الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر
في فوائد الاصطلاح العلمي
لأهمية المصطلحات العلمية يمكن أن يقال: إن تاريخ العلوم تاريخ
لمصطلحاتها، وأنه لا حياة لعلم بدونها، وعلمية الاصطلاح في العلوم
كعلمية الاسم على المولود في إيضاح المقصود، وتحديد المفهوم.
وقد علم أن مصطلحات كل علم توجد معه أو بعده بالضرورة، فيسعى
العلماء حين وجود الشيء إلى تسميته فتتم على أساس من العلاقة بين
اللغة والاصطلاح.
فالمصطلحات إذاً ضرورة علمية، ووسيلة مهمة من وسائل التعليم
ونقل المعلومات، وقد أصبحت لضرورتها تمثل جزءاً مهماً في المناهج
العلمية، مساعدة على حسن الأداء، ودقة الدلالة وسرعة الاستحضار،
وتقريب المسافة، وتوفير المجهود في الإلمام بالمتون. وفيها جمع أفكار
المتعلمين على دلالات واضحة. وهي ملتقى للعلماء في تناقل أفكارهم
ومداركهم. وعلى أساسها يقوم التأليف والنشر.
وبالجملة فالاصطلاح عملة نافقة بواسطتها يبدأ التعليم، وينتشر العلم
وتلتقي أفكار العلماء ويخطو التأليف والتدوين، وينتفع الخلف بمجهود من
سلف.
وإنه بقدر ما يتم من ثبات وحفاوة ودقة يكون توفر هذه المنافع وعلى
النقيض عند كسر العملة، وكساد السكة، والله المستعان.
المبحث الثاني عشر (1)
اختلاف أهل الاصطلاح فيه وأسباب التحول عنه
طبيعة أي علم من العلوم أو لغة من اللغات جريان الخلاف فيها،
وقد اختلف أهل الاصطلاح في مصطلحاتهم، وما زال ينمو بنمو هذا الفن
إلا أنه مهما بلغ فإنه قليل، ثم إن هذا القليل اختلافه اختلاف تنوع لا
تضاد ثم قد يكون منه اختلاف من جهة التقسيم بالبسط أو الاختصار ومن
أمثلة ذلك لدى الأصوليين، اختلافهم في مصطلح الدلالات فنجد
الاختلاف بين المذهبين الحنفي والشافعي فيها: فالحنفية تُقَسِّمُها إلى
دلالة لفظية، ودلالة غير لفظية وتوسعوا في التقسيم لكل منهما. فانقسمت
دلالة اللفظ عندهم إلى:
عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص. وهكذا.
وأما الشافعية فالدلالة تنقسم إلى: منطوق، ومفهوم، والمنطوق إلى
صريح، وغير صريح، والمفهوم إلى مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة وهكذا،
أو في الفروع في ألقاب بحوثه ومسائله لدى الفقهاء مثلاً:
عقد السَّلَم: سماه بعضهم عقد السلف.
(1) مجلة مجمع اللغة العربية 19 / 65 - 69 قضية اللغة في علم القانون لصبحي
المحمصاني. والمجلة أيضاً 8 / 131 - 132: توحيد المصطلحات للشبيبي.
وعقد المضاربة: سمي عقد القراض.
وعقد الإجارة: سمي عقد الكراء.
وهكذا في تنوع الاختلاف في المصطلح الواحد، لكن هذا الاختلاف
إما أن يكون مما سطر لدى الفقهاء بين مذهبين فأكثر، وقد يكون في
المذهب نفسه.
أو يكون اختلافه إقليمياً لعادة عرفية قولية أو فعلية. أو يكون تحت
تأثير وطأة القوانين الوضعية في البلاد العربية الإسلامية. وقد أعمل هذا
في بعض الرسائل الجامعية، والبحوث الطوعية، وفي سن القوانين والأنظمة
في هذه البلدان. ولم تستطع التخلص من أوضارها إلا فيما ندر.
أو يكون لمداخلة العجمة تحت وطأة السلطان الأعجمي كما هو
الحال في الأنظمة المتأخرة في أخريات الدولة العثمانية حتى أصبح
الدخيل على مصطلحات هذه البلاد يغالب الأصيل من لغتها العربية وحتى
من لهجتها المحلية ولا يزال سريانها جارياً رغم محاولات الإصلاح بإحلال
المصطلحات الأصلية محل المصطلحات الدخيلة إلى غير ذلك من أنواع
الاختلاف سوء في تسمية المشروع نفسه، كتسميته بالقانون، أو المدونة
أم المجلة، أم أسماء عناصره التي يتكون منها مثل: أحكام البيوع تسمى
بالمعاملات، أو القانون المدني. أو الموجبات، أو مجلة الالتزامات أو في
أسماء مفرداتها الفقهية وهي من الكثرة بمكان مثل حق الانتفاع، وحق
الاستثمار والجنسية، والرعوية، والتابعية، وحافظة النفوس. إلى غير ذلك
من أنواع الاختلاف.
ومهما كانت جوانبه متعددة ومتنوعة فإنه بتنزيل المختلف فيه على اللغة
العربية بمقاييسها والشريعة بقواعدها يزول الاختلاف ويتوحد الاصطلاح
وانظر المبحثين في (توحيد المصطلحات) و (العدوان على مصطلحات
الشريعة) .