الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: الاعتكاف
تعريفه:
الاعتكاف لغة: هو مطلق لزوم لشيء (خير أو شر) بدليل قوله تعالى: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} (1) .
وشرعاً: هو لزوم مسلم مميزٍ مسجداً مباحاً، بصوم كافّاً عن الجماع ومقدماته، يوماً مع ليلته فأكثر، للعبادة بنية.
(1) الأعراف: 138.
دليله:
قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} (1) ، وما روت عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّه عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده"(2) .
(1) البقرة: 187.
(2)
مسلم: ج 2 /كتاب الاعتكاف باب 1/5.
حكمه:
مندوب مؤكد على المشهور.
شروط صحة الاعتكاف:
1-
الإسلام: فلا يصح من كافر.
2-
التمييز: ولا ينضبط التمييز بسن بل يختلف باختلاف الأشخاص.
3-
النية، لحديث "إنما الأعمال بالنية"(1) ولأن الاعتكاف عبادة وكل عبادة تفتقر إلى نية.
4-
أن يكون في المسجد، لقوله تعالى:{وأنتم عاكفون في المساجد} فلا يصح في بيت ولا
⦗ص: 326⦘
غيره (2) . ومن فرضت عليه الجمعة ونذر اعتكافاً أو أراد اعتكافاً لا يخلو من جمعة فيتعين عليه الاعتكاف في الجامع، فإن لم يعتكف في الجامع خرج للجمعة وجوباً ويبطل اعتكافه بمجرد خروجه وعليه القضاء وجوباً.
5-
أن يكون في مسجد مباح للناس، فلا يصح في مسجد البيوت المحجورة ولو للنساء، ولا في الكعبة ولا في مقام ولي إن كان محجوراً، أما إذا لم يكن محجوراً وجُعل مسجداً كمقام الحسين والشافعي والسيد البدوي رضي الله عنهم فيصح الاعتكاف فيه.
6-
الصوم: سواء كان الصوم فرضاً (رمضان، نذر، كفارة) أو نفلاً، فلا يصح بدونه.
7-
أن يكفّ عن الجماع ومقدماته.
8-
أن يكون لمدة لا تقل عن يوم وليلة باستثناء وقت خروجه لأجل قضاء حاجته من بول أو غائط أو وضوء أو غسل من جنابة. وليلة اليوم هي الليلة السابقة عليه، فإن نذر اعتكاف ليلة لزمه يومها لأن الاعتكاف شرطه الصيام ولا يتحقق الصوم إلا في النهار، وأما لو نذر اعتكاف بعض يوم فلا يلزمه شيء.
9-
الاشتغال بالعبادة فقط من ذكر، وصلاة، وتلاوة القرآن (3) .
10-
التتابع لمن نذر الاعتكاف مطلقاً دون أن يذكر نية التتابع أو عكسه، فإن قيد بشيء عمل به، أما غير المنذور فليزمه ما ينوي قل أو كثر.
11-
الدخول قبل الغروب أو معه ليتحقق له كمال الليلة.
12-
الخروج من معتكفه بعد الغروب ليتحقق له كمال النهار.
(1) مسلم: ج 2 /كتاب الإمارة باب 45/155.
(2)
عند السادة الحنفية: المرأة تعتكف في بيتها.
(3)
عند السادة الحنفية: الاعتكاف هو حبس النفس على طاعة اللَّه تعالى، وأقله لحظة، ويصح أن يشتغل أثنائه بالعلم لأنه من جملة العبادة عندهم.
مبطلات الاعتكاف:
مبطلات الاعتكاف قسمان:
القسم الأول ما يبطل ما فُعل منه ويجب استئنافه. ويشمل:
1-
الخروج من المسجد، ولو كان الخروج واجباً لصلاة جمعة مثلاً، وهو معتكف في مسجد لا في جامع، أو لمرض أحد والديه، إذ يجب عليه الخروج لبرِّه بعيادته، أو لحضور جنازة أحد والديه والآخر منهما حي، فإن لم يكن الآخر حياً فلا يجب عليه الخروج. ويبطل الاعتكاف
⦗ص: 327⦘
أيضاً إن كان الخروج لغير ضرورة (ومثال الخروج لضرورة: شراء مأكول أو مشروب أو قضاء حاجة) ، ففي كل هذه الحالات يبطل الاعتكاف وعليه القضاء.
2-
الإفطار عامداً لا سهواً ولا مكرهاً.
3-
شرب مسْكر ليلاً عامداً، وكذا كل مغيّب للعقل. واختلف في فعل الكبائر غير المسكر كالغيبة، والنميمة، والقذف، والسرقة، والعقوق، فقيل يبطل فعلها الاعتكاف وقيل لا.
4-
الوطء ولو من غير مطيقة عمداً أو سهواً (بخلاف الحلم) واللمس والقبلة بشهوة، لقوله تعالى:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} . وإن وقع مثل ذلك سهواً، لحائض معتكفة نذراً خرجت بسبب حيضها من المسجد، بطل اعتكافها وعليها إعادته من أوله.
القسم الثاني: مالا يبطل ما فُعل إذا لم يأت بمنافٍ للاعتكاف، ويشمل:
1-
ما يمنع الصوم فقط كالعيد والمرض الخفيف، فإنه يستطيع المكث في المسجد دون الصوم كمن نذر صوم ذي الحجة أو نواه عند دخوله، فلا يخرج يوم الأضحى وإلا بطل اعتكافه من أصله.
2-
ما يمنع المكث في المسجد فقط كسلس بول أو إسالة جرح أو دمل يخشى معه تلوث المسجد، فيخرج منه وجوباً وعليه حرمة الاعتكاف، ولكن عند خروجه لا يقدم على الأفعال الممنوع منها المعتكف من جماع ومقدماته
…
(وإلا بطل اعتكافه من أصله) ويبني وجوباً فوراً بمجرد زوال عذره المانع من المكث في المسجد، فيرجع إلى المسجد ويقضي الزمن الذي حصل فيه المانع ويكمل نذره ولو انقضى زمنه، إذا كان معيناً كالعشر الأخير من رمضان، فيقضي ما فاته أيام العذر ويأتي بما أدركه منها ولو بعد العيد. وأما ما نواه متطوعاً فإن كان بقي منه شيء أتى به وإلا انتهى اعتكافه ولا قضاء لما فاته بالعذر. وإن أخّر رجوعه للمسجد ولو لنسيان أو إكراه بطل اعتكافه واستأنفه من أوله، إلا إن أخّره ليلة العيد ويومه فلا يبطل لعدم صحة صومه أو أخره لخوف من الطريق.
ولو اشترط المعتكف لنفسه سقوط القضاء عنه على فرض حصول عذر أو مبطل، فلا ينفعه الاشتراط وشرطه لغو ويجب عليه القضاء.
3-
ما يمنع المكث في المسجد والصوم معاً كالحيض والنفاس: كالحالة السابقة، فإذا حاضت المرأة أو نُفِسَت تخرج من المسجد ثم تبني على ما تقدم من اعتكافها بعد زوال عذرها.
الجوار:
تعريفه: هو الاعتكاف إذا أطلق، فمن نذر جواراً في مسجد مباح أو نواه، وأطلق بأن لم
⦗ص: 328⦘
يقيده بليل أو نهار ولا فطر، كأن قال للَّه علي مجاورة هذا المسجد، أو نويت الجوار فيه فهو اعتكاف بلفظ جوار، فتجري فيه جميع أحكام الاعتكاف، ويلزمه يوم وليلة في حالة النذر، أما إن لم يكن نذراً فيلزمه في الجوار ما حدده بالنية.
وأما إن قيد بيوم وليلة فأكثر لزمه ما نذر وبالدخول ما نواه، فإن قيد بنهار فقط أو ليل فقط لزمه ما نذر ولا يلزمه ما نواه فله الخروج متى شاء. ولا صوم عليه فيهما إن قيد بالفطر.
وللجوار فضل كبير ولو قيد بزمن قليل ولو ساعة، أو قيده بفطر، فمن دخل المسجد لأمر ما ونوى الجوار فيه أثابه اللَّه على ذلك ما دام ما كثاً فيه، لحديث أبي بكر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه تقول اللَّهم اغفر له اللَّه ارحمه"(1)، وعنه أيضاً أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة تقول الملائكة اللَّهم اغفر له اللَّهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدث"(2) .
(1) مسند الإمام أحمد: ج 2 /ص 486.
(2)
مسند الإمام أحمد: ج 2 /ص 415.
ما يندب للمعتكف:
1-
يندب للمعتكف المكث ليلة العيد إن اتصل اعتكافه بها ليخرج في الصباح إلى صلاة العيد ويصل عبادة بعبادة.
2-
يندب المكث في آخر المسجد لأنه أبعد عن الناس.
3-
يندب الاعتكاف في رمضان لأنه من أفضل الشهور وفيه ليلة القدر، ويندب كونه في العشر الأواخر من رمضان لأنه ليلة القدر فيه أرجى، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره"(1) ،
4-
يندب إعداد ثوب آخر غير الذي عليه.
5-
يندب اشتغاله حال الاعتكاف بالذكر وتلاوة القرآن والصلاة والاستغفار والصلاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومن الذكر: الفكر القلبي في ملكوت السموات والأرض ودقائق الحكم بل هو أعظم الذكر، لقول أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه:"ذرة من عمل القلوب خير من مثاقيل الجبال من عمل الأبدان"، ولقول بعض العارفين: إن تفجير ينابيع الحكمة من القلب لا يكون إلا بالفكر ولذلك كانت عبادة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة الفكر عند أهل التحقيق
6-
يندب أن يعتكف محصلاً على ما يحتاج إليه من مأكل ومشرب وملبس.
⦗ص: 329⦘
(1) مسلم: ج 2 / كتاب الاعتكاف باب 3/8.
ما يكره للمعتكف:
1-
يكره للمعتكف الأكل في فناء المسجد أو رحبته التي ألحقت به لتوسيعه. وإن أكل خارج ذلك بطل اعتكافه.
2-
يكره اعتكاف شخص غير مكفي لأنه ذريعة لخروجه إلى شراء ما يحتاج إليه، فإن احتاج إلى شيء جاز له الخروج لذلك بحيث لا يتجاوز أقرب مكان يمكنه الشراء منه، وإلا فسد اعتكافه.
3-
يكره للمعتكف إذا خرج لقضاء حاجة، أن يدخل بيتاً فيه أهله (زوجته، أسرته) لئلا يطرأ عليه منهما ما يفسد اعتكافه.
4-
يكره الاشتغال بالعلم ولو شرعياً تعليماً أو تعلماً، لأن المقصود من الاعتكاف صفاء القلب بمراقبة الرب، ويحصل هذا غالباً بالذكر وعدم الاشتغال بالناس.
5-
يكره الاشتغال بالكتابة، ولو كتابة مصحف، لما فيه الانشغال عن ملاحظة الرب تعالى. وليس المقصود من الاعتكاف كثرة الثواب بل صفاء مرآة القلب الذي به سعادة الدارين. ومحل كراهة الاشتغال بالعلم والكتابة كثرته. كما يكره الاشتغال بأي فعل آخر غير الذكر والصلاة وتلاوة القرآن.
6-
يكره للمعتكف عيادة مريض في المسجد إن انتقل إليه المعتكف لا إن كان بقربه، وصلاة جنازة ولو وضعت بجانبه، وصعود منارة المسجد أو سطحه للأذان، أما إن كان الآذان في مكانه أو في صحن المسجد فلا يكره، وتكره إقامته للصلاة، ويكره السلام على الغير إن بَعُد.
7-
يكره للمعتكف حلق رأسه إذا خرج من المسجد لغسل جنابة أو جمعة أو عيد.
ما يجوز للمعتكف:
1-
السلام على من بقربه.
2-
التطيب، وإن كره الطيب للصائم غير المعتكف، لأن الاعتكاف نفسه مانع مما يُخشى منه إفساد الاعتكاف بخلاف الصوم.
3-
أن يعقد النكاح لنفسه أو يعقد النكاح لمن له ولاية عليها، إذا لم ينتقل من مجلسه ولم يطل الزمن، وإلا كره.
4-
قص الشارب والأظافر وحلق العانة إذا خرج من المسجد لغسل جنابة أو جمعة أو عيد.
5-
انتظار جفافا ثوبه إذا لم يكن عنده غيره وخرج لغسله من نجاسة، أما إن كان عنده غيره كره له انتظار جفافه.