الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع
في طرق المواضعة
الوصول إلى المواضعة لتكوين المصطلح العلمي بواحد من طريقين:
الأول: طريق النقل للكلمة من مدلولها الأصلي إلى مدلول جديد لها
به صلة ليصبح المعنى المتواضع عليه حقيقة عرفية، وقد يُنسى من أجله
المدلول القديم كالشأن في ألفاظ أركان الإسلام العملية الأربعة الصلاة،
والزكاة، والصيام، والحج.
وأجل ألفاظ هذا الطريق ما علم نقله بأصل الشرع كهذه الألفاظ.
وكلفظ: التوحيد، ونحو ذلك مما ورد إطلاقه بنص من القرآن أو السنة.
فهذا هو أصل المواضعات الشرعية ولا خيار لأحد فيه بتغيير، أو
تحريف، أو تبديل.
ثم ما علم بلسان الصحابة رضي الله عنهم فهم أهل اللسان وأرباب
الفصاحة والبيان، وأقرب الأمة للشرع علماً وعملاً.
وذلك مثل المصطلحات التي مرت في كلام ابن فارس في: الصاحبي
في المبحث الثاني المتقدم.
فلمواضعاتهم حرمتها والتحول عنها من باب استبدال الأدنى بالذي هو
(1) مجلة مجمع اللغة العربية بمصر 7 / 268، 29 / 14، 33 / 14 - 22 لغة العلم
لإبراهيم مدكور.
خير. وهكذا في تطورات الاصطلاح والحقائق الشرعية المسجلة بأقلام
علماء الإسلام في شتى مراحله، وبنيت عليها مؤلفاتهم، وتأسست عليها
تفريعاتهم.
فاللجوء إليها، وإحياؤها، وإخراجها إلى سوق التداول العلمي: هو
السنن القويم، والهدي المستقيم وهو من أقوى عوامل اتصال حاضر الأمة
بماضيها، وثباتها على دينها.
الثاني: طريق الوضع: ويراد به إيجاد لفظ جديد لأداء معنى خاص.
وله عدة وسائل أهمها:
النحت، وهو الكُبَّار من أقسام الاشتقاق: والاشتقاق هو أخذ كلمة أو
أكثر مع تناسب بين المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ والمعنى. وأقسامه
أربعة: صغير، وكبير، وكبار، وكبَّار.
والمراد هنا: الكُبَّار؛ وهو: انتزاع كلمة من كلمتين أو أكثر مع تناسب
بين المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ والمعنى وتسمى نحتاً (1) .
وثَمَّةَ وسيلة أخرى وهي وسيلة: التعريب، وهو نوعان:
تعريب الكلمة: وهو إدخال العرب في كلامها كلمةً أعجمية.
وتعريب الأساليب: وهو إدخال العرب في أساليبها أسلوباً أعجمياً.
وهذا الطريق محل خلاف كبير بين أهل اللغة. وفي مجلة مجمع
اللغة العربية بمصر 1 / 199 - 202 قرار المجمع فيه. وبعد مقدمة تاريخية
(1) انظر في: التعريب والاشتقاق مجلة مجمع اللغة 7 / 200، 1 / 381 - 393.
والاشتقاق لابن دريد. والاشتقاق والتعريب لعبد القادر المغربي.
استقرائية نافعة منها: أن التعريب سماعي لقلة ما ورد فيه في اللغة وهو
لا يزيد على بضع مئات من الألفاظ قرر في آخره قوله: (ولذلك لم يجز
التعريب) .
وأصدر قراره المتضمن إجازة واستعمال بعض الأعجمي إذا عجز عن
إيجاد مقابل له عربي فاضطر إلى استعماله اضطراراً وقال: (يجيز المجمع
أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة على طريقة العرب في
تعريبهم) اهـ.
وهذا هو ما يسمى في علم اللغة الحديث بـ (الاقتراض) .
المبحث العاشر (1)
في ضوابط المواضعة على الاصطلاح
تقرر في مباحث العلوم المتعلقة بالألفاظ اللغوية أن أهم ظواهر اللغة
تنقسم قسمين:
الأول: الظواهر الصوتية. أي المتعلقة بالصوت.
الثاني: الظواهر الدلالية. أي المتعلقة بدلالة الألفاظ. ومن الثاني
المواضعات الاصطلاحية، وقد تقدم أنها باعتبار ألفاظها منقولة، وليعلم هنا
أيضاً أنها باعتبار أحكامها معقولة.
وفي خصوص الشرعيات منها يرى وضوح الدلالة الاصطلاحية
وسهولتها وهذا من توفيق الله سبحانه تحقيقاً لحفظ الشريعة ويسرها.
ويجد الناظر كذلك أن المعنى الواحد قد تتم المواضعة عليه
باصطلاحين فأكثر، وهذا اختلاف صوري يدل على سعة لغة الضاد، وأنها
كما قال بعضهم: إن لغة الضاد هي لغة التضاد بمعنى كثرة المترادف فيها
وسبل الاشتقاق.
ولهذا اشتهر قول بعضهم كما في تاج العروس 2 / 170 في مادة
(1) مجلة مجمع اللغة العربية 11 / 137 - 142، 148 - 150، 12 / 26 وكتاب: علم
اللغة لعلي وافي ص: 265.
شحح (لا مشاحة في الاصطلاح) والمشاحة: الضِّنَّة، والنزاع.
ويمكن تكييف ضوابط المواضعة الصناعية بأمرين هما:
الأول: تنزيل المواضعات على مقاييس اللغة العربية وقواعدها لتحقيق
سلامة المفردات، وصحة الدلالة، وباستقامة تأليف المركبات منها على
وجه مقبول في لسان العرب ونسجها.
الثاني: تنزيلها على مقاييس الشريعة وقواعدها حتى تثبت على قرارة
اليقين منها. والله أعلم.