المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: نماذج هذا الشعر - قصة الأدب في الحجاز

[عبد الله عبد الجبار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌تمهيد: وصف عام للحجاز وبيئته الطبيعية والبشرية

- ‌القسم الأول: العوامل المؤثرة في الأدب الحجازي

- ‌الباب الأول: الحياة السياسية-توطئة الجاهلية وتحديد العصر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: أهمية الحجاز في العصر القديم

- ‌الفصل الثاني: تاريخ الحجاز السياسي

- ‌الفصل الثالث: طبيعة الحكم في الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الحياة الاجتماعية لعرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الثالث: اللغة العربية في الحجاز

- ‌الباب الثالث: الحياة الدينية

- ‌الفصل الأول: معبودات الحجازيين وعاداتهم الدينية

- ‌الفصل الثاني: أشهر الأصنام في الحجاز

- ‌الباب الرابع: الحياة العقلية عند عرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الخامس: شخصيات حجازية في العصر الجاهلي

- ‌القسم الثاني: الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، النثر

- ‌الباب الأول: صورة عامة للنثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: فنون النثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الحكم والأمثال

- ‌الفصل الثاني: الخطب والوصايا

- ‌الفصل الثالث: المحاورات والمفاخرات والمنافرات وسجع الكهان

- ‌الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، الشعر:

- ‌الباب الأول: فكرة عامة عن الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: نماذج هذا الشعر

- ‌الفصل الثاني: لمحة عامة عن الشعر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الشعر الحجازي بين الصحة والوضع

- ‌مدخل

- ‌ الشعر الحجازي في الميزان:

- ‌استدراكات ابن هشام على بن إسحاق

- ‌لامية تأبط شرا:

- ‌شعر أمية بن أبي الصلت الديني

- ‌دواوين القبائل الحجازية:

- ‌ديوان الهذليين:

- ‌طبعة دار الكتب:

- ‌الداواوين المفردة

- ‌ رواية ديوان النابغة:

- ‌رواية ديوان زهير:

- ‌الباب الثالث: فنون الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الشعر السياسي

- ‌أولا" أيام الحجازيين في الجاهلية:

- ‌ثانيا: صميم الشعر السياسي

- ‌الفصل الثاني: الشعر الحماسي

- ‌الفصل الثالث: الشعر اجتماعي

- ‌الفصل الرابع: الشعر الديني

- ‌الفصل الخامس: الشعر الغزلي

- ‌الفصل السادس: الشعر الهجائي

- ‌الفصل السابع: فنون شعرية أخرى

الفصل: ‌الفصل الأول: نماذج هذا الشعر

‌الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، الشعر:

‌الباب الأول: فكرة عامة عن الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

‌الفصل الأول: نماذج هذا الشعر

1-

كانت قريش قد تحالفت على بني هاشم؛ لحمايتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طالب بن عبد المطلب يذكر تلك المحالفة، ويرد عليها:

فلما رأيت القوم لا ود فيهم

وقد قطعوا كل العرا والوسائل

وقد صارحونا بالعداوة والأذى

وقد طاوعوا أمر العدو المزايل1

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة

وأبيض عضب من تراث المقاول2

وأحضرت عند البيت أهلي وإخوتي

وأمسكت من أثوابه بالوصائل3

قياما معا مستقبلين رتاجه

لدي حيث يقضي حلفه كل نافل4

1 المزايل: المفارق.

2 سمحة أي: لينة يريد بها الرمح، والعضب: القاطع يريد به السيف، والمقاول: ملوك اليمن.

3 الوصائل: جمع وصيلة وهي حبرات اليمن، وكانت تكسى بها الكعبة، وأول من كساها بها تبع أبو اليمن، والمراد بإمساك الوصائل: إمضاء العهد على المقاومة.

4 الرتاج: الباب العظيم، والنافل: المقطوع.

ص: 325

أعوذ برب الناس من كل طاعة

علينا بسوء أو مُلِحّ بباطل

ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة

ومن ملحق في الدين ما لم نحاول1

وبالبيت حق البيت من بطن مكة

وبالله إن الله ليس بغافل

وبالحجر المسود إذ يمسحونه

إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة

على قدميه حافيا غير ناعل

وليلة جمع2 والمنازل من منى

وهل فوقها من حرمة ومنازل؟

فهل بعد هذا من معاذ لعائذ

وهل من معيذ يتقي الله عادل

يطاع بنا أمر العدا! ودَّ أننا

يسد بنا أبواب ترك وكابل

كذبتم وبيت الله نترك مكة

ونظعن إلا أمركم في بلابل3

كذبتم وبيت الله يبزى4 محمد

ولما نطاعن حوله ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وينهض قوم بالحديد إليكم

نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل5

وينهض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل6

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في رحمة وفواضل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعنى بقول الأباطل

حدبت بنفسي دونه وحميته

ودافعت عنه بالذرا والكلاكل7

1 الكاشح: الذي يضمر العداوة.

2 جمع: هي المزدلفة، يجتمع فيها الناس قبل نزولهم منى.

3 نترك مكة أي: لا نتركها، والبلابل جمع بلبلة -بفتح الباءين- وهي الهم والوسواس.

4 يبزى أي: يقهر ويستذل، وهو من حذف حرف النفي.

5 الروايا جمع راوية، وهي الناقة التي تحمل الماء، وذات الصلاصل: بقية الماء في الروايا، القِرَب.

6 هذا وصف لرسول الله، صلى الله عليه وسلم. الثمال: المجا والغياث.

7 الحدب: العطف والإشفاق. ذروة الناقة: أعلى سنامها. كلكلها: ما بين محزمها إلى ما مس الأرض منها.

ص: 326

2-

وكان بين بني النجار وبين خطمة منازعة في حليف لبني النجار من عبس بن بغيض، فالتقوا يوما بالدرك وجمع بعضهم لبعض حتى نال بعضهم بعضا بالجراح، ولم يكن بينهم قتلى ومنعت بنو النجار حليفها، فقال حسان بن ثابت قبل الإسلام في ذلك:

ففدًى أمي لعوف كلها

وبني الأبيض في يوم الدرك

منعوا ضيمي بضرب صائب

تحت أطراف السرابيل هتك

وبنان نادر أطرافها

وعراقيب تقسا كالفلك1

فأجابه يزيد بن طعيمة الخطمة:

إذ تنادوا يا لعوف اركبوا

ليس ستين قوي وركك

فاجتمعنا ففضنا جمعهم

بالصعيداء وفي يوم الدرك

قذفوا سيدهم في ورطة

قذفك المقلة شطر المعترك2

أبلغا عوفا بأنا معقل

نمنع الضيم، وفرع مشتبك

وإذا ما ملك حاربنا

ضمن الخوف لنا قلب الملك3

3-

وقال حسان في الجاهلية:

ما هاج حسان رسوم المقام

ومظعن الحي ومبنى الخيام

والنؤي قد هدم أعضاده

تقادم العهد بواد تهام

1 تحت أطراف السرابيل هي الدروع، وفي التنزيل:{وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} أي: الدروع. وهتك أي: قطع وخرق صفة للضرب الصائب. والضيم: الذل. وبنان متعلق بمنعوا أيضا أي: منعوا ضيمي بضرب صائب وببنان

إلخ. وتقسا: تشتدّ.

2 ركك جمع ركيك، وهو من الرجال الفسل الضعيف في عقله ورأيه. والصعيداء تصغير صعيد: الموضع العريض الواسع. والورطة: الشدة التي يقع فيها الإنسان.

3 فرع مشتبك، يكنى بذلك عن لحمة النسب بينهم. وضمن الخوف

إلخ، أي: فزع منا الملك، فلم يقو على محاربتنا.

ص: 327

قد أدرك الواشون ما حاولوا

فالحبل من شعثاء رث الزمام

جنية أرقني طيفها

تذهب صبحا وترى في المنام

هل هي إلا ظبية مطفل

مألفها السدر ينعفي برام

تزجي غزالا فاترا طرفه

مقارب الخطو ضعيف البغام1

كأن فاها قهوة مزة

حديثة العهد بفض الختام2

شجت بصهباء لها سورة

من بيت رأس عنقت في الخيام

عتقها الحانوت دهرا فقد

مر عليها فرط عام فعام

نشربها صرفا وممزوجة

ثم نغني في بيوت الرخام

تدب في الجسم دبيبا كما

دب دبى وسط رقاق هيام3

كأسا إذا ما الشيخ والى بها

خمسا تردى برداء الغلام

من خمر بيسان تخيرتها

ترياقة تسرع فتر العظام

يسعى بها أحمر ذو برنس

مختلق الذفرى شديد الحزام

أروع للدعوة مستعجل

لم يثنه الشأن خفيف القيام4

دع ذكرها وانم إلى جسرة

جلدية ذات مراح عقام

1 النؤي هو الحفير حول الخيام، يدفع عنها السيل يمينا وشمالا ويبعده، وأعضاده: نواحيه، ورث الزمام أي: بالٍ خلق. جنية: إنما أراد امرأة كالجنية إما في جمالها وإما في تلونها وابتذالها، ولا تكون الجنية هنا منسوبة إلى الجن الذي هو خلاف الإنس حقيقة. ومطفل أي: صاحبه أولاد. والنعف من الرملة: مقدمها وما استرق منها. وبرام: اسم موضع. وتزجي غزالا ضعيف البغام أي: تسوق غزالا صغيرا صوته ضعيف.

2 مزة: هي الخمر التي فيها مزازة، وهو طعم بين الحلاوة والحموضة.

3 كما دب دبى: هو أصغر ما يكون من الجراد والنمل. والرقاق: الأرض من غير رمل. وهيام صفة أي: ذات تراب يخالطه رمل، ينشف الماء نشفا.

4 بيسان موضع تنسب إليه الخمر، وترياقة العرب تسمي الخمر ترياقة لأنها تذهب بالهم، والترياق في الأصل دواء السموم. قال الأعشى:

سقتني بصهباء ترياقة

متى ما يلين عظ مي تلن وضمير بها يعود إلى الخمر أي: يطوف علينا بها رجل أحمر

إلخ. مختلق الزفرى أي: تام الخلق والجمال شاب طويل. أروع للدعوة أي: نشيط خفيف عند الدعوة.

ص: 328

دفقة المشية زيافة

تهوي خنوفا في فضول الزمام

تحسبها مجنونة تغتلي

إذا لَفَّع الآل رءوس الإكام1

قومي بنو النجار إذ أقبلت

شهباء ترمي أهلها بالقتام

لا نخذل الجار ولا نسلم الـ

ـمولى ولا نخصم يوم الخصام

منا الذي يحمد معروفه

ويفرج اللزبة يوم الزحام2

4-

قال حسان بن ثابت للحارث بن عامر، وكان فيمن سرق غزال الكعبة:

يا حار قد كنت ولولا ما رميت به

لله درك في عز وفي حسب3

جللت قومك مخزاة ومنقصة

ما إن يجلله حي من العرب4

يا سالب البيت ذي الأركان حليته

أد الغزال فلن يخفى لمستلب5

سائل بني الحارث المزري لمعشره

أين الغزال عليه الدر من ذهب؟

بئس البنون وبئس الشيخ شيخهم

تبا لذلك من شيخ ومن عقب

1 دع ذكرها: انتقال من وصف الخمر إلى وصف ناقته، فقوله:"وانم" أي: أسند الحديث وارفعه إلى ذكر جسرة، وهي الناقة الماضية، وجلدية أي: شديدة غليظة، وعقام: لا تلد، وزيافة: مختالة في مشيتها، وتهوي خنوفا أي: تميل بيديها في أحد شقيها من النشاط، ولفع الآل أي: إذا شمل وغطى السراب رءوس الآكام.

2 إذا أقبلت شهباء أي: سنة شهباء ذات جدب وقحط. والقتام: الغبار. ولا نخصم أي: نغلب بالحجة. واللزبة: الشدة.

3 لولا ما رميت به أي: لولا ما وصمت به من العار، وجواب لولا محذوف، أي: لكنت شريفا.

4 جللت قومك مخزاة أي: ألبستهم عارا وخزيا. والمنقصة: العيب.

5 يا سالب البيت إلى آخر القصيدة، قيل: أول من علق المعاليق بالكعبة في الجاهلية عبد المطلب، علقها بالغزالين من الذهب اللذين وجدهما في زمزم حين حفرها وكانا معلقين =

ص: 329

5-

وقالت قتيلة بنت النضر بن الحارث1 ترثي أخاها:

يا راكبا إن الأثيل مظنة

من صبح خامسة، وأنت موفق2

أبلغ بها ميتا بأن تحية

ما إن تزال بها النجائب تخفق3

مني إليك، وعبرة مسفوحة

جادت بواكفها، وأخرى تخنق4

هل يسمعني النضر إن ناديته

أم كيف يسمع ميت لا ينطق5

أمحمد يا خير ضنء كريمة

في قومها، والفحل فحل معرق6

= مدة حتى سرقوهما، وقصته أن جماعة من قريش كانوا في ليلة من الليالي يشربون الخمر وفيهم أبو لهب وهو معنى قول الشاعر: وبئس الشيخ شيخهم، وكان معهم القيان ولما فنيت أسباب طربهم عمدوا إلى باب الكعبة وسرقوا الغزالين وباعوهما من تجار قدموا مكة بالخمر وغيرها، واشتروا بثمنهما جميع ما في العير من الخمر والمزة، واشتغلوا بالطرب واللهو شهرا ولم يدر من سرق، حتى مر العباس بن عبد المطلب في ليلة من الليالي بباب الدار التي تلك الجماعة فيها، فسمع القيان يغنين بقصة سرقة الغزالين من باب الكعبة وبيعهما من أهل القافلة، وأخبر بها العباس قريشا فأخذوهم وضربوهم وقطعوا أيدي بعضهم، ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحجاج.

1 قتيلة بنت النضر -وقيل أخته- نشأت في قومها بني عبد الدار بن قصي من قريش. وكان أخوها أو أبوها النضر مع قريش على الرسول في غزوة بدر، فأمر الرسول عليه السلام بقتله، وترى أن شعرها على قوته أكرم شعر موتور وأعفه وأكفه وأحلمه.

2 الأثيل: موضع فيه قبر النضر في وادي الصفراء بقرب المدينة، تقول: إن الأثيل يظن أن تبلغه في صبح الليلة الخامسة، إذا وقفت ولم يعقك عائق.

3 النجائب: جمع نجيبة، وهي جياد الإبل. وخفقان النجائب: شدة اهتزازها، وإن زائدة.

4 مني متعلق بأبلغ. والمسفوحة: المصبوبة، أي: بلغه مني رسالة، واذكر له عبرة على فقده سالت، وعبرة أخرى جمدت، وأخذ حزنها بالحلق فخنقه.

5 أم هنا للإضراب أي: بل كيف يسمع

إلخ.

6 الضنء: الأصل، والولد. والكريمة: النجيبة. والمعرق: من له أصول واضحة في الكرم، والمعنى أن أمك شريفة وأباك عريق في المجد.

ص: 330

ما كان ضرك لو مننت وربما

من الفتى وهو المغيظ المحنق1

أو كنت قابل فدية فلينفقن

بأعز ما يغلو به ما ينفق2

فالنضر أقرب من أسرت قرابة

وأحقهم إن كان عتق يعتق3

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه

لله أرحام هناك تشقق! 4

صبرا يقاد إلى المنية متعبا

رسف المقيد، وهو عان موثق5

6-

وقال أمية بن أبي الصلت6 يعتب على ابن له:

غذوتك مولودا وعلتك يافعا

تعل بما أدني إليك وتنهل7

إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت

لشكواك إلا ساهرا أتملل8

1 المعنى: إذا كنت كذلك، فما كان ضرك لو مننت على أخي وأطلقته؛ فقد يعفو الكريم وهو منطوٍ على الغيظ والحنق.

2 أي: وما ضرك لو قبلت فدية، فإنك إن فعلت أنفقنا لفديته أعز وأغلى ما نملك.

3 كان تامة، أي: وأحقهم بأن يعتق إن حصل منك عتق وفكاك.

4 تنوشه: تتناوله، ولله أرحام تعجب، أي: لم يقتله أحد غير بني أبيه، فعجبا من أرحام يقطعها أصحابها.

5 صبرا أي: حبسا حتى يقتل، والمعنى: أنه يقاد للموت بعد الحبس، وهو متعب يرسف رسف المقيد، أي: وهو أسير موثق.

6 هو عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي، نشأ بالطائف جاهليا يلتمس المعارف الدينية، متعبدا راجيا أن يكون نبي العرب، حتى إذا كانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم نفسها عليه، وناضله مع أعدائه حتى مات بالطائف سنة 9هـ. ويمتاز شعره بالسهولة، والدخيل من الألفاظ، وتناول الأساطير والأمور الدينية، مع المدح والحكمة، وكان أكثر مدحه في عبد الله بن جدعان القرشي.

7 غذاه: قام بمئونته، وعاله: كفله وقام به، واليافع: من قارب العشرين، ونعل: من العلل، وهو الشرب الثاني. والهل: الشر الأول، يريد أنه يسبغ عليه من نعمه مرة بعد مرة.

8 أتملل: أتقلب على الملة، وهي الجمرة.

ص: 331

كأني أنا المطروق دونك بالذي

طرقت به دوني، وعيني تهمل1

تخاف الردى نفسي عليك، وإنها

لتعلم أن الموت حتم مؤجل2

فلما بلغت السن والغاية التي

إليها مدى ما كنت فيك أؤمل

جعلت جزائي منك جبها وغلظة

كأنك أنت المنعم المتفضل3

فليتك إذ لم ترع حق أبوتي

فعلت كما الجار المجاور يفعل4

وسميتني باسم المفند رأيه

وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقل5

تراه معدا للخلاف كأنه

برد على أهل الصواب موكل6

7-

ومن مدائح النابغة الذبياني في عمرو بن الحارث الغساني، هذه المدحة الرائعة التي استهلها بوصف ليله النابغي المضروب به المثل، والتي يصف فيها الجيش بملازمة النصر له، حتى إن الطير عرفت ذلك، فهي تتبعه في كل غزاة؛ ثقة منها بأنه سيشبعها من جثث قتلاه:

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب7

1 تهمل أي: يسيل منها الدمع.

2 الردى: الهلاك. حتم أي: لا مفرّ منه. مؤجل أي: له وقت.

3 الجبه: مقابلة الإنسان بما يكره.

4 أي: ليتك إذا أبيت أن تعاملني معاملة الأب، عاملتني كما يعامل الجار جاره.

5 فنده: نسبة إلى سوء العقل، أي: وصمتني بسوء الرأي والغباوة، ولو عقلت لعلمت أن الفند حقيق بأن ينسب إليك لا إلي.

6 معدا أي: محضرا ومهيئا، أي: إنه يهيئ الخلاف، ويقابل به كل شيء كأنه كلف أن يفند آراء أهل الصواب.

7 كليني لهم: دعيني وهمي، من وكله للشيء أي: أسلمه له، وأميمة: اسم امرأة تصغير أم، وناصب صفة لهم أي: هم ذوو نصب أو ناصب صاحبه، وبطيء الكواكب أي: بطيء غروب كواكبه، توهَّم أن ليله بطيء الكواكب، وأنه طويل لكثرة ما يقاسيه فيه من الهموم.

ص: 332

تطاول، حتى قلت ليس بمنقض

وليس الذي يرعى النجوم بآيب1

وصدر أراح الليل عازب همه

تضاعف فيه الحزن من كل جانب2

علي لعمرو نعمة بعد نعمة

لوالده ليست بذات عقارب3

وثقت له بالنصر إذ قيل قد غزت

كتائب من غسان غير أشائب4

إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم

عصائب طير تهتدي بعصائب5

يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم

من الضاريات بالدماء الدواب6

تراهن خلف القوم خزرا عيونها

جلوس الشيوخ في ثياب المرانب7

1 وليس الذي يرعى النجوم بآيب أي: وحتى قيل: ليس الذي "البيت". والذي يرعى النجوم، يريد النجم الذي يتقدمها فيكون بمنزلة الراعي لها؛ يؤيد ذلك رواية:"وليس الذي يهدي النجوم"، وإياب النجوم والشمس مغيبها، كأنها رجعت إلى مبدئها ومسقطها أي: وحتى قيل: إن أول النجوم الطالعة في هذا الليل لا تغيب مع أنه سابقها، فكان حقه أن يكون أول غائب، وكل ذلك كناية عن طول الليل.

2 وصدر أي: وكلني أيضا لصدر. وأراح الليل: من الرواح، وعازب: غائب، والمعنى: دعني أيضا وصدري المتضاعف الحزن، الذي أرجع هذا الليل ما كان غائبا من همه. ثم اقتضب الكلام اقتضايا وشرع في مدح عمرو بن الحارث، فقال: علي لعمرو.

3 عقارب النعمة: تكديرها بالمن والأذى. والمعنى: علي لعمرو نعمة حديثة بعد نعمة قديمة لوالده، لم يكدرهما من ولا أذى.

4 أشائب: جمع أشابة وهم الأخلاط، أي: إن هذه الكتائب كلها من صلب غسان.

5 أي: إذا غزوا حلقت عليهم جماعات النسور والعقبان والرخم لتأكل ممن يقتلونهم.

6 أي: تسير جماعات الطير معهم كأنها تغير بإغارتهم على الأعداء، ضاريات متدربات على دماء القتلى.

7 خزرا: جمع أخزر وخزراء، أي: ضيقة العيون خلقة، أو أنها تتخازر أي: تقبض أجفانها لتحدد النظر. جلوس الشيوخ

إلخ، أي: إنها عند اشتداد القتال تقع على أعالي الأرض والهضاب كأنها في ريشها ووقوفها وتحديد النظر، تترقب القتلى جالسة جلوس الشيوخ إذا التفوا بأكسية المرانب يحددون النظر إلى شيء بعيد. مرانب: جمع مرنباني وهو الثوب المبطن بفراء الأرنب.

ص: 333

جوانح قد أيقن أن قبيله

إذا ما التقى الجمعان أول غالب1

لهن عليهم عادة قد عرفنها

إذا عرض الخطي فوق الكواثب2

8-

وقال أبو صخر الهذلي، ويقال: إنه أغزل شعر قالته العرب:

أما والذي أبكى وأضحك والذي

أمات وأحيا والذي أمره الأمر

لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى

أليفين منها لا يروعهما الذعر

فيا حبها زدني جوى كل ليلة

ويا سلوة الأم موعدك الحشر

عجبت لسعي الدهر بيني وبينها

فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

وما هو إلا أن أراها فجاءة

فأبهت لا عرف لدي ولا نكر

9-

ومن مراثي الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمي في أخويها: معاوية وصخر، قولها في معاوية:

أريقي من دموعك واستفيقي

وصبرا إن أطقت وإن تطيقي

وقولي إن خير بني سليم

وفارسها بصحراء العقيق

ألا هل ترجعن لنا الليالي

وأيام لنا بلوى الشقيق

وإذ نحن الفوارس كل يوم

إذا حضروا وفتيان الحقوق

وإذ فينا معاوية بن عمرو

على أدماء كالجمل الفنيق3

فبكيه فقد أودى حميدا

أمين الرأي محمود الصديق

فلا والله لا تسلاك نفسي

لفاحشة أتيت ولا عقوق

ولكني رأيت الصبر خيرا

من النعلين والرأس الحليق4

1 جوانح أي: مائلات للوقوع.

2 أي: القنا الخطي المنسوب إلى الخط بلد بالبحرين، والكواثب: جمع كاثبة، وهي من جسم الفرس ما تحت الكاهل إلى الظهر، بحيث إذا نصب عليه السرج كانت أمام القربوس.

2 الفنيق: الضخم.

4 كان من عادة النساء حلق الرأس وتعليق النعلين حزنا.

ص: 334

وقولها في صخر:

أعيني جودا ولا تجمدا

ألا تبكيان لصخر الندى

ألا تبكيان الجريء الجميل

ألا تبكيان الفتى السيدا

طويل النجاد رفيع العما

د ساد عشيرته أمردا

إذا القوم مدوا بأيديهم

إلى المجد مد إليه يدا

فنال الذي فوق أيديهم

من المجد ثم مضى مصعدا

يكلفه القوم ما عالهم

وإن كان أصغرهم مولدا

ترى الحمد يهوي إلى بيته

يرى أفضل الكسب أن يحمدا

وإن ذكر المجد ألفيته

تأزر بالمجد ثم ارتدى

10-

وقال دريد بن الصمة في رثاء أخيه:

أرث جديد الحبل من أم معبد

بعاقبة، أم أخلفت كل موعد

وبانت، ولم أحمد إليك نوالها

ولم ترج منا ردة اليوم أو غد

كأن حمول الحي إذ متع الضحى

بناصية الشحناء، عصبة مذود1

أو الأثاب العم المحرم سوقه

بكابة لم يخبط، ولم يتعضد

فقلت لعارض وأصحاب عارض

ورهط بني السوداء والقوم شهدي

علانية: ظنوا بألفي مدجج

سراتهم في الفارسي المسرد

وقلت لهم: إن الأحاليف هذه

مطنبة بين الستار وثهمد

ولما رأيت الخيل قبلا كأنها

جراد يباري وجهة الريح مغتدي2

1 رث الحبل: بلي، والمراد العهد. متع الضحى: بلغ آخر غايته. العصبة بفتح فسكون: الشجرة تعلق في شيء عالٍ لتكون كالخيمة عليه، وهو الشجر المتسلق كاللبلاب مثلا. مذود: اسم جبل. الأثاب: شجر. العم: العظيم. كابة: موضع. لم يخبط: لم تعصب فروعه وتضرب بالعصي فتكسر. لم يتعضد: لم يقطع. عارض: اسم أخ للشاعر.

2 الأحاليف: المتحالفون على نصرة بعضهم. قبلا: عيانا ومقابلة.

ص: 335

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

فلما عصوني كنت منهم، وقد أرى

غوايتهم أني بهم غير مهتدي

وهل أنا إلا من غزية؟ إن غوت

غويت وإن ترشد غزية أرشد

دعاني أخي، والخيل بيني وبينه

فلما دعاني لم يجدني بقعدد1

أخ أرضعتني أمه من لبانها

بثدي صفاء بيننا لم يجدد

فجئت إليه، والرماح تنوشه

كوقع الصياصي في النسيج الممدد

وكنت كذات البو ريعت فأقبلت

إلى قطع من جلد مجلد2

فطاعنت عنه الخيل حتى تنهنهت

وحتى علاني حالك اللون أسود

قتال امرئ آسى أخاه بنفسه

ويعلم أن المرء غير مخلد

تنادوا، فقالوا: أردت الخيل فارسا؟

فقلت: أعبد الله ذلكم الردي؟

فإن يك عبد الله خلى مكانه

فما كان وقافا ولا طائش اليد

ولا برما إما الرياح تناوحت

برطب العضاه والضريع المعضد3

وتخرج منه صرة القر جرأة

وطول السرى دري عضب مهند

كميش الإزار خارج نصف ساقه

صبور على الضراء طلاع أنجد4

قليل تشكيه المصيبات ذاكر

من اليوم أعقاب الأحاديث في غد

1 غزية: حي من بني جشم. القعدد: الجبان يقعد عن نصرة قومه.

2 الصياصي: جمع صيصاة، شوكة يسوي بها الحائك نسجه. البوّ: ولد الناقة والبقرة، يحشى جلده تبنا فتجد رائحته فيه، فتدر اللبن له.

3 البرم: من لا يدخل مع القوم في الميسر ضنا بالجزور، وكانوا يطعمون لحومها الفقراء. تناوحت الريح: لغبت من كل ناحية وذلك زمن الشتاء. العضاه: الشجر الشائك. الضريع: نبات خبيث لا تقربه الدواب.

4 كميش الإزار: كناية عن الخفة والنجدة. طلاع أنجد: كناية عن اقتحام الصعاب.

ص: 336

إذا هبط الأرض القضاء تزينت

لرؤيته كالمأتم المتبلد

وكم غارة بالليل واليوم قبله

تداركها مني بسيد عمرد1

سليم الشظى عبل الشوى شنج النسا

طويل القرا نهد أسيل المقلد

يفوت طويل القوم عقد عذاره

منيف كجذع النخلة المتجرد

وكنت كأني واثق بمصدر

يمشي بأكناف الجبيل فهمد2

له كل من يلقى من الناس واحدا

وإن يلق مثنى القوم بفرح ويزدد

وهون وجدي أنني لم أقل له:

كذبت، ولم أبخل بما ملكت يدي

1 السيد العمرد: الذئب الشرس في عسلانه، يريد به فرسه. الشظى: العظم اللازق بالساعد أو الساق. العبل: الضخم. الشوى: الأطراف. النسا: عصب يجري في الفخذ والساق. الشنج: المنقبض. المقلد: العنق. القرا: الظهر.

2 المصدر: الأسد. الجبيل فهمد: موضعان.

ص: 337