الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في العلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي
نمت اللغة العربية في ربوعها فصيحة محكمة تسير مع حماتها بقدر
سيرهم في حياتهم الفكرية والمدنية، فلما جاء الله بالإسلام ظهر للعيان
حكمة اختيارها لغة للقرآن المنزل على قلب النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم في
وسط العرب الخلص لساناً ونسباً وداراً فتبدي من حكمة وضعها، وقواعد
استعمالها ما يشهد بكونها اللغة الأم للغات العالم إذ سارت مع المسلمين
في جميع الأعصار والأمصار لغة الدعوة والتبليغ، والفتح والبيان تسير
معهم حيث ساروا وتنتقل معهم حيثما انتقلوا وحلوا.. يوم أن كانت على
أيدي رجالها الحماة الكماة العارفين لقدرها المتشرفين بحملها لم تضق
يوماً ما عما يرد إليها. ومن صادق البرهان أنها لما دخلت في أمم ذات
علوم وحضارات وجدت في لغتها ما وسع حاجاتها وعلومها فصارت لسان
كل علم من علومها الشرعية والعربية، والأدبية، والصناعية والسياسية..
وكل ما تريد احتضانه ونقله، فصار الاصطلاح لهذا من مظاهر ألفاظها
المنتشر في تراثها ومن هنا جرى تقسيم اللفظ إلى: لغوي وشرعي، أو
لغوي وديني وشرعي (1) .
وجرى الخلاف سلفاً وخلفاً في العلاقة بين هذين القسمين اللفظ
(1) المستصفى للغزالي 1 / 326 - 327.
بمعناه اللغوي، واللفظ بمعناه الشرعي هل استعمال اللفظ في هذا المعنى
الشرعي بطريق النقل لهذا اللفظ من معناه اللغوي إلى المعنى الشرعي
الاصطلاحي أم بطريق تخصيص اللفظ ببعض ما وضع له لغة. وذلك
كلفظ: الصلاة والزكاة والصيام، والحج.
فالصلاة في اللغة مثلاً الدعاء. وفي الشرع: الركن الثاني من أركان
الإسلام بأفعالها وأقوالها وأوقاتها ومن مشتملاتها: الدعاء. والذي عليه
الأكثر أن هذا نقل لا تخصيص.
والمهم أن هذه الألفاظ وما جرى مجراها بعد استعمالها في هذه
الحقائق الشرعية أصبحت لا يفهم منها عند الإطلاق إلا المعنى الشرعي
على ما اصطلح عليه المسلمون وفهموه منه، وأصبح المعنى اللغوي لا
يفهم إلا بقرينة تدل عليه.
وبناءً على هذا الشيوع للمعنى الشرعي في هذه الألفاظ، فإن من
القواعد الجارية أن اللفظة ذات المعنى الشرعي إذا مرت في مساق كلامٍ
ما فإنما تحمل عليه لا على اللغوي إلا بقرينة. والله أعلم.