الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن سلام كذلك1: "ولأبي سفيان بن الحارث شعر كان يقوله في الجاهلية، فسقط ولم يصل إلينا منه إلا القليل. ولسنا نعد ما يروي ابن إسحاق له ولا لغيره شعرا. ولئلا يكون لهم شعر أحسن من أن يكون ذلك لهم".
ويقول في موطن ثالث2: "فلو كان الشعر مثل ما وضع لابن إسحاق ومثل ما رواه الصحفيون، ما كانت إليه حاجة، ولا فيه دليل على علم".
وأكثر ما أورده ابن إسحاق من شعر ينسب لشعراء حجازيين. وفي دراسة هذا الشعر وتحقيقه يتضح لنا كثير من الصحيح والمنحول المختلف عليه من شعر الحجاز عامة، وشعر قريش خاصة، وقد عني بذلك ابن هشام في سيرته المعروفة.
1 المصدر السابق 206.
2 المصدر السابق 11.
استدراكات ابن هشام على بن إسحاق
…
استدراكات ابن هشام على ابن إسحاق:
وقد تتبع بعض الباحثين كل ما أخذه ابن هشام على ابن إسحاق ونقده فيه، فوجده لا يعدو واحدا من أمور أربعة:
الأول: أنه يورد أبيات الشعر التي أوردها ابن إسحاق وينسبها إلى من نسبها إليه ابن إسحاق، ثم يضيف أنها قد تنسب كلها أو بعضها إلى غيره، وقد تكرر منه ذلك في ثمانية وعشرين موضعا1. ونكتفي بذكر بعضها على سبيل المثال:
فمن ذلك ما يروى لأمية بن أبي الصلت مما يروى لغيره أيضا. فقد أورد أبياتا عن
1 نذكر فيما يلي أرقام صفحاتها، كما وردت في سيرة ابن هشام على سبيل الحصر السيرة: جـ1/ 15، 60، 62، 67، 68، 69، 74، 89، 90، 91، 105، 136، 242، 247؛ جـ2/ 159، 223، 256، 310؛ جـ3/ 16، 70، 83، 129، 212، 221، 223، 262، 282؛ جـ4/ 51، 90، 199.
ابن إسحاق من شعر أبي قيس بن الأسلت، ثم عقب عليها بقوله1:"قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له، والقصيدة تروى لأمية بن أبي الصلت". وكذلك قال ابن إسحاق2: "وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي في شأن الفيل، ويذكر الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام. قال ابن هشام: تروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي". وقال ابن إسحاق3: "وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، قال ابن هشام: وتروى لأمية بن أبي الصلت". وأورد ابن إسحاق أبياتا نسبها إلى زيد بن عمرو بن نفيل، فقال ابن هشام4:"هي لأمية بن أبي الصلت في قصيدة له، إلا البيتين الأولين والبيت الخامس وآخرها بيتا".
وأورد كذلك أبياتا نسبها إلى ورقة بن نوفل بن أسد، فقال ابن هشام5:"يروى لأمية بن أبي الصلت البيتان الأولان منها وآخرها بيتا في قصيدة له"، وقد أورد أبياتا رواها ابن إسحاق ونسبها إلى سيف بن ذي يزن الحميري، فعقب عليها ابن هشام بقوله6:"وهذه الأبيات في أبيات له، وأنشدني خلاد بن قرة السدوسي آخرها بيتا لأعشى بني قيس بن ثعلبة في قصيدة له، وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له".
وأورد ثلاثة أبيات من الرجز نسبها إلى "رجل من العرب" فقال ابن هشام7: "من الناس من ينحلها امرأ القيس بن حجر الكندي". وذكر إسحاق بيتا نسبه إلى أعشى بني قيس بن ثعلبة، وهو قوله8:
بين الخورنق والسدير وبارق
…
والبيت ذي الكعبات من سنداد
فقال ابن هشام: "وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي في قصيدة له، وأنشدنيه أبو محرز خلف الأحمر:
1 السيرة جـ1، صـ60.
2 المصدر السابق 1/ 62.
3 المصدر السابق 1/ 67.
4 السيرة 1/ 242.
5 السيرة 1/ 247.
6 السيرة 1/ 66، 67.
7 السيرة 1/ 88، 89.
8 السيرة 1/ 91.
أهل الخورنق والسدير وبارق
…
والبيت ذي الشرفات من سنداد
وذكر ابن إسحاق أبياتا نسبها إلى عبد الله بن الزبعرى، فقال ابن هشام1:"وتروى للأعشى بن زرارة بن النباش". وكذلك ذكر أبياتا لحسان، فقال ابن هشام2:"ويقال: بل قالها عبد الله بن الحارث السهمي".
وأورد أبياتا لحسان بن ثابت، فعقب عليها ابن هشام بقوله3:"وآخرها بيتا يروى لأبي خراش الهذلي، وأنشدنيه له خلف الأحمر. وتروى الأبيات أيضا لمعقل بن خويلد الهذلي". وذكر أبياتا نسبها ابن إسحاق لحسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عقب عليها ابن هشام بقوله4: "أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك".
وأما الضرب الثاني من تعقبه ابن إسحاق: فهو إيراده الحادثة التاريخية كما وردت في سيرة ابن إسحاق، حتى إذا وصل إلى الشعر الذي قبل هذه الحادثة أسقطه ولم يثبته؛ لأنه لم يصح عنده. ولعل ذلك قد تكرر منه في مواطن كثيرة؛ لأنه ذكر في المقدمة أنه ترك أشعارا ذكرها ابن إسحاق ولم ير أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها. غير أنه لم ينص على تركه الأشعار إلا في موضعين اثنين؛ فقد أورد مسير أبي كرب تبان أسعد إلى يثرب وغزوه إياها، فلما أن وصل إلى شعر خالد بن عبد العزى الذي فيه5:
حنقا على سبطين حلا يثربا
…
أولى لهم بعقاب يوم مفسد
قال ابن هشام: "الشعر الذي فيه البيت مصنوع؛ فذلك الذي منعنا من إثباته".
وكذلك أورد ما ذكره ابن إسحاق من نذر عبد المطلب ذبح ولده، وحذف ما جاء في أثناء هذا الحديث من شعر، وقال6:"وبين أضعاف هذا الحديث رجز، لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر".
1 السيرة 2/ 16.
2 السيرة 2/ 20.
3 السيرة 2/ 82.
4 السيرة 3/ 138، 139.
5 السيرة 1/ 34.
6 السيرة 1/ 164.
وضرب ثالث من تعقيباته: يذكر فيه أبياتا من الشعر الذي أورده ابن إسحاق ويكتفي بها ولا يورد باقيها، ثم يقول: إن ذلك ما صح له منها. وقد تكرر منه ذلك في ثمانية مواضع1؛ منها: أن ابن إسحاق أورد أبياتا لعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف، وقد اجتزأ ابن هشام بثلاثة أبيات منها، وقال2:"قال ابن هشام: هذا ما صح له منها".
وروى ابن إسحاق أبياتا كثيرة لأبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، ومع أن ابن هشام قال: إنها تروى لابنه أمية، فقد قال أيضا3: هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها، إلا آخرها بيتا قوله:
تلك المكارم لا قعبان من لبن
…
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
فإنه للنابغة في قصيدة له.
وذكر ابن سلام أن هذا البيت ترويه عامر للنابغة، والرواة مجمعون على أن أبا الصلت بن أبي ربيعة قاله. وقد أتى به مثلا على أن الشاعر قد يستزيد في شعره بيتا قاله قائل قبله، كالمتمثل حين يجيء موضعه من غير أن يقصد اجتلابه أو سرقته.
وأورد ابن إسحاق قصيدة أبي طالب، فذكر ابن هشام منها أربعة وتسعين بيتا، ثم قال4:"وهذا ما يصح لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها".
والضرب الرابع: مثل ما يؤثر من أن ابن هشام كان يورد الشعر الذي أورده ابن إسحاق كاملا لا يخرم منه بيتا، ثم يذكر أنها منحولة. وقد تكرر
1 جـ1/ 53، 68، 104، 122، 399، جـ3، ص187، جـ4 ص34.
2 السيرة 1/ 53.
3 السيرة 1/ 68، 69.
4 السيرة 1/ 299.
منه ذلك في ستة وثلاثين موضعا1، ويكاد يلتزم في تعبيره عن شكه أربعة أنواع من العبارة:
أ- يورد ما رواه ابن إسحاق من شعر لأبي بكر الصديق2، وعبد الله بن الزبعرى3، وسعد بن أبي وقاص، وحمزة بن عبد المطلب، وأبي جهل، وهند بنت أثاثة، وحسان بن ثابت، وميمونة بنت عبد الله، وكعب بن الأشرف، وعلي بن أبي طالب، والزبرقان بن بدر، والحارث بن هشام، ويعقب على كل قصيدة يوردها لهؤلاء بقوله:"وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها له"4.
ب- ويورد ما رواه ابن إسحاق من شعر لمالك بن الدخشم5، ومكرز بن حفص، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وضرار بن الخطاب، والحارث بن هشام، وهند بنت عتبة، وحسان بن ثابت، وعبد الله بن الزبعرى، وعمرو بن العاص، وخبيب بن عدي، ومسافع بن عبد مناف، ويعقب على كل قصيدة يوردها لهؤلاء بقوله:"وبعض أهل الشعر ينكرها له".
جـ- وإذا كان قد ذكر في العبارات الأولى: "أكثر أهل العلم بالشعر"، وفي العبارات الثانية:"بعض أهل العلم بالشعر"، ففي عبارة ثالثة يقول:"إنه لم ير أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذه الأبيات".
1 جـ1/ 179، جـ2/ 244، 245، 246، 248، 303، 304، 305، 442، جـ3/ 8، 11، 24، 29، 30، 41، 42، 44، 56، 57، 148، 151، 154، 163، 174، 178، 185، 187، 193، 206، 236، 280، 281، جـ4/ 34، 62، 90، 209، 231.
2 السيرة 2/ 242.
3 السيرة 2/ 244.
4 السيرة 2/ 245، 246، 248، 3/ 8-11، 44، 56، 57، 163، 193، 236، 4/ 29.
5 2/ 304، 305، 3/ 24، 29، 30، 41، 42، 148، 151، 154، 174، 178، 185، 186، 187، 281، 280.
ومن ذلك أن ابن إسحاق روى عن محمد بن سعيد بن المسيب خبر وفاة عبد المطلب بن هاشم، وبكاء بناته الست عليه، وهن: صفية، وبرة، وعاتكة، وأم حكيم البيضاء، وأميمة، وأروى. وقد بكت عليه كل واحدة بشعر أورده ابن هشام، ثم عقب عليه بقوله1:"ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر، إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيب كتبناه".
وكذلك روى ابن إسحاق قصيدتين؛ الأولى: لعلي بن أبي طالب في يوم بدر، والثانية: نقيضتها وهي للحارث بن هشام بن المغيرة، وقد أوردهما ابن هشام وقال:"ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها ولا نقيضتها، وإنما كتبناهما لأنه يقال: إن عمرو بن عبد الله بن جدعان قتل يوم بدر ولم يذكره ابن إسحاق في القتلى، وذكره في هذا الشعر"2.
وروى ابن إسحاق أبياتا لعلي بن أبي طالب، فأوردها ابن هشام، وقال:"قالها رجل من المسلمين يوم أحد غير علي، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر، ولم أر أحدا منهم يعرفها لعلي"3.
د- وقد نص في موضع واحد على اسم عالم من علماء اللغة والشعر والأخبار، هو: أبو عبيدة، وذلك أنه أورد قصيدة من اثني عشر بيتا، رواها ابن إسحاق لعمرو بن معديكرب، ثم قال: إن أبا عبيدة أنشده الأبيات الثلاثة الأولى منها، وفيها خلاف في رواية بعض ألفاظها، وإنه لم يعرف سائرها4.
وثمة مآخذ أخرى استدركها ابن هشام على ابن إسحاق، ولم تدخل في الضروب الأربعة السالفة، وهي:
1-
يروي ابن إسحاق قصيدة لأمية بن أبي الصلت يبكي زمعة بن الأسود وقتلى بني أسد، ويوردها ابن هشام كما رواها ابن إسحاق، ويعقب عليها بقوله:"هذه الرواية لهذا الشعر مختلطة ليست بصحيحة البناء، ولكن أنشدني أبو محرز خلف الأحمر وغيره، وروى بعض ما لم يرو بعض". ثم يورد القصيدة بهذه الرواية الأخرى، صحيحة البناء مستقيمة الوزن5.
1 2/ 179.
2 السيرة 3/ 11.
3 السيرة 3/ 174.
4 السيرة 4/ 231.
5 السيرة 3/ 34.
2-
ويروي ابن إسحاق قصيدة من ثلاثة عشر بيتا للعباس بن مرداس، وقد رواها كلها متتابعة على أنها قصيدة واحدة -إذ إنها ذات وزن واحد وروي واحد- وأوردها على ذلك ابن هشام، ثم عقب عليها بقوله:"قال ابن هشام: من قوله: "أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها
…
إلخ" في هذا اليوم، وما قبل ذلك في غير هذا اليوم، وهما مفصولتان، ولكن ابن إسحاق جعلهما واحدة"1.
3-
ويحذف ابن هشام بيتا أو أبياتا من قصيدة رواها ابن إسحاق، لا لشك في صحة الشعر ونسبته، وإنما لأن الشاعر أقذع فيه. وكذلك أبدل كلمات من شعر رواه ابن إسحاق؛ لأن الشاعر "نال فيها من النبي، صلى الله عليه وسلم" وترك بيتين من قصيدة لأمية بن أبي الصلت؛ لأنه "نال فيهما من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم"2.
4-
وله أحيانا تعليقات على ما يورد من الشعر، من حيث العروض أو من حيث جمال الشعر. فمن ذلك أن يذكر كلاما لرئي من الجن هو:"ألم تر إلى الجن وإبلاسها، وإبساسها من دينها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها"، ثم يعقب عليه بقوله:"قال ابن هشام: هذا كلام سجع وليس بشعر"3. وذكر قولهم: "لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة" وعقب عليه بقوله: "هذا كلام وليس برجز"4. ويورد كذلك أبيات سبيعة بنت الأحب، ومطلعها:
أبني لا تظلم بمـ
…
ـكة لا الصغير ولا الكبير
ثم قال: يوقف على قوافيها لا تعرب5، وأورد أبياتا على الكاف المكسورة رواها ابن إسحاق لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ثم عقب عليها بقوله:"بقيت منها أبيات تركناها لقبح اختلاف قوافيها".
1 السيرة 4/ 84.
2 3/ 11، 33.
3 السيرة 1/ 223، 224.
4 السيرة 2/ 142.
5 السيرة 1/ 27.
ويورد أبياتا لحسان بن ثابت يذكر عدة أصحاب اللواء يوم أحد، ثم يعقب عليها بقوله:"هذا أحسن ما قيل".
ويورد أبياتا رواها ابن إسحاق لأبي أسامة معاوية بن زهير بن قيس، ويعقب عليها بقوله1:"وهذه أصح أشعار أهل بدر"2.
هذا ما ذكره ابن هشام عن الشعر الجاهلي الذي رواه ابن إسحاق في سيرته، ومعظمه شعر حجازي.
5-
وأورد ابن سلام ما يروى عن الشعبي، عن ربعي بن خراش، من أن عمر بن الخطاب قال: أي شعرائكم الذي يقول:
لفيت الأمانة لم تخنها
…
كذلك كان نوح لا يخون؟
وعلق عليه بقوله: هذا غلط على الشعبي أو من الشعبي، أو من ابن خراش.
أجمع أهل العلم على أن النابغة لم يقل هذا، ولم يسمعه عمر، ولكنهم غلطوا بغيره من شعر النابغة، وقد عد الجاحظ أيضا البيت السالف من منحول شعر النابغة3.
وكذلك ذكر مرجوليوث هذا البيت، أثناء حديثه عن الأدلة التي ساقها لإثبات نظريته في أن الشعر الذي نقرؤه على أنه شعر جاهلي، إنما نظم في العصور الإسلامية. ويرى أن النابغة كان يعرف قصة نوح بتفصيلاتها، ويعقب على ذلك بقوله:"ويبدو أن القرآن هو المصدر الوحيد عن هذا الأمر"، ثم يورد بيت النابغة، ويقول: وهنا إشارة إلى الصفة "أمين" وهي في القرآن من صفات
1 السيرة 3/ 35، 156، 223.
2 راجع في هذا الموضوع: "مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية" 337-345.
3 الحيوان 2/ 246.
"نوح" ويعني بذلك الآيات: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} 1.
وقد ذكر ابن سلام حسان بن ثابت، فقال عنه2:"إنه كثير الشعر جيده، وقد حمل عليه ما لم يحمل على أحد. لما تعاضهت قريش واستبت، وضعوا عليه أشعارا كثيرة لا تنقى"3.
وذكر أبو عمرو بن العلاء، أن ذا الإصبع العدواني قال يرثي قومه4:
وليس المرء في شيء
…
من الإبرام والنقض
إذا يفعل شيئا خا
…
له يُقضى وما يقضي
جديد العيش ملبوس
…
وقد يوشك أن يفضي
ثم نص على أنه لا يصح من أبيات ذي الإصبع الضادية هذه إلا الأبيات التي أنشدها، وأن سائرها منحول، بينما نرى أبا الفرج نفسه يورد من هذه القصيدة غير الأبيات المتقدمة نحوا من أربعة وعشرين بيتا آخر5.
وذكر الجاحظ في الحيوان، قول غيلان بن سلمة:
في الآل يخفضها ويرفعها
…
ريع كأن متونه السحل
عقلا ورقما ثم أردفه
…
كلل على ألوانها الخمل
كدم الرعاف على مآزرها
…
وكأنهن ضوامرا إجل
ثم علق على ذلك بقوله: وهذا الشعر عندنا للمسيب بن علس، فهو إذًا يجزم بأن هذا الشعر محمول على غيلان، ولكن دون حجة أو دليل.
ولننتقل بعد هذا لدراسة لاميتي الشنفرى وتأبط شرا.
1 راجع مقالة مرجوليوث عن أصول الشعر العربي، في عدد يوليو 1925، من المجلة الملكية الآسيوية.
2 طبقات الشعراء 179، تعاضهوا: تراموا بالإفك والشتيمة.
3 الأغاني 3/ 106.
4 المصدر نفسه 3/ 96.
5 المصدر نفسه 12/ 107، 108.
لامية العرب بين الشنفرى وخلف الأحمر: فأما لامية الشنفرى فقصيدة مشهورة تسمى لامية العرب، وقد قال أبو علي القالي1: كان أبو محرز -وهي كنية خلف بن حيان الراوية الشهير بخلف الأحمر- أعلم الناس بالشعر واللغة وأشعر الناس على مذاهب العرب. حدثني أبو بكر بن دريد: أن القصيدة المنسوبة إلى الشنفرى التي أولها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم
…
فإني إلى قوم سواكم لأميل
له، وهي من المقدمات في الحسن والفصاحة والطول، فكان أقدر الناس على قافية.
ومن العجيب أن أبا بكر بن دريد على تفضيله خلفا على الأصمعي وجعله الأول بحرا والثاني ثمادا، قد ذكر أن خلفا هو قائل هذه اللامية، ولكن مما يضعف هذا الاتهام ويرجح أن القصيدة للشنفرى، أن ابن سلام ينص على علم خلف بالشعر، وينص كذلك على توثيقه في الرواية. ثم لا يكتفي بأن يجعل ذلك رأيا خاصا به، وإنما يذكر أن هذا الرأي هو إجماع علماء البصرة، قال ابن سلام:"أجمع أصحابنا أنه كان أفرس الناس ببيت شعر، وأصدقهم لسانا، كنا لا نبالي إذا أخذنا عنه خبرا أو أنشدنا شعرا ألا نسمعه من صاحبه"، ولرأي ابن سلام قيمة خاصة، إذ إن ابن سلام هو من نعرف شكا في بعض الشعر الجاهلي، ونصا على بعض المنحول منه، والحق أن ابن سلام لم يكتف بكل هذا الذي قاله في توثيق خلف، وإنما أضاف إليه أقوالا أخرى ذهب فيها إلى أن خلفا كان ناقدا للشعر الجاهلي، يميز صحيحه من فاسده، وينص على المنحول منه، ويردد كثيرا مما كان يروى في زمنه. ومن أجل هذا جاءه خلاد بن يزيد الباهلي، وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله، فقال له: بأي2 شيء تردد هذه الأشعار التي تروي؟ فقال له خلف: هل فيها ما تعلم أنت أنه مصنوع لا خير فيه؟ قال: نعم. قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم بالشعر منك؟ قال: نعم. قال: فلا تنكر أن يعلموا من ذلك أكثر مما تعلمه أنت.
1 الأمالي 1/ 156.
2 طبقات الشعراء 8.