الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في حقيقة الاصطلاح لغة واصطلاحاً
قال العلماء " لا مشاحة في الاصطلاح " والمشاحة: الضنة كما في
مادة: شحح. من القاموس وشرحه. وقد ذكر الشارح هذه القاعدة ولم
يعزها لأحد، وقال:(ومنه قول بعضهم: لا مشاحة في الاصطلاح) .
ولم أقف على من قالها، ولا أول عصر قيلت فيه، وهي من الكَلِم
الدارج في كلام أهل العلم وعلى ألسنتهم وهي في الشيوع نحو قولهم:
لا إنكار في مسائل الخلاف.
وقولهم: النادر لا حكم له.
وقولهم: نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
وهذا كثيراً ما يلهج به الأصوليون مرفوعاً ولا أصل له في المرفوع،
وانظر القول عنه محققاً في: المعتبر للزركشي ص / 99 مع حاشية حمدي
السلفي.
وقولهم أيضاً: الناس مؤتمنون على أنسابهم.
وهو لا أصل له مرفوعاً، ويؤثر عن الإمام مالك رحمه الله تعالى. وههنا
فائدة يحسن تقييدها والوقوف عليها وهو أن هذا ليس معناه تصديق من
يدعي نسباً قبلياً بلا برهان، ولو كان كذلك لاختلطت الأنساب، واتسعت
الدعوى، وعاش الناس في أمرٍ مريج، ولا يكون بين الوضيع والنسب
الشريف إلا أن ينسب نفسه إليه. وهذا معنى لا يمكن أن يقبله العقلاء
فضلاً عن تقريره.
إذا تقرر هذا فمعنى قولهم " الناس مؤتمنون على أنسابهم " هو قبول
ما ليس فيه جر مغنم أو دفع مذمةٍ ومنقصة في النسب كدعوى الاستلحاق
لولد مجهول النسب. والله أعلم.
وقاعدة الباب هنا ليست على عمومها، فلا مشاحة في الاصطلاح ما لم
يخالف اللغة والشرع، وإلا فالحجر والمنع.
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى في: مدارج السالكين 3 / 306:
" والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة " اهـ.
وهذا نظير قولهم (لا إنكار في مسائل الخلاف) إذ ليست على عمومها
كما بسطه ابن القيم في الإعلام 3 / 300 - 301. يبقى ما حقيقة
الاصطلاح: لغة واصطلاحاً. فهذا مما تواردت فيه الحقيقتان: اللغوية،
والاصطلاحية. فهو لغة: مصدر اصطلح. وحقيقته (اتفاق طائفة مخصوصة
على شيء مخصوص) كما في: المعجم الوسيط 1 / 522، ومتن اللغة
3 / 478. والكليات لأبي البقاء 1 / 201 / 202 ولكل علم اصطلاحه.
أو يقال: (اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى) كما في
التعريفات للجرجاني ص / 22. وتاج العروس 2 / 183 وغيرهما.
فالحقيقان إذاً متواردتان.
ونستطيع إذاً أن نكيف حقيقة الاصطلاح في ضوء ما ذكر أنه: (اللفظ
المختار للدلالة على شيء معلوم ليتميز به عما سواه) .
ثم ليعلم أن من هذه الألفاظ الاصطلاحية مالا تثبت دلالته على وتيرة
واحدة، بل يعتريها الاستبدال والسعة والضيق بحيث تتسع مدلولاتها أو
تضيق، وتختص بمعنى ما - لكن هذا التغير في نطاق مقاييس اللغة
والشرع. وهذا التطور أيضاً في الألفاظ المتلقاة بنص من الشارع غير وارد.
ولهذا حصل التفريق في ألقابها فيقال فيما ورد به نص (حقيقته الشرعية)
ولا يقال (حقيقته الاصطلاحية) . والله أعلم.