ورمي جمرة العقبة أو فوات وقتها. فإذا قرب النساء قبل الحلق وبعد طواف الإفاضة الواقع عقب رمي جمرة العقبة أو فوات وقتها، فعليه دم، أما إن صاد فلا شيء عليه.
ويحل بالتحلل الأكبر المحرمات التي بقيت بعد التحلل الأصغر، فيحل للحاج النساء كما يحل له الصيد والطيب.
2-
التحلل من العمرة: ليس للعمرة إلا تحلل واحد، يكون بعد انتهاء أفعالها كلّها.
⦗ص: 379⦘
الفصل الثالث
إفساد الحج والعمرة
أسباب إفساد الحج والعمرة
1-
الجماع مطلقاً، سواء أنزل أم لم ينزل، وسواء كان ذاكراً أو ناسياً أو جاهلاً، في قُبل أو دبر آدمي أو غيره، بالغاً كان أم لا، وسواء كان المفعول به مطيقاً للجماع أم لا.
2-
أنزل المني بتقبيل أو مباشرة أو بغير ذلك، حتى ولو بنظر أو فكر مستديمين لا بمجردهما.
شروط إفساد الحج:
1-
إذا وقع سبب الإفساد بعد الإحرام وقبل الوقوف بعرفة سواء فعل شيئاً بعد إحرامه من طواف قدوم أو سعي أم لا.
2-
إذا وقع سبب الإفساد يوم النحر قبل رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة.
شروط إفساد العمرة:
أن يقع المفسد قبل تمام سعي العمرة، أما إذا وقع بعد تمام السعي ولكن قبل الحلق فلا تفسد العمرة ولكن يلزمه هدي. وكذا لو أنزل بمجرد النظر أو الفكر، أو أمذى، أو قبّل بفم وإن لم يمذ، وكان ذلك بعد تمام السعي وقبل الحلق فلا تفسد العمرة ولكن يلزمه هدي.
الحالات التي لا يفسد فيها الحج:
1-
وقوع ما يفسد الحج بعد يوم النحر ولو قبل الرمي والطواف.
2-
وقوع ما يفسد الحج يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة أو الطواف (أي بعد فعل واحد من اثنين) .
3-
وقوع ما يفسد الحج يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة والطواف ولكن قبل الحلق.
4-
إنزال المني أو المذي بمجرد النظر أو الفكر من غير استدامة.
5-
التقبيل بفم من غير إنزال مني أو مذي (بخلاف القبلة بخد أو غيره فلا يجب عليه شيء لأنها من قبيل الملامسة، إلا إذا أمذى أو كثرت) .
⦗ص: 380⦘
ما يترتب على من أفسد حجه أو عمرته:
1-
إتمام النسك المفسد، فإن لم يتمه لظنه أنه خرج من الإِحرام بمجرد الإِفساد فلا يفيده ذلك؛ ويبقى على إحرامه، فإن أحرم مجدداًً في العام القابل كان إحرامه الجديد لغواً وبقي على إحرامه بالحج الذي أفسده، ولا يعتبر حجه قضاء بل إتمام للحج المفسد وعليه غيره وجوباً.
2-
قضاء الحج المسد على الفور في العام القابل متى كان قادراً، فإن أخَّر قضاءه أثم، ولو كان المفسد تطوعاً. فإن كان النسك المفسد عمرة فعليه القضاء في أي وقت.
3-
نحر هدي في نسك القضاء للإفساد، ولا يتعدد الهدي بتعدد الجماع أو بتعدد النساء في النسك المفسد.
كيفية تأدية القضاء:
1-
إن كان المفسد إفراداً يجزئ أن يقضي إفراداً أو تمتعاً وبالعكس، أما إن كان المفسد قارناً فلا يجزئ القضاء إلا أن يكون قارناً، وإن كان المفسَد إفراداً أو تمتعاً فلا يجزئ أن يقضي قارناً.
2-
أن يحرم من الميقات الشروع الذي أحرم منه بالمفسَد مثل الجحفة، أما إن كان أحرم بالمفسد من دون المواقيت فلا يجب عليه أن يحرم من نفس المكان في القضاء وإنما من الميقات.
أما بالنسبة لوقت الإِحرام فلا يشترط عليه أن يحرم بنفس الشهر واليوم الذي أحرم فيه بالمفسد، وإنما يجزئ بأي وقت كان.
3-
أن يفارق من أفسد معها حجه في العام السابق إلى أن يتحلل خوفة من أن يعود لنفس الذنب، ودليل ذلك أن رجلاً من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقال لهما:"اقضيا نسككما، وأهديا هدياً، ثم ارجعا، حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه، وعليكما حجة أخرى، فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما وأتما نسككما وأهديا"(1) .
(1) البيهقي: ج 5 / ص 167.
حالة اجتماع الفوات مع الإفساد:
يجب على من أفسد حجه بمفسد وفاته الوقوف بعرفة (يفوت الحج بفوات الوقوف بعرفة) ما يلي:
1-
التحلل بعمرة.
2-
الخروج إلى الحل إن أحرم بالحج الفائت من الحرم أو كان أردف الحج على العمرة من الحرم حال تحلله بالعمرة.
3-
القضاء الفوري في العام القادم، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من فاته عرفات فقد فاته الحج فاليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل"(1) .
4-
نحر هدي في قضاء للفساد وهدي للفوات، فإذا كان الذي أفسده وفاته قراناً فعليه هدي ثالث لقران القضاء أو التمتع إن كان أحرم أولاً متمتعاً أو مفرداً وقضى متمتعاً. أما هدي القران أو التمتع الفسَد فيسقط لعدم إتمامه. لما روى الأسود قال:(سألت عمر رضي الله عنه عن رجل فاته الحج، فقال: يهل بعمرة، وعليه الحج من قابل ويهريق دماً)(2) .
⦗ص: 382⦘
(1) الدارقطني: ج 2 / ص 241.
(2)
البيهقي: ج 5 / ص 175.
الفصل الرابع
موانع إتمام الحج والعمرة (الإحصار)
الإحصار لغة: المنع.
وشرعاً: منع المُحرِم من أداء النسك كله؛ كأن يمنع من دخول مكة كما وقع في عام الحديبية، أو من أداء بعضه؛ كأن يمنع من الطواف أو السعي أو الوقوف بعرفة.
أقسام الحصر:
أولاً: عن البيت وعرفة معاً.
ثانياً: عن البيت الحرام فقط.
ثالثاً: عن عرفة فقط.
أولاً: الحصر عن البيت وعرفة معاً:
أسبابه:
1-
منع العدو الكافر من وصول الحاج أو المعتمر إلى الديار المقدسة.
2-
حصول فتنة بين المسلمين، وتغلب الفئة الباغية ومنعُها الناس من الدخول إلى الأراضي المقدسة.
3-
الحبس بغير حق.
ما يترتب على المُحصَر:
1-
يخيرَّ بين التحلل بالنية أو البقاء، والأفضل التحلل (ويكره له البقاء) بأن ينوي الخروج من الإحرام، ومتى نوى ذلك أُحلّ له كلُّ محرمات الإحرام حتى مباشرة النساء والصيد، ويسن له حلق رأسه. لكن لا يباح له التحلل إلا بشروط:
⦗ص: 383⦘
أ- أن لا يكون قد علم حين إحرامه بالمانع أو علم ولكن ظن أنه لا يمنعه فمنعه، أما إن علم بالمانع أو شك أنه لا يمنعه فمنعه فيجب عليه أن يبقى على إحرامه.
ب- أن ييأس من زوال المانع قبل وقت الوقوف بعرفة فيتحلل قبله، فإن علم أو ظن أو شك أنه يزول قبله فلا يتحلل حتى يفوت وقت الوقوف.
جـ- أن يكون الوقت متسعاً لإدراك الحج عند الإحرام به بحيث إذا لم يمنع يتأتى له إدراكه، أما إذا كان الوقت عند الإحرام به لا يمكنه من إدراك الوقوف بعرفة على فرض عدم وجود المانع ثم حصل المنع، فليس له أن يتحلل لأنه دخل بالإحرام من أول الأمر على البقاء للعام القابل.
2-
أن ينحر هديه الذي كان ساقه معه عن شيء مضى أو تطوعاً في أي مكان إن لم يتيسر له إرساله إلى مكة، فإن لم يكن ساق هدياً فلا يجب عليه نحر هدي للتحلل، وأما قوله تعالى:(فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)(1) فمحمول على ما إذا كان الهدي مع المحصر من قبل.
3-
أن يقضي نسكه إذا كان فرضاً متعلقاً بذمته كحجة الإسلام أو عمرة الإسلام، أو كان نذراً غير معين بوقت؛ فلا يسقط الفرض المتعلق بذمته بالإحصار، وعليه أن يؤديه متى زال الإحصار.
وللإحصار عن البيت وعرفة أسباب أخرى هي الوصاية أو الزوجية أو العبودية، فللولي أن يمنع الصغير أو السفيه ولو من حجة الفرض، وللزوج أن يمنع زوجته من حجة التطوع، وللسيد أن يمنع عبده من الحج، فإذا أحرم كل واحد من هؤلاء: الصغير، أو السفيه، أو الزوجة، أو العبد، بغير إذن الولي، أو الزوج، أو السيد، فلهؤلاء الثلاثة أن يأمروهم بالتحلل، فيتحللوا بالنية ولا قضاء عليهم بالنسبة للصغير والسفيه والعبد، إلا إذا أذن الولي أو السيد بالقضاء أو أعتق العبد، أما الزوجة فعليها القضاء في حال تأيمها أو أذن الزوج لها.
(1) البقرة: 196.
ثانياً: الحصر عن البيت فقط بعد الوقوف بعرفة:
أسبابه:
مرض أو عدو أو حبس ولو بحق. ويعتبر المحصر عن البيت فقط بعد الوقوف بعرفة مدركاً للحج.
⦗ص: 384⦘
ما يترتب على المحصر عن البيت فقط:
1-
طواف الإفاضة ولو بعد سنين، واسعي، إلا إن كان قام به عقب طواف القدوم. ويحل له كل شيء مما كان محظوراَ عليه في الإحرام بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر إلا قربان النساء والتعرض للصيد فيحرمان، ومس الطيب فيكره، ولا يتحلل التحلل الأكبر حتى يأتي بالطواف والسعي.
2-
إن كان ترك ما بعد عرفة من نزول مزدلفة ورمي جمرة العقبة والمبيت بمنى.. ألخ فعليه هدي واحد عن الكل سواء كان تركه عمداً أو بسبب المانع.
ثالثاً: الحصر عن عرفة فقط:
أسبابه:
1-
وجود مانع كعدو أو فتنة يمنعه من الوصول إلى عرفة.
2-
الحبس ظلماً أو بحق.
3-
المرض المانع.
4-
خطأ أهل الموسم بالعدد، كأن يقفوا بعرفة يوم الثامن من ذي الحجة ظناً منهم أنه التاسع وبعد مضي ليلة النحر عرفوا خطأهم.
ما يترتب على من فاته الوقوف بعرفة:
1-
يفوته الحج بفوات الوقوف بعرفة، لأن الحاج متى عرفة فقد أدرك الحج فإن ما يبقى عليه بعد الوقوف يصح في أي وقت.
2-
يسقط عنه ما بعد عرفة من المناسك كالنزول بمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الجمار..الخ.
3-
يخير ما بين التحلل من إحرامه وما بين البقاء عليه إلى العام القابل حتى يتم حجه، فإذا أتممه في العام القادم بالوقوف بعرفة مع ما بعد الوقوف من مناسك فليس عليه قضاء. ومحل جواز البقاء على إحرامه إلى العام القابل إذا لم يدخل مكة ولم يكن قريباً منها، وإلا يكره له البقاء بل يتأكد في حقه التحلل لما في البقاء على الإِحرام من مزيد المشقة مع إمكان الخلاص منها، وإن اختار التحلل وتمكن من دخول البيت وجب عليه التحلل بفعل عمرة، أي يطوف ويسعى ويحلق بنية التحلل من غير تجديد الإِحرام، ولا يجزىء طواف القدوم والسعي بعده الواقعان قبل الفوات عن طواف العمرة وسعيها.
ولا يفيد المحرم نية التحلل من الإِحرام بحصول المانع من إتمام الحج، كأن ينوي عند
⦗ص: 385⦘
إحرامه أو يشترط أنه متى حصل له مانع كان متحللاً بل لابد من تجديد نية التحلل في الحصر عن الوقوف والمبيت معاً أو فعل عمرة في الحصر عن الوقوف فقط.
4-
يجب عليه قبل فعل أعمال العمرة الخروج إلى الحج، ويلبي منه من غير إنشاء إحرام جديد لجميع بين الحل والحرم، إن كان إحرامه بالحج قبل الفوات مع الحرم كالمقيم بمكّة، أو كان أردف حجه على إحرامه بالعمرة في الحرم كالآفاقي إذا دخل محرماً من الميقات بعمرة وقبل البدء بها أردف عليها الحج في الحرم.
5-
يجب إرسال هديه إلى مكّة لذبحه هناك إن أمكنه ذلك، وإلا ذبحه في أي محل كان إذا كان فوات عرفة بسبب الظلم أو الحبس بغير حق، أما إذا كان فوات عرفة بسبب المرض أو الحبس بحق فيندب له أن يحبس هديه الذي كان ساقه معه إلى أن يشفى من مرضه أو ينتهي حبسه ومن ثمَّ يأخذه معه إلى مكّة، ويذبحه بعد تحلله بالعمرة إن لم يخف عليه من العطب قبل انتهاء مرضه أو حبسه، وإلا إن أمكنه إرساله إلى مكّة لكي يذبح هناك، وإن لم يجد من يرسله معه وخاف عليه العطب ذبحه في أي مكان.
ويجب عليه ذبح هديه، في جميع الأحوال، سواء كان ساقه معه تطوعاً أو لواجب عليه، أو كان قلده أو أشعره ولا يجزئ هديه هذا عن هدي الفوات عند القضاء.
6-
يجب عليه القضاء ولو كانت الفائتة حجة تطوع في العام القابل إن استطاع إذا كان الفوات لمرض أو خطأ أهل الموسم بالعدد، أو حبس بحق. أما إذا كان الفوات بسبب الحبس ظلماً أو منع عدو أو فتنة فلا يطالب بالقضاء إلا إذا كان الفائت فرضاً في حجة الإسلام أو حجة منذورة غير معينة (أما إذا كانت معينة في العام الذي فات به الوقوف فقد سقط النذر بالفوات) .
7-
يجب عليه هدي في حجة القضاء بالفوات ولا يجزئ هديه السابق الذي ساقه في حجة الفوات.
⦗ص: 386⦘
الفصل الخامس
جزاء ارتكاب محرمات الإحرام
أولاً- الفدية:
أسبابها: كل فعل محرّم على المحرم يحصل به ترفه وتنعم له، أو يزال به أذى. ومن هذه الأسباب:
1-
تغطية المرأة وجهها بغير عذر، أما إذا كان ذلك بعذر فلا فدية عليها إلا إذا ربطته أو غرزته بإبرة، وكذلك لبسها محيطاً بكفها أو إصبعها.
2-
لبس الرجل محيطاً أو مخيطاً لبساً معتاداً بحيث ينتفع به من حرٍ أو بردٍ أما إن لبسه ونزعه فوراً بدون انتفاع به فليس عليه فدية، وكذا لبس خف مع وجود النعل، أو احتزام لغير عمل، أو ستر رأسه أو وجهه.
3-
مسُّ طيب كمسك أو عطر أو زعفران، فإنه يوجب الفدية عليه بمجرد المس ولو أزاله فوراً أما بالنسبة لمس الرياحين كالياسمين والورد وسائر أنواع الرياحين فلا يوجب عليه فديةإلا أنه يكره شمّها لا مسّها.
4-
قص الظفر أو أكثر لإماطة الأذى، أو قص أكثر من ظفر ترفهاً أو عبساً دفعة واحدة (أي في وقت واحد) ، أما إن قص كل على حدة في أوقات مختلفة ففي كل حفنة من طعام ولا تجب فدية.
5-
قص أو حلق شعرة أو فأكثر لإماطة الأذى، أو قص أكثر من عشر شعرات لغير إماطة الأذى وكذا قص الشارب ونتف الإبط. قال تعال:{فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية} (1) .
6-
قتل أكثر من عشر قملات.
7-
الغسل في الحمام وإزالة الوسخ عن الجسم ولو بدون ذلك، كأن يجلس في الحمام حتى يعرق ثمّ يصب الماء الحار على جسده، أما إزالة الوسخ من تحت الأظافر فلا شيء فيه.
8-
كل شيء يزال به عن النفس أذى إن استعمل لغير ضرورة كحناء وكحل.
9-
دهن شعر الرأس أو اللحية أو دهن الجسد لغير علّة موجودة في الكف أو بطن القدم، أما إن كان هناك علّة في الكف أو بطن القدم وكان الدهن غير مطيّب فلا شيء في استعماله.
(1) البقرة: 196.
الحالات التي لا توجب فدية وإنما دونها وهي حفنة طعام:
1-
قلم الظفر الواحد ترفهاً أو عبساً، أما قلم الظفر المنكسر لإزالة ما به من ألم فلا شيء فيه.
2-
قص أو قطع أو حلق شعرة أو أكثر قليلاً حتى العشر شعرات لإماطة الأذى.
3-
تساقط الشعر من لحيته أو رأسه بسبب الوضوء أو الغسل ولو كانا مندوبين.
4-
قتل قملة إلى عشر قملات.
5-
قتل جرادة إلى عشر جرادات هذا إذا لم يعمّ ولم يتحفّظ من قتل شيء منه، أما إذا عمّ وتحفّظ من قتله عمداً وأصاب منه شيء فلا شيء عليه.
6-
قتل الذباب أو الذر أي النمل سواء قلّ أو كثُر أما طرح البعوض والدود والنمل والبرغوث في أر ض دون قتل فلا شيء فيه.
ما هية الحفنة:
الحفنة هي ملء اليد الواحدة بُرّاً، وتعطى للفقير.
أنواع الفدية:
للفدية ثلاثة أنواع على التخيير: إما نسك وإما إطعام وإما صوم، ودليل ذلك قوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من طعام أو صدقة أو نسك} (1) .
1-
النسك: وهو ذبح شاة من الضأن أو المعز، ويشترط فيها ما يشترط في الأضحية كالسن والسلامة من العيوب وغير ذلك.
2-
الإطعام: وهو إطعام ستة مساكين لكل منهم مدّان (2) بمدّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من غالب قوت البلد الذي أخرجت فيه، ويجزئ عن ذلك غداءان أو عشاءان أو غداء وعشاء إذا كانا بلغا
⦗ص: 388⦘
المُدِّين، أما إن كان مجموع الغداءين أو العشاءين أو الغداء أو العشاء أقل من تمليك الفقير مدّين فلا يجزئ.
3-
الصوم: وهو صوم ثلاثة أيام مطلقاً ولو كانت أيام منى.
ولا تختص الفدية بأنواعها الثلاثة في ومن كأيام منى، ولا بمكان كمنى أو مكة، فيجوز تأخيرها إلى بلده بخلاف الهدي.
(1) البقرة: 196.
(2)
أي مقدار الإِطعام ثلاثة آصاع، لأن الصاع يساوي أربعة أمداد.
تعدد الفدية في الإحرام:
تتعدد الفدية بتعدد موجباتها إلا في أربعة مواضع لا تتعدد وتكفي فدية واحدة ولو تعددت موجباتها وهي:
1-
إن فعل أشياء كثيرة مما توجب الفدية في آن واحد ودون فصل بينها كأن يمس الطيب ويلبس الثوب ويقلّم أظافره ويحلق رأسه في وقت واحد دون تراخٍ. ومثال ذلك ما يفعله من لا قدرة له على إدامة التجرد في إحرامه، فينوي الحج أو العمرة ثمّ يلبس قمصانه وعمامته وسراويله، فإن تراخى بين فعل وآخر تعددت الفدية.
2-
إن نوى التكرار عند فعل المحرم الأول ولو تراخى بفعل المحرمات كأن ينوي فعل كل ما يحتاج إليه من موجبات الفدية أو عدد من الموجبات فيفعل بعضها أو كلّها.
3-
إن قدّم في الفعل ما نفعه أعم على غيره، كأن يقدّم لبس ثوب على سروال وإن لم يلبسهما فوراً أو لم ينوِ بلبس الأول لبس الآخر؛ وذلك بشرط أن لا يكون أخرج فدية المحرم الأول قبل أن يفعل المحرم الثاني وإلا تعددت الفدية.
4-
إن ظنّ إباحة محرمات الإحرام، كأن يظنّ أنه خرج من إحرامه ففعل أشياء كثيرة من المحرمات ثمّ تبين له خلافه أي أنه لم يزل على إحرامه؛ كمن طاف للإفاضة أو العمرة معتقداً فيهما أنه على طهارة ثمَّ تبين أن طوافه فاسد، وكذا من رفض حجه أو عمرته أو أفسدهما بوطء ظانّاً استباحة المحرمات وأن الإحرام سقطت حرمته بالرفض أو الفساد فارتكب أموراً محرمة متعددة كل منها يوجب الفدية فليس عليه في هذه الحالة إلا فدية واحدة فقط.
أما المحرم الجاهل إن ظنّ إباحة أشياء تحرم عليه بالإحرام ففعلها على التراخي فعليه في كل شيء فدية ولا ينفعه فدية. وكذا من علم الحرمة وظنّ أنّ الموجبات تتداخل وأنّ ليس عليه إلا فدية واحدة فقط لموجبات متعددة لم ينفعه ظنّه.
⦗ص: 389⦘
ثانياً - جزاء الصيد
إذا اصطاد المحرم حيواناً في الحرم أو خارجه، أو تسبب في موته، كأن رأى الصيد فدلّ عليه وجب عله جزاء يحكم به عدلان، فلا يكفي فيه الفتوى ولا حكم المجرم لنفسه ولا حكم عدل واحد ولا حكم كافر ولا فاسق ويشترط في الحكمين أن يكونا فقيهين، أي عالمين بأحكام الصيد ويندب كونهما في مجلس واحد لمزيد التثبت والضبط.
أنواع الجزاء في الصيد:
يختلف الجزاء الواجب باختلاف الصيد.
1-
الصيد الذي له مثله في النعم:
الجزاء الواجب في قتله ثلاثة أنواع على التخيير وهي:
آ- ذبح مثله من النعم (أي ما يقاربه في الصورة والقدر) ، فإن لم يوجد له مقارب في الصورة يكفي إخراج مقارب له في القدر من النعم، وهي الإبل والبقر والغنم، بشرط أن يجزئ في الأضحية سناً وسلامة.
ومكان ذبحه هو منى أو مكة ولا يجزئ في غيرهما لأنه صار هدياً وله حكم الهدي. والدليل على ذلك قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم، هدياً بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره، عفا اللَّه عما سلف، ومن عاد فينتقم اللَّه منه، واللَّه عزيز ذو انتقام)(1) .
ففي النعامة ناقة أو جمل للمقاربة في القدر والصورة، وفي الفيل بدنة بسنامين، وفي الحمار الوحشي وبقره: بقرة، وفي الضبع والثعلب شاة. فالصغير والمريض والأنثى من الصيد وغيرها من الكبير والصحيح والذكر في الجزاء. فإذا اختار المثل فلا بد من مثل يجزئ في الأضحية، ولا يجزئ في الصيد المعيب معيبٌ، وفي الصغير صغير وإن كانت القيمة تختلف بالقلة والكثرة ولذا احتيج لحكم العدول.
ب- أو إخراج قيمة الصيد طعاماً، بأن يقوم الصيد بطعام من غالب قوت البلد الذي يخرج فيه. وتعتبر القيمة يوم التلف لا يوم تقويم الحكمين ولا يوم التعدي. وتعطى هذه القيمة لمساكين محل التلف، فإن لم بكن للصيد قيمة بمكان التلف أو لم يكن فيه مساكين لإخراج
⦗ص: 390⦘
الطعام إليهم، فتقدر قيمته بما يساويه بأقرب مكان إليه، ويعطى لمساكين ذاك المكان، كل يأخذ مداً بمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا أكثر ولا أقل، ويندب أن يجبر جزء المد إلى المد.
ج- أو صيام أيام بعدد الأمداد التي يقوم بها الصيد من الطعام في أي مكان شاء (مكة أو غيرها) وفي أي زمان شاء (زمن الحج أو بعد رجوعه) . ويصوم يوماً كاملاً عن جزء المد، لأن الصوم لا يتجزء.
وللمحكوم عليه الانتقال منحكم إلى آخر ولو التزمه، أي له أن ينتقل من ذبح المثل إلى اختيار العام أو الصيام أو عكسه، والدليل إلى ذلك الآية السابقة، وإن ظهر الخطأ في الحكم نقض الحكم وجوباً.
2-
الجزاء في الحمام واليمام في غير أرض الحرم، وجميع الطيور كالعصافير والكركي والإوز العراقي والهدهد، ولو بالحرم، هو على التخيير:
آ- قيمة الصيد طعاماً.
ب- أو صيام أيام بعدد الأمداد.
3-
الجزاء في صيد حمام ويمام الحرم هو شاة تجزئ في الأضحية، ولا يحتاج إلى حكم الحكمين، فإن عجز عن الشاة صام عشرة أيام.
4-
الجزاء في إسقاط جنين الصيد (كأن كان الصيد حاملاً وفعل به شيء فأسقط جنينه) وفي كسر بيضة أو شويه هو عشر دية الأم، فإذا كان جزاء صيد الأم عشرة أمداد ففي جنينها أو بيضها مدُّ، وإذا استهل الجنين بعد سقوطه ففيه دية أمه كاملة، أما إذا تحرك فقط فتبقى ديته عشر دية أمه.
(1) المائدة: 95.
ثالثاً- جزاء قطع الشجر والنبات:
لا جزاء فيه إلا أنه يحرم قطعه، وكذا شجر ونبات المدينة.
رابعاً- الهدي:
أقسامه:
آ- الهدي الواجب.
ب- الهدي المنذور: إما أن ينذر عين الهدي للمساكين أو يطلق.
ج- هدي التطوع: وهو ما يتبرع به المحرم. ص [391]
أسباب الهدي الواجب:
2-
القران: قياساً على التمتع.
3-
ترك واجب من واجبات الحج أو العمرة كترك التلبية أو طواف القدوم أو بمزدلفة أو رمي جمرة العقبة أو المبيت بمنى ليالي الرمي أو الحلق.
4-
الجماع المفسد أو غير المفسد.
5-
إنزال مذي أو التقبيل بفم.
ما يقوم مقام الهدي الواجب حال فقده:
إذا لم يجد من لزمه هدي هدياً لفقده، أو لعدم تملكه ثمنه. أو لم يجد من يسلفه ثمنه إن كان موسراً في بلده. فعليه صيام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، بدليل قوله تعالى:{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} (2) .
وإذا أيسر من لزمه هدي قبل الشروع في الصوم، ولو كان إيساره بسلف (أي وجد من يسلفه وله مال ببلده) ، فلا يجزئه الصوم عن الهدي، أما إذا أيسر بعد الشروع فيه وقبل تمام صوم اليوم الثالث، فيندب له الرجوع للهدي (ويتم اليوم الثالث وجوباً إن شرع فيه) .
ويبتدئ وقت صوم الأيام الثلاثة في الحج من حين إحرامه بالحج ويمتد إلى يوم النحر، فإن فاته صومها قبل يوم النحر صامها وجوباً أيام الثلاثة في الحج من حين إحرمه بالحج ويمتد إلى يوم النحر أكملها في أيام التشريق- ويكره تأخير صومها إلى أيام منى بلا عذر، وإن كان بدأها قبل يوم النحر أكملها في أيام منى، فإن فاتته أيام منى صامها في أي وقت شاء سواء وصلها بالسبعة أيام أو لم يصلها. وذلك إن تقدم الموجب للهدي على الوقوف بعرفة (كتمتع، والقران، وتعدي ميقات، وترك التلبية، وإنزال مذي، وتقبيل بفم) . أما إن كانالواجب بعد الوقوف بعرفة (كترك النزول بمزدلفة أو رمي الجمار أو الحلق أو الجماع بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الإِفاضة يوم النحر أو قبلهما أو بعده) صامها متى شاء سواء وصلها بالسبعة أيام أو لم يصلها (كهدي العمرة إذا لم يجده صام الثلاثة أيام مع السبعة متى شاء لعدم وجود الوقوف فيها) .
أما السبعة أيام فصومها إذا رجع، أي إذا رجع من منى بعد أن ينتهي من رمي الجمار، سواء أقام في مكة أم لا؛ فالمراد بالرجوع في الآية الكريمة:{وسبعة إذا رجعتم} الفراغ من أعمال
⦗ص: 392⦘
الحج، وقيل: المراد إذا رجعتم إلى أهليكم بالفعل، فأهل مكة يصومونها بمكة وغيرهم في بلادهم.
ويندب تأخير صومها للآفاقي حتى يرجع إلى أهله للخروج من الخلاف. أما إذا صام السبعة أيام قبل الفراغ من أعمال الحج (أي بعد الانتهاء من رمي الجمار) فلا يجزئ صومها سواء كان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو بعده.
(1) و (2) البقرة: 196
شروط صحة الهدي:
1-
الجميع فيه بين الحل والحرم، فلا يجزئ ما اشتراه بمنى أيام النحر وذبحه فيها كما يقع لكثير من العوام بخلاف من اشتراه بعرفة لن عرفة من الحل. فإن اشتراه من الحرم فلا بد من أن يخرج به إلى الحل (عرفة أو غيرها) سواء كان محرماً عندما خرج به أم لا، وسواء كان الهدي واجباً أو تطوعاً، أما الذي يجب ذبحه بمنى فيتحقق الجمع فيه بين الحل والحرم بالوقوف به بعرفة.
2-
نحره نهاراً بعد طلوع الفجر ولو قبل نحر الإِمام وقبل طلوع الشمس، ولا يجزئ ما نحر ليلاً.
أما المسوق في إحرام العمرة لنقص فيها أو في حجه أو كان نذراً أو تطوعاً فيذبح بعد تمام سعيها فلا يجزئ قبله، أي أن محله مكة لعدم الوقوف به في عرفة ثم يحلق بعد الذبح ويتحلل من عمرته، وإن قدم الحلق على النحر فلا مانع، ويندب نحره بالمروة.
3-
يشترط في سنه وسلامته من العيوب ما يشترط في الأضحية، فمثلاً إن كان من الغنم أن يكون أتم السنة ودخل في الثانية. والمعتمر في السن والسلامة من العيوب يوم تقليده إن كان مما يقلد (إبل، بقر) أو يوم تمييزه عن غيره بكونه هدياً كالغنم، فإذا قُلِّد أو عُين قبل بلوغه السن وبلغ السن قبل نحره فلا يجزئ، وعلى العكس إن قلده أو عينه حال كونه سالماً من العيوب ثم عيب بعد ذلك وقبل النحر فإنه يجزئ.
ما يسن في الهد:
1-
تقليد (1) الهدي إن كان من الإِبل أو البقر، أما إن كان من الغنم فلا يقلد ولا يشعر.
2-
إشعار (2) الهدي بعد التقليد إن كان من الإِبل فقط أو من البقر ذات السنام.
(1) التقليد: هو جعل قلادة أي حبل من نبات الأرض في عنق الإِبل أو البقر للإِشارة بأنه هدي.
(2)
الإِشعار: هو شق سنام الإِبل بسكين من الجانب الأيسر ندباً من جهة رقبته إلى ناحية الذنب قدر أتملتين حتى يسيل الدم ليعلم أنه هدي.
ما يندب في الهدي:
1-
أن يكون كثير اللحم، لقوله تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر اللَّه فإنها من تقوى
⦗ص: 393⦘
القلوب} (1)، ونهو على ترتيب الأفضلية (2) : الإِبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز، لما روى الإِمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" أهدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثون بدنة بيده ثم أمر علياً فنحر ما بقي منها"(3) ويؤخذ من فعله صلى الله عليه وسلم أن مباشرة النحر باليد أفضل إلا للضرورة فيستنب من يذبح عنه بشرط أن يكون مسلماً لأن الكافر لا مدخل له في القرب. ويقدم الذكر من كل نوع على الأنثى وإلا يقدم السمين على غيره.
2-
يندب الوقوف بالهدي في المشاعر كلها: عرفة والمشعر الحرام ومنى.
3-
يندب تجليل (4) الهدي إن كان من الإِبل.
4-
يندب شق الجلال عن السنام لظهر الإِشعار.
5-
تندب التسمية عند الإِشعار بأن يقول: "بسم اللَّه واللَّه أكبر"
(1) الحج: 32.
(2)
على عكس الأضحية فإن الأفضل فيها الضأن.
(3)
مسند الإِمام أحمد: ج 1 / ص 260.
(4)
أي وضع جلال عليها وهو شيء من الثياب.
مكان ذبح الهدي (الواجب والتطوع) وجزاء الصيد:
آ- يجب ذبح الهدي بمنى إذا توفرت فيه الشروط التالية:
1-
أن يكون مَسُوقاً في إحرام الحج لا من الإِبل.
2-
أن يقف الحاج أو نائبه بالهدي بعرفة جزءاً من ليلة يوم النحر، أما وقوف التاجر به فلا يجزئ إلا إذا اشتراه الحاج ووكل التاجر الوقوف به.
3-
أن يريد نحره في يوم من أيام النحر الثلاثة، وهي أيام العيد الثلاثة. فإذا نحره بمكة رغم توفر هذه الشروط أجزأه مع الإِثم لترك واجب النحر بمنى.
ب- يجب النحر بمكة ولا يجزئ بمنى ولا بغيرها إن انتفت الشروط المذكورة أو بعضها لوجوب الذبح بمنى. وكل نواحي مكة صالحة للذبح لكن الأفضل أن يكون عند المروة.
ما يؤكل مما يذبح في الحج أو العمرة من الهدي وجزاء الصيد والفدية وما يمنع:
تنقسم هذه اللحوم بهذا الخصوص على أربعة أقسام:
1-
ما لا يجوز لربه الأكل منه مطلقاً (سواء بلغ محل الذبح المعتاد منى أو مكة سالماً ثم ذبح أو حصل له عطب قبل بلوغه المحل فذبح في الطريق) :
1-
النَّذْر المعين المخصص للمساكين باللفظ أو النية، كأن يقول هذه الشاة نذر للَّه عليّ
⦗ص: 394⦘
للمساكين أو هذه الشاة نذر للَّه عليّ ونوى بقلبه للمساكين.
2-
هدي التطوع إذا جعله للمساكين.
3-
فدية الأذى إذا لم ينوِ بها الهدي.
فهذه الثلاثة يحرم على صاحبها الأكل منها مطلقاً، فأكل النذر المعين للمساكين يحرم لأنه بالتعيين لا يلزمه بدله إذا عطب قبل بلوغ محله، وكذا هدي التطوع يحرم لأنه جعله للمساكين، وأما فدية الأذى فإذا لم تجعل هدياً فهي عوض عن الترفه الذي حصل للمحرم بإزالة الشعث ونحوه فلذا يحرم الأكل منها.
2-
ما لا يجوز الأكل منه إلا عطب قبل بلوغ المحل:
1-
النذر غير المعين إذا جعله للمساكين، كأن يقول للَّه عليّ هدي للمساكين.
2-
فدية الأذى إذا نوى بها الهدي.
3-
جزاء الصيد.
فهذه الأنواع الثلاثة يجوز لربها أن يأكل منها إذا عطبت في الطريق قبل بلوغ المحل لأن عليه بدلها، أما إذا بلغت سالمة فلا يجوز الأكل منها لأنها حق للمساكين بالنسبة للنذر، وبدل عن الترفه بالنسبة للفدية، وقيمة الصيد بالنسبة للجزاء.
3-
ما لا يجوز الأكل منه قبل المحل ويجوز الأكل منه بعد المحل:
لا يجوز الأكل من هدي التطوع والنذر المعين، إذا لم يجعلا للمساكين قبل المحل لأنهما إذا عطبا ليس عليه بدلهما فلو جاز الأكل لاتهم بأنه هو الذي تسبب في عطبهما، وأما بعد المحل فله أن يأكل لأنهما لم يعينا للمساكين.
4-
ما يجوز لربه الأكل منه مطلقاً قبل المحل وبعده:
وهو كل ما عدا ما ذكر كالهدي الواجب للقران أو التمتع، أو تعدي الميقات، أو لترك واجب من واجبات الحج كترك طواف القدوم، أو ترك المبيت بمنى، أو ترك النزول بمزدلفة، أو وجب لإِنزال مذي أو نحوه.
وكل ما جاز الأكل منه جاز له أن يتزود منه ويطعم الغني والفقير، لما روى عن جابر رضي الله عنه قال:"كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى. فأرخص لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا فأكلنا وتزودنا"(1) . أما إذا أكل من الممنوع فإنه يضمن بدل ما أكله منه هدياً كاملاً إلا النذر المعين للمساكين فإنه يضمن قدر ما أكل منه.
⦗ص: 395⦘
(1) مسلم: ج 3 / كتاب الأضحاحي باب 5 / 30.