الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الفقه الشرعي لخطاب الضمان
قد علم بأصل الشرع جواز الضمان وهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة
المضمون في التزام الحقوق المستحقة، بمعنى التزام دين على آخر، وهو
عقد إرفاق وإحسان جاء به الشرع مع ما فيه من توثيق للحقوق وحفظ لها.
وخلاصة ما تقدم في المبحث الأول لطبيعة خطاب الضمان تنحصر
في الفقرتين الأخيرتين منه وهما:
1-
أنواعه.
2-
عمولة البنك لقاءه.
أما أنواعه الأربعة المتقدمة فلم يظهر في ماهيتها ما يخرج عن
المنصوص عليه في أحكام الضمان شرعاً، وتوفر شروطه فالضامن البنك
ممن يصح تبرعه، ولوجود رضى الضامن وكون الحق معلوماً حالاً أو مآلاً
وأن أجله معلوم غير مجهول. سوى ما جاء في النوع الأول وهو خطاب
الضمان الابتدائي. فإنه من باب ضمان ما سيجب وضمان ما لم يجب
عقد معلق، وقد علم أن الضمان عقد التزام لازم فلا يعلق كغيره من العقود
اللازمة، ولأن الضامن التزم ما لم يلزم الأصيل المضمون عنه وهو (العميل)
بعد، لكن الجمهور من أهل العلم على جوازه وهو مذهب الأئمة الثلاثة
- أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والشافعي - في القديم والخلاف المذكور
للشافعي في الجديد وما ذهب إليه الجمهور ألصق بأصول الشرع لا سيما
إباحة التعامل في الأصل ما لم يعتوره مانع من غرر ونحوه ولا يظهر في
ضمان ما لم يجب بعد ما يمنع فيبقى على الأصل (1) . والله أعلم، ولهذا قال
الحنابلة في تعريف الضمان: هو التزام ما وجب أو يجب على غيره مع
بقائه عليه. أو: هو ضم الإنسان ذمته إلى ذمة غيره فيما يلزمه حالاً أو
مآلاً (2) .
وقالوا في ضمان ما يؤول إلى الوجوب (يصح الضمان بالحق الذي
يؤول إلى الوجوب فيصح الضمان بما يثبت على فلان أو بما يقر به أو بما
يخرج بعد الحساب عليه أو بما يداينه فلان) .
أخذ العمولة عليه:
أي أخذ (الأجرة) لا (الجعالة) فإن الجعالة: أن يجعل جائز التصرف
شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً معلوماً أو مجهولاً من مدة معلومة أو مجهولة
فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة ولا تعيين العامل للحاجة.
فهي إذن: التزام مال في مقابلة عمل لا على وجه الإجارة فليس ما
هنا مما هنالك إضافة إلى أن الجعالة: عقد جائز من الطرفين لكل من
العاقدين فسخها بخلاف الإجارة فهي عقد لازم ابتداء.
وإن كان وقع في عبارات بعضهم باسم الجعل على الضمان ففي هذا
(1) انظر: فتح القدير 5 / 402، حاشية ابن عابدين 5 / 301، الشرح الكبير مع
الدسوقي 3 / 333، وقوانين ابن جزي ص 353، روضة الطالبين للنووي
4 / 244، والغاية القصوى للبيضاوي 4 / 592، كشف المخدرات للبعلي ص
252، بداية المجتهد 2 / 298.
(2)
شرح منتهى الإرادات 2 / 108، 110.
تسامح في التعبير أو على سبيل النزول بمعنى: أنه إذا لم يجز الجعل
فالإجارة من باب أولى، وإن كانت الجعالة في معنى الإجارة لكن الجعالة
أوسع من باب الإجارة فالجعالة كما علمت في تعريفها فلا يشترط العلم
بالعمل ولا المدة ويجوز فسخها من الطرفين بخلاف الإجارة فهي عقد
على منفعة أو عين لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها.
وعليه فإن جمهور أهل العلم على تقرير عدم الجواز لأخذ العوض
على الضمان كما في مجمع الضمانات على مذهب الإمام أبي حنيفة
للبغدادي ص / 282. والشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي 3 / 404.
والشرح الصغير 3 / 242 والفروع لابن مفلح الحنبلي 4 / 207، وكشاف
القناع 3 / 262.
وغيرها مصرحة بالمنع وعدم الجواز، وجماع تعليلهم للمنع فيما يلي:
1-
إنه يؤول إلى قرض جر نفعاً وجه ذلك: إنه في حال أداء الضامن
للمضمون له يكون العوض مقابل هذا الدفع الذي هو بمثابة قرض في ذمة
المضمون عنه. وفي خطاب الضمان: أقوى في بعض أحواله لأن المستفيد
يستوفي عادة من البنك لا من العميل.
2-
إن هذا العقد مبناه على الإرفاق والتوسعة والإحسان ففي أخذ
العوض لقاءه دفع لمقصد الشارع منه.
3-
إنه في بعض حالات الضمان يستوفي المضمون له من المضمون
عنه فيكون أخذ الضامن للعوض بلا حق وهذا باطل، لأنه من أكل المال
بالباطل. وفي خطاب الضمان الابتدائي أو المستندي مثلاً يستوفي
المضمون له المستفيد من العميل لا من البنك.
وههنا تنبيهان:
الأول: جرى في القواعد الفقهية قولهم: الأجر والضمان لا
يجتمعان. وهذه القاعدة ليست مما نحن فيه من أحكام الضمان، لأن
الضمان هنا يقصد به (ضمان المتلفات) .
الثاني: جرى في القواعد الفقهية لهم قولهم: (ليس كل ما جاز فعله
جاز إعطاء العوض عليه) بل فيه ما يجوز كالجعالة على رد الآبق. وما
يمتنع كالعوض على الضمان واللهو المباح ونحو ذلك. كما جاء في فتاوي
شيخ الإسلام ابن تيمية 30 / 215 - 216.
النتيجة
مما تقدم تُعلم الحقيقتان الآتيتان:
الأولى: إن خطاب الضمان من حيث الغطاء له من قبل العميل ثلاثة
أحوال:
1-
خطاب ضمان ليس له غطاء البتة:
فهذا ينسحب عليه ما قرره جمهور العلماء من منع العوض على
الضمان فهكذا في هذه الحالة من خطابات الضمان.
2-
خطاب ضمان له غطاء كامل من العميل:
فهذه الحالة والله أعلم لا يظهر في العوض عليها " أجرة المثل " ما
يمنع في حق الضامن أو المضمون عنه، لأن هذا العوض (العمولة) مقابل
الخدمات الإجرائية ففي حال دفع المصرف للمستفيد فهو من مال
المضمون عنه، وفي حال عدم دفعه فهو مقابل حفظه لماله وخدماته
لذلك.
3-
خطاب ضمان قد صار الغطاء لنسبة منه:
فهذه تنسحب عليها أحكام الحالتين قبلها فيجوز فيما قابل المغطى
لا فيما لم يقابله - والله أعلم -.
وأختم هذا المبحث برأي رشيد للعلامة الشيخ عمر بن عبد العزيز
المترك في كتابه (الربا والمعاملات المصرفية) إذا قال - رحمه الله تعالى
وغفر له آمين - ص / 309:
(والذي أرى أنه إذا كان الضمان مسبوقاً بتسليم جميع المبلغ
المضمون للمصرف أو كان له غطاء كامل فلا يظهر في أخذ الجعالة عليه
شيء، لأن العمولة التي يأخذها المصرف في هذه الحالة مقابل خدماته
كالعمولة التي تؤخذ من قبله في عملية التحويل بالشيكات، لأن هذه
العملية ليست مقابل عملية قرض ولا ما يؤول إلى قرض، لأن المصرف
لا يدفع من ماله شيئاً، وإنما يدفع ما التزمه بموجب الضمان من مال
المضمون عنه الموجود لديه، أما إذا كان خطاب الضمان غير مغطى فلا
أرى جواز أخذ الجعالة عليه، لأن هذا الضمان قد يؤدي إلى قرض فيكون
قرضاً جر فائدة، والربا أحق ما حميت مراتعه وسدت الطرائق المفضية
إليه.
لذا فإني أرى أن على طالب الضمان أن يضع لدى الجهة الضامنة
له مبلغاً يساوي المبلغ المضمون وهذا إجراء متفق مع الأصول الائتمانية
المتبعة في بعض المصارف حيث تطلب من العميل المضمون أن يحجز
لديه مبلغاً مساوياً لقيمة خطاب الضمان، وهو ما يسمى بالغطاء الكامل
يكون رهناً لكي يسدد منه فيما لو اضطر المصرف إلى تنفيذ التزامه ويفرج
عنه عندما يتحرر المصرف من ضمانه.
وفي هذا الإجراء من الفوائد مما لا يخفى منها:
1-
عدم إفساح المجال لمن ليس لهم المقدرة على الوفاء بالتزاماتهم
في الدخول في المناقصات والعطاءات.
2-
إن فيه حداً من التعامل الجشع والتوسع في الأعمال بما ليس في
استطاعة الإنسان القيام به مما يعود عليه بالضرر وتنعكس عليه آثاره السيئة
ذلك أن المناقص قد يقدم ضماناً مصرفياً بمبلغ ليس في استطاعته الوفاء
به مما قد يضطره في النهاية إلى الخضوع لما تفرضه عليه المصارف من
فوائد ربوية لقاء تسديده بمقتضى الضمان الذي التزمته) . اهـ. والله تعالى
أعلم.