الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11-
رواية ديوان النابغة:
والذي يهمنا نحن هنا هو ما يتصل بشعر النابغة وزهير بوصفهما شاعرين حجازيين؛ فأما النابغة فقد روى له الأصمعي في هذه المجموعة أربعا وعشرين قصيدة فحسب، ولكن ابن الورد أضاف سبع قصائد أخرى من مرويات غير الأصمعي من مثل ما رواه أبو عمرو بن العلاء، والمفضل الضبي، وأبو سعيد السكري، والطوسي عن ابن الأعرابي، وغيرهم من الثقات. وبذلك صار ديوان النابغة 31 قطعة غير الملحق، ثم زاد في ملحقه للنابغة سبعا وخمسين قطعة شعرية وواحدة نثرية، وهذه القطع فيها البيت الواحد وفيها القصائد الطويلة، مثل قصيدته التي أولها:
عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار
…
ماذا تحيون من نؤي وأحجار؟
وقد نشر "ديرنبورج" Derenbourg في سنة 1868م، في المجلة الآسيوية ديوان النابغة الذبياني نقلا عن مجموعة الأعلم الشنتمري، وأضاف إليه القصائد السبع التي رواها الطوسي عن ابن الأعرابي، ثم أفرد هذا الديوان في كتاب خاص. وقد اعتمد على مخطوطتي باريس اللتين أشرنا إليهما آنفا، وعلى مخطوطة فينا رقم 456، وهي بخط مغربي وعليها شرح لأبي بكر البطليوسي، وقد قدم "ديرنبورج" لديوان النابغة بترجمة وافية منقولة عن كتب الأدب، كالشعر والشعراء لابن قتيبة، والأغاني لأبي الفرج، وغيرهما، مع رجوعه إلى ما كتبه المستشرقون أمثال "دي برسفال" عن العرب في الجاهلية، وله فيها مجهود خاص يستحق الثناء.
ثم أصدر "ديرنبورج" في سنة 1899 ملحقا لديوان النابغة بعد أن عثر على المخطوطة رقم 65 من مجموعة Schefer في مؤتمر المستشرقين بباريس سنة 1897، وقد كتبت هذه المخطوطة في ساوة1 ببلاد فارس، بخط أبي القاسم محمد بن أبي القاسم الخاستي في التاسع من جمادى الآخرة سنة 592هـ. ويقول ياقوت في معجم البلدان:"كان بساوة أكبر مكتبة في العالم، وقد بلغني أن التتار أحرقوها" وقد عثر أبو القاسم في هذه المكتبة على هذه النسخة القيمة فنقلها. وفي هذه النسخة ثمانٍ وخمسون قصيدة وقطعة للنابغة الذبياني، بما في ذلك القصائد السبع التي أضافها الطوسي عن ابن الأعرابي، كما وجدت في مخطوطة "بطرسبورج".
وبهامش هذه النسخة كتاب مجمع الأمثال للميداني، وهي مكتوبة بخط جميل، وفي مخطوطة "ساوة" تجد مثلا القصيدة المشهورة:
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني
…
وتلك التي أهتم منها وأنصب
تسعة وعشرين بيتا، بينما هي فيما نشره ابن الورد عن الأعلم الشنتمري، وفيما نشره ديرنبورج في سنة 1868 لا تزيد عن اثني عشر بيتا، وتراها في مخطوطة بطرسبورج عشرين بيتا.
وقد وجد "ديرنبورج" في مخطوطة ساوة زيادات ليست في مخطوطة بطرسبورج غير القصيدة السابقة، وليست في ملحق ابن الورد؛ ولذلك قام
1 تقع ساوة بين همذان والري.
بنشر هذه المخطوطة فيما يتعلق بديوان النابغة فحسب، سالكا سبيل الاختصار. فالقصائد التي سبق له نشرها أو نشرها ابن الورد، أشار إليها دون أن يذكرها، ومعلقا على ترتيب الأبيات واختلافها في المخطوطات العديدة. أما القصائد التي لم تنشر من قبل، فقد أوردها بأكملها مع المقدمات التي تشرح ظروف القطعة وأسباب قولها، وكذلك الزيادات التي اختصت بها مخطوطة "ساوة" في القصائد التي رواها الأصمعي أو الطوسي، أو رواها ابن الورد في ملحقه.
وقد نشر الأب لويس شيخو في شعراء النصرانية ديوان النابغة، كما رواه الأعلم الشنتمري، وأضاف إليه ملحق ابن الورد.
ومن الجدير بالملاحظة أن ثمة أربعا وعشرين قصيدة قد أثبتتها جميع المخطوطات وتلك القصائد هي التي رواها الأصمعي، ثم سبع قصائد أخرى أثبتها مخطوطة "بطرسبورج" ومخطوطة "ساوة"، وهي ما رواه الطوسي عن ابن الأعرابي، وبذلك تكون القصائد التي يرى الرواة الثقات أنها للنابغة الذبياني -بغض النظر عن اختلاف الروايات في بعض الكلمات، وبعض الزيادات- إحدى وثلاثين قصيدة.
وإذا عرفت أن الأصمعي كان متزمتا يضيق ولا يعتمد إلا أصح اللغات، ويلح في دفع ما سواه، ولا يفسر من القرآن ولا من اللغة شيئا له نظير واشتقاق في القرآن، وأنه كان يتحرج في الحديث، ولا ينشد من الشعر ما كان فيه ذكر الأنواء، ولا يفسره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا ذكرت النجوم فأمسكوا"، وأنه لم ينشد أو يفسر شعرا فيه هجاء، أدركت أي راوية كان الأصمعي في تثبته وتحقيقه وتحرجه.
ولقد تعقب الأزهري في كتابه التهذيب رواة الشعر واللغة، فاحصا منقبا مدققا ملتمسا مواطن الثقة فيما يرويه عنهم منبها على الكلام المصحف، وبعد أن أنعم النظر والتثبت قال: إنه وجد معظم ما روى لابن الأعرابي، وأبي عمرو الشيباني، وأبي زيد، وأبي عبيدة، والأصمعي، معروفا في الكتب التي رواها الثقات عنهم، والنوادر المخطوطة لهم
…
فخص هؤلاء بالثقة دون سائر الرواة، ووصفهم بالإتقان والتبريز.
وكان الأصمعي أعرف الرواة بالصحيح والمنحول من الشعر، ولم يكن شاعرا حتى يتزيد ويختلق كما فعل غيره؛ ولذا كان ما رواه عن النابغة أصح شعر يروى له1.
1 النابغة الذبياني: ص104.