المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الرابع: الفصل الأول الوضوء - فقه العبادات على المذهب المالكي

[كوكب عبيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [المؤلفة]

- ‌تقديم [الشيخ إبراهيم اليعقوبي الحسني]

- ‌مالك بن أنس رضي الله عنه

- ‌[متن الكتاب]

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول: تعريف الطهارة:

- ‌الباب الثاني: الأعيان الطاهرة والأعيان النجسة

- ‌الباب الثالث: آداب قضاء الحاجة

- ‌الباب الرابع: الفصل الأول الوضوء

- ‌الباب الخامس: الغُسْل

- ‌الباب السادس: التيمم

- ‌الباب السابع: الحيض والنفاس والاستحاضة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الباب الأول: تعريف الصلاة:

- ‌الباب الثاني: الأذان والإقامة

- ‌الباب الثالث: شروط الصلاة:

- ‌الباب الرابع: صفة الصلاة

- ‌الباب الخامس: الفصل الأول سجود السهو

- ‌الباب السادس: صلاة التطوع

- ‌الباب السابع: صلاة الجماعة

- ‌الباب الثامن: صلاة المسافر (القصر والجمع)

- ‌الباب التاسع: صلاة الجمعة (1)

- ‌الباب العاشر: صلاة الخوف

- ‌الباب الحادي عشر: الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الباب الأول: تعريف الزكاة:

- ‌الباب الثاني: الفصل الأول

- ‌الباب الثالث: مصارف الزكاة

- ‌الباب الرابع: صدقة الفطر

- ‌كتاب الصوم

- ‌الباب الأول⦗ص: 303⦘: تعريف الصوم:

- ‌الباب الثاني: الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول⦗ص: 333⦘: تعريف الحج والعمرة:

- ‌الباب الثاني: أركان الحج والعمرة

- ‌الباب الثالث: واجبات الحج والعمرة

- ‌الباب الرابع: مندوبات الحج

- ‌الباب الخامس: الفصل الأول

- ‌الباب السادس: الفصل الأول

الفصل: ‌الباب الرابع: الفصل الأول الوضوء

‌الباب الرابع: الفصل الأول الوضوء

ص: 55

تعريف الوضوء:

الوضوء لغة: الحسن والنظافة.

وشرعاً: غسل أعضاء مخصوصة بنية مخصوصة.

دليل مشروعيته:

قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} (1) .

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تُقبل صلاةٌ بغير طهور ولا صدقة من غلول)(2) .

(1) المائدة: 6.

(2)

مسلم ج 1/ كتاب الطهارة باب 2.

ص: 55

حكم الوضوء:

ص: 55

1-

فرض:

ص: 55

1-

للصلاة وما جانسها (أي سجدتي الشكر والتلاوة)

ص: 55

2-

للطواف: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير)(1) .

ص: 56

3-

لمس المصحف: لقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} (2) .

(1) الترمذي ج 1 كتاب الحج باب 112/960.

(2)

الواقعة: 79.

ص: 56

2-

مندوب:

ص: 56

1-

لزيارة صالح كعالم وزاهد وعابد، حي أو ميت، ومن الأولى لزيارة نبي من الأنبياء الكرام، لأن الوضوء نور، فيقوِّي به نوره الباطني في حضرتهم عند زيارتهم.

ص: 56

2-

لزيارة سلطان (كل ذي بطش) أو الدخول عليه لأمر من الأمور، لأن حضرة السلطان حضرة قهر أو رضا من اللَّه تعالى، والوضوء سلاح المؤمن وحصن من سطوة السلطان.

ص: 56

3-

لقراءة القرآن والحديث، وقراءة العلم الشرعي، ولذكر اللَّه تعالى مطلقاً، لما روي عن المهاجر بن قُنْفُذ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال:(إني كرهت أن أذكر اللَّه عز وجل إلا على طُهر)(3) .

ص: 56

4-

يندب الوضوء للجنب (ذكر أو أنثى) أو لغير الجنب عند إرادة النوم ولو نهاراً، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال:(يا رسول اللَّه! أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ)(4) .

ص: 56

5-

يندب الوضوء لدخول السوق، لأنه محل لهو واشتغال بأمور الدنيا ومحل الأيمان الكاذبة، فللشيطان فيه قوة تسلط على الإنسان، ولما ورد أن أول من يدخل الأسواق الشياطين براياتها، وأنها شر البقاع، والوضوء سلاح المؤمن ودرعه الحصين من كيد الشيطان وكيد الإنس والجن.

ص: 56

6-

يندب إدامة الوضوء لأنه نور، ولحديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة. ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)(5) .

ص: 56

7-

يندب تجديد الوضوء للصلاة ولو نافلة، أو للطواف (لا لغيرهما كمس المصحف) إن كان صلى بوضوئه الأول فرضاً أو نفلاً، أو طاف به، أو مس مصحفاً، وإلا كره له تجديد الوضوء. لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، طاهراً أو غير طاهر)(6) .

ص: 57

8-

يندب لمريد الصلاة ندباً مؤكداً غسل فم ويدٍ من أكل لحم ولبن وسائر ما فيه دسومة، وندب أن يكون بما يقطع الرائحة كالصابون، وأطلق عليه صلى الله عليه وسلم اسم الوضوء.

ص: 57

9-

يندب الوضوء لمن جامع ولم يغتسل إذا أراد أن يعود مرة أخرى في التي جامعها أو غيرها، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ، بينهما وضوءاً)(7) .

(1) الترمذي: ج 3 كتاب الحج باب 112/960.

(2)

الواقعة 79.

(3)

أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 8/17.

(4)

مسلم: ج 1/كتاب الحيض باب 6/23.

(5)

ابن ماجة: ج 1/ كتاب الطهارة باب 4/277.

(6)

الترمذي: ج 1 كتاب الطهارة باب 44/58.

(7)

مسلم: ج 1/كتاب الحيض باب 6/27.

ص: 57

شروط الوضوء:

تقسم شروط الوضوء إلى ثلاثة أقسام هي:

ص: 57

1-

شروط وجوب.

ص: 57

2-

شروط صحة.

ص: 57

3-

شروط وجوب وصحة.

أولاً: شروط وجوب الوضوء:

والمراد بها الشروط التي توجب على المكلفين أن يتوضؤوا بحيث إذا فقدت هذه الشروط كلها أو بعضها لم يجب الوضوء وهي:

ص: 57

1-

دخول وقت الصلاة: يجب على المكلف إذا دخل وقت الصلاة أن يصلي ما فرض عليه وجوباً موسعاً، وبالتالي يجب عليه الوضوء وجوباً موسعاً تبعاً للصلاة طالما لا تحل الصلاة إلا بالوضوء أو ما يقوم مقامه، فإذا لم يبقى من الوقت إلا زمن يسير لا يسع إلا الوضوء والصلاة فإنه في هذه الحالة يكون الوجوب مضيقاً إي على الفور. أما بالنسبة لصلاة النافلة فمتى عزم على الدخول فيها وجب عليه الوضوء فوراً. ولما كان دخول الوقت من شرائط الوجوب فقط إذن يصح الوضوء قبل دخول الوقت ولو كان المتوضئ معذوراً (سلس بول

) .

ص: 57

2-

البلوغ: فلا يجب الوضوء على من لم يبلغ الحلم، ولكن يصح وضوء غير البالغ.

ص: 58

3-

القدرة على الوضوء: فلا يجب على العاجز، ولا على فاقد الماء، ولا على المكره على ترك الوضوء.

ص: 58

4-

ثبوت الناقض للوضوء: فلا يجب على محصله (أي إن كان متوضئاً) .

ثانياً: شروط صحة الوضوء:

والمراد بها الشروط التي لا يصح الوضوء بدونها وهي:

ص: 58

1-

الإِسلام: وهو شرط صحة لكل العبادات، فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة فتجب عليهم العبادات ويعاقبون على تركها، ولكن لا تصح منهم إلا بعد الإِسلام.

ص: 58

2-

عدم وجود حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة. والحائل كل ما له جرمية مثل الشمع والدهن وعماص العين.

ص: 58

3-

أن لا يوجد من المتوضئ ما ينافي الوضوء مثل أن يصدر منه ناقض للوضوء في أثناء الوضوء إلا إذا كان من أصحاب الأعذار.

ثالثاً: شروط وجوب وصحة معاً:

والمراد بها الشروط التي إذا فقد منها شرط لم يجب الوضوء وإذا وقع الوضوء لم يصح وهي:

ص: 58

1-

العقل: فلا يجب الوضوء ولا يصح من مجنون حال جنونه، ولا من مصروع حال صرعه

ص: 58

2-

نقاء المرأة من المحيض والنفاس، وإذا ندب لها أن تتوضأ وضوءاً صورياً في وقت كل صلاة وتجلس في مصلاها.

ص: 58

3-

وجود الماء المطلق الكافي للوضوء، فلا يصح من واجد ماء قليل لا يكفيه، فلو غسل بعض الأعضاء بما وجده من الماء فباطل.

ص: 58

4-

عدم النوم والغفلة، فلا يجب على نائم وغافل ولا يصح منهما (إذا كان النائم ممن يقوم ويتحرك) لعدم النية.

ص: 58

5-

بلوغ الدعوة.

⦗ص: 59⦘

الفصل الثاني

فرائض الوضوء

فرائض الوضوء ويقال لها أيضاً أركان الوضوء؛ فالفرض مرادف للركن في اصطلاح الفقهاء ويختلف عن الشرط؛ إذ أن الركن أو الفرض هو ما كان من حقيقة الشيء والشرط هو ما توقف عليه وجود الشيء ولم يكن من حقيقته.

وفرائض الوضوء الثابتة في كتاب اللَّه تعالى والمتفق عليها عند الأئمة أربعةٌ هي: غسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين. ودليلها قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} (1) . وقد قال الإمام مالك بفرضية الدلك والموالاة والنية أيضاً. ففرائض الوضوء إذن سبعة هي:

أولاً - النية:

تعريفها: هي القصد إلى فعل مخصوص.

محلها: القلب.

دليلها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى)(2) .

⦗ص: 60⦘

زمانها: عند أول مغسول مفروض وسُن أن يكون الوجه، أما السنن المتقدمة على غسل الوجه فلها نية منفردة. وإن ذكر المكلف نية الفرائض عند ابتداء السنن وظل مصطحباً هذه النية إلى البدء بأول فرض من فرائض الوضوء صحت نيته.

صيغتها: يجب أن يقصد رفع الحدث الأصغر، أو استباحة ما منعه الحدث الأصغر، أو قصد أداء فرائض الوضوء؛ وتجزئ إن صَاحَبَها نية رفع الخبث عن اليد أو الرجل مثلاً. أما إذا نوى استباحة ما تندب له الطهارة كقراءة القرآن أو زيادة صالح

الخ دون أن ينوي رفع الحدث فإنه لا يرتفع حدثه.

ولا يشترط التلفظ بالنية كما لا يشترط استحضارها إلى آخر الوضوء، فإن ذهل عنها أثناءه فإن الوضوء لا يبطل، بخلاف الرفض أثناء الوضوء، بأن يقول أثناء وضوئه أبطلت وضوئي، فإنه يبطل على الراجح. أما بعد انتهاء الوضوء فلا يضره رفضه، ويجوز له أن يصلي به؛ إذ ليس من نواقض الوضوء إبطاله بعد الفراغ منه.

شروطها: الإسلام، والتميز، والجزم. فإن تردد في النية فإنها لا تصح، كأنه يقول في نفسه: نويت الوضوء إن كنت أحدثت، فلا تصح.

ثانياً: غسل الوجه:

وحدهَّ طولاً، من منابت شعر الرأس المعتاد (خرج بالمعتاد الأصلع، والأغم وهو من نزل شعره جهة حاجبه) إلى منتهى الذقن فيمن لا لحية له، أو إلى منتهى اللحية فيمن له لحية. وحدُّه عرضاً من وتد الأذن إلى الوتد الآخر.

ولا بد من إدخال جزء يسير من الرأس لأنه مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ولا يدخل الوتدان في الوجه، ولا البياض الذي فوقهما لأنه ليس من الوجه بل يجب مسحه لأنه من الرأس، كما لا يدخل شعر الصدغين لأنه من الرأس. ويدخل البياض الذي تحت الوتدين لأنه من الوجه.

وينبغي في غسل الوجه مراعة غسل أسارير الجبهة وهي الانكماشات، وغسل وَتَرَ الأنف، وهي الحاجز بين طاقتي الأنف، وغسل ظاهر الشفتين، وغسل ما غار من جفن أو غيره؛ بتغميض

⦗ص: 61⦘

العينين تغميضاً شديداً، وكذا غسل أثر جرح غار، وتخليل شعر الوجه من عارضين (3) ولحية وعنفقة (4) وغمم (5) وحاجبين وشاربين، إذا كان الشعر خفيفاً وتُرى البشرة من خلاله. والمراد بالتخليل إيصال الماء للبشرة بالدلك على ظاهره، وأما الشعر الكثيف فلا يجب عليه تخليله، أي إيصال الماء للبشرة تحته، بل يكفي غسل ظاهره لكن لا بد من تحريكه كي يدخل الماء من خلاله.

ثالثاً: غسل اليدين مع المرفقين:

ويتضمن ذلك وجوب غسل ما على اليدين من إصبع زائد، وتخليل أصابع اليد بالأخرى لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:(أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)(6) ، ويجب ملاحظة غسل تكاميش الأنامل والبراجم، ولا يجب تحريك الخاتم المسموح فيه شرعاً سواء كان الخاتم واسعاً أو ضيقاً، أما إن كان الخاتم غير مسموح فيه شرعاً، كخاتم الذهب أو المتعدد للرجل، فلا بد من نزعه ما لم يكن واسعاً يدخل الماء تحته، فيكفي تحريكه، ولا فرق بين الحرام، كالذهب، أو المكروه كخاتم النحاس أو الحديد، وإن كان المحرم يجب نزعه وعدم استعماله على كل حال، من حيث أنه حرام.

وإذا التصق شيء بيده أو بأصل ظفره من طين أو عجين، فإنه يجب عليه إزالته وإيصال الماء إلى أصل الظفر (وهو القدر الملتصق بلحم الإصبع) ، أما ما تحت الظفر من درن ووسخ، فإنه يعفى عنه ما لم يتفاحش. وإذا قطع بعض اليد وجب باقيها، وإذا قطع محل الفرض كله سقط الغسل.

ودليل وجوب غسل المرفقين مع اليدين. قوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} ، وحديث نعيم بن عبد اللَّه المُجْمِر قال:(رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتوضأ)(7) . وفعله صلى الله عليه وسلم بيان للوضوء المأمور به، ولم ينقل تركه ذلك.

⦗ص: 62⦘

رابعاً: مسح جميع الرأس:

وذلك بمسح ما على الجمجمة منشعر أو جلد. وحدُّه: من منابت شعر الرأس المعتاد من الأمام إلى نقرة القفا من الخلف، ويدخل فيها شعر الصدغين، والبياض الذي خلفه فوق وتدي الأذنين، والبياض الذي فوق الأذنين المتصل بالرأس، وكذا مسح ما استرخى من الشعر مهما طال نظراً لأصله مع مسح باطن الشعر وجوباً وذلك برد اليدين من القفا إلى الأمام إذ لا يحصل التعميم إلا بالرد. روى يحيى المازني (أن رجلاً قال لعبد اللَّه بن زيد أتستطيع أن ترني كيف كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد اللَّه بن زيد: نعم، فدعا بماء

ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه

) (8) .

ولا يشترط بالمسح نقض الضفائر أو نقض ما جمع من الشعر بدون تضفير، سواء للذكر أو للأنثى، ولو كانت الضفائر مشدودة، ما لم تكن مضفورة بخيوط كثيرة تمنع مسح الشعر، فعندها يجب نقضها - هذا في الوضوء - أما في الغسل فلا بد فيه من نقض ما اشتد ضفره ويجزئ غسل ما على الجمجمة عن المسح، لأنه مسح وزيادة، إلا أنه مكروه لأن اللَّه تعالى أمر بالمسح لا بالغسل. وإذا مسح شعر رأسه ثم أزاله فإنه لا يجب إعادة المسح حتى ولو كشط الجلد بعد المسح.

وفي الموطأ عن مالك رضي الله عنه قال: بلغني عن جابر بن عبد اللَّه أنه سئل عن المسح على العمامة فقال: (لا حتى يمسح الشعرُ بالماء)(9) .

خامساً: غسل الرجلين مع الكعبين:

أي غسل القدمين مع إدخال الكعبين في الغسل، وهما العظمان البارزان أسفل الساق، ويجب تعهد ما تحتهما من عرقوب وأخمص - وهو باطن القدم - وسائر المغابن والشقوق التي في باطن القدم وظاهره. والدليل على دخول الكعبين في غسل الرجلين حديث أبي هريرة المتقدم: (

ثم غسل رجله اليمن حتى أشرع في الساق

) .

وإذا قطع محل الفرض كله سقط التكليف. ويندب تخليل الأصابع (وقيل بوجوبه، والمشهور وجوبه في اليدين وندبه في الرجلين) بحيث يبدأ ندباً بسبابة اليد اليسرى تخليل أصابع قدم اليمنى من الخنصر إلى الإبهام، ثم يبدأ بإبهام القدم اليسرى ويختم بخنصرها، وذلك من أسفل الأصابع

⦗ص: 63⦘

إلى أعلاها مع دلك خفيف باليد. لحديث المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: (رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره)(10)، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك)(11) .

سادساً: الموالاة (على أحد القولين المشهورين) :

ويعبر عنها بالفورية، أي يفترض على المتوضئ أن ينتقل إلى غسل العضو قبل أن يجف الذي قبله، سواء كان مغسولاً أو ممسوحاً، عند اعتدال الزمان (وهو أن يكون في فصل لا يترتب عليه جفاف الماء بحالة غير معتادة) والمكان (أي أن لا يكون في مكان فيه حر أو برد شديدان يجففان الماء) والمزاج (وهو أن لا يكون في طبيعة الشخص ما يوجب تجفيف الماء بسرعة) ، فقد صح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة)(12) . ويُحمل الحديث على من فعل ذلك عامداً أو مفرطاً عاجزاً.

ويُشترط لفرض الموالاة شرطان:

الأول: أن يكون المتوضئ ذاكراً، أما إن فرق بين أعضاء الوضوء ناسياً، فإنه يبني على وضوئه ويتمه سواء طال الفصل أم قصر. وكذا من نسي عضواً من أعضاء الوضوء أو ترك لمعة في أثناء الوضوء ناسياً، فإن طال الفصل اقتصر على فعل المنسي ولا يعيد ما بعده من الأعضاء، أما إن لم يطل الفصل (أي لم يجف العضو بعد) فإنه يفعل المنسي ويعيد ما بعده استناناً لأجل تحصيل سنة الترتيب.

الثاني: أن يكون المتوضئ قادراً على الموالاة، فإن فرّق بين غسل الأعضاء لعجزه عن الموالاة غير مفرط، فتسقط عنه الفورية، ويكون حكمه كحكم الناسي، ومثال ذلك أن يحضر المكلف الماء الكافي - باعتقاده - للوضوء ثم يظهر عدم كفايته، أو يهراق الماء، أو يُغضب منه، ويحتاج إلى ماء آخر ليكمل به وضوءه، فينتظر مدة تجف بها الأعضاء التي غسلها، فعند حضور

⦗ص: 64⦘

الماء يبني على ما فعل ويتم وضوءه ولو طال الفصل. أما إذا كان عاجزاً مفرطاً، كمن أحضر من الماء مالا يكفي لوضوئه، فإنه يبني على ما فعل ما لم يطل الفصل، وإلا صار حكمه حكم من فرق بين أعضاء الوضوء عامداً لا ناسياً ولا عاجزاً، فيبطل الوضوء ويجب عليه إعادته من جديد.

سابعاً: دلك الأعضاء:

وهو إمرار اليد (باطن الكف) على العضو المبتل، ولو بعد صب الماء عليه مرة واحدة وقبل جفافه، ويندب أن يكون خفيفاً، ويكره التشديد والتكرار، لما فيه من التعمق المؤدي للوسوسة. واستدل مالك رضي الله عنه على فرضية الدلك بقوله تعالى في آية الوضوء (فاغسلوا) ، لأن الغسل لغة هو إسالة الماء على العضو مع إمرار اليد عليه، وبفعله صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه، فعن عباد بن تميم عن عمه عبد اللَّه بن زيد:(أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فجعل يقول هكذا يُدْلك)(14) ، فلا يتحقق الغسل بدون الدلك، وإنما عُدَّ فرضاً على حدة، للمبالغة في الحث عليه.

(1) المائدة: 6.

(2)

مسلم: ج 3/كتاب الإمارة باب 45/155.

(3)

العارض: الشعر الذي بين اللحية والعذر (وهو الشعر المحاذي للأذنين) .

(4)

العنفقة: الشعر النابت تحت الشفة السفلى.

(5)

الغمم: الشعر النابت على الجبهة.

(6)

أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 55/142.

(7)

مسلم: ج 1/ كتاب الطهارة باب 12/34.

(8)

البخاري: ج 3/كتاب الوضوء باب 37/183.

(9)

الموطأ: ص 33.

(10)

ابن ماجة: ج 1/ كتاب الطهارة باب 45/644.

(11)

الترمزي: ج 1/الطهارة باب 30/93.

(12)

أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 67/175.

(13)

مسند الإمام أحمد: ج 4/39.

ص: 59

الفصل الثالث

⦗ص: 65⦘

أولاً سنن الوضوء:

تعريف السنة: هي ما طلبه الشارع وأكّد أمره ولم يقم دليل على وجوبه. ويثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.

وسنن الوضوء ثمانية، وهي:

ص: 64

1-

غسل اليدين إلى الكوعين: بأن يغسل يديه إلى كوعيه قبل إدخالهما في الإناء إن كان الماء قليلاً وغير جار، كآنية الوضوء أو الغسل (وهو ما لا يزيد على صاع) وأمكن الإفراغ منه، وذلك تعبداً للنظافة. أما إن كان الماء كثيراً، أو جارياً، أو لا يمكن الإفراغ منه، فتحصل السنة بغسلهما في الإناء، سواء كانتا نظيفتين أم متنجستين ما لم تنجسانه إذا تغير الماء بإدخالهما فيه؛ فعندها يتحيل على غسلهما خارجه إن أمكن وإلا ترك الماء وتيمم إن لو يجد غيره لأنه كالعادم للماء في الحكم.

ويندب غسلهما ثانية وثالثة، ويكفي غسلهما مجتمعتين، ويندب تفريقهما.

ص: 65

2-

المضمضة: وهي إدخال الماء إلى الفمْ وخضخضته ثم طرحه، فإن ابتلعه، أو أدخله ومجه من غير تحريك، أو تركه يسيل من فمه فلا يجزئ. ويندب أن تكون ثلاث مرات (المرة الثانية والثالثة مندوبتان) وبثلاث غرفات.

ص: 65

3-

الاستنشاق: وهو جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف، فإن دخل من غير جذب فلا يكون آتياً بالسنة. ويندب أن يكون ثلاث مرات (الأولى سنة والأخيرتان مندوبتان) بثلاث غرفات غير غرفات المضمضة.

⦗ص: 66⦘

ويندب المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم، وذلك بإصال الماء إلى أقصى الفم والأنف، أما للصائم فتكره، فإن بالغ ووصل الماء إلى حلقه، وجب عليه القضاء، لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فقال: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)(1) .

ولا بد للسن الثلاثة المتقدمة من نية، بأن ينوي بها سنن الوضوء عند غسل يديه، وتجزئ نية الفرض عند غسل اليدين.

ص: 65

4-

الاستنثار: وهو طرح الماء من الأنف بالنفس، مع وضع إصبعيه السبابة والإبهام من يده اليسرى على أنفه ومسكه من أعلاه لأنه أبلغ في النظافة، لحديث علي رضي الله عنه في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم: (

فأدخل يده اليمنى في الإناء

واستنثر بيده اليسرى، ففعل ذلك ثلاثاً) (2) .

ص: 66

5-

ردَ مسح الرأس: بشرط أن يبقى بلل من أثر مسح رأسه، وإلا سقطت سنة الرد.

ص: 66

6-

مسح الأذنين: ظاهرهما وباطنهما مرة واحدة، ويدخل في ذلك صماخ الأذنين، لحديث عمرو بن شعيب في صفة الوضوء، وفيه: (

فأدخل أصبعيه السباحتين في أُذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، وبالسباحتين ظاهر أذنيه..) (3) .

ص: 66

7-

تجديد الماء لمسح الأذنين: فلا يكفي في السنة أن يمسح أذنيه بالبلل الباقي من مسح رأسه.

ص: 66

8-

ترتيب الفرائض: بأن يغسل الوجه أولاً ثم اليدين ثم يمسح الرأس ثم يغسل الرجلين، فإن نَكَّس بأن قدم فرضاً على آخر سهواً وطال الفصل أعاد المُنكَّس فقط ولمرة واحدة استناناً ولا يعيد ما بعده، أما إن نكسه عمداً أو سهواً ولكن لم يطل الفصل أعاد المنكس مرة وأتم ما بعده مرة مرة، وأما إن نكس عمداً ولو جهلاً وطال الفصل استأنف وضوءه ندباً.

ومن ترك فرضاً من فرائض الوضوء غير النية، أو ترك لمعة تحقيقاً أو ظناً (شك) سهواً، سواء طال الفصل أم قصر. أو عمداً، أو عجزاً، ولم يطل الفصل، أتى به بعد تذكره فوراً وجوباً. وإلا بطل، وأتى بما بعده ندباً بنية إكمال الوضوء.

⦗ص: 67⦘

ومن ترك سنة من سنن الوضوء الثلاث: المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين عمداً أو سهواً فعلها استناناً دون ما بعدها سواء طال الفصل أم لا.

(1) أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 55/142.

(2)

البيهقي: ج 1 /48.

(3)

أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 55/142.

ص: 66

ثانياً: مندوبات الوضوء:

تعريف المندوب: هو ما طلبه الشارع ولم يؤكد على طلبه. ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. ويعبر عنه بالفضيلة.

ومندوبات الوضوء هي:

ص: 67

1-

إيقاع الوضوء في محل طاهر ومن شأنه الطهارة، فخرج بذلك المرحاض حتى قبل استعماله يكره الوضوء فيه.

ص: 67

2-

استقبال القبلة.

ص: 67

3-

التسمية في أوله، والسكوت عن الكلام بغير ذكر اللَّه تعالى إلا لحاجة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم اللَّه تعالى عليه)(1) .

ص: 67

4-

تقليل الماء الذي يرفعه للأعضاء حال الوضوء، بقدر ما يجري على العضو وإن لم يتقاطر منه.

ص: 67

5-

التيامن، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله، في نعليه، وترجله، وطهوره)(2) .

ص: 67

6-

جعل الإناء المفتوح من جهة اليد اليمنى، لأنه أعول في التناول، بخلاف الإبريق ونحوه فيجعله في جهة يساره، فيفرغ منه على يمناه ثم يرفع الماء بيديه جميعاً إلى العضو.

ص: 67

7-

البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو، بأن يبدأ في الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن أو اللحية، ويبدأ في اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين، وفي الرأس من منابت شعر الرأس المعتاد إلى نقرة القفا، وفي الرِجْل من الأصابع إلى الكعبين.

ص: 67

8-

الغسلة الثانية والثالثة في السنن (المضمضة والاستنشاق) وفي الفرائض. لكن لا تحسب

⦗ص: 68⦘

الثانية ما لم تعم الأولى ولا تحسب الثالثة ما لم تعم الثانية، فإذا توقف التعميم على الثلاثة فتعتبر كلها واحدة ويطالب ندباً بالثانية والثالثة. أما بالنسبة للمسح فتكره الثانية والثالثة.

ص: 67

9-

ترتيب السنن مع بعضها: غسل اليدين إلى الكوعين أولاً ثم المضمضة ثم الاستنشاق وترتيب السنن مع الفرائض، أي البدء بالسنن المذكورة أولاً ثم غسل الوجه ومسح الأذنين بعد مسح الرأس.

ص: 68

10-

الاستياك قبل المضمضة بعود لَيَّن، والأفضل أن يكون من أراك. ويكفي الأصبع عند عدمه. ويستاك ندباً بيده اليمنى، مبتدئاً بالجانب الأيمن عرضاً في الأسنان، وطولاً في اللسان، ولا ينبغي أن يزيد السواك في طوله عن شبر.

ويندب الاستياك لكل صلاة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)(3) .

ويندب الاستياك أيضاً عند قراءة القرآن لتطييب الفم، وعند الانتباه من النوم، وعند تغير رائحة الفم بأكل أو غيره. وقد ورد أن "السواك شفاء من كل داء إلا السام (4) ".

ولا يندب ترك التنشيف بل يجوز.

(1) أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 48/101.

(2)

مسلم: ج 1/ كتاب الطهارة باب 19/67.

(3)

مسلم: ج 1/ كتاب الطهارة باب 15/42.

(4)

الموت.

ص: 68

ثالثاً: مكروهات الوضوء:

ص: 68

1-

الوضوء في مكان نجس فعلاً، أو في موضع أعد للنجاسة وإن لم يستعمل كالمرحاض الجديد قبل استعماله.

ص: 68

2-

الإسراف في الصب، بأن يزيد على قدر الكفاية، قال تعالى:{ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (1)، وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار) (2) .

إلا إذا كانت الزيادة للنظافة أو التبرد فلا كراهة، ما لم يكن الماء موقوفاً على الوضوء فعندها يحرم الإسراف فيه.

ص: 68

3-

الكلام أثناء الوضوء بغير ذكر اللَّه تعالى، وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول حال الوضوء:"اللَّهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي، وقنعني بما رزقتني، ولا تَفْتنّي بما زويت عني".

ص: 69

4-

الزيادة على الثلاث في المغسول وعلى الواحدة في الممسوح على الراجح، لحديث عمرو بن شعيب في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم: (

ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا - التثليث - أو نقص فقد أساء وظلم) (3) .

ص: 69

5-

البدء بمؤخر الأعضاء بدلاً من مُقدَّمها.

ص: 69

6-

كشف العورة حال الوضوء، إذا كان بخلوة أو مع زوجته أو أمته، وإلا حَرُم أمام الأجانب.

ص: 69

7-

مسح الرقبة لأنه من الغلوّ في الدين، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح رقبته ولكنه ورد حديث بمسح الرقبة:(مسح الرقبة أمان من الغل) ؛ فالسادة الحنفية يعتبرون السنة القولية أقوى من الفعلية لذا أخذوا بالحديث، أما الشافعية فيعتبرون السنة القولية والفعلية سواء والسادة المالكية يعتبرون السنة الفعلية أقوى من القولية فلم يأخذوا بالحديث.

ص: 69

8-

الزيادة في المغسول على محل الفرض كإطالة الغرة، أما ما ورد في الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)(4) فمحمول على إدامة الوضوء.

ص: 69

9-

ترك سنة من سنن الوضوء عمداً أو سهواً. وفي حالة الترك يسن له فعلها لم يستقبل من الصلاة إن أراد أن يصلي بذلك الوضوء، وإن لم يفعلها فلا تبطل الصلاة.

(1) الأنعام: 141.

(2)

ابن ماجة: ج 1/ كتاب الطهارة باب 48/425.

(3)

أبو داود: ج 1/ كتاب الطهارة باب 51/135.

(4)

البخاري: ج 1/ كتاب الوضوء باب 3/136.

ص: 69

رابعاً: ما يجزئ عن الوضوء:

يجزئ غسل الجنابة عن الوضوء، فإذا انغمس المكلف في الماء ودلك جسده بنية رفع الحدث الأكبر، ولو لم يستحضر به رفع الحدث الأصغر، جاز له أن يصلي، بشرط أن لا يحصل له ناقض أثناء الغسل أعاد ما فعله من الوضوء مرة مرة بنية الوضوء، وإذا حصل الناقد بعد تمام الغسل فإنه الوضوء بنية.

⦗ص: 70⦘

الفصل الرابع

نواقص (1) الوضوء

تنقسم نواقص الوضوء إلى ثلاثة أقسام: إما حدث، وإما سبب، وإما غيرهما (الردة والشك) .

أولاً - الحدث:

وهو الخارج المعتاد من المخرج المعتاد في الصحة من ريح، وغائط، وبول، ومذي، وودي ومني بغير لذة معتادة، وهاد.

وبقولهم الخارج، يستثنى الداخل، من أصبع أو حقنة فإن إدخالهما لا ينقض وكذا إخراجهما لأنهما غير معتادتي الخروج.

والخارج المعتاد هو سبعة: ستة في الذكر والأنثى وهي: الريح والغائط والبول والمذي (ماء أصفر رقيق) والودي (ماء ثخين أبيض يخرج عقب البول) والمني الخارج بغير لذة معتادة (2) ، كمن حك لجرب أو هزته دابة فأمنى، ومثله خروج مني الرجل من فرج المرأة إن كان دخل بوطء وخرج بعد أن اغتسلت. وواحد يختص بالأنثى ويقال له الهادي (ماء أبيض يخرج من فرج المرأة الحامل قبل ولادتها) .

وخرج بقولهم المعتاد، الخارج غير المعتاد، مثل الحصى والدود، ولو كان خروجه مع أذى

⦗ص: 71⦘

كبول أو غائط لأن خروج الأذى تابع لخروجهما، ومثلهما الدم والقيح إن خرجا من غير أذى.

والمخرج المعتاد هو الدبر: يخرج منه الريح والغائط، والقبل: يخرج منه البول والمذي والودي والمني والهادي. فلو خرج ريح أو غائط من القبل فلا ينقض الوضوء لأنه مخرج غير معتاد لهما، وكذا إذا خرج بول من الدبر فلا ينقض لأنه مخرج غير معتاد للبول. كما يستثنى ما خرج من الفم كالقلس والقيء، وكذا الحجامة والفصد فكلها لا تنقض الوضوء، فعن مالك رضي الله عنه (أنه رأى ربيعة بن عبد الرحمن يقلس مراراً وهو في المسجد فلا ينصرف ولا يتوضأ حتى يصلي) (3) وسئل مالك عن رجل قلس طعامه هل عليه وضوء؟ فقال:(ليس عليه وضوء ولْيتُمضْمضْ من ذلك ولْيغسل فاه)(4) . قال يحيى: وسئل مالك هل في القيء وضوء؟ قال: (لا ولكن ليتمضمض من ذلك وليغسل فاه وليس عليه وضوء)(3) .

وإذا خرج الخارج المعتاد من ثقبة فوق المعدة لم ينقض، أما إن خرج من ثقبة تحت المعدة وكان المخرج المعتاد قد انسد، فإنه ينقض الوضوء.

وقولهم على وجه الصحة: أي لا على وجهه المرض، فلا ينقض السلس إذا لازم نصف زمن أوقات الصلاة فأكثر، وأوقات الصلاة من الزوال إلى طلوع شمس اليوم الثاني، لكن يندب الوضوء إذا لم يعم الزمن.

والسلس هو ما يسيل بنفسه لانحراف الطبيعة من بول، أو ريح، أو غائط، أو مذي، أو مني، وهذا

إذا لم ينضبط، ولم يقدر صاحبه على التداوي. فإن انضبط كأن جرت العادة بانقطاعه آخر الوقت، وجب عليه تأخير الصلاة لآخره، أو ينقطع أوله وجب عليه تقديمها. وكذا إذا قدر على التداوي وجب عليه التداوي وغفر له أيام التداوي.

أما المذي فقد خصه بعضهم بعزوبة بلا تذكر، فإن كان أمذى بتذكر أو نظر ودام عليه التذكر، فإنه ينقض مطلقاً، ولو لازم كل الزمن، أما إن كان لغير عزوبة كمرض أو انحراف طبيعة فهو كغيره، ولا يجب فيه التداوي.

ومن السلس دم الاستحاضة، فإن لازم أقل الزمن نقض وإلا فلا.

أما أدلة الانتقاض بالخارج المعتاد من السبيلين فهي:

⦗ص: 72⦘

أما الريح فلحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ)، قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُساء أو ضُراط (6) .

وأما الغائط فبنص الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط

فلم تجدوا ماء فتيمموا} (7) .

وأما البول فبالسنة المستفيضة والإجماع والقياس على الغائط.

وأما المذي فلما روى علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاء، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، لمكان ابنته، فسأل فقال: توضأ وتغسل ذكرك)(8) .

وأما الودي فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "الودي الذي يكون بعد البول فيه الوضوء"(9) .

(1) نواقض: جمع ناقض، نقضت الشيء أي أفسدته.

(2)

اللذة المعتادة: الجماع، اللمس، الفكر، فخروج المني بسببها موجب للغسل.

(3)

شرح الموطأ: ج 1/ص 82.

(4)

شرح الموطأ: ج 1/ص 82.

(5)

شرح الموطأ: ج 1/ص 83.

(6)

البخاري: ج 1/ كتاب الوضوء باب 2/135.

(7)

النساء: 43.

(8)

البخاري: ج 1/ كتاب الغسل باب 13/266.

(9)

البيهقي: ج 1/ص 115.

ص: 69

ثانياً: الأسباب:

والأسباب الناقضة للوضوء ثلاثة هي:

ص: 72

1-

زوال العقل بجنون، أو إغماء، أو سكر، أو شدة همّ، أو نوم ثقيل ولو قصر زمنه، سواء كان النائم مضطجعاً أو جالساً أو ساجداً، لحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (وِكاءُ السَّهِ (1) العينان، فمن نام فليتوضأ) (2) أما النوم الخفيف لا ينقض الوضوء وإن طال زمنه لكن يندب له الوضوء إن طال الزمن، وضابط الخفيف أن يسمع الأصوات أو يشعر بسقوط شيء من يده أو بسيلان لعابه أو نحو ذلك.

ص: 72

2-

ملامسة المتوضئ شخصاً يُشتهى عادة، بيدهأو بجزء من بدنه. ولو كان بعضو زائد، أو كان اللمس لظفر أو شعر متصل، وذلك ضمن الشروط:

⦗ص: 73⦘

أ- شروط اللامس:

ص: 72

1-

أن يكون بالغاً.

ص: 73

2-

أن يكون قاصداً اللذة بلمسه، وإن لم يجدها بالفعل (إلا إذا كان الممسوس من محارمه ولم يجد اللامس لذة فلا ينتقض الوضوء) . وكذلك ينقض الوضوء إن وجد اللذة حال اللمس، وإن لم يكن قاصداً لها ابتداء، فإن انتفى القصد واللذة فلا نقض.

أما القبلة في الفم فإنها تنقض الوضوء مطلقاً، قصد اللذة، أو وجدها، أو لم يجدها، لأنها مظنة اللذة، وسواء في النقض المقبِّل والمقبَّل، إن كانا بالغين أو البالغ منهما إن كان الآخر ممن يُشتهى عادة، ولو وقعت القبلة بإكراه؛ فلا يشترط في النقض الطوع. أما إذا كانت القبلة لوداع أو رحمة، فإنها لا تنقض الوضوء إلا إذا وجد اللذة.

أما إن قصد اللذة أو وجدها بالنظر أو بالفكر فلا ينقض الوضوء، وإن أمذى وجب الوضوء للمذي، وإن أمنى وجب عليه الغسل بخروج المني.

ب- شروط الملامسة:

ص: 73

1-

أن تكون الملامسة بدون حائل أو بحائل خفيف، أما إن كان الحائل كثيفاً فلا ينقض الوضوء، إلا إذا كان المس بالقبض على العضو، وقصد اللذة أو وجدها.

ص: 73

2-

أن يكون المس بالبشرة ولو كان الممسوس شعراً أو ظفراً متصلاً، أما إن كان المس بالظفر أو الشعر فلا ينقض الوضوء لأنه لا إحساس فيهما.

جـ - شروط الشخص الملموس:

أن يكون الشخص الملموس ممن يُشتهى عادة، من ذكر أو أنثى سواء كانت إمرأة أجنبية أو زوجة أو من محارمه، أو كان شاباً أمرد أو له لحية جديدة ويُلتذ بمثله عادة. أما إن كان ممن لا يُشتهى عادة فلا ينقض لمسه الوضوء، ولو قصد اللذة كمس بهيمة، أو مس رجل ذي لحية (أما إذا كان الماس امرأة فإنه ينتقض وضوءها) ، أو مس إمرأة عجوز، أو طفلة صغيرة.

ولا ينتقض وضوء الشخص الملموس إلا إذا وجد اللذة وكان بالغاً، أو قصد اللذة لأنه صار في الحقيقة لامساً لا ملموساً. فإن لم يكن بالغاً، فلا نقض ولو قصد ووجد.

ص: 73

3-

مس المتوضئ البالغ (ولو كان خنثى مشكل) ذكره المتصل عمداً أو سهواً، بلذة أو بغير

⦗ص: 74⦘

لذة، إذا مسه بغير حائل ببطن الكف، أو جنبه، أو جَنْب أصابعه، أو رؤوسها، لحديث بُسْرَة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من مسَّ ذكره فلا يصلِّ حتى يتوضأ)(3) . أما مس غيره فلا ينقض الوضوء. وكذا مس الصبي ذكره فإنه لا ينقض.

ولا ينتقض الوضوء بمس حلقة الدبر، ولا بمس الأنثيين، ولا ينتقض وضوء المرأة بمسها لفرجها ولو أدخلت أصبعها ووجدت اللذة.

أما مس المتوضئ البالغ ذكر غيره فإنه يعود حكمه إلى حكم الملامسة.

(1) السه: اسم من أسماء الدبر.

(2)

أبو داود ج 1/كتاب الطهارة باب 80/203

(3)

الترمذي: ج 1/الطهارة باب 61/82.

ص: 73

ثالثاً: نواقض الوضوء غير الأحداث والأسباب:

ص: 74

1-

الردّة: فإنها تنقض الوضوء، ولو كان صبياً، وقد يقع ذلك كثيراً كسبّ الدين والنطق بكلمات الكفر، وهي محبطة العمل، ومن العمل الوضوء والغُسل، قال تعالى:{لئن أشركت ليحبطن عملك} (1) .

ص: 74

2-

الشك بالطهارة أو بالحدث:

أ- الشك بالحدث بعد طهر معلوم ناقض للوضوء، ما لم يكن مستنكحاً بالشك فلا يعيد الوضوء. والشك المستنكح هو أن يأتيه كل يوم ولو لمرة واحدة.

ب- الشك بالطهارة بعد حدث عُلم ناقض للوضوء، ولو كان الشك مستنكحاً.

جـ- الشك بأيهما أسبق، هل الطهارة سابقة للحدث أم الحدث سابق للطهارة. وفي كل هذه الحالات يجب الوضوء، لأن الذمة لا تبرأ إلا بيقين.

ما يمنعه الحدث الأصغر:

ص: 74

1-

الصلاة وما جانسها من سجدتي تلاوة وشكر، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقبل صلاة بغير طهور)(2) .

ص: 74

2-

الطواف فرضاً كان أو نفلاً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الطوافً حول البيت مثل الصلاة. إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير)(3) .

ص: 74

3-

مس المصحف، إن كتب بالعربية، ولو بعود. وكذلك يحرم على المحدث أن يكتب القرآن على الراجح، كما يحرم أن يحمله ولو بغلاف أو من علَاّقته، أو أن يحمل ما وضع عليه المصحف من كرسي أو صندوق أو وسادة، لقوله تعالى:{لا يمسه إلا المطهرون} (4)، وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم:(أن لا يمسَّ القرآنَ إلا طاهرُ)(5) باستثناء ما يلي:

ص: 75

1-

إن كان كتب بغير العربية فيجوز حمله ومسّه.

ص: 75

2-

إن جعل في حرز بشرط أن يكون حامله مسلماً، وأن يكون الحرز مستوراً بساتر يمنع وصول الأقذار إليه، ولو كان حامله حائضاً أو نفساء أو جنباً.

ص: 75

3-

إن كان نقش على درهم أو دينار فيجوز حمله من المحدث، وإن كان حدثه أكبر.

ص: 75

4-

إن وضع مع أمتعة وكان القصد حمل الأمتعة.

ص: 75

5-

حمل تفسير المصحف ومسه، ولو كتب فيه آيات كثيرة متوالية.

ص: 75

6-

يجوز للمعلم أو المتعلم حمل اللوح حال التعليم أو التعلم وما ألحق بهما مما يضطر إليه كحمله لبيته مثلاً ولو كان المتعلم أو المعلم حائضاً (لا جنباً)

⦗ص: 76⦘

(1) الزمر: 65.

(2)

مسلم: ج 1/ كتاب الطهارة باب 2.

(3)

الترمذي: ج 1/كتاب الحج باب 112/960.

(4)

الواقعة: 79.

(5)

الموطأ: ص 134.

ص: 75

الفصل الخامس

المسح على الخفين

تعريف المسح:

هو لغة: إمرار اليد على الشيء.

وشرعاً: أن يصيب البلل خفاً مخصوصاً.

حكمه: جائز للرجال والنساء بدلاً من غسل الرجلين في الوضوء، حضراً أو سفراً ولو كان سفر معصية على المعتمد كقطع طريق. أما في الغسل فلا يجوز المسح على الخفين بدلاً من غسل الرجلين.

والمسح على الخفين رخصة رخص بها الشارع. لكن الغسل أفضل منه.

دليله: ثبت المسح على الخفين بأحاديث كثيرة صحيحة تقرب من حد التواتر.

قال الحسن: ((حدثني سبعون عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح على الخفين)) . ومن ذلك ما رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (أنه خرج لحاجته، فأتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء، فصب عليه حين فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين)(1) .

(1) البخاري: ج 1/كتاب الوضوء باب 47/200.

ص: 76

مدة المسح على الخفين: إن المسح على الخفين لا يقيد بمدة، فلا يجب نزعهما بعد مرور يوم وليلة كما عند الشافعية، ولا بعد مرور أسبوع كما عند الحنابلة، وإنما يندب نزعهما كل يوم جمعة وإن لم يرد الغسل لها؛ فإن لم ينزعهما يوم الجمعة يندب له أن ينزعهما في مثل اليوم الذي لبسهما فيه من كل أسبوع.

⦗ص: 77⦘

شروط جواز المسح على الخفين:

ص: 76

1-

أن يكون الخفان مصنوعين من الجلد، فإن كانا من كتان أو لباد أو قطن فلا يصح المسح عليهما.

ص: 77

2-

أن يكونا طاهرين، أي صنعا من جلد طاهر لا من جلد ميتة ولو دبغ. وكذا لو أصابت الخف نجاسة بطل المسح عليه (حتى على القول بأن إزالة النجاسة عن الثوب أو البدن سنة) ، فلا يعفى عما أصابه من نجاسة على أية حال.

ص: 77

3-

أن يكونا مخروزين لا ملصوقين بنحو رسراس.

ص: 77

4-

أن يكونا ساترين للقدمَيْن مع الكعبين، فإن كان الخف الواحد مخرقاً قدر ثلث القدم فأكثر، فلا يجوز المسح عليه ولو التصق الخرق بحيث لم يظهر منه القدم.

ص: 77

5-

أن يمكن متابعة المشي فيهما عادة، ولو كان يُرى بعض القدم أو كله من الخف لتوسيع فوهته. أما إن كان لا يستقر القدم فيه كله أو جُلّه فلا يجوز المسح عليه، لأنه لا يمكن متابعة المشي فيه.

ص: 77

6-

أن لا يكون على محل المسح المفروض (وهو أعلى الخف) حائل يمنع وصول الماء إلى الخف كخرقة أو شمع أو عجين. أما إن كان الحائل في أسفل الخف فلا مانع، لأنه لا يتوجب مسح أسفله على القول المعتمد بل يُندب.

ص: 77

7-

أن يُلبس على طهارة كاملة، فإن لبسه محدثاً ثم أراد الوضوء والمسح عليه فلا يجوز، لما رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال:(دَعْهما، فإني أدخلتُهما طاهرتَيْن)(1) فمسح عليهما. ومعنى أن يُلبس على طهارة كاملة أي بعد تمام الوضوء أو الغسل، فإذا لبسه أثناء الوضوء أو الغسل قبل أن ينتهي من وضوئه أو غسله لم يجز المسح عليه فيما بعد.

ص: 77

8-

أن تكون الطهارة التي لبس بعدها الخف مائية لا ترابية، فلا يصح أن يلبسه بعد التيمم، سواء كان تيممه لفقد الماء أو المرض أو نحوهما.

ص: 77

9-

أن لا يقصد بلبسه مجرد المسح عليه أو التنعيم كما لبسه خوفاً من حناء برجله، أو لمجرد النوم به، أو لكونه حاكماً، بل ينبغي أن يقصد به إتباع السنة، بخلاف من لبسه اتقاء حرٍ أو برد أو خوف عقرب فإنه يمسح.

ص: 78

10-

أن لا يكون عاصياً بلبسه كمحرم بحج أو عمرة، ما لم يكن مضطراً للبسه كمرض أو كان المحرم امرأة.

ص: 78

11-

أن لا يكون الخف مغصوباً، فإن كان مغصوباً فلا يجزئ المسح عليه، ولكن الأرجح الإجزاء.

(1) البخاري ج 1/كتاب الوضوء باب 48/203.

ص: 78

كيفية المسح على الخفين ومقدار المسح المفروغ منه:

ص: 78

1-

المقدار المفروض مسحه من الخف:

يجب تعميم ظاهر أعلاه بالمسح، أما مسح أسفله فمندوب وقيل واجب، لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:(وضأت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخف وأسفله)(1) ، فلو ترك مسح أعلاه أو بعضه واقتصر على مسح أسفله لم يصح المسح، وإذا صلى به كانت الصلاة باطلة، أما إن ترك مسح أسفله فإنه يعيد الصلاة في الوقت المختار من مواقيت الصلاة مراعة للقول بوجوبه.

(1) البيهقي: ج/1 ص 290.

ص: 78

2-

كيفية كمال المسح على الخفين:

وكيفية المسح، أن يضع باطن أصابع يده اليمنى فوق أطراف أصابع قدمه اليمنى، ويضع يده اليسرى تحت أصابعها ويمر بيده على خف رجله اليمنى إلى الكعبين، ويفعل في خف رجل اليسرى عكس ذلك بحيث يضع يده اليسرى فوق أطراف أصابع رجله اليسرى وأصابع اليد اليمنى من تحتها ويمر بهما إلى الكعبين.

مكروهات المسح على الخفين:

ص: 78

1-

يكره غسل الخفين بدلاً من مسحها، إلا أنه يجزئ الغسل عن المسح إن نواه، أما إن نوى به النظافة أو إزالة ما عليهما من نجاسة من غير أن ينوي رفع الحدث، فإنه لا يجزء عن المسح.

ص: 78

2-

يكره تتبع غضون الخف بالمسح، لأن المسح مبني على التخفيف.

ص: 79

3-

تكره زيادة المسح على المرة الواحدة، لأنه خلاف السنة.

مبطلات المسح على الخفين:

ص: 79

1-

يبطل المسح على الخفين بطروء موجب من موجبات الغسل، كجنابة أو حيض أو نفاس، كما أنه لا يجوز المسح عليهما بدل الغسل فلا بد من نزعهما وغسل الرجلين.

ص: 79

2-

يبطل المسح بخرق الخف قدر ثلثِه فأكثر، إذا كان الجلد ملتصقاً مع بعضه كشق أو فتق الخرز دون أن تظهر الرجل، أما إن كان الخرق يُظهر الرجل فيبطل المسح ولو كان الخرق أقل من ثلث الخف، ما لم يكن الخرق صغيراً جداً بحيث أن بلل اليد لا يصل إلى الرجل فلا يضر.

ص: 79

3-

خروج القد أو أكثره من الخف إلى ساقه، وقيل لا يُبْطِل إلا خروج القدم كله إلى الساق، فإذا خرج القدم من الخف أو خرق الخف، وكان المكلف متوضئاً، وجب المبادرة إلى نزع الخف كله وغسل الرجلين إلى الكعبين مراعة للموالاة في الوضوء، فإن طال الفصل، عمداً، بين نزع الخف وغسل القدمين بطل الوضوء كله، وإن كان لابساً خفين فوق بعضهما، وكان الاثنان على طهارة، ونزع الأعلى الممسوح عليه، فعليه المبادرة إلى مسح الأسفل. وإذا خرق الخف أو نزع من رجل وبقي بالرجل الأخرى ملبوساً أو غير مخرَّق، وجب عيه نزع الرجل الثانية من الخف وغسل الرجلين، لأنه لا يجوز الجمع بين المسح والغسل بحيث تغسل رجل وتمسح أخرى.

المسح على الجوارب:

حكمه: رخصة.

شروطه: أن يكون الجوارب من قطن أو كتان أو صوف، وكُسِيَ ظاهره وباطنه بالجلد، فإن لم يجد فلا يصح المسح.

ص: 79