الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: الأعيان الطاهرة والأعيان النجسة
نذكر أولاً الأعيان الطاهرة لأن الأصل في الأشياء الطهارة ما لم تثبت نجاستها بدليل:
أولاً: الأعيان الطاهرة:
1-
الإنسان حياً كان أو ميتاً ولو كان كافراً أو شارب خمر لقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} (1) والمكرم لا يكون إلا طاهراً، أما قوله تعالى:{إنما المشركون نجس} (2) فالمراد به النجاسة المعنوية التي حكم بها الشارع.
2-
الجماد: وهو كل جسم لم تحله الحياة ولم ينفصل عن حي، وينقسم إلى قسمين:
جامدات: ومنها جميع أجزاء الأرض ومعادنها ونحوها، وجميع أنواع النباتات ولو كانت مخدَّرة كالحشيش والأفيون والبنج، أو كانت سامة.
ومائعات: منها الماء والزيوت وماء الأزهار والخل (أما اللبن أو السمن أو العسل فليس بجماد لانفصاله عن حيوان) ما لم يطرأ عليه ما ينجسها.
3-
كل حي طاهر سواء كان بحرياً أو برياً، ولو كان متولداً من عذرة، أو كان يأكل نجاسة، أو كان كلباً أو خنزيراً.
4-
عَرَق كل حي ولو كان يشرب خمراً أو يأكل نجاسة، وكذا دمعه ومخاطه ولعابه (وهو ما سال من فمه في يقظة أو نوم ما لم يعلم أنه من المعدة بصفرة أو نتن ريح فإنه نجس) وبيضه ولو من حشرات ما لم يفسد بعفونة أو زرقة أو صار دماً أو مضغة أو فرخاًميتاً فإنه نجس. أما البيض
⦗ص: 37⦘
الذي اختلط صفاره ببياضه بغير عفونة أو وجود نقطة دم غير مسفوح فيه فلا يفسد ويبقى طاهراً.
5-
ما يخرج من ميتة طاهرة أو من حيوان يؤكل لحمه وذُكِّي ذكاة شرعية مع دمع ولعاب وعرق ومخاط وبيض فطاهر.
6-
لبن الآدمي ولبن مأكول اللحم ولو كان لحمه مكروهاً كالهر والسبع.
7-
البلغم: وهو ما يخرج من الصدر منعقداً كالمخاط، وكذا ما يسقط من الدماغ من آدمي وغيره ويقال له البلغم.
8-
الصفراء: ماء أصفر يخرج من المعدة حال حياة الحيوان، وهي طاهرة لأن المعدة طاهرة وما يخرج منها طاهر ما لم يستحل إلى فساد كالقيء والقلس المتغيرَيْن.
9-
مرارة الحيوان المباح أو المكروه أكله بعد تذكيته ذكاة شرعية، والمراد بها الماء الأصفر الكائن في الجلدة المعروفة للحيوان باسم اللمفحة [؟؟] ، وكذا الجلدة طاهرة لأنها جزء من الحيوان المذكى الطاهر.
10-
القلس: وهو ما تقذفه المعدة من الماء عند امتلائها في حالة التجشوء ما لم يتغير.
11-
القيء: وهو الطعام الخارج من المعدة بعد استقراره فيها ما لم يتغير بحموضة أو غيرها فنجس.
12-
المسك وفأرته (3) : وأصله دم انعقد ثم استحال إلى صلاح.
13-
الصوف والوبر وزغب الريش (أما قصبة الريش فنجسة) والشعر لجميع الدواب طاهرة ولو كانت من خنزير سواء كان الحيوان حياً أم ميتاً، وسواء كانت متصلة بالحيوان أو منفصلة عنه بالجز (حلق، قص، إزالة بالنورة) ، أما لو فصلت عنه بالنتف فأصولها نجسة والباقي طاهر لأنها لا تحلها الحياة وكل ما تحله الحياة لا ينجس بالموت.
14-
فضلة الحيوان المباح أكله: روثه وبعره، وزبل الدجاج والحمام وجميع الطيور، ما لم تأكل أو تشرب نجاسة تحقيقاً أو ظناً أو شكاً، فتكون فضلتها نجسة كالبقرة الجلاّلة.
15-
الخمر: إن تحجرت (أي صار حجراً) أو تخللت بنفسها أو بفعل فاعل طاهرة، ما لم يقع فيها نجاسة قبل تخللها. ويطهر إنائها تبعاً لها ولو كان من فخار.
16-
رماد النجاسة إذا سحقتها النار، أما إذا بقيت على صلابتها فتبقى نجسة. ومن الأولى الوقود المتنجسة فإنها تطهر بالنار، وكذا دخان النجاسة وبخارها.
17-
الدم غير المسفوح (أي الدم غير الجاري) من الحيوان المذكّى: وهو العالق على العروق وفي قلب الحيوان وما يرشح من اللحم، بخلاف ما يبقى على محل الذبح فإنه من باقي المسفوح فنجس.
18-
الزرع الذي سقي بنجس طاهر، وإن تنجس ظاهره فيغسل ما أصابه من نجاسة.
19-
الميتة البرية التي لا دم لها كالعقرب والخنفساء والبرغوث
…
20-
ميتة البحر ولو طالت حياة الحيوان في البر كالتمساح والضفدع والسلحفاة البحرية، ولو كان الحيوان على صورة كلب أو خنزير أو آدمي، سواء مات في البر أو في البحر، وسواء مات حتف أنفه أو بفعل فاعل. لما روى عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال)(4)، وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإذا توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(هو الطهور ماؤه الحل ميتته)(5) .
21-
كل حيوان ذُكِّي شرعية (6) مما يؤكل لحمه (أما الذي لا يؤكل لحمه كالخيل والبغال والحمير، وكذا الكلب والخنزير، فالذكاة لا تطهره) بذبح أو عقر ونحر فهو طاهر، وكذا أجزاؤه طاهرة من عظمٍ ولحمٍ وظفر وسن وجلد، أما مكروه الأكل كالسبع إذا ذُكِّي لأكلٍطهر لحمه وجلده تبعاً له، وإذا ذُكِّي بقصد أخذ جلده طهر جلده فقط ولا يطهر لحمه لأنه ميتة على الراجح وقيل يؤكل على المرجوح.
(1) الإسراء: 70.
(2)
التوبة: 28.
(3)
الجلدة التي تكون فيها.
(4)
ابن ماجة: ج 2/ كتاب الأطعمة باب 31/3314.
(5)
الترمذي ج 1/الطهارة باب 52/69.
(6)
الذكاة الشرعية هي: الذبح بيد مسلم أو كتابي على الكيفية الشرعية مع ذكر اسم اللَّه تعالى عليه. فإذا كان الذابح غير مسلم أو ذمي (لا دين له) يحرم أكل الحيوان المذبوح على كل المذاهب. وإذا لم يذكر اسم اللَّه تعالى عليه عمداً أو سهواً فأكله مكروه عند السادة المالكية، وطاهر يؤكل لحمه بغير كراهية عند السادة الشافعية، أما عند السادة الحنفية: إذا تُركت التسمية عمداً فلا يؤكل لحمه وإن تركت سهواً فيؤكل. وإذا ذبح الحيوان بغير الكيفية الشرعية وخرج كامل الدم فيؤكل لحمه، أما إذا لم يخرج كامل الدم فلا يؤكل لحمه.
والكيفية الشرعية هي: الذبح العادي للغنم، والنحر للإبل والبقر؛ وذلك بأن يضرب عنق الحيوان بسكين ذات حدين ثم تحرك يميناً وشمالاً حتى تقطع الرقبة. وقد يستعمل العقر قبل النحر للإبل والبقر القوي الشرس؛ وذلك بأن تقطع رجلا الحيوان. ويداه أولاً ثم ينحر.
ثانياً: الأعيان النجسة:
⦗ص: 39⦘
تعريف النجاسة:
النجاسة لغة: كل شيء مستقذر حسياً كان - وهو ما يسمى الخبث كالبول والدم - أو معنوياً كالآثام ومنها قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} (1) .
وشرعاً: كل شيء مستقذر يمنع الصلاة، والطواف، والمكث في المسجد.
والأعيان النجسة هي:
1-
ميتة كل حيوان بري له دم سائل، ولو كان مما يؤكل لحمه إن مات دون أن يذكى ذكاة شرعية، لقوله تعالى:{حرِّمت عليكم الميتة} (2) .
2-
ما خرج من الميتة النجسة من بول ودمع ومخاط وبيض ولعاب وعرق.
3-
كل ما انفصل من حي ميتته نجسة لحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة)(3) ، أو ما انفصل من ميتة نجسة مما تحله الحياة (أجزاء الميتة) كاللحم، والعظم، والعصب، والقرن، والظلف، والحافر، والظفر، والسن، وناب الفيل (العاج) وقصب الريش.
4-
جلد كل حيوان ميتته نجسة سواء فصل من الحيوان حياً أو ميتاً، ولو دبغ، أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دبغ الإهاب فقد طهر)(4) فمحمول على الطهارة اللغوية التي هي النظافة.
5-
المني والمذي والودي من آدمي وغيره من الحيوانات ولو كان مما يؤكل لحمها.
فالمني (5) : ماء يخرج عند اللذة بجماع وغيره، وهو من الرجل على الغالب أبيض غليظ ومن المرأة أصفر رقيق. والدليل على نجاسته ما روى علقمة والأسود؛ أن رجلاً نزل بعائشة رضي الله عنها. فأصبح يغسل ثوبه. فقالت عائشة: (إنما كان يجزئك، إن رأيته، أن تغسل مكانه،
⦗ص: 40⦘
فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فركاً فيصلي فيه) (6) فحملوا الحديث على الوجوب (7) .
والمذي: ماء رقيق يخرج عند تذكر الجماع ونحوه، ودليل نجاسته: قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه وقد سأله عن المذي: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة
…
) (8) .
والودْي: ماء أبيض ثخين يخرج عقب البول غالباً، فحكمه حكم البول.
6-
القيح والصديد (وهو ماء الجرح الرقيق المختلط بدم) وما يسيل من الجسد من قروح وغيرها مثل نفط النار، أو جرب أو حكة ونحو ذلك.
7-
رطوبةُ فرجٍ من آدمي أو حيوان غير مباح الأكل، أما من مباح الأكل فطاهرة طالما أن فضلاته طاهرة فمن باب أولى طهارة رطوبة الفرج؛ ما لم يكن يأكل النجاسة فنجسة.
8-
الدم المسفوح: وهو الدم السائل من الحيوان عند موجبه من ذبح أو فصد أو جرح، ولو كان من سمك. بدليل قوله تعالى: {أو دماً مسفوحاً
…
فإنه رجس} (9) .
9-
السوداء: وهو ما يخرج من المعدة كالدم الخالص بخلاف الصفراء.
10-
فضلة الآدمي من بول وعذرة، وإن لم تتغير عن حالة الطعام، ولو كان الآدمي صغيراً لم يتناول الطعام. وكذا فضلة مالا يؤكل لحمه مما له دم يسيل كالحمار والبغل، وفضلة ما يكره أكل لحمه كسبع وهر ووطواط، وفضلة ما يؤكل لحمه إن كان يأكل النجاسة أو يشربها تحقيقاً أو ظناً أو شكاً.
11-
القيء المتغير ولو بحموضة، والقلس المتغير.
(1) التوبة: 28.
(2)
المائدة: 3.
(3)
أبو داود: ج 3/كتاب الصيد باب 3/2858.
(4)
مسلم: ج 1/ كتاب الحيض باب 27/105.
(5)
أما كون بني آدم أو ما يؤكل لحمه طاهر فكيف يكون منيه المكون منه نجس؟ وذلك لخروج المني من مكان نجس فينجس. أما استحالة المني إلى لحم وعظم فيصبح طاهراً بالاستحالة، لأن الاستحالة تطهر النجاسة.
(6)
مسلم: ج 1/ كتاب الطهارة باب 32/105.
(7)
كما عند السادة الحنفية، أما السادة الشافعية فحملوه على الندب.
(8)
أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 83/206.
(9)
الأنعام: 145.
إزالة الخبث (التطهير من النجاسة) :
أولاً: تطهير الماء المتنجس:
يطهر الماء المتنجس بإزالة التغيير الذي أحدثته النجاسة فيه، من تغير لون أو طعم أو ريح، بصب طاهر عليه: ماء أو تراب. أما إن زال التغير من نفسه فلا يطهر.
⦗ص: 41⦘
.
ثانياً: تطهير المائعات:
تنجس المائعات كالزيت واللبن والعسل والسمن (ولو جمد بعد وقوع النجاسة) إذا حلت النجاسة فيها وتحلل شيء منها إما تحقيقاً أو ظناً أو شكاً، مهما قلت النجاسة المحلولة، ومهما كان المائع كثيراً، ولا تقبل التطهير بتاتاً ولا بحل من الأحوال.
أما إذا كان المائع متجمداً ووقعت فيه نجاسة فينجس، إن ظن سريان النجاسة بكل المائع المتجمد كأن كانت النجاسة مائعة كالبول. أما إن لم يظن سريانها في جميعه، كأن كانت النجاسة جامدة والمائع جامد، فيتنجس منه بمقدار ما ظن سريانه فيه، ولو كانت النجاسة مما يصعب الاحتراز منه كروث الفأر، فترفع النجاسة وما حولها بقدر السريان، ويستعمل الباقي لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رفعت الفأرة في السمن، فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه)(1) .
(1) أبو داود: ج 4/كتاب الأطعمة باب 48/3842.
ثالثاً: تطهير الأطعمة المتنجسة:
لا تطهر الأطعمة المتنجسة بتاتاً كاللحم المطبوخ بماء متنجس أو الذي حلت فيه نجاسة قبل نضجه، أما إذا وقعت فيه بعد نضجه فيطهر بغسله، وكذا الزيتون المملح بنجاسة أو البيض المسلوق بنجاسة فلا يطهر.
رابعاً: تطهير الأواني المتنجسة:
ا- الأواني الخشنة ذات المسام التي يمكن سريان النجاسة في مسامها مثل الفخار والخشب والخزف لا تطهر إلا إذ وضعت فيها نجاسة سائلة ومكث فيها مدة يظن سريانها في جميع أجزاء الإناء، إلا الفخار فإنه يطهر إذا حرق بالنار (شوي) لأن النار تغوص في المسام وكذا النار تطهر الأشياء بالاستحالة.
أما إذا كانت النجاسة الموضوعة في الإِناء جامدة، أو مائعة إلا أنها لم تمكث في الإناء مدة تكفي لسريانها في مسامه، فإنه يمكن تطهير الإناء بإزالة النجاسة.
2-
الأواني الملساء كالحديد والنحاس والزجاج تطهر بغسلها ولو لمرة واحدة بشرط إزالة النجاسة، سواء كانت النجاسة الموضوعة فيها مائعة أو جامدة، وسواء مكث كثيراً أم قليلاً.
⦗ص: 42⦘
.
3-
إناء الخمر، مهما كان نوعه، يطهر إذا تخللت الخمر أو تحجرت تبعاً لها، لأنها هي تطهر بالتخلل أو التحجر.
4-
الإناء الذي ولغ فيه الكلب مرة فأكثر يندب إراقة الماء الذي فيه، وغسل الإناء سبع مرات تعبداً، ولا يندب تتريب إحداهن؛ إذا الكلب طاهر ولعابه طاهر. أما إن ولغ الكلب في حوض أو في طعام فلا يندب الغسل.
خامساً: تطهير الثياب المتنجسة:
تطهير الثياب المتنجسة إن انفصل الماء عنها ولم تغير أحد أوصافه بالنجاسة، ولا فرق بين أن يرد الماء على الثوب المتنجس، أو يرد الثوب على الماء كأن يغمس الثوب في إناء ماء ويخرج منه والماء غير متغير، سواء كان الماء قليلاً أو كثيراً. أما إن تغير الماء المنفصل عن الثوب في أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة فالثوب والغسالة المنفصلة عنه نجسة، وأما إذا كان سبب التغير هو الأوساخ العالقة بالثوب وليس النجاسة فالثوب يطهر والغسالة تسلب طهوريتها وتبقى طاهرة فقط غير مطهرة.
ولا يشترط في الغسل استعمال الصابون وغيره، وإنما يكفي استعمال الماء البارد حتى يغلب على الظن زوال النجاسة. كما لا يشترط تثليث الغسل ولا العرك ولا العصر ولا النية، وإنما يشترط إزالة طعم النجاسة فقط؛ فبقاء الطعم لا يطهر الثوب أو الإناء أو المحل، أما بقاء اللون أو الريح إن تعسر زوالهما فلا يضر.
سادساً: تطهير الأرض المتنجسة:
تطهر الأرض المتنجسة بكثرة إفاضة الماء عليها من مطر وغيره حتى تزول عين النجاسة وأعراضها سواء تحقق إصابة الأرض بالنجاسة أو ظن أو شك بإصابتها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:(دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء - أو ذَنُوباً من ماء - فإن بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)(1) . وإذا كانت الأرض ملساء فيكفي المسح لتطهيرها.
⦗ص: 43⦘
(1) البخاري: ج 1/ كتاب الوضوء باب 57/217.
حالة الشك في إصابة النجاسة:
1-
إن شك إصابة البدن أو الأرض بالنجاسة وجب الغسل كما لو تحقق.
2-
إن شك إصابة الثوب أو الحصير أو الخف أو النعل وجب النضح لا الغسل. والنضح يكون برش المشكوك بالماء المطلق بيده أو غيرها كالفم، وتلقي مطر رشة واحدة، ولو لم يتعمم المحل بالماء. ولا يفتقر الرش إلا نية، كما أن غسل النجاسة لا يفتقر إلا نية.
3-
إن تحقق الإصابة لكن شك بالمحل المصاب ما بين محلين فأكثر غسل جميع المشكوك فيه سواء كان من بدن أو ثوب أو مكان أو آنية. وإن كان المشكوك بهما ثوبان أيهما أصابته النجاسة غسل أحدهما للصلاة فيه إن اتسع الوقت ووجد ما يزيل به النجاسة، وإلا اجتهد وصلى بأحدهما.
4-
أما إن أصابه شيء، تحقيقاً أو ظناً، ثم شك هل ما أصابه نجس، أو طاهر، فلا يجب عليه نضحه ولا غسله، لحمله على الطهارة، كالماء الساقط على المار بالطريق من أمكنة المسلمين يحمل على الطهارة، ولا يجب الغسل إلا إذا ظن المار إصابة النجاسة.
- وإذا أزيلت عين النجاسة عن محلٍ بغير ماء مطلق يبقى حكم النجاسة فيه، فإذا لا لاقى هذا المحل شيئاً طاهراً، سواء كان بدناً، أو ثوباً، أو مكاناً، فلا ينجسه، ولو كان هناك رطوبة من أحدهما أو كليهما، لأن الحكم شيء اعتباري لا ينتقل.
الانتفاع بالأعيان النجسة:
لا يجوز الانتفاع بالأشياء المتنجسة بأي حال من الأحوال باستثناء ما يلي:
1-
الخمر لإساغة غصة مع عدم وجود مائع غيرها، أما شربها كدواء، ولو تعين، أو لدفع عطش فلا يجوز.
2-
أكل لحم الميتة لمضطر، كأن تعرض إلى الهلاك من شدة الجوع لقوله تعالى بعد أن ذكر تحريم الميتة:{فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن اللَّه غفور رحيم} (1) .
3-
جلد الميتة المدبوغ يجوز استعماله في غير المائعات، كالحبوب، والدقيق، والخبز غير المبلول وكذا في الماء المطلق، لأن الماء الطهور لا يضره إلا ما يغير لونه أو طعمه أو ريحه. أما جلد الخنزير فلا يجوز استعماله مطلقاً دبغ أو لم يدبغ؛ لا في مائع ولا في غيره وكذا جلد الآدمي لشرفه وكرامته.
4-
يجوز أن يوقد بعظم الميتة على طوب (آجر) أو حجارة (كلس) .
5-
يجوز طرح الميتة للكلاب.
6-
يجوز سقي الزرع بنجس.
7-
يجوز استعمال شحم الميتة لدهن عجلة ونحوها.
8-
كما يجوز الانتفاع بالمائعات المتنجسة، ولو كانت طعاماً، كالزيت والعسل والسمن، في غير مسجد (فلا يجوز أن يضاء المسجد بالزيت المتنجس) وأكل الآدمي وشربه وإدهانه (بناء على أن التلطخ بالنجاسة حرام وتجب إزالتها للصلاة وللطواف ولدخول المسجد) . كأن تستعمل في سقي الدواب والزرع، وفي الصناعة بأن يستعمل الزيت المتنجس في صناعة الصابون لأن الاستحالة تطهر، أو في دهن العجلات. إلا أنه لا يجوز بيع الموائع المتنجسة إلا بعد إعلام الشاري بنجاستها.
⦗ص: 45⦘
(1) المائدة: 3.
فصل في اللباس
ما يحرم على الذكر المكلف لبسه أو استعماله: (1)
أولاً: الحرير:
يحرم على الذكر البالغ العاقل، استعمال الحرير الخالص، لبساً أو فراشاً أو غطاءً لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:(حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم)(2) ، أما الخز، وهو ما كان سداه من حرير ولُحْمته من قطن أو كتان فقيل بكراهته وهو الأرجح. وجازت ستارة من حرير إذا لم يستند المكلف إليها، كما تجوز الناموسية من الحرير.
(9)
الأنعام: 145.
(1) لما كان مُحرم الاستعمال من الطاهرات يشارك النجس في حرمة الاستعمال لذا ورد ذكر هذا الفصل هنا.
(2)
الترمذي: ج 4/كتاب اللباس باب 1/1720.
ثانياً: الذهب والفضة:
1-
يحرم عليه لبس الحلي من الذهب أو الفضة باستثناء ما يلي:
1-
اتخاذ خاتم فضي - بل يندب - إن لبسه للسنة بشرط أن لا يزيد على درهمين شرعيين، وأن يكون خاتماً واحداً، فإن تعدد فيحرم، ولو كان المتعدد درهمين فأقل، وإذا طلي بالذهب أو خلط به وكان الذهب أقل من الفضة فإنه يكره على القول المعتمد. ودليل جواز التختم بالفضة للرجل حديث روي عن ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: (
…
ثم اتخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة، فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، حتى وقع من عثمان في بئر أريس) (1) .
2-
يجوز اتخاذ أنف من أحد الناقدين في حالة قطع الأنف.
⦗ص: 46⦘
.
3-
استعمال سن من ذهب أو فضة، أو ربط السن المخلخل بأحد النقدين.
4-
يجوز للرجل اقتناء الحلي للعاقبة أو للتجارة أو لزوجة سيتزوجها.
5-
يجوز لولي الصغير إلباسه الفضة، أما الذهب والحرير فيكره على القول المعتمد (والقول الآخر الذهب والحرير حرام والفضة تكره) .
(1) البخاري: ج 5/كتاب اللباس باب 45/5528.
2-
يحرم على الذكر المكلف استعمال المُحلى بأحد النقدين، الذهب والفضة، نسجاً أو طرزاً أو زراً، ولو آلة حرب، سواء كانت مما يُضرب بها كرمح وسكين، أو يتقى بها كترس، أو يركب عليها كسرج باستثناء ما يلي:
1-
السيف: فإنه يجوز تحليته بأحد النقدين، سواء أكان في قبضته أو غمده.
2-
المصحف: يجوز تحليته بالذهب والفضة للتشريف، إلا أن كتابة أجزائه أو أحزابه بأحد النقدين مكروهة، لأنها تشغل القارئ عن التدبر. أما كتب العلم والحديث فلا يجوز تحليتها بالذهب والفضة.
3-
يجوز اقتناء المُحلى للتجارة أو لعاقبة الدهر.
3-
يحرم على المكلف ذكراً كان أو أنثى استعمال آنية الذهب والفضة، أو اقتناؤها ولو لعاقبة الدهر، أو اتخاذها تحفة للصمد. لما روي عن أبي ليلى قال: كان حذيفة بالمداين، فاستسقى، فأتاه دِهقان بماء في إناء من فضة، فرماه به وقال: إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(الذهب والفضة، والحرير والديباج هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة)(1) .
وكذا تحرم آنية النحاس أو الحديد المطلية بالذهب أو الفضة. أما الأواني المموهة بأحد النقدين وكذا المصنوعة من الجوهر كالياقوت والزبرجد واللؤلؤ فلا يحرم استعمالها ولا اتخاذها كتحفة للصمد.
4-
يحرم على المكلف ذكراً كان أو أنثى التضبيب بأحد النقدين.
(1) البخاري: ج 5/كتاب اللباس باب 45/5528.
ما يجوز لبسه للمرأة:
يجوز للمرأة الملبوس من الحرير، والذهب والفضة، والمحلى بهما، ولو نعلاً، أو قبقاباً لأنهما من الملبوس، وكذا الساعة الذهبية التي توضع باليد، ويلحق بالملبوس ما شابهه، من فرش ومساند
⦗ص: 47⦘
وأزرار، وما علق بشعر. ودليل إباحة لبس الذهب والحرير للنساء الحديث المتقدم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
ما يحرم عليها:
لا يجوز للمرأة أن تستعمل ما لم يكن ملبوساً أو ما شابهه من الذهب والفضة كالمكحلة والسرير والأواني والمشط والمدية، وكذا لا يجوز لها تحلية ما ذكر بهما، ولا تحلية سيفها إن كان لها سيف.