الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع
في تنزيل الحكم الشرعي على هذه النازلة
بعد استيعاب التصور لما وصل إليه الطب من طرائق للإنجاب، وبيان
تقاسيمها باعتبارات مختلفة فإن النظر الشرعي يختبر أوصاف المحل بمنظار
الشرع المطهر حتى ينزل هذه الدخولات منزلتها.
لمعرفة المحرم لذاته فهو تحريم غاية لا مجال لإباحته في أي حال.
أو المحرم لما يحف به فهو تحريم وسيلة، وهل يباح بحال؟ أو لا يباح؟؟
والانفصال عن هذا في الفروع الآتية:
الفرع الأول: ماءان أجنبيان في رحم امرأة متزوجة أو أحد المائين
أجنبي.
الفرع الثاني: الماء من الزوجين في رحم الزوجة ذات البييضة بعد
وفاة زوجها.
الفرع الثالث: الماء من الزوجين والرحم أجنبي من الزوجية.
الفرع الرابع: الماء من الزوجين في رحم زوجة له أخرى بتلقيح
داخلي أو خارجي.
الفرع الخامس: الماء من الزوجين في رحم الزوجة ذات البييضة
بتلقيح داخلي أو خارجي. وتأسيساً على هذا التفريع فإلى بيان ما يظهر
فيها شرعاً:
حكم الفرع الأول:
وهو ما كان فيه الماءين أجنبيان سواء في أجنبية الحيوان المنوي
والبييضة أم أحدهما.
فإذا حملت الزوجة من مائين أجنبيين أو من بييضتها وماء أجنبي فهو:
حمل سفاح محرم لذاته في الشرع تحريم غاية لا وسيلة قولاً واحداً.
والإِنجاب منه شر الثلاثة فهو " ولد زنا " وهذا ما لا نعلم فيه خلافاً بين
من بحثوا هذه النازلة.
وهذا ما توجبه الفطرة السليمة وتشهد به العقول القويمة، وقامت عليه
دلائل الشريعة. وقد أبان الشيخ محمود شلتوت عن مجامع الاستدلال في
هذا، في فتاويه ص / 328 - 329 بما يشفي ويكفي فيحسن الرجوع إليه
فإنه مهم.
حكم الفرع الثاني:
تلقيح ماء الزوجة بعد انفصام عقد الزوجية بوفاة أو طلاق.
حكم الفرع الثالث:
الرحم أجنبي مستعار: فهذان الفرعان يشملهما حكم الفرع الأول وهو
التحريم لعدم قيام الزوجية في الفرع الثاني، ولاختلال رحم الزوجية في
الفرع الثالث الذي هو من دعائم الهيئة الشرعية المحصلة للأبوة والأمومة.
وقد أثبتت الإحصائيات، والأخبار العالمية الموثقة وجود أعداد غير
قليلة من القضايا والمنازعات على المواليد من هذه الطرق بين ذات الرحم
وذات الماء. وبين ذات الرحم وصاحب الماء. وهكذا في سلسلة مشاكل
طويلة الحلقات في ذات البنية الآدمية.
كما أثبتت وجود ربع مليون طفل لا يعرف لهم أب نتيجة التلقيح
الصناعي.
حكم الفرع الخامس:
ما كان فيه الماء من الزوجين في رحم الزوجة ذاتها ذات البييضة حال
قيام الزوجية بتلقيح داخلي أو خارجي، وهذا الفرع محل خلاف كبير بين
علماء العصر على أقوال:
الأول: التحريم فيهما.
الثاني: الجواز فيهما بشروط.
الثالث: الجواز في الداخلي دون الخارجي بشروط.
الرابع: التوقف.
الخامس: أنه من مواطن الضرورات فلا يفتى فيه بفتوى عامة. وعلى
المكلف المبتلى سؤال من يثق بدينه وعلمه.
هذا مع اتفاق الجميع على أن هذا الطريق يحف به عدد من المخاطر
والمحاذير وبيانها على ما يلي:
المخاطر والمحاذير:
إن هذه المخاطر والمحاذير الشرعية هي واردة على جميع أنواع طرق
الإنجاب، لكن لما كانت الأربعة الأولى منها محرمة لذاتها فهو من باب
حرمة الغايات لا الوسائل اكتفى بذلك عن ذكرها معه. أما في هذا الفرع
الخامس فإن هذه المحاذير اعتباراً وعدماً يتأسس عليها القول بالحكم
التكليفي جوازاً أو منعاً.
ويمكن تكييف هذه المحاذير من خلال الأبحاث الصادرة في ذلك
على ما يلي (1) :
1-
ففي النسب:
الاحتمال الكبير بحدوث الخطأ بأن تؤخذ عينة من شخص وتنسب
لشخص آخر، فإذا استبدل عمداً أو خطأ ماء رجل أو بييضة امرأة بآخر
تحقق: هدم المحافظة على النسب وحفظه من ضروريات الشرع.
2-
وفي العرض:
فإن هذا المولود الذي حصل بطريقة يكتنفها الإخلال سيعرض هذه
البنية الأنسانية إلى توجيه الشكوك حولها، وتوسيع دائرة الكلام في الوسط
الاجتماعي تصريحاً أو تعريضاً، والمحافظة على العرض من ضروريات
الشرع.
وليست هذه قضايا أعيان لا يحتمل وقوعها في المدينة الواحدة إلا لفرد
أو فردين، بل لها صفة التكاثر والانتشار وتسبيبات يبديها المتاجرون
لتحسين النسل وأمن التشويه، ونحو ذلك، وحينئذٍ على الصعيد بقوة
الوضع: جنس موهوم النسب مقذوف العرض. وهذا ما يأباه دين الله
وشرعه.
1-
في مجموعة الضروريات الست التي جاء بها الشرع وهي:
(1) بحث خاص للطبيب محمد علي البار. قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة،
كتاب: الإنجاب في ضوء الإسلام.
1-
حفظ الدين.
2-
حفظ النفس.
3-
حفظ العقل.
4-
حفظ النسب.
5-
حفظ العرض.
6-
حفظ المال.
شرع الله أحكاماً للمحافظة عليها فللمحافظة على النسب شرع الله
حد الزنا، وحرم كل وسيلة تؤدي إليه.
وللمحافظة على العرض: شرع الله حد القذف، وحرم كل وسيلة
تؤدي إليه. وكل هذا محافظة على كيان المسلم وسلامة بنيته ومعنويته
وخلوصها من أي مؤثرعلى قوتها وشرفها حساً ومعنى.
وعليه فإن طريق الإنجاب هذه فيها محاذير على النسب وأخرى على
العرض، بل موجبات للشك في شرعيته أصلاً.
2-
وقد أثبت الواقع الأثيم المطالبة بوجود بنوك المني " مراكز لحفظ
المني ".
وهذه سوق جديدة للمتاجرة بالنطف ووجود طراز جديد لاسترقاق بني
الإنسان فأين هذا من تحططهم على الإسلام ببيع الرقيق.
وعند قيام تلك فإن عامل الحصول على المال ونحن في عصر المادة
والاستمتاع بالخلاق - سيدفع من لا خلاق له بالتغرير بالرجل العقيم بأن
ماءه يصلح للإنجاب فيأتي محله بماء رجل آخر سليم من العقم.. وهذا
ليس ببعيد أبداً فهو امتداد لإفساد قديم عرف بمصر باسم " الصدفة "،
وهي طريقة بدائية تقوم على أساس من التضليل ذلك أن المرأة التي
تشتكي عدم الإنجاب تذهب إلى من نصبت نفسها للعلاج، فتمدها
المتطببة بصدفة فيها " ماء رجل أجنبي " لتضعها في قبلها فتحمل على
أساس أنه دواء، وترتب لها أن يواقعها زوجها بعد فستحملين بإذن الله
تعالى. فحملت المرأة ففوجىء زوجها بهذا، لأنه يعلم أنه عقيم لا يولد
له، فرفعت القضية للمحكمة وانكشفت القصة " قصة الصدفة " واتضح أن
الولد من ماء أجنبي فهو منفي النسب من زوجها.
فهذه القصة عملت عملها تحت ستار العلاج على شكل شعبي،
واليوم تأتي نفس النتيجة على مستوى الطب الحديث بالتلاعب العضوي
في الخلايا الإنسانية.
بل في هذا تجسيد لطموحات أخرى أخذت تستغل في: الحيوان،
والنبات، وبدأ تطبيقها على الإنسان في عدة مظاهر منها:
1-
بحث التحكم في جنس الجنين يكون ذكراً أو أنثى.
2-
إشباع الرغبة بجهاز الكتروني.
3-
تكاثر الخلايا الجسدية بتحويلها إلى خلايا جنينية.
4-
وجود إنسان مجتر بخلط خلاياه مع خلايا بهيمية.
والنتيجة: إن هذه نتائج وخلفيات تالية لا يسوغ التمهيد لفتحها
ودخولها على النوع الإنساني بصفة عامة ولا على المسلمين بصفة خاصة.
وعليه: يتعين سد أي وسيلة إلى هذا، وأن هذا الطريق من طرق
الإنجاب هو عتبة الدخول للخوض في هذه البلايا.
5-
إن هذه الطرق موصلة إلى المواليد التوائم ومعلوم ما في هذا من
مضاعفة الخطر على المرأة في حملها ووضعها.. ذلك أن الطبيب عندما
يشفط من مبيض المرأة مجموعة من البييضات قد تصل إلى اثني عشر
بويضة يضعها في طبق الاختبار " أنبوب الاختبار " لتلقيحهن، والطبيب إذا
أدخل بييضة واحدة فإن نسبة النجاح ضئيلة جداً لا تتجاوز 10%، ولهذا
وللتطلع لنجاح اللقاح فإنه يدخل بييضتين فأكثر وقد يحصل بإذن الله تعالى
نجاحهما، فتعيش الأم تحت الخوف والخطر. ومعلوم أن الإنسان لا يسوغ
له التصرف في بدنه بما يلحقه الضرر والهلاك.
6-
ومن وراء هذه المخاطر مشكلة أثارت ضجة كبرى في الغرب هي:
أنه من مزاولة العملية المذكورة يبقى لدى الطبيب في المختبر مجموعة من
البييضات الملقحة مجمدة " الأجنة المجمدة " تحسباً لفشل العملية ليقوم
بإعادتها مرة ثانية وهكذا لكن في حال نجاحها ما مصير هذه " الأجنة
المجمدة "؟ .
فهو سبيل لنقلها إلى أجنبي عنها، وهذا ينسحب عليه الحرمة القطعية
كما في النوع الأول من طرق الإنجاب، فقد وجد مجموعة من النساء
يلقحن من ماء رجل واحد فكأنهن أبقار يلقحن من ثور واحد وهو سبيل
لتنميتها في المختبر وإجراء تجارب طبية عليها، وفي هذا اعتداء على
الحرمة الإنسانية.
وهذا السبيل محل جدل عنيف بين الكفرة منعاً وجوازاً؟؟؟ .
وهو سبيل إلا إتلافها حال نجاح العملية وهذا أمر مستبعد في عرف
الأطباء لأنها عملية صعبة يتعسر الحصول عليها وتوفيرها يدر أرباحاً كبيرة،
وخاصة في المستشفيات التجارية.
7-
أثبت الطب ازدياد نسبة تشوهات الأجنة بطريقته الحديثة هذه،
وذلك أن الطب الحديث اكتشف في: الطريق الطبيعي الشرعي للإنجاب
وجود مقاومة للحيوانات المريضة والمصابة في صبغتها، وهذا ما يفتقده
التلقيح الصناعي.
8-
بل ثبت في الواقع الأثيم الظالم، وجود شركات لبيع الأرحام
وتأجيرها، وشركات لبنوك المني وبيع مني العباقرة والفنانين.. وشركات
لبيع الحيوانات المنوية والبييضات.
وقد ثارت قضايا أمام القضاء بأنها مثلاً رغبت ماء رجل أبيض فولدت
أسود أو بالعكس، أو أنها حصلت على ماء رجل مصاب بمرض جنسي،
وهكذا مما يثبت أن الطب الغربي أخذ بتقدمه الجنوني إلى أعمال:
الانهيار الأخلاقي والكيان الإنساني من أساس بنيته.
والله سبحانه لم يمن على خلقه بخلقه لهم إلا بطريق الإنجاب
الشرعي السليم من الشوائب في النسب والعرض.
9-
إن في طريق الإنجاب هذه أبشع صورة للتعري وفحص السوءة أو
السوأتين من رجل أجنبي عنها، بل وربما فريق عمل لها، وعمل الإنجاب
لا يحتسب ضرورة يباح في سبيلها هذا التبذل والهبوط.
هذه مجموعة من المخاطر والمحاذر التي تحصل فعلاً في هذه
الطريق، ويرتقب حصولها فيكون سبباً ووسيلة إليها.
وعليه: فيظهر أن من نزع إلى المنع من باب تحريم الوسائل وما
تفضي إليه من هتك المحارم فإنه قد نزع بحجج وافرة، وما لبس المسلم
في حياته ولآخرته أحسن من لباس التقوى والعزة، وعيشة في محيط الكرامة
الإنسانية وسلامة بنيتها ومقوماتها لتعيش في جو سليم من الوخز والهمس
محافظاً على دينه وعلى نفسه، وكما يحافظ على ماله من الربا وغباره،
يحافظ على نسبه وعرضه من آثاره الضارة عليهما بالشكوك والأوهام التي
تصرع شرفه وعزته، وأخيراً تخل بتماسك أمته وحفظها وصيانتها.
وقد علم من مدارك الشرع أن جملة من المحرمات تحريم وسائل قد
تباح في مواطن الاضطرار والضرورة تقدر بقدرها وعليه:
فإن المكلف إذا ابتلي بهذه فعليه أن يسأل من يثق بدينه وعلمه، والله
تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بكر بن عبد الله أبو زيد
10 / 10 / 1406 هـ