الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمات:
التوحيد.. وأي أثر كان لهم في الرقي الاقتصادي والاجتماعي؛ لأن هذا الرقي من أعظم الدعائم للرخاء والاطمئنان وضم الصفوف. ثم أي أثر لهم في إقرار السلام؛ لأن السلام، كان ولا يزال، عاملا جوهريا للاتحاد ولا سيما في بيئة مزقتها الحروب والأحقاد. ثم ماذا فعلوا في محاربتهم للطغيان؟ فإن استبداد الحاكم يبعث على الخوف، ويقضي على الروح الوطنية التي هي من أقوى الدوافع لبناء صرح القومية!
كل ذلك وغيره قد تناولناه بالدرس المفصل في هذا الكتاب، وبيّنا كيف انعكست آثاره على نتاجهم الأدبي شعره ونثره، حتى وصلنا إلى نتيجة واحدة، وهي أن الحجاز كان -بحق- قلبا للأمة العربية!
3-
ثم إن الحجاز هو بيئة النبوة، وموطن الرسالة، والأرض التي اهتزت جوانبها بالصدى المدوي الذي أحدثه نزول القرآن.
ولذا كان من الضروري أن ندرس هذا الموطن وتلك البيئة من شتى نواحيها السياسية، والاجتماعية، والعقلية، والأدبية، واستعداد الحجازيين النفسي والمادي والفني؛ لنعرف عمق هذا الحادث العظيم الذي هز الإنسانية، وأيقظ الدنيا، وحرر العقل، ورفع صروح المدنية، وقضى على عصور الظلام والوحشية.
وعندما نريد أن نفهم إعجاز القرآن وبلاغته الرفيعة خاصة، وأن نفهم الحياة الأدبية في الحجاز في عصر النبوة عامة، لا بد لنا من دراسة بيئة الحجاز الأدبية في العصر الجاهلي أولا وقبل كل شيء؛ لنفهم خصائص هذا الشعب الحجازي وعقليته وتفكيره، وذوقه في الحياة وفي الفن والأدب على وجه الخصوص؛ لأنه هو الذي حمل الدعوة، وبلغها إلى الآفاق، وبشر بها العالم كله، وسارت جحافله ومعه إخوانه من شتى أرجاء الجزيرة العربية توغل في الأرض مبشرة بدين الله الجديد، وثورته القوية العارمة.
إذن فحياة الحجاز عامة، وحياته الأدبية خاصة، جديرة بالدرس؛ لأثرها القوي في تصفية العناصر الجوهرية للقومية العربية، ثم لأنها تمثل البيئة التي انبعثت منها الدعوة الإسلامية الجديدة.
ولو لم يكن هذان العاملان، لكانت هذه الحياة خليقة بالدرس لذاتها؛ لما حققته من أمجاد تزيد من الثروة الروحية والخلقية للإنسانية عامة.
4-
ويشتمل هذا الكتاب على "تمهيد" في ست عشرة ومائة صفحة، ويحتوي على وصف عام للحجاز وبيئته الطبيعية والبشرية. وقد "بلورنا" فيه حقائق عن الحجاز لم يضمها أي بحث أو كتاب سابق، ويعد هذا التمهيد كتابا مستقلا بذاته. وكان من الممكن نشره على حدة، لولا أننا آثرنا أن يكون مقدمة لدراسة الحياة العقلية والأدبية للحجاز في مختلف العصور؛ هذه الحياة التي اعتزمنا تقديمها للقارئ العربي متتالية بحول الله.
ويلي هذا التمهيد القسم الأول من الكتاب، وهو عن العوامل المؤثرة في الأدب الحجازي: من الحياة السياسية، والاجتماعية، والدينية، والعقلية، وهذا القسم يصلح لأن يكون كذلك كتابا منفردا كاملا عن شتى جوانب الحياة في الحجاز.
ويلي ذلك القسم الثاني من الكتاب، وهو عن الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، ويشتمل هذا القسم على دراسات واسعة للنثر الحجازي الجاهلي وأشهر أعلامه، وللشعر الحجازي في العصر الجاهلي وخصائصه وفنونه ومناهجه ومذاهبه وأصوله، ولأعلام الشعراء من الحجاز في العصر الجاهلي، ولسوى ذلك من شتى جوانب الحياة الأدبية القديمة في أرض الحجاز. ولتصوير أهمية هذه الدراسات يكفي أن نقول: إننا قد عرضنا فيها لكثير من أعلام الأدب الحجازي القديم، كانوا في نسي منسي من الباحثين والدارسين.
مقدمة:
1-
هذا الكتاب: "قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي" أوسع دراسة ظهرت عن بيئة أدبية من بيئات الأدب العربي القديم، وهو أول كتاب يؤلف عن الحجاز ونهضة الأدب العربي وازدهاره فيه في العصر الجاهلي، وإذا أطلقنا كلمة "الحجاز" فإنما نعني بها ما يشمل الحجاز، وما يسمى بـ"تهامة الحجاز".
وهذا الكتاب جديد في الأدب العربي؛ لأن موضوعه جديد بكر، لم يتناوله على هذا النحو أحد من قبل. فالذين يتحدثون عن آداب العرب القديمة، يتحدثون عنها في الجزيرة العربية كلها بأقسامها العديدة، دون أن يخصصوا دراساتهم ببيئة مستقلة من بيئات الجزيرة العربية كالحجاز، وإنما يدرسون أدب هذا الشعب العربي جملة، لا يفرقون بين الأدب الحجازي، وبين الأدب النجدي، ولا بين هذين وبين الأدب اليمني، ولا يتحدثون عن خصائص ومميزات الأدب في كل إقليم متميز من هذه الأقاليم، فتجيء الأحكام الأدبية عامة مجملة، غير صادقة تمام الصدق، ولا عميقة في جملتها عمقا يحيط بحقائق الأدب وأصوله وحياته في هذا الجانب أو ذاك، من جوانب الجزيرة العربية الشاسعة المسافات، المترامية الأطراف.
إن خصائص الأدب في بيئة نجد، لا يمكن أن تكون هي نفس خصائصه في الحجاز، والشاعر الجاهلي الذي قضى حياته في ربا نجد، لا يصح أن تكون شاعريته مطابقة تمام المطابقة لشاعر جاهلي آخر عاش في الطائف أو مكة أو المدينة.
ومن ثم كان لا بد لنا من تخصيص هذه الدراسة عن الحجاز في العصر الجاهلي.
2-
وربما اعترض علينا بعض القراء بأننا في عصر القوميات، الذي انتفضت فيه القوميات، وانبعثت من مرقدها. وهذه القوميات تحتم علينا دراسة الشعب العربي جملة، وآدابه جملة كذلك، دون النظر إلى أقاليمه وبيئاته.
ونحن نقول لهؤلاء المعترضين: إن دراسة آداب الشعب العربي جملة لا تتأتى إلا عن طريق دراسة آداب أقاليمه وبيئاته دراسة نقد، واستيعاب، وتحليل، بحيث يتبين منها الخصائص والسمات، وتستمد الأحكام الأدبية الصادقة التي لا حيف فيها على الحقيقة.
ثم إن الحجاز كان البوتقة الحيوية التي انصهرت فيها الخصائص الأساسية للأمة العربية، وتخلصت فيها من الشوائب والمثالب، حتى غدا جوهرها صافيا نقيا
…
انصهرت في الحجاز العقائد، واللهجات، والتقاليد، والعنعنات، والسجايا والأخلاق، فصفاها من أوشابها وأدرانها، حتى برزت تلك العناصر الفعالة، التي استندت إليها القومية العربية الإسلامية في نشوئها وتكوينها ومراحل تطورها، هذه القومية العظيمة التي وثبت اليوم وثبتها القوية الجبارة!
أفلا يجدر بنا -وهذا هو دور الحجاز منذ القدم- أن ندرس حياته وخصائصه، وشخصيته الأدبية والفنية، وجميع مقوماته السامية؟!
وإذا كانت اللغة هي إحدى عناصر القومية، أفليس من الواجب أن ندرس إلى أي حد، أثر الحجاز عامة، ولهجة قريش خاصة، في تهذيب اللغة العربية، وترقيتها، وتوحيدها، حتى أصبحت اللسان القومي للأمة العربية جمعاء؟!
ثم ما هو موقف الحجازيين من العقيدة، ووحدة الأماني المشتركة، والتبادل التجاري، ونمو الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وجميع العوامل التي تعتبر عناصر هامة للقومية العربية؟!
ما هو موقفهم من ذلك كله؟ لنرى أي أثر تركه الحجازيون في تخليص العقائد من الخرافات والأباطيل؛ لأن هذه التنقية وسيلة هامة من وسائل