المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: معبودات الحجازيين وعاداتهم الدينية - قصة الأدب في الحجاز

[عبد الله عبد الجبار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌تمهيد: وصف عام للحجاز وبيئته الطبيعية والبشرية

- ‌القسم الأول: العوامل المؤثرة في الأدب الحجازي

- ‌الباب الأول: الحياة السياسية-توطئة الجاهلية وتحديد العصر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: أهمية الحجاز في العصر القديم

- ‌الفصل الثاني: تاريخ الحجاز السياسي

- ‌الفصل الثالث: طبيعة الحكم في الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الحياة الاجتماعية لعرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الثالث: اللغة العربية في الحجاز

- ‌الباب الثالث: الحياة الدينية

- ‌الفصل الأول: معبودات الحجازيين وعاداتهم الدينية

- ‌الفصل الثاني: أشهر الأصنام في الحجاز

- ‌الباب الرابع: الحياة العقلية عند عرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الخامس: شخصيات حجازية في العصر الجاهلي

- ‌القسم الثاني: الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، النثر

- ‌الباب الأول: صورة عامة للنثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: فنون النثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الحكم والأمثال

- ‌الفصل الثاني: الخطب والوصايا

- ‌الفصل الثالث: المحاورات والمفاخرات والمنافرات وسجع الكهان

- ‌الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، الشعر:

- ‌الباب الأول: فكرة عامة عن الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: نماذج هذا الشعر

- ‌الفصل الثاني: لمحة عامة عن الشعر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الشعر الحجازي بين الصحة والوضع

- ‌مدخل

- ‌ الشعر الحجازي في الميزان:

- ‌استدراكات ابن هشام على بن إسحاق

- ‌لامية تأبط شرا:

- ‌شعر أمية بن أبي الصلت الديني

- ‌دواوين القبائل الحجازية:

- ‌ديوان الهذليين:

- ‌طبعة دار الكتب:

- ‌الداواوين المفردة

- ‌ رواية ديوان النابغة:

- ‌رواية ديوان زهير:

- ‌الباب الثالث: فنون الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الشعر السياسي

- ‌أولا" أيام الحجازيين في الجاهلية:

- ‌ثانيا: صميم الشعر السياسي

- ‌الفصل الثاني: الشعر الحماسي

- ‌الفصل الثالث: الشعر اجتماعي

- ‌الفصل الرابع: الشعر الديني

- ‌الفصل الخامس: الشعر الغزلي

- ‌الفصل السادس: الشعر الهجائي

- ‌الفصل السابع: فنون شعرية أخرى

الفصل: ‌الفصل الأول: معبودات الحجازيين وعاداتهم الدينية

‌الباب الثالث: الحياة الدينية

‌الفصل الأول: معبودات الحجازيين وعاداتهم الدينية

كانت ديانات العرب الحجازيين1 متعددة: فمنهم من عبد الأوثان وصورها بشتى الأشكال، يصنعونها بأيديهم من ذهب أو حجر أو خشب ثم يقفون أمامها خاشعين، ويقدمون لها القرابين، ويستنصرون بها على الأعداء، ويستشيرونها في المهام، فإن أمرت بشيء فعلوه وإلا كفوا عنه وتركوه، حتى تأذن لهم فيه، ومما يدعو إلى الضحك والرثاء، ما حكي من أن بني حنيفة اتخذت لها صنما من حيس، عبدته مدة طويلة، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه، فقال الشاعر يعيرهم:

أكلت حنيفة ربها

زمن التقحم والمجاعة

لم يحذروا من ربهم

سوء العواقب والتباعة

وكان منهم فريق عبدوا الشعرى، وردّ الله تعالى عليهم بقوله:{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} ، وحكى القرآن عبادة فريق للجن والملائكة، فقال:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} الآية. وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الحيرة، ومن صورها قول شاعر قرشي:

يحدثنا الرسول بأن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام؟

1 راجع الأصنام للكلبي، الميثولوجيا عند العرب لمحمود سليم الحوت، الحياة الأدبية في العصر الجاهلي 2/ 278، شفاء الغرام للفاسي.

ص: 196

وفريق منهم اعتنق اليهودية، وهؤلاء كانوا بالمدينة وخيبر وفدك، كما كانوا باليمن كذلك.

أما النصرانية فقد كانت قليلة في الحجاز، وكان أغلب أتباعها في الشام وفي الحيرة ونجران، وكان من أتباعها أمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة وسواهما.

الحنيفية:

والذين نبذوا هذه الأديان، واعتنقوا التوحيد هم من عرب الحجاز، وقد اهتدوا إلى ذلك بفطرتهم السليمة، وكانوا يسمون "الحنفاء"، ومنهم: "ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، الذي يقول:

أربا واحدا أم ألف رب

أدين إذا تقسمت الأمور

تركت اللات والعزى جميعا

كذلك يفعل الرجل الخبير

وكان هؤلاء يعظمون الكعبة التي كان أول من بناها أبو الحنيفية البيضاء إبراهيم عليه السلام، ولم يجعل لها سقفا. ثم تجدد بناؤها في عهد العمالقة، وجرهم. ثم جددها أيضا قصي بن كلاب وسقّفها بخشب الدوم وجريد النخل1. ثم بنتها قريش والرسول ابن خمس وثلاثين سنة، ورفعوا بابها حتى لا تدخل إلا بسلم؛ وذلك لتستطيع قريش منع من تشاء من دخولها، وقد حرصت قريش على ألا يدخل في بنائها من كسبهم إلا ما كان طيبا ليس فيه شيء من ربا، أو مهر بغي، أو مظلمة لأحد، واختلفت القبائل فيمن يضع الحجر الأسود موضعه، واحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بينهم بالحكمة. ثم كان أن احتمى عبد الله بن الزبير في المسجد من الحصين قائد جيش يزيد بن معاوية، وقذف الحصين الكعبة بالمنجنيق، فكاد يهدمها لولا أن قضى الله بوفاة يزيد فانصرف الجيش، فهدم عبد الله بن الزبير بناءها، وبناها على قواعد إبراهيم، وكسا بابها بصفائح الذهب، وجعل مفاتيحها من الذهب أيضا، وجعل لها بابين في مستوى الأرض؛ كي يسهل على العرب المرور بداخل الكعبة.

1 الأحكام السلطانية للماوردي، ص143.

ص: 197

ولما جاء عبد الملك بن مروان أمر أن يُعاد بناؤها إلى ما كان عليه أيام الرسول. ثم جاء أبو جعفر المنصور، فأراد أن يعيدها إلى ما كانت عليه أيام عبد الله بن الزبير، فمنعه مالك بن أنس؛ سدا لهذا الباب، ومنعا للتلاعب في هذا البناء المقدس في مستقبل الزمان.

ومما ورثه العرب من شريعة إبراهيم: الحج بما فيه من تلبية وطواف، وسعي ووقوف بعرفة، والطهارة بنوعيها، والصلاة مولين وجوههم شطر الكعبة، والزكاة، والصدقة، وصلة الأرحام، والصوم. ومجموع هذه الشريعة يسمى "التحنف"، ومعتنقوها "حنفاء"1.

وقد كانت هذه النزعة الإصلاحية التي سيطرت على عقول بعض الحكماء والمفكرين العرب تنبيها للأذهان، وإرهاصا لظهور النبي الجديد، وتهيئة للعقول لتستعد لقبول التعاليم الجديدة التي سيدعو إليها النبي الكريم.

اليهودية:

ظهور اليهودية في يثرب: الراجح أنه حدث في زمن متقدم بعامل الاضطهاد، أو تحت تأثير المنافع المادية، فحينما كثر عدد اليهود بأورشليم، وتطلعت نفوسهم إلى الاستئثار بأمور التجارة والمنفعة، تسربت طوائفهم من أورشليم إلى العقبة، ثم ظهروا في يثرب مهاجرين واستوطنوا الجهات الأكثر صلاحية لهم ولمعايشهم، كأرض خيبر الواقعة شمال يثرب، ووادي القرى المشهور بأرضه الخصبة وحدائقه الزاهرة، وأرض تيماء أيضا، وكل هذه الجهات واقعة شمال الحجاز، ولها أهمية اقتصادية عظيمة، فبعضها يشرف على الطرق التجارية، والبعض ينعم بخيرات الجزيرة.

وقد استطاع اليهود أن يعيشوا في بلاد العرب بوسائلهم التقليدية من المكر والخداع والكيد، ونجحوا إلى حد كبير في الاستئثار بخيرات البلاد، ولكن دينهم نفسه لم يجد له طريقا إلى قلوب العرب، ولعل السبب في ذلك أن كثيرا من أحكام اليهودية لا تتناسب مع أخلاق العرب؛ فاليهودية مثلا

1 اقرأ تفصيل أخبار الموحدين في بلوغ الأرب جـ ص253 وما بعدها.

ص: 198

لا تبيح الانتفاع بغنائم الأعداء بل تقول بحرقها، والعربي إنما يقاتل للنهب والسلب غالبا، والعربي إلى جانب ذلك يميل إلى الحرية وعدم التقيد "بالسبت" أو بشيء آخر مما ورد في التوراة.

المسيحية:

وأما المسيحية فلم تكن مجهولة في قلب الجزيرة، ولا سيما مدن الحجاز التجارية؛ فقد كان الحجازيون على اتصال دائم بأهل الشمال. وليس من شك في أن الرهبان الذين كانت صوامعهم تنتثر من فلسطين وشبه جزيرة سيناء حتى قلب الصحراء، كان لهم أثر كبير في تعريف العرب بالنصرانية، على أن الصحراء كانت ملجأ تلوذ به بعض الفرق المضطهدة من الكنيسة الرسمية. وقد عرفت النصرانية في بني أسد بن عبد العزى من قريش، ومنهم عثمان بن الحويرث، وورقة بن نوفل على رأي، وكان ورقة قد استحكم في النصرانية حتى علم من أهل الكتاب كثيرا.

وفي يثرب كان من المناوئين للنبي صلى الله عليه وسلم عند شخوصه إليها، شريف مطاع اسمه أبو عامر عبد عمرو بن صيفي، كان قد ترهب ولبس المسوح وسمي "الراهب"، وكان بمكة نصراني اسمه موهب ضرب عليه النبي دينارا كل سنة.

وكان بأيلة نصارى، ضرب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة دينار كل سنة، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ولا يغشّوا مسلما1.

الأصنام وأتباعها:

وكانت عبادة الأصنام أقواها نفوذا وأوسعها انتشارا، وليس ذلك بعجيب؛ فإن ضعفاء النفوس في كل زمان ومكان يأبون إلا الارتماء في أحضانها والتشبث بأهدابها {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} الآية. وكأن هذه العقول يشق عليها أن تفهم معنى الألوهية على حقيقته فتريد إلها مجسما، تناجيه عن كثب وتتقدم إليه بحاجاتها كما تتقدم إلى الحكام في شئونها الدنيوية.

1 راجع العرب والإمبراطورية لبروكلمان ص29، واليعقوبي 1/ 289، وابن هشام 2/ 216، والأم للإمام الشافعي 4/ 101.

ص: 199

ويرجع سبب انتشارها في جزيرة العرب إلى الأزمان السحيقة، حين كان يهاجر المكيون من مكة -لما ضاقت بهم- منتشرين في أنحاء الجزيرة، فكان كل فريق منهم يحمل معه حجرا من أحجار البيت، يطوف به حيث يقيم، كما كان يطوف بالكعبة، فلما تقادم العهد، انحرفوا عن الحجارة وزين لهم الشيطان عبادتها، فعبدوها من دون الله.

ويقال: إن الذي نشر عبادتها في الحجاز عمرو بن لحي الخزاعي، جلبها معه من الشام، وقد ذهب إليها يستشفي، فرآها عندهم، فسألهم عنها، فقالوا له: إننا نستنصر بها على الأعداء، ونستسقي بها المطر، فطلب أن يصنع له منها عدد، فصنع وحمله معه، ونصبه حول الكعبة فعبدها العرب، وتعلقوا بها، وكثر اتخاذهم لها، حتى قيل: إنه وجد منها حول الكعبة -يوم الفتح- ستون وثلاثمائة صنم، وكان بالكعبة تمثالا السيد المسيح والعذراء مريم عليهما السلام فأخذ الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- يطعنها في وجوهها وأعينها بسية قوسه، ويقول:"جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا" ولم يكتف أهل مكة بهذه الأصنام، بل اتخذ أهل كل بيت صنما لهم في بيتهم، فإذا أراد أحدهم سفرا، كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، فإذا قدم من سفره كان أول ما يصنع أن يتمسح به. وكان لغير قريش طواغيت، أي: بيوت كالكعبة، يصنعون فيها الأصنام، ويطوفون بها، ويهدون إليها الهدايا، ويذبحون عندها الذبائح، ويستقسمون عندها بالقداح، ولها سدنة وحجاب.

والقول بأن الوثنية أول من جلبها إلى بلاد العرب عمرو بن لحي من غير أن يكون لها سابق وجود بشبه الجزيرة، مشهور، وقد يكون بعيدا عن الصواب؛ لأن العرب كان لهم اتصال منذ قديم الزمان بالأمم التي تجاورهم بواسطة التجارة والترحال، وكانت هذه الأمم، وعلى الأخص الفينيقيون، والكلدانيون، والآشوريون، والمصريون، يدينون بالوثنية، وطبعي أن يتأثر العرب بهذه الوثنيات شيئا فشيئا، ثم تسري عدواها إلى القبائل واحدة بعد واحدة حتى تعم القبائل برمتها، وهذا ظاهر من أن كل قبيلة كان لها صنم خاص بها تنصبه في أرضها لتعبده.

ص: 200

وتشير رواية الكلبي إلى أن عبادة الأصنام بجزيرة العرب ترجع إلى عهد أسبق من عمرو بن لحي، ذلك أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام لما سكن مكة وولد له أولاد كثيرون، حتى ملئوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد.

وكان الذي جَرَّهم إلى عبادة الأصنام أنه كان كما ذكرنا لا يظعن ظاعن من مكة إلا احتمل معه من حجارة الحرم؛ تعظيما للحرم وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها، وصبابة بالحرم، وحبا له، وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة، ويحجون ويعتمرون على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

ثم جرهم ذلك إلى أن عبدو ما استحبّوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره؛ فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قوم نوح وغيره1.

وإذًا، فعمرو بن لحي ليس هو أول من جلب هذه العبادة إلى جزيرة العرب، وينبغي أن يكون مفهوما أن عبادة الأصنام التي شاعت بين العرب كانت تختلف في معناها عن الوثنيات الأخرى، فبينما كانت الأصنام في الجهات الأخرى تعبد بصفتها آلهة بذاتها، كانت تعبد في جزيرة العرب بصفتها شفعاء عند الله، فالعرب -بذلك- قد أشركوا الأصنام مع الله سبحانه وتعالى! أي: إن إيمانهم كان شركا. قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .

وأشهر أصنامهم، ما ورد بذكره القرآن، وهو: ود وسواع ويغوث ويعوق2 ونسر واللات والعزى ومناة. وسمت العرب: عبد ود، وعبد يغوث، وتيم اللات، وكانت قريش وأهل مكة لا يعظمون شيئا من

1 الأصنام للكلبي ص6.

2 قال الواقدي: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر.

ص: 201

الأصنام مثل ما يعظمون اللات والعزى ومناة وهبل كبير آلهتهم؛ ولذا كانت قريش تقول في طوافها: واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى، وكانت هذيل تعبد سواعا، قال الشاعر:

تراهم حول قبلتهم عكوفا

كما عكفت هذيل على سواع

وروي في التاج: حول قيلهم "بالياء بعد القاف المفتوحة".

من عادات قريش الدينية:

الحمس:

كانت العرب على دينين: حلة، وحمس. فالحمس قريش وكل من ولدت من العرب، وكنانة، وخزاعة، والأوس والخزرج، وجشم، وبنو ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأزد شنوءة، وجذم، وزبيد، وبنو ذكران من بني سليم، وعمرو اللات، وثقيف، وغطفان، والغوث، وعدوان، وعلاف، وقضاعة. وكانت قريش إذا أنكحوا عربيا امرأة منهم اشترطوا عليه أن كل من ولدت له فهو أحمسي على دينهم، وزوج الأدرم تيم بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ابنه مجدا، ابنة تيم ربيعة بن عامر بن صعصعة على أن ولده منها أحمسي على سنة قريش، وفيهم يقول لبيد بن ربيعة بن جعفر الكلابي:

سقى قومي بني مجد وأسقى

نميرا والقبائل من هلال1

واختلف المستشرقون في معنى كلمة حمس وأصلها؛ فذهب "فلهوزن" إلى أن المقابلة بين كلمة حمس وكلمة حلة تفيد معنى المقدس، أما "نولدكه" فقد أظهر ميلا إلى الشك في حقيقة هذه المقابلة، وقال: إن الحمس كالأحامس قد تفيد معنى المتحمس من حيث صلتها بأصل الكلمة التي نحن بصددها2.

1 الأزرقي ج1 ص115، 116.

2 دائرة المعارف الإسلامية مادة "حمس" 8/ 104، الطبعة العربية.

ص: 202

"وإنما سميت الحُمس حُمسا للتشدد في دينهم؛ فالأحمسي -في لغتهم- المتشدد في دينه"1.

وكانت قريش لا تعظم شيئا من الحل كما تعظم الحرم؛ وذلك لئلا تستخف العرب بحرمهم، ولذا فقد تركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم، ويقرون لسائر العرب أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا: نحن الحمس أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ولا نعظم غيره. ثم جعلوا لمن ولدوا من سائر العرب سكان الحل والحرم مثل الذي لهم بولادتهم، إياهم يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، ودخلت معهم خزاعة وكنانة ومن ذكرناهم من القبائل، وابتدعوا في ذلك أمورا: فلم يكونوا يأقطون الأقط ولا يسلئون السمن وهم حرم ولا يدخلون بيتا من شعر ولا يستظلون إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما، بل غالوا في تشددهم فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا كانوا حجاجا أو عمارا، ولا يأكلون في الحرم إلا من طعام أهل الحرم إما قراء وإما شراء. وكان مما ابتدعوه أنه إذا حج الصرورة من غير الحمس، رجلا كان أو امرأة، لا يطوف بالبيت إلا عريانا، إلا أن يطوف في ثوب أحمسي، إما عارية وإما إجارة، يقف أحدهم بباب المسجد فيقول: من يعير ثوبا؟ فإن أعاره أحمسي ثوبا أو أكراه طاف به، وإن لم يعره ألقى ثيابه بباب المسجد من خارج، ثم دخل الطواف وهو عريان يبدأ بإساف فيستعلمه، ثم يستلم الركن الأسود، ويأخذ عن يمينه ويطوف ويجعل الكعبة عن يمينه، فإذا ختم طوافه سبعا استلم الركن ثم استلم نائلة فيختم بها طوافه، ثم يخرج فيجد ثيابه كما تركها لم تمس، فيأخذها فيلبسها ولا يعود إلى الطواف بعد ذلك عريانا. وقد جاءت امرأة يوما وكان لها جمال وهيئة، فطلبت ثيابا عارية فلم تجد من يعيرها، فلم تجد بدا من أن

1 أخبار مكة 1/ 116 طبعة مكة، و2/ 41 شفاء الغرام.

ص: 203

تطوف عريانة، فنزعت ثيابها بباب المسجد ثم دخلت المسجد عريانة، فوضعت يديها على فرجها وجعلت تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله

وما بدا منه فلا أحله1

وكان أحدهم إذا أراد شيئا من داره نقب نقبا في ظهر بيته، فمنه يدخل إلى حجرته ومنه يخرج، ولا يدخل من بابه ولا يجوز تحت أسكفة بابه ولا عارضته، فإن أرادوا بعض أطعمتهم ومتاعهم تسوّروا من ظهر بيوتهم وأدبارها حتى يظهروا على السطوح، ثم ينزلون في حجرتهم، ويحرمون أن يمروا تحت عتبة الباب2.

وكان يحضر المواسم بعكاظ، ومجنة، وذي المجاز التجار ممن كان يريد التجارة، ومن لم يكن له تجارة ولا بيع فإنه يخرج من أهله متى أراد، ومن كان من أهل مكة ممن لا يريد التجارة خرج من مكة يوم التروية فيتروى من الماء، فتنزل الحمس أطراف الحرم من نمرة يوم عرفة وتنزل الحلة عرفة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في سننه التي دعا فيها بمكة قبل الهجرة، لا يقف مع قريش والحمس في طرف الحرم، وكان يقف مع الناس بعرفة.

وإذا أفاضوا أفاضت الحمس من أنصاب الحرم وأفاضت الحلة من عرفة حتى يلتقوا بمزدلفة جميعا، وكانوا يدفعون من عرفة إذا طفلت الشمس للغروب، وكانت على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم، فإذا كان هذا الوقت دفعت الحلة من عرفة ودفعت معها الحمس من الضباب الحرم حتى باتوا جميعا بمزدلفة، فيبيتون بها حتى إذا كانوا في الغلس وقفت الحلة والحمس على قزح، فلا يزالون عليه حتى إذا طلعت الشمس وصارت على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم دفعوا من مزدلفة وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير. أي: بالشمس حتى ندفع من

1 الأزرقي ج1 ص113-115.

2 الأزرقي ج1 ص117.

ص: 204

المزدلفة فأنزل الله في الحمس: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} يعني: من عرفة. فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس بعرفة فقال: "إن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من عرفة إذا صارت الشمس على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس، ونحل فطر الصائم، وندفع من مزدلفة غدا -إن شاء الله- قبل طلوع الشمس، هدينا مخالف لهدي أهل الشرك والأوثان"1.

1 الأزرقي ج1 ص122، 123.

ص: 205