المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: الشعر اجتماعي - قصة الأدب في الحجاز

[عبد الله عبد الجبار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌تمهيد: وصف عام للحجاز وبيئته الطبيعية والبشرية

- ‌القسم الأول: العوامل المؤثرة في الأدب الحجازي

- ‌الباب الأول: الحياة السياسية-توطئة الجاهلية وتحديد العصر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: أهمية الحجاز في العصر القديم

- ‌الفصل الثاني: تاريخ الحجاز السياسي

- ‌الفصل الثالث: طبيعة الحكم في الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الحياة الاجتماعية لعرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الثالث: اللغة العربية في الحجاز

- ‌الباب الثالث: الحياة الدينية

- ‌الفصل الأول: معبودات الحجازيين وعاداتهم الدينية

- ‌الفصل الثاني: أشهر الأصنام في الحجاز

- ‌الباب الرابع: الحياة العقلية عند عرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الخامس: شخصيات حجازية في العصر الجاهلي

- ‌القسم الثاني: الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، النثر

- ‌الباب الأول: صورة عامة للنثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: فنون النثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الحكم والأمثال

- ‌الفصل الثاني: الخطب والوصايا

- ‌الفصل الثالث: المحاورات والمفاخرات والمنافرات وسجع الكهان

- ‌الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، الشعر:

- ‌الباب الأول: فكرة عامة عن الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: نماذج هذا الشعر

- ‌الفصل الثاني: لمحة عامة عن الشعر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الشعر الحجازي بين الصحة والوضع

- ‌مدخل

- ‌ الشعر الحجازي في الميزان:

- ‌استدراكات ابن هشام على بن إسحاق

- ‌لامية تأبط شرا:

- ‌شعر أمية بن أبي الصلت الديني

- ‌دواوين القبائل الحجازية:

- ‌ديوان الهذليين:

- ‌طبعة دار الكتب:

- ‌الداواوين المفردة

- ‌ رواية ديوان النابغة:

- ‌رواية ديوان زهير:

- ‌الباب الثالث: فنون الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الشعر السياسي

- ‌أولا" أيام الحجازيين في الجاهلية:

- ‌ثانيا: صميم الشعر السياسي

- ‌الفصل الثاني: الشعر الحماسي

- ‌الفصل الثالث: الشعر اجتماعي

- ‌الفصل الرابع: الشعر الديني

- ‌الفصل الخامس: الشعر الغزلي

- ‌الفصل السادس: الشعر الهجائي

- ‌الفصل السابع: فنون شعرية أخرى

الفصل: ‌الفصل الثالث: الشعر اجتماعي

‌الفصل الثالث: الشعر اجتماعي

الفصل الثالث: الشعر الاجتماعي

أما الشعر الاجتماعي، فباب واسع يمكن أن يندرج تحته كثير من الموضوعات. وسنتناول هنا بالدرس بعض ما لم نتحدث عنه في فصول خاصة، ويمكن تقسيم البحث إلى ثلاث نقاط جوهرية:

أ- شئون الأسرة.

ب- الحياة الخلقية.

جـ- العادات الاجتماعية.

وقد أدمجنا الأخلاق في هذا الفصل؛ لما بينها وبين الحياة الاجتماعية من تفاعل وتجاوب، فكلاهما مؤثر بالآخر.

أ- علاقات الأسرة في شعر الحجاز الجاهلي:

1-

المرأة:

من الطبيعي أن يكون شأن المرأة عند الشاعر الحجازي عظيما كما هو كذلك عند شعراء العرب عامة؛ فالشاعر حتى في وحدته وعزلته يرى طيف المرأة ويخاطبه، وهو يهتم بها لأنه يحبها، ولأنها تشاركه حياته وتقاسمه مسئولياته؛ فهي التي تعد الطعام للضيوف، وهي التي تبارك طموحه وتشجعه، وتسأل عن أخباره، وتشير عليه بما ينبغي أن ينهجه حتى في أهم مشاكله، مثل المعارك الحربية.

ص: 462

لهذا، فليس من الغريب أن يكون للمرأة جزء كبير من نتاج الشاعر؛ فقد تسلطت على مقدمة القصيدة واستحوذت عليها في كل الأغراض تقريبا. فالشاعر يتوجع من رحيلها ومن هجرها، وغير ذلك مما صار تقليدا سلكه حتى الشعراء المتأخرون.

فالشاعر الحجازي لا يكفيه أن يعلم الناس أنه شجاع وأنه كريم ومرح، ولكنه يريد أن ينتزع الاعتراف بذلك من زوجته؛ لأنها هي المرجع والحَكَم في كل ذلك. ومهما استفاضت شجاعته، وطابت سمعته عند مجتمعه، فإن الكلمة الأخيرة في ذلك تبقى لزوجته التي يغار عليها أن تفضل عليه أحدا. والحجازي يفخر بأنه شجاع وبأن زوجته تعلم أنه شجاع في حالتي الكر والفر ويتجثّم المتاعب في سبيل أمانيه، وأنه كريم للضيوف، ويضحي بناقته في سبيل إكرام ندمائه، ويضحي بردائه ليعلن عن سروره.

ومن بواعث الشجاعة عند العرب في قتالهم أن يحموا نساءهم من السبي والعار، فلو هربوا عنهن لكان معنى ذلك أن يستبيحهن الأعداء؛ والشاعر والمرأة كلاهما ينفر من ذلك، وهي تحرضه ليستميت دفاعا عنها، مما يدل على خطرها ورفيع منزلتها عند مجتمعها. وإذا وصلت المرأة إلى درجة أن تحمي قومها، وتحول سير المعركة إلى صالحهم، فينتصرون بعد أن كادوا يهزمون، فقد ساوت الرجال ذوي المكانة السامية في المجتمع الحجازي. فإن صاحب اللواء في الحرب ذو رتبة علية، قد ارتقت إليها ببسالة وإعجاب عمرة بنت علقمة الحارثية، لما أنقذت لواء قريش في غزوة أحد، وحولت النصر إلى جانبهم بعد أن سقط لواؤهم، وفي ذلك يقول حسان:

فلولا لواء الحارثية أصبحوا

يباعون في الأسواق بيع الجلائب1

والنساء مشاركات حتى في الحروب؛ فهن يسرن مع الجيش يعالجن الجرحى ويحملن الماء، ويحرضن المقاتلين. وفي حروب الرسول نرى منهن أم عمارة بنت كعب، وأم حكيم بنت الحارث2.

1 سيرة ابن هشام 3/ 26.

2 زاد المعاد 3/ 131.

ص: 463

وهذه هند بنت عتبة، تكاد تتزعم جيش قريش يوم أحد، فهي تحرض قومها وتتمثل:

نحن بنات طارق

تمشي على النمارق

الدر في المخانق

والمسك في المفارق

إن تقبلوا نعانق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق1

وللمرأة تأثير كبير؛ فهي تستشار قبل البتّ في أمر زواجها. وطبيعي أنه ليس كل الحجازيين يعمل هذا، ولكن هناك طبقات تسير على هذا النهج، ولا سيما إذا أثبتت المرأة كفاءة تمكنها من الاختيار الصائب، كما رأينا في اختيار هند بنت عتبة لأبي سفيان2، وكذلك اختارت الخنساء زوجها ورفضت أمية بن أبي الصلت3.

ومن كل ما تقدم نستبين مكانة المرأة في الحجاز، وأنها مكانة سامية تعارف عليها الناس، ولم ينكروا على المرأة أن تبلغ هذه المنزلة الرفيعة، واعترف بها الشعر فأصبحت حقيقة ملموسة، تدعو إلى الإعجاب الشديد إذا قارنا حالة المرأة في هذا المجتمع بحالتها عند الأمم السابقة التي كانت ترى في المرأة مجرد متاع يباع ويشترى ويورث.

وسنتحدث بتفصيل ما عن المرأة الحجازية بوصفها أما وبنتا وزوجة، ومدى تأثيرها في الشعر الحجازي الجاهلي.

1 الأغاني 11/ 121 ساسي.

2 الأمالي 2/ 140.

3 ديوان الخنساء، المقدمة.

ص: 464

2-

الأم:

أما الأم فهي ينبوع الحنان الذي لا ينضب، وهي المصدر الذي يغذي الكون بالأفراد، فتتكون الأسر وتنشأ المجتمعات. وقد أغرم الحجازيون بأن يباهوا بنسبهم ويفخروا بآبائهم وأمهاتهم، ولا سيما إذا كانت الأم حرة، فحينئذ يستكمل الحجازي الشرف من جهتيه. قال الشنفرى:

أنا ابن خيار الحجر بيتا ومنصبا

وأمي ابنة الأحرار لو تعرفينها1

والحرة هي وحدها التي يدفع لها المهر بالزواج، ومن هنا جاء الفخر بالمهيرات أي: ذوات المهر. فهذه الخنساء ترثي صخرا أخاها، فتذكر إلى شرف أبيه وأجداده أن أمه وجداته مهائر ذوات شيم ماجدة:

يابن القروم ذوي الحجا

وابن الخضارمة المرافد

وابن المهائر للمهائر

زانها الشيم المواجد2

وذو الإصبع العدواني يفتخر، ويعير ابن عمه بأن أمه أمة ترعى الإبل:

عني إليك فما أمي براعية

ترعى المخاض ولا رأيي بمغبون

ولما كانت الكثرة عند الحجازيين هي التي ترجح الكفة عند النزال، فمن الطبيعي أن يفتخروا بالأمهات المنجبات، ونعرف من الحجازيات المنجبات عاتكة بنت هلال بن مرة، وقد ولدت هاشما وعبد شمس والمطلب أبناء عبد مناف، وفيها يضرب المثل فيقال: أنجب من عاتكة3. ولا ينسى الحجازي الفخر بأمه حتى في المعركة، فهذا سلمة بن دريد بن الصمة يفخر بأمه سمادير حين قتل أبا عامر الأشعري:

إن تسألوا عني فإني سلمه

ابن سمادير لمن توسمه

أضرب بالسيف رءوس المسلمه

1 الأغاني 21/ 88.

2 ديوان الخنساء 62.

3 مجمع الأمثال 2/ 276.

ص: 465

ومن مظاهر فخرهم بالأم وإجلالهم لها أن يفدوا بها، وهم لا يفدون إلا بما يحبونه أعظم الحب، فهذا العباس بن مرداس يمدح حليا النصري الذي أخذ الثأر لأخيه:

فدى لك أمي إذ ظفرت بقتله

وأقسم أبغي عنك أما ولا أبا1

وهذا حسان بن ثابت يفدي بأمه وخالته أولئك الذين انتقموا من أعدائه:

فدى لبني النجار أمي وخالتي

غداة لقوهم بالمثقفة السمر2

والأم أعظم رباط بين الإخوة، ولا سيما في وقت الشدائد كما ترى عند الشنفرى:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم

فإني إلى قوم سواكم لأميل

ولذلك فهم ينكرون أشد الإنكار هرب الأخ من أخيه في المعركة. قال حسان معيرا الحارث بن هشام فراره عن أخيه الحكم، وتركه في أرض المعركة يوم بدر:

هلا عطفت على ابن أمك إذ ثوى

قعص الأسنة3 ضائع الأسلاب

ويتضح ذلك أكثر من تلك المراثي الحارة، والدموع السخينة التي يذرفها الحجازي على أخيه الشقيق أو أخيه لأمه؛ لأن رابطة الأمومة هي التي توحد بينهما ولا تجعل النسيان يتطرق إلى قلب الحي منهما. فهذا أبو العيال الهذلي يرثي أخاه لأمه عبد بن زهرة، فيذكر شجاعته وصبره في الحرب ويذكر حاله هو إذا عاودته ذكرى أخيه، فدمعه ينسكب والليل يأتيه بهمّ جديد:

ألا لله درك من

فتى قوم إذا رهبوا

وقالوا: من فتى للحر

ب يرقبنا ويرتقب

فكنت فتاهم فيها

إذا يرعى لها يثب

ذكرت أخي فعاودني

صداع الرأس والوصب

1 الأغاني 13/ 66.

2 معجم البلدان 4/ 96.

3 سيرة ابن هشام 62/ 386، قعص الأسنة: القتل بها في سرعة.

ص: 466

فدمع العين من برحا

ء ما في الصدر ينسكب

كما أودى بماء الشنـ

ـة المخروزة السرب

على عبد بن زهرة طو

ل هذا الليل أكتئب1

وكان إعزازهم للأم يتبعه فخرهم بالخال واعتزازهم به، والأخوال يشعرون بميل نحو ابن أختهم وينصرونه إن ظلم، فعبد المطلب شكا عمه نوفلا إلى رجال قريش فلم يعينوه، فبعث إلى أخواله بني النجار في المدينة يخبرهم أنه ابنهم، وأنه منهم، وأن عمه نوفلا أراد إذلاله:

أني منهم وابنهم والخميس

وأني منهم وابنهم والخميس

وأن عمي نوفلا قد أبى

إلا للتي يغضي عليها الخسيس2

فأنقذه أخواله، وهددوا عمه حتى أرجع ما اغتصبه، فقال عبد المطلب:

بهم رد الإله على رُكحي

وكانوا في التنسب دون قومي

وفي ذلك يقول سمرة بن عمير الكناني، مثنيا على بني النجار إغاثة ابن أختهم:

لعمري لأخوال لشيبة قصرة

من أعمامه أبر وأوصل

جزى الله خيرا عصبة خزرجية

تواصوا على بر وذو البر أفضل

أجابوا على بعد دعاء ابن أختهم

ولم يثنهم إذ جاوز الحق نوفل

ومنزلة الخال عند الحجازيين رفيعة، ومكانته سامية؛ ولهذا فلا يجرؤ أحد على تحقير خال فرد إلا تعرض لعداوته وحربه. وقد تتعرض السعادة الزوجية للتقويض بسبب الخال، فحسان بن ثابت يحب زوجته وهي تحبه، ولكن لسانها زلق مرة فحقرت أخواله، فكان جزاؤها الطلاق:

سألت حسان من أخواله

إنما يسأل بالشيء الغمر3

1 شرح أشعار الهذليين 137.

2 تاريخ الطبري 2/ 178.

3 ديوان حسان 52، الغمر: قليل التجربة.

ص: 467

3-

البنت:

ليس كل الحجازيين يبغضون البنات، والحجازي يحب البنت لأنها صديقة وفية لا تنسى أباها في حالتي الرخاء والشدة، وهي تؤدي حقه بالنوح والبكاء بعد موته، كما يقول معن بن أوس:

رأيت رجالا يكرهون بناتهم

وفيهن لا تكذب نساء صوالح

وفيهن والأيام يعثرن بالفتى

عوائد لا يمللنه ونوائح1

وهذا الزبير بن عبد المطلب يبتهج لمرأى بنته أم الحكم، ويغيظ زوجها:

يا حبذا أم الحكم

كأنها ريم أجم

يا بعلها ماذا يشم

ساهم فيها فسهم2

وكثيرا ما تكون البنت ميمونة النقيبة، وسببا من أسباب المفاخر؛ فهذا النعمان بن وائل الكلبي -قائد الحارث بن أبي شمر الغساني- يغير على بني ذبيان ويسبي منهم، وحين وجد من بينهم ابنة النابغة أطلقها وحدها أولا ثم أطلق الجميع؛ رجاء مدح من أبيها وهكذا فعل النابغة، فقد قال يمدح النعمان، ويذكر الجميل الذي أسداه إلى بني ذبيان:

يقودهم النعمان منه بمحصف

وكيد يغم الخارجي مناجد

فآب بأبكار وعون عقائل

أوانس يحميها امرؤ غير زائد

غرائر لم يلقين بأساء قبلها

لدى ابن الجلاح ما يثقن بوافد

أصاب بني غيظ فأضحوا عباده

وجللها نعمى على غير واحد

فسكنت نفسي بعدما طار روحها

وألبستني نعمى ولست بشاهد3

1 الأغاني 10/ 157.

2 الأغاني 2/ 117.

3 شعراء النصرانية 668.

ص: 468

وابنتا ربع الهذلي تعولان على أبيهما لا ترقدان الليل، كأن في أحشاء الواحدة منهن مزمارا ينبعث منه الأنين، وهما تلطمان بالنعال، كما يقول أخوهما عبد مناف:

ماذا يفيد ابنتي ربع عويلهما

لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا

كلتاهما أبطنت أحشاؤها قصبا

من بطن حلية لا رطبا ولا نقدا

إذا تأوب نوح قامتا معه

ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا1

ومن التصوير الخالد تلك الدموع التي صاغتها قتيلة بنت النضر بن الحارث في رثاء أخيها، ومعاتبة الرسول على قتله له:

يا راكبا إن الأثيل مظنة

من بطن خامسة وأنت موفق

إلى آخر الأبيات التي ذكرناها في النماذج الشعرية.

4-

الزوجة:

كانت المرأة الزوجة ذات تأثير فعال لا على شخص زوجها فقط، ولا على أسرتها وأسرته، وإنما على العلاقات بين قبيلتيهما إذا كانتا متباعدتين، فإن الإصهار يربط بينهما برباط وثيق، ويضيق سبل العداوة، ولا سيما إذا كان الزوج زعيما وأسرة زوجته مرموقة المكانة.

وكانوا يختارون للزواج المرأة الحسيبة العاقلة، ويفضلون الشابة البكر على الثيب، فهذا حكيمهم الحارث بن كلدة الثقفي يقول: لا تتزوجوا من النساء إلا الشباب2.

وتهمهم طبعا الزوجة الولود؛ لأن همهم كان الكثرة ليغلبوا أعداءهم.

ولا يقربون المرأة الحمقى وحديثة النعمة، ويكرهون أن تكون الزوجة عبوسا صخابة، قال عبد الله بن أوفى الخزاعي في زوجته:

1 سمط اللآلئ 1/ 221.

2 مطالع البدور 2/ 27.

ص: 469

نكحت ابنة المنتضي نكحة

على الكره ضرت ولم تنفع

ولم تغن من فاقة معدما

ولم تجد خيرا ولم تجمع

منجذة مثل كلب الهراش إذا

هجع الناس لم تهجع1

مفرقة بين جيرانها

وما تستطع بينهم تقطع

فهو يندب حظه ويبكي آماله التي كان يعلقها على هذا الزواج فخابت، فزوجته لم تغنه من الفاقة ولم تجلب له الخير، بل على العكس من ذلك وجدها سليطة اللسان بذيئة، تضمر السوء لجيرانها.

وكما كان للرجل أن يتطلب الخصال الحميدة من زوجته، كان للزوجة نفس الحق أيضا فهي تريده شابا؛ ولهذا نرى الخنساء تعتب على أبيها أن يطلب الزواج من دريد بن الصمة الهرم، وقالت لأخيها معاوية شقيقها وكان يميل إلى هذا الزواج غير المتكافئ:

أتكرهني -هبلت- على دريد

وقد أصفحت سيد آل بدر

معاذ الله يرضعني حبركي

قصير الشبر من جشم بن بكر2

وهكذا تراها ترفض الزواج من دريد لهرمه، ولأن جشم بن بكر -قبيلته- لا تتناسب مع قبيلتها هي.

وربما أرادت المرأة فوق الشباب أن يكون زوجها غنيا، ينفق ماله على لذاته وكرمه والعطر الطيب. قالت بنت ذي الإصبع العدواني:

ألا ليت قومي من أناس ذوي غنى

حديث الشباب طيب الريح والعطر3

والخنساء حين ترثي أخاها صخرا، تذكر فيه صفات الزوج المثالي في نظر المرأة آنذاك، فهو جميل المحيا شجاع صبور:

1 شرح الحماسة للتبريزي 4/ 42، منجذة: مجرب ما عندها. الهراش: تحريش كلب بكلب.

2 ديوان الخنساء ص120.

3 الأغاني 3/ 49 الدار.

ص: 470

جلد جميل المحيا كامل ورع

وللحروب غداة الروع مسعار

مثل الرديني لم تنفد شبيبته

كأنه تحت طي البرد أسوار1

عبل الذراعين قد تخشى بديهته

له سلاحان أنياب وأظفار

والمرأة تسأل الرجل عن أصله وأجداده، وهذا أمية بن الصلت يسارع بالإجابة:

فأما تسألي عني لبيني

وعن نسبي أخبرك اليقينا

ثقي أنى النبيه أبا وأما

وأجدادا سموا في الأقدمينا2

والمرأة كما قلنا هي التي تختار، فحينما خطب سهيل بن عمرو، وأبو سفيان هند بنت عتبة استشارها أبوها، فسألته أن يصف لها أخلاق كل منهما، وبعد ذلك اختارت أبا سفيان فغضب سهيل، وقال:

نبئت هندا تبر الله سعيها

ثابت وقالت وصف أهوج مائق

فلم تنكحي يا هند مثلي وإنني

لمن لم يمق فاعلمي غير وامق3

وكان مقدار مهر المرأة يرتفع تبعا لمكانتها، وكانوا يميلون إلى التغالي في المهور، فهذا عبد المطلب يمهر فاطمة بنت عمرو مائة ناقة ومائة ومائة رطل من الذهب4، وهم يرون في ضخامة المهر دليلا على قوتهم وتمكنهم من السيادة، فهذا الأبيرد بن هرثمة العذري يقول: إنه كريم وسمح؛ والدليل على ذلك أنه يفني الأعداد الكثيرة من إبله إذ يقدمها مهورا لزوجاته:

إني لسمح إذا فرج بينها

بأكثبة البقار يا أم هاشم

فأفنى صداق المحصنات إفالها

فلم يبق إلا جلة كالبراعم5

وخالد بن جعفر يرى أنه أحسن صنعا بقتل زهير بن جذيمة، ورفع بذلك مهر بنات هوازن:

وجعلت مهر بناتهم ودماءهم

عقل الملوك هجائنا أبكارا6

1 ديوان الخنساء ص80.

2 جمهرة أشعار العرب ص187.

3 العقد الفريد 3/ 212.

4 إنسان العيون 1/ 50.

5 معجم الشعراء ص25.

6 الأغاني 10/ 14.

ص: 471

5-

الحب والزواج:

ولقد احتلت الزوجة الحجازية من قلب خطيبها أو زوجها مكانا ممتازا؛ فقد يسبق الزواج بالحب وقد يأتي الحب بعد الزواج ويكون حارا فعالا، كما نرى عند زهير:

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم

بحومانة الدراج فالمتثلم1

والزوجة تجد من زوجها صدرا رحيما؛ يحسن عشرتها ويكلف بها ولا يقحمها في مشكلاته العويصة لئلا يفجعها، كما قال ذو الإصبع العدواني:

ثم سلا جلدتي وكنتها

هل كنت فمن أراب أو فزعا

أو دعتاني فلم أجب ولقد

تأمن مني خليلتي الفجعا2

ولكن الزوجة قد تقحم نفسها في تلك المشكلات؛ فهذه زوجة حماس بن قيس يوم فتح مكة تسأله: لماذا يسن حربته، ولما أخبرها بأنه يعدها لجيش محمد قالت: إنه لا شيء يصد محمدا وجيشه، وفعلا حدث ذلك بعد قليل إذ رجع إليها وقال:"أغلقي علي الباب". ولما أنّبته على فراره اعتذر بفرار السادة من قريش، وصور لنا فزعهم من سيوف المسلمين:

إنك لو شهدت الخيل يوم الخندمة

إذ فر صفوان وفر عكرمة

وأبو يزيد قائم كالمؤمنة

ولحقتنا بالسيوف المسلمة

يفلقن كل ساعد وجمجمة

ضربا فلا تسمع إلا غمغمة

لهم نهيت خلفنا وغمغمة

لم تنطقي باللوم أدنى كلمة3

ومع هذا، فالرجل يعلم في سريرته أنه هو السيد المطاع من زوجته ويريد من زوجته أن تنفذ رغباته، فالشنفرى يقول: إن زوجته إذا خالفته تكون هي البعل، إن لم ينكر عليها عملها:

إذا ما جئت ما أنهاك عنه

ولم أنكر عليك فطلقيني

فأنت البعل يومئذ فقومي

بسوطك لا أبالي فاضربيني4

1 شرح القصائد العشر ص103.

2 الأغاني 3/ 93.

3 السيرة 4/ 26.

4 محاضرات الأدباء 3/ 127.

ص: 472

ودريد بن الصمة ينكر على زوجته أن تشتم أخاه، ويرى في هذا تطاولا لا يسوغ منها:

أعبد الله لو شتمتك عرسي

تساقط لحم بعضي فوق بعضي

معاذ الله أن يشتمن عرضي

وأن يملكن إمراري ونقضي

إذا عرس الفتى شتمت أخاه

فليس بحامض الرئتين محضي

ومن صور الحب المتبادل بين الزوجين حرص الزوجة على حياة زوجها، وتخوفها عليه ونصحها له بأن يرتاد طرق السلامة لئلا يقتل. ولكنه غالبا ما يعصيها ويرجع سالما، فيذكرها نصيحتها ويطلب منها أن تكف عن مثل ذلك:

قال عمرو بن براقة الهمداني:

تقول سليمى: لا تعرض لتلفة

وليلك عن ليل الصعاليك نائم

وفي هذا المجتمع المضطرب يقتل الزوج وتحل النكبة بزوجته أو حبيبته، والمرأة الحجازية تعبر عن جزعها لموت زوجها بخمش وجهها وجذ شعرها، وقد يصفقن وجوههن وشعورهن بالنعال كما فعلن ذلك على قتلى بدر؛ إذ كانت المصيبة كبيرة. يقول عبد مناف بن ربع الهذلي:

يريع قلب ابنتي ربع عويلهما

لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا

إلى آخر الأبيات السالفة، ولكن الخنساء تتصبّر ولا تحلق رأسها فضلا عن ضربه بالنعال رغم حزنها الشديد:

ولكني رأيت الصبر خيرا

من النعلين والرأس الحليق1

وترثي الزوجة زوجها كما نرى عند فاطمة بنت الأحجم الخزاعية؛ فهي تبكي وتستبكي لأن زوجها كان يحميها فذهب، وكان جناحا يظلها فانكسر، وأصبحت بعده خاضعة حسيرة الطرف، لا تجسر على دفع ظلامها:

يا عين بكي عند كل صباح

جودي بأربعة على الجراح

قد كنت لي جبلا ألوذ بظله

فتركتني أضحى بأجرد ضاح

قد كنت ذات حمية ما عشت لي

أمشي البراز وكنت أنت جناحي

1 لسان العرب 11/ 345.

ص: 473

فاليوم أخضع للذليل وأتقي

منه وأدفع ظالمي بالراح

وأغض من بصري وأعلم أنه

قد بان حد فوارسي ورماحي

وإذا دعت قمرية شجنا لها

يوما على فتن دعوت: صباحي1

وإذا كنا قد رأينا فيما تقدم الحب المتبادل بين الزوجين وأثره في الحياة وبعد الموت، فإن هناك من الأزواج من كره الحياة مع زوجته، ورأى أنها ورطة وقع فيها، وينبغي أن يخرج منها بأقصى سرعة.

وقد تنفر الزوجة من زوجها وهو لها وامق، فيمنيها ويعدها ويتوسل إليها كما نرى سعيد بن عمرو بن نفيل يتوسل إلى زوجته:

تلك عرساي تنطقان على عمد

لي اليوم قول زوز وهتر

سألتاني الطلاق إن رأتا

مالي قليلا قد جئتماني بنكر

فلعلي أن يكثر المال عندي

ويعرى من المغارم ظهري

وترى أعبدا لنا وإماء

ومناصيف من خوادم عشر

وتجرا الأذيال في نعمة زو

ل تقولان ضع عصاك لدهر2

والرجل يؤدب زوجته بالضرة مما يثير غيرتها وخوفها وحرصها على إرضاء زوجها؛ فهذا شاعر يخشى أن يموت من غير أن ينغص على زوجته بضرة تؤذيها وتشاكسها:

لقد خشيت أن يقوم قابري

ولم تمارسك من الضرائر

ذات شذاة جمة الصراصر

حتى إذا جرس كل طائر

قامت تغطي بك سمع الحاضر

تصر إصرار العقاب الكاسر

وفي الحجاز نرى كثيرا من هذا، حتى في زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام مما يدل على أن الغيرة شيء كامن في نفوس النساء عامة.

1 الأمالي 2/ 1.

2 البيان والتبيين 1/ 199.

ص: 474

الطلاق:

وقد عرف الحجازيون -كما عرف العرب- الطلاق الذي يقوض بنيان الزوجية، وقد يحدث لعدة أسباب؛ فمنها: الفقر حيث تسأل الزوجة زوجها أن يطلقها، كما رأينا عند سعيد بن عمرو بن نفيل حيث قال:

سألتاني الطلاق إن رأتا

مالي قليلا قد جئتماني بنكر

وقد يطلق الزوج زوجته لنوازع قبلية، حيث تحتقر الزوجة قبيلة زوجها أو أسرته كما نرى عند حسان بن ثابت، إذ طلق زوجته عمرة بنت الصامت الأوسية؛ إذ عيرته بأخواله1. وكذلك رأينا ما كان من طلاق دريد بن الصمة زوجته حينما حقرت أخاه عبد الله.

وقد يطلقها؛ لأنها رغبت عنه بعد أن أدركه الكبر، إلى غير ذلك.

وكان أهل مكة يطلقون مرة واحدة ثم يرجعون ويطلقون الثانية فيرجعون، أما الثالثة فلا رجعة فيها2. ويجمعون الثلاث دفعة واحدة أحيانا، فهذا شاعر يهدد زوجته بأن تحسن عشرته وإلا طلقها ثلاثا لا رجعة بعدها:

فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن

وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم

فأنت طلاق والطلاق عزيمة

ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم

فبيني بها إن كنت غير رفيقة

وما لأمري بعد الثلاث مقدم

وقد يكون الطلاق خلعا بأن تفتدي الزوجة نفسها من زوجها، فتدفع كل ما تسلمته من مهر كما فعل عامر بن الظرب مع ابن أخيه زوج بنته، فقد رد عليه صداقها وخلعها منه3.

وقد تميزت المرأة العربية بأن لها الحق بأن تكون العصمة بيدها فتطلق الرجل، وبأن لها أن تطالب الرجل بالطلاق سواء أكان على بدل أم لم يكن. وهذا حق لم تظفر به امرأة من الأمم التي عاصرت العرب، فكان النساء أو بعضهن يطلقن الرجال في

1 الأغاني 3/ 14 الدار.

2 معجم البلدان 8/ 138.

3 فتح الباري 9/ 346.

ص: 475

الجاهلية وكان طلاقهن أنهن إن كنّ في بيت شعر حولن الخباء؛ فإن كان بابه قبل المشرق حولته قبل المغرب، وإن كان بابه قبل اليمن حولته قبل الشام، فإذا رأى الرجل ذلك علم أنها طلقته فلم يأتها. ولعل السبب في هذا المظهر أن الخباء كان عند الساميين ملكا للمرأة وهو عند أهل المدر كالبيت عند أهل الحضر، فإذا جاء الرجل ووجد المرأة قد حولت باب خبائها علم أنها قد أعرضت عنه وطلقته. أما الحضريات فكان لهن طريقة أخرى في الإعلام بالتطليق؛ وذلك أنهن لا يعالجن للرجل طعامه إذا أصبح كما نقل ذلك بعض الباحثين1، وهو يذكر من هؤلاء النسوة سلمى بنت عمرو بن زيد أم عبد المطلب، كانت لا تتزوج إلا وأمرها بيدها فإذا كرهت من زوجها شيئا تركته، وأم خارجة عمرة بنت سعد البجلية وعاتكة بنت مرة بن هلال بن فالح السلمية. ويستشهد بقول الشنفرى:

إذا ما جئت ما أنهاك عنه

ولم أنكر عليك فطلقيني

وكما رأينا زوجتي عمرو بن سعيد بن نفيل تطلبانه الطلاق، وزوجة عبد الله بن جدعان ضباعة بنت عامر بن قرظ تسأله الطلاق لكبر سنه، ولأن هشام بن المغيرة المخزومي أغراها بشبابه وماله.

فإذا حدث الطلاق فقد تهيج بالزوجين الذكرى ويندمان أو أحدهما على التسرع. طلق زهير بن أبي سلمى زوجته أم أوفى بسبب الغيرة، وتأسّف بعد ذلك، فهو يذكر عهدها ويدعي أنها نسيت عهده، وهو يطلب إليها أن تحسن القول فيه وألا تتقول عليه ما لم يحدث، وهو يذكرها بما كان بينهما وما نالت منه:

لعمرك والخطوب مغيرات

وفي طول المعاشرة التقالي

لقد باليت مظعن أم أوفى

ولكن أم أوفى لا تبالي

فأما إذا ظعنت فلا تقولي

لذي صهر أذلت ولم تذالي

أصبت بني منك ونلت متى

من اللذات والخلل الغوالي2

1 المرأة في الشعر الجاهلي، للدكتور الحوفي ص213.

2 ديوان زهير 342.

ص: 476

وقد يكون الطلاق بالإكراه كما نرى عند عبد الله بن العجلان؛ فإن والده أرغمه على طلاق هند زوجته، فقال:

فارقت هندا طائعا

فندمت عند فراقها

فالعين تذري دمعها

كالدر من آماقها

متحلبا فوق الرداء

يجول من رقراقها

وقال:

فما معول تبكي لعقد أليفها

إذا ذكرته لا يكف زفيرها

بأغزر مني عبرة إذ رأيتها

يحث بها قبل الصباح بعيرها1

وما زال هذا الشاعر البائس يندفع في تيار الحزن والأسى، حتى قضى نحبه شوقا إلى زوجته التي فارقها كرها.

6-

الحياة الخلقية:

لا جرم أن بين الأخلاق والمجتمع علاقة وثيقة، فكل منهما مرآة تنعكس عليه صورة الآخر. فبين الأخلاق والمجتمع إذًا تجاوب وتفاعل وكلاهما مؤثر ومتأثر في وقت واحد، والأخلاق لا يمكن أن تنشأ وتتكون وتنمو وتتطور إلا في مجتمع، والمجتمع بدوره رهين في سيره وتقدمه، واتجاهه وتحوله بأخلاق الأفراد التي تكيفه بكيفية خاصة، وتوجهه وجهة معينة. وربما كانت العلاقة بينهما في بعض الأحيان التنافس الذي لا معدى عنه، والصراع الذي يدفع الحياة دفعا قويا.

ولهذا الارتباط الوثيق بينهما آثرنا ألا نتحدث عن الشعر الذي يمثل الحياة الخلقية في فصل مستقل، بل أدمجناه في فصل الشعر الاجتماعي. وبذلك تبرز حياتهم الاجتماعية واضحة المعالم، بارزة السمات.

1 الأغاني 19/ 104.

ص: 477

وقد سجل الشعر الحجازي حياة الحجازيين الخلقية تسجيلا رائعا؛ رسم شجاعتهم وبأسهم، وصور عفتهم وطهرهم وكرمهم ووفاءهم، وغير ذلك من خلالهم الحميدة، وقد تحدثنا عن شجاعتهم وأثرها في شعرهم في فصل "الشعر الحماسي" كما ضربنا مثلا لعفة نسائهم في قصة الفيطون، وممن سجل افتخاره بعفة قومه وطهرهم عمرو بن الأطنابة الشاعر الخزرجي، وذلك إذ يقول:

المانعين من الخنا جاراتهم

والحاشدين على طعام النازل

كما أن النابغة الذبياني وصف ممدوحيه بطيب الحجزات وهي ما تشد على الوسط، يكني بذلك عن عفتهم ونقاء سريرتهم، وذلك حين يقول:

رقاق النعال طيب حجزاتهم

يحيون بالريحان يوم السباسب

وسنتحدث فيما يلي عن ثلاث من أبرز خلالهم، وأعظمها أثرا في حياتهم ومجتمعهم، وهي: الكرم، والوفاء، والحلم.

الكرم:

كان الثراء عند الحجازيين -شأنهم شأن العرب جميعا- وسيلة لا غاية، والمال -في نظرهم- غادٍ ورائح، ولكن طيب الذكر وحسن الأحدوثة هو الباقي على الدهر. وكان من بواعث الكرم لدى أجوادهم وأغنيائهم إقبالهم على الميسر زمن الجدب والقحط لينحروا الجزر للمحتاجين والجائعين. وأحاديث كرمهم وقراهم للضيوف معروفة مشهورة، فكرم عبد المطلب الذي كان يقري الإنس والجن والوحش والطير من الصفحات الخالدة. وكذلك الشأن في سماحة أزواد الركب ومطاعيم الريح، وعبد الله بن جدعان الذي كان له منادٍ ينادي بمكة وآخر من فوق دارته المسماح، يدعوان الناس ليقبلوا على تناول الفالوذج وغيره من جفانه الواسعة التي كان يأكل منها القائم والراكب لعظمها، وقد أشاد أمية بن أبي الصلت بكرمه فيما أسلفنا له من شعر.

وإذا ضنّت السماء بالغيث، وشحّت النفوس بما عندها، فإن الحجازي ينحر جزره ويطعمها لجميع الناس. تقول الخنساء في رثاء أخيها صخر الذي تسميه بصخر الندى:

ص: 478

وإن صخرا لكافينا وسيدنا

وإن صخرا إذا نشتو النحار

كذلك كان هاشم بن عبد مناف يهشم الخبز لقومه في السنين الجدباء، وفيه يقول الشاعر:

عمرو العلا هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

ولما رثى معية بن الحمام أخاه الحصين أشاد بسماحته وكرمه؛ وذلك إذ يقول:

نعيت حيا الأضياف في كل شتوة

ومدره حرب إذ تخاف الزلازل

ومن لا ينادي بالهضيمة جاره

إذا أسلم الجار الألف المواكل1

ورثى أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم أبا أمية بن المغيرة أحد أزواد الركب؛ فوصفه بأن داره كانت تجتمع في ساحتها السمان من النوق والبقر، وأنها إذا أكلها الضيوف والمعتفون حل محلها غيرها، ثم يخاطبه مادحا بقوله:

ضرب بنصل السيف سوق سمانها

إذا عدموا زادا فإنك عاقر

وإلا يكن لحم غريض فإنه

تكب على أفواههن الغرائر2

أما افتخارهم بالكرم فكثير، وحسبنا أن نشير إلى قول الشمخي الفزاري:

ألم تعلمي يا عمرك الله أنني

كريم على حين الكرام قليل

وأني لا أخزي إذا قيل: مقتر

جواد وأخزي أن يقال بخيل

وقول عمرو بن الأطنابة الخزرجي في الفخر بقومه الذين يخلطون الفقراء بالأغنياء، ويبذلون العطاء لكل سائل:

الخالطين فقيرهم بغنيهم

والباذلين عطاءهم للسائل

1 الأمالي 1-62. الألف: العاجز العيي بالأمور.

2 كان من عادتهم إذا أرادوا نحر الناقة ضربوا ساقها بالسيف فجرت ثم نحروها. والمعنى أنه كان ينحر النوق وقت العدم والمحل. وإذا لم يكن هناك غريض -أي طري- من اللحم، أمر بعدول أو أكياس الدقيق والحنطة وغيرها أن تكب على أفواهها؛ ليصنع منها الطعام الوفير. راجع بلوغ الأرب 1/ 93.

ص: 479

الوفاء:

وخلة الوفاء من السجايا العربية الأصيلة في العربي عامة، والحجازي خاصة. وقد كان الرجل ينطق الكلمة، فإذا هي عهد مبرم يجب أن يفي به، وإلا تعرض شرفه للتجريح والثلم. وقد كان الحجازيون يوثقون عهودهم الجماعية بالله وبالدم، وبالماء والطيب، وكانوا يتمسحون بالكعبة لتثبيتها وتوكيدها، وكان الغدر بالعهد والميثاق مخزاة تثلم الشرف، ومعرة يجب اجتنابها. وكانت العرب ترفع لواء في سوق عكاظ تشهيرا بالغادر الناكث للعهد.

ولما أحست قريش بخطر حرب الفجار -وكانت العرب، كعادتها في المواسم، قد أودعت أسلحتها لدى عبد الله بن جدعان- طلبت إليه أن يسلمها الأسلحة المودعة لتدافع بها عن كيانها، ولكنه أبى أن يفرط في الأمانة حتى ولو كان السبب الذياد عن حياض الوطن

وكفاهم مئونة الأمر بأن أسهم مع المسهمين في تزويدهم بأكبر قسط من العتاد والأسلحة.

وكان الحجازيون يفون بالعهد حتى لو طرأ ما يوجب النقض؛ فقد كان البراض بن قيس الكناني سكيرا فاسقا تبرأ منه قومه وخلعوه، ثم شرب في بني الدئل فخلعوه أيضا، فاستجار بحرب بن أمية فأجاره وأحسن جواره، ولكنه شرب بمكة وأتى ما يستوجب التبرؤ منه، وأحس هو بأن ما ارتكبه خليق أن يخلعه، فقال لحرب:"إنك إن خلعتني لم ينظر إلى أحد بعدك، فدعني على حلفك، فأنا خارج عنك" ثم تركه وخرج ولحق بالنعمان بن المنذر بالحيرة.

ولقد ضرب العرب المثل في الوفاء بالسموءل، وهو من أصل يهودي، ولكنه نبت في بيئة عربية حجازية، فاستقى هو وأبوه هذه الخلة الحميدة من أخلاق العرب والحجازيين. وكان الشاعر امرؤ القيس قد أودعه مائة درع، فأتاه الحارث بن ظالم أو الحارث الغساني ليأخذها منه، فتحصن منه، فأخذ الحارث ابنا له غلاما وكان في الصيد فقال:"إما أن سلمت الأدراع إلي، وإما أن قتلت ابنك" فأبى السموءل أن يسلم إليه الأدراع، فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه قطعتين. وفي ذلك يقول السموءل:

ص: 480

وفيت بذمة الكندي إني

إذ ما ذم أقوام وفيت

وأوصى عاديا يوما بألا

تهدم يا سموءل ما بنيت

بنى لي عاديا حصنا حصينا

وماء كلما شئت استقيت

وما أروع وفاءهم لذلك العهد الذي ضربته بنو قصي على نفسها، وهو ألا يظلم بمكة قريب ولا غريب في الحلف الذي سمي بحلف الفضول، وقد أوردنا في باب الحياة السياسية، والشعر السياسي طرفا من أنبائه. ويروى في سبب هذا الحلف أن رجلا من بني زبيد قدم مكة معتمرا في الجاهلية ومعه تجارة له فاشتراها منه العاصي بن وائل السلمي، وكان ذا قدر بمكة وشرف، فحبس عنه حقه، ثم تغيب فابتغى الزبيدي متاعه فلم يقدر عليه، فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه، فعرف أن لا سبيل إلى ماله، فطوف في قبائل قريش يستعين بهم فتخاذلت القبائل عنه، وانتهره الأحلاف: عبد الدار، ومخزوم، وجمح، وسهم، وعدي، وكعب. فلما رأى الزبيدي الشر، أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقد أخذت قريش مجالسها حول الكعبة، فصاح بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته

ببطن مكة نائي الدار والنفر

ومحرم أشعث لم يقض عمرته

يا آل فهر وبين الحجر والحجر

أقائم من بني سهم بذمتهم

أم ذاهب في ضلال مال معتمر

إن الحرام لمن تمت كرامته

ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وحلف ليعقدن حلفا بينه وبين بطون من قريش، يمنعون القوي من ظلم الضعيف والقاطن من ظلم الغريب، وقال:

حلفت: لنعقدن حلفا عليهم

وإن كنا جميعا أهل دار

وعقد الحلف كما سبق أن وصفنا في دار ابن جدعان، وفيه يقول الزبير بن عبد المطلب:

إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا

ألا يقيم ببطن مكة ظالم

أمر عليه تعاهدوا وتواثقوا

فالجار والمعتر فيهم سالم1

1 ذكرنا هذه الأبيات في فصل الشعر السياسي ص444، فلتراجع هناك.

ص: 481

الحلم:

إن طبيعة الصحراء الملتهبة قد جعلت العرب أدنى إلى الطيش وسرعة الانفعال، ولكن بعض المجربين منهم والطاعنين في السن اتصفوا بالحلم وطول الأناة. ومن الشعراء الحجازيين الذين صوروا الحلم تصويرا رائعا ذو الإصبع العدواني، وذلك في مثل قوله:

ولي ابن عم على ما كان من خلق

مختلفان فأقليه ويقليني

فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي

فإن ذلك مما ليس يشجيني

ولا ترى في غير الصبر منقصة

وما سواه فإن الله يكفيني

على أنه سرعان ما يبدو التناقض بين هذا التحلم، وبين الوعيد والتهديد بالقتل في القصيدة ذاتها:

يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي

أضربك حتى تقول الهامة اسقوني

ولمعن بن أوس قصيدة في الحلم تحكي فلسفته في الصداقة والحياة، فهو يصور حال صديقه الذي بادره بالإساءة وأصر على قطيعته، وأمعن في سوء معاملته ولم يجد معه أناته وحلمه وصفحه، حتى لكأن في نفسه داء قديما لا يشفيه إلا الإساءة إلى صديقه.

عجبا لهذه الحياة، صديق صدوق ثابت على الود يبذل ماله في سبيل أخيه، ويحارب من حاربوه، ويصفح عما رأى منه ويغفر الزلة إثر الزلة، ومع ذلك يصر هذا الأخ على الجفوة، والثلب، والقطيعة، والحقد، وإنزال الضر بصاحبه. إن حال هذا الرجل حال إنسان يمشي في الدنيا بلا يمين:

لعمرك ما أدري وإني لأوجل

على أينا تعدو المنية أول

وإني أخوك الدائم العهد لم أخن

إن أبزاك خصم أو نبا بك منزل

أحارب من حاربت من ذي عداوة

وأحبس مالي إن غرمت فأعقل

وإن سؤتني يوما صفحت إلى غد

ليعقب يوما منك آخر مقبل

كأنك تشفي منك داء مساءتي

وسخطي، وما في ريبتي ما تعجل

وإني على أشياء منك تربيني

قديما لذو صفح على ذلك مجمل

ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني

يمينك فانظر أي كف تبدل؟

وفي الناس إن رثت حبالك واصل

وفي الأرض عن دار القلى متحول1

1 الحماسة 2/ 2. أبزاه: بطش به وغلبه.

ص: 482

7-

العادات الاجتماعية:

أما العادات الاجتماعية فكثيرة، ولا يمكننا الإحاطة بها. وقد أثبتت في1 تضاعيف هذا الكتاب صور منها، وحسبنا أن نشير هنا إلى بعضها كالخمر والميسر.

الخمر:

كان الحجازيون في الجاهلية -كالعرب عامة- مولعين بشرب الخمر؛ لتزيدهم شجاعة وجرأة، وحماسة وحمية في الحرب، ولينتقلوا بها إلى عالم خيالي مليء بالصور المبهجة والأحلام الجميلة فرارا من الواقع المر. وقد عبر حسان بن ثابت عن هذين الباعثين تعبيرا جميلا واضحا، وذلك إذ يقول:

ونشربها فتتركنا ملوكا

وأسدا ما ينهنهنا اللقاء

وقد أولع بشربها الحضر والبدو على السواء، واشتهرت الطائف منذ عهد بعيد بكرومها حتى إن بيادر الزبيب بها كانت تبدو كأنها الجرار، وكان بها حانات كثيرة، وقد تمادى الثقفيون في شرب الخمر حتى بعد أن حرمها الإسلام، ومنهم أبو محجن الثقفي الذي اشتهر بها اشتهارا، جعله يتطلب إلى صاحبه أن يدفنه في أصل كرمة تُرَوِّي جدورها عظامه، حتى يستمتع بها حيا وميتا:

إذا مت فادفني إلى أصل كرمة

تروي عظامي في التراب عروقها

ولا تدفنني في الفلاة فإنني

أخاف إذا ما مت ألا أذوقها

كذلك كان أهل يثرب يستخرجون الخمر من التمر والبسر، وكان اليهود يحملون إليها خمور الشام والطائف للتجارة، وكثرت الخمر بها، قال أنس:"إنها جرت في سكك المدينة حين حُرّمت".

ويبدو أن مجالس الخمر كانت كثيرا ما يُهزج فيها بالغناء، فهذا عمرو بن الأطنابة يفتخر باحتساء الخمر، والاستمتاع بسماع القيان العازفات على

1 الأغاني 9/ 87 ط دار الكتب.

ص: 483

الدفوف، ذكر صاحب الأغاني أنه دعا بشرا به وقيانه، فغنين له قوله في رثاء خالد بن جعفر لما قتله الحارث بن ظالم:

عللاني وعللا صاحبيا

واسقياني من المروق ريا

إن فينا القيان يعزفن بالدفـ

ـف لفتياننا وعيشا رخيا

وربما امتدت مجالس الغناء والشراب حتى أعقاب الليل، قال كعب بن الأشرف:

ولنا بئر رواء جمة

من يردها بإناء يغترف

ونخيل في قلاع جمة

تخرج التمر كأمثال الأكف

وصرير في مجال خلة

آخر الليل أهازيج بدف1

على أن طائفة من عقلاء العرب قد حرموا2 الخمر في الجاهلية؛ تكرما وصيانة لأنفسهم. ومن الحجازيين من آلوا على أنفسهم ألا يشربوها، ومنهم عامر بن الظرب الذي يقول في وصفها:

سآلة للفتى ما ليس في يده

ذهابة بعقول القوم والمال

أقسمت بالله أسقيها وأشربها

حتى يفرق ترب القبر أوصالي

تورث القوم أضغانا بلا إحن

مزرية بالفتى ذي النجدة الحالي

ومنهم صفوان بن أمية الكناني، الذي أقسم على نفسه ألا يشربها طيلة حياته، ولا يشفي بها سقيما أبدا، وذلك حيث يقول:

رأيت الخمر صالحة وفيها

مناقب تفسد الرجل الكريما

فلا والله أشربها حياتي

ولا أشفي بها أبدا سقيما

1 طبقات الشعراء، لابن سلام. الصرير: الصياح. والخلة: الخمر.

2 الأمالي "1/ 204".

ص: 484

وقد ذكر أبو الفرج الأصبهاني أنه ما من أحد من كبراء قريش في الجاهلية إلا ترك الخمر؛ استحياء مما فيها من الدنس. ولقد عابها ابن جدعان قبل موته، فقال:

شربت الخمر حتى قال قومي

ألست عن السفاه بمستفيق

وحتى ما أوسد في مبيت

أنام به سوى الترب السحيق

وحتى أغلق الحانوت رهني

وآنست الهوان من الصديق

وكان سبب تركه الخمر أن أمية بن أبي الصلت شرب معه فأصبحت عين أمية مخضرة يخاف عليها الذهاب، فقال له: ما بال عينك؟ فسكت. فلما ألح عليه قال له: أنت صاحبها أصبتها البارحة، فقال: أوبلغ مني الشراب الحد الذي أبلغ معه من جليسي هذا؟ لا جرم لأدينها لك ديتين، فأعطاه عشرة آلاف درهم، وقال:"الخمر علي حرام أن أذوقها أبدا"، وترك من يومئذ1.

وذكر ابن قتيبة أن كثيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية؛ لعلمهم بسوء مصرعها وكثرة جناياتها. وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما شرب أبو بكر خمرا في جاهلية ولا إسلام". وقال عثمان رضي الله عنه: "ما تغنيت ولا تمنيت ولا شربت خمرا في جاهلية ولا إسلام"2.

وربما حرموا الخمر تحريما مؤقتا فتجافوا عنها وعن النساء والطيب، وذلك حين يملأ قلوبهم الموتورة الحقد على الأعداء، وطلب الثأر والانتقام. قال قيس بن الخطيم:

ومنا الذي آلى ثلاثين ليلة

عن الخمر حتى زاركم بالكتائب

ولما هبطنا الحرث قال أميرنا

حرام علينا الخمر ما لم نحارب

فسامحه منا رجال أعزة

فما برحوا حتى أحلت لشارب

ويبدو أن الخمر أهم اللذائذ التي كانوا يصدون أنفسهم عنها حتى يثأروا.

1 الأغاني "8/ 332 دار الكتب".

2 الأشربة 27.

ص: 485

قال دريد بن الصمة:

شلت يميني ولم أشرب معتقة

إن أخطأ الموت أسماء بن زنباع

وقال تأبط شرا:

حلت الخمر وكانت حراما

وبلأي ما ألمت تحل

فاسقنيها يا سواد بن عمرو

إن جسمي بعد خالي لخل1

الميسر:

وكان من عادة الحجازيين لعب الميسر، ولا سيما وقت الشدة والجدب، ومن طرقهم في المياسرة أن يجتمع عشرة من اللاعبين ويحضروا جزورا يضمنون ثمنا لصاحبها، ويدفع الثمن بعد المياسرة الغارمون وحدهم، وتجعل القداح العشرة في خريطة وتجال وتحرك فيها، ثم يخرج الحرضة أول قدح باسم أحدهم على ترتيب لا نعلمه -فربما كان بحسب جلوسهم أو أسنانهم أو تراضيهم- ويكون هذا القدح هو نصيبه، فإن كان رابحا عرف مقدار ربحه وبقي القدح خارج الخريطة لا يعاد إليها. ثم يخرج قدحا باسم الثاني ويعرف مقدار ربحه وهكذا العشرة.

وكل رابح يأخذ ما خرج له، والثلاثة الذين تخرج لهم القداح التي لا نصيب لها هم الذين يغرمون ثمن الجزور، فيقسم عليهم أثلاثا2.

وكان بعض اللاعبين يأخذ ما بقي من القداح ويقول للأيسار: قد تممتكم إن لم يحضر من يتمم الأيسار، وبذلك يفتخر النابغة فيقول:

إني أتمم أيساري وأمنحهم

مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما3

1 شرح الحماسة للتبريزي 2/ 160. خل: ضعيف هزيل.

2 بلوغ الأرب 3/ 65.

3 مثنى الأيادي: أن يأخذ القسم مرة بعد مرة، أو هي الأنصباء التي كانت تبقى من الجزور في الميسر، فيشتريها ويعطيها.

ص: 486

النسيء:

ومن عاداتهم النسيء، وقد مر الحديث عنه في "الحياة الاجتماعية". ويروى أن أول من نسأ الشهور على العرب هو سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، ثم من بعده ابن أخيه القلمس وهو عدي بن عامر بن ثعلبة، ثم صار النسيء في ولده إلى آخرهم وهو أبو ثمامة جنادة بن عوف. ويروي ابن هشام أن القلمس هو أول ناسئ، وفي صبح الأعشى: أول من نسأ النسيء عمرو بن لحي وهو أبو خزاعة، ولقد أكثر الشعراء من بني كنانة الافتخار بالنسأة؛ من ذلك قول بعضهم:

ومنا ناسئ الشهر القلمس

وقال غيره:

نسئوا الشهور بها وكانوا أهلها

من قبلكم والعز لم يتحول

وقال عمير بن قيس جذل الطعان الكناني:

لقد علمت معد أن قومي

كرام الناس إن لهم كراما

فأي الناس فاتونا بوتر

وأي الناس لم تعلك لجاما

ألسنا الناسئين على معد

شهور الحل نجعلها حراما؟!

ص: 487