المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شعر أمية بن أبي الصلت الديني - قصة الأدب في الحجاز

[عبد الله عبد الجبار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌تمهيد: وصف عام للحجاز وبيئته الطبيعية والبشرية

- ‌القسم الأول: العوامل المؤثرة في الأدب الحجازي

- ‌الباب الأول: الحياة السياسية-توطئة الجاهلية وتحديد العصر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: أهمية الحجاز في العصر القديم

- ‌الفصل الثاني: تاريخ الحجاز السياسي

- ‌الفصل الثالث: طبيعة الحكم في الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الحياة الاجتماعية لعرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الثالث: اللغة العربية في الحجاز

- ‌الباب الثالث: الحياة الدينية

- ‌الفصل الأول: معبودات الحجازيين وعاداتهم الدينية

- ‌الفصل الثاني: أشهر الأصنام في الحجاز

- ‌الباب الرابع: الحياة العقلية عند عرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الخامس: شخصيات حجازية في العصر الجاهلي

- ‌القسم الثاني: الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، النثر

- ‌الباب الأول: صورة عامة للنثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: فنون النثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الحكم والأمثال

- ‌الفصل الثاني: الخطب والوصايا

- ‌الفصل الثالث: المحاورات والمفاخرات والمنافرات وسجع الكهان

- ‌الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، الشعر:

- ‌الباب الأول: فكرة عامة عن الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: نماذج هذا الشعر

- ‌الفصل الثاني: لمحة عامة عن الشعر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الشعر الحجازي بين الصحة والوضع

- ‌مدخل

- ‌ الشعر الحجازي في الميزان:

- ‌استدراكات ابن هشام على بن إسحاق

- ‌لامية تأبط شرا:

- ‌شعر أمية بن أبي الصلت الديني

- ‌دواوين القبائل الحجازية:

- ‌ديوان الهذليين:

- ‌طبعة دار الكتب:

- ‌الداواوين المفردة

- ‌ رواية ديوان النابغة:

- ‌رواية ديوان زهير:

- ‌الباب الثالث: فنون الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الشعر السياسي

- ‌أولا" أيام الحجازيين في الجاهلية:

- ‌ثانيا: صميم الشعر السياسي

- ‌الفصل الثاني: الشعر الحماسي

- ‌الفصل الثالث: الشعر اجتماعي

- ‌الفصل الرابع: الشعر الديني

- ‌الفصل الخامس: الشعر الغزلي

- ‌الفصل السادس: الشعر الهجائي

- ‌الفصل السابع: فنون شعرية أخرى

الفصل: ‌شعر أمية بن أبي الصلت الديني

ونقرظه، فقال: إن كان تقريظكم لي لأني عملت الشعر، فما عملته والله، ولكنه للشنفرى يرثي تأبط شرا، ووالله لو سمع الأصمعي بيتا من الشعر الذي كنت أنشدكموه ما أمسى أن يقوم به خطيبا على منبر البصرة فيتلف نفسي. فادعاء شعر، لو أردت قول مثله ما تعذر علي، أهون عندي من أن يتصل بالسلطان، فألحق باللطيف الخبير. قال أبو العيناء: فسألنا العتبي شعر خلف الذي ذكر فيه أهل البيت، فدافعنا مدة، ثم أنشد:

قدك مني صارم ما يفل

وابن حزم عقده لا يحل

ينثني باللوم من عاذليه

ما يبالي أكثروا أم أقلوا

"وهي 47 بيتا أوردها كلها، ثم قال": كتبنا هذه القصيدة بأسرها؛ لأنها في سادتنا عليهم السلام، ولأنها أيضا غريبة لا يكاد أكثر الناس يعرفها1.

1 حماسة الخالديين "مخطوط في دار الكتب المصرية رقم 587 أدب" ورقة 120-122.

ص: 366

‌شعر أمية بن أبي الصلت الديني

شعر أمية بن أبي الصلت المديني:

ومن أشهر من شك في شعر أمية بن أبي الصلت الدكتور طه حسين، والواقع أن الدكتور طه حسين لم يشك في شعر أمية وحده، إنما أمسك بمعول الشك يهدم به الشعر الجاهلي ولا سيما ذلك الذي ينسب إلى ربيعة، واليمن. وقد شك بخاصة في شعر شعراء سماهم بأسمائهم، وهم: امرؤ القيس، وعلقمة، وعبيد بن الأبرص، وعمرو بن قميئة، ومهلهل، وعمرو بن كلثوم، وطرفة، والحارث بن حلزة، والمتلمس، والأعشى

أما شعراء مضر، فقد وقف منهم موقفا وسطا بين القبول والرفض. وقد قال في كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي أحدث ضجة كبرى في الأوساط الأدبية والدينية بمصر وغير مصر:

"ولنا في شعر مضر رأي غير رأينا في شعر اليمن وربيعة؛ لأننا نستطيع أن نؤرخه ونحدد أوليته تقريبا، ولأننا نستطيع أن نقبل بعض قديمه دون

ص: 366

أن تحول بيننا وبين ذلك عقبة لغوية عنيفة، وإذًا فنحن نستطيع أن نستأنف هذا البحث في سفر آخر، وسترى أن الشعراء الجاهليين من مضر قد أدركوا الإسلام كلهم أو أكثرهم، فليس غريبا أن يصح من شعرهم شيء كثير"1، وقد وفى بوعده فذكر في كتابه: "في الأدب الجاهلي" رأيه في الشعر المضري الذي يتلخص في قوله: "ونحن لا نقف من الشعر المضري الجاهلي موقف الرفض أو الإنكار؛ لأن الصعوبة اللغوية التي اضطرتنا إلى أن نرفض شعر الربعيين واليمنيين لا تعترضنا بالقياس إلى المضريين، فقد بينا غير مرة أننا نعتقد أن لغة القرشيين قد ظهرت في الحجاز ونجد قبيل الإسلام، وأصبحت لغة أدبية في هذا القسم الشمالي من بلاد العرب. وإذًا فليس يبعد -بوجه من الوجوه- أن يكون الشعراء الذين نجموا في هذه الناحية، قد قالوا الشعر في هذه اللغة القرشية الجديدة، بل نحن لا نشك في هذا ولا نتردد في القطع به

2".

لسنا نشك في أنه قد كان لمضر شعر في الجاهلية، ولسنا نشك أيضا في أن هذا الشعر قديم العهد، بعيد السابقة، أقدم وأبعد مما يظن الرواة والمتقدمون من العلماء. ولكننا لا نشك أيضا في أن هذا الشعر قد ذهب، وضاعت كثرته، ولم يبق لنا منه إلا شيء قليل جدا لا يكاد يمثل شيئا، وهذا المقدار القليل الذي بقي لنا من شعر مضر قد اضطرب، وكثر فيه الخلط والتكلف والنحل، حتى أصبح من العسير جدا -إن لم يكن من المستحيل- تلخيصه وتصفيته.

ويلخص الدكتور طه حسين موقفه من الشعر الجاهلي بقوله:

"إننا نرفض شعر اليمن في الجاهلية، ونكاد نرفض شعر ربيعة أيضا

وأقل ما توجبه علينا الأمانة العلمية، أن نقف من الشعر المضري الجاهلي، لا نقول: موقف الرفض أو الإنكار، وإنما نقول: موقف الشك والاحتياط"3.

1 في الشعر الجاهلي، ص181، 182، الطبعة الأولى 1926.

2 في الأدب الجاهلي، الطبعة الرابعة، ص275، 276.

3 في الأدب الجاهلي ص271، 275.

ص: 367

وقد كان الباحثون من الفرنجة يرون خطأ وإنما أن القرآن تأثر باليهودية والنصرانية ومذاهب أخرى كانت شائعة في البلاد العربية وما جاورها. ولكنهم رأوا أن يضيفوا إلى هذه المصادر مصدرا عربيا خالصا، والتمسوا هذا المصدر من شعر العرب الجاهليين، ولا سيما الذين كانوا يتحنفون منهم. وزعم "كليمان هوار" -في فصل طويل، نشرته له المجلة الأسيوية سنة 1804- أنه قد ظفر من ذلك بشيء قيم، واستكشف مصدرا جديدا من مصادر القرآن، هذا الشيء القيم وهذا المصدر الجديد هو شعر أمية بن أبي الصلت. وقد أطال "هوار" في هذا البحث، وقارن بين هذا الشعر الذي ينسب إلى أمية بن أبي الصلت وبين آيات القرآن، وانتهى من هذه المقارنة إلى نتيجتين:

الأولى: أن هذا الشعر الذي ينسب إلى أمية بن أبي الصلت صحيح؛ لأن هناك فروقا بين ما جاء فيه وما جاء في القرآن من تفصيل بعض القصص، ولو كان منتحلا لكانت المطابقة تامة بينه وبين القرآن، وإذا كان هذا الشعر صحيحا فيجب في رأي الأستاد "هوار" أن يكون النبي قد استعان به قليلا أو كثيرا في نظم القرآن.

الثانية: أن صحة هذا الشعر، واستعانة النبي به في نظم القرآن قد حملتا المسلمين على محاربة شعر أمية بن أبي الصلت ومحوه؛ ليستأثر القرآن بالجدة، وليصح أن النبي قد انفرد بتلقي الوحي من السماء.

وعلى هذا النحو العجيب استطاع "هوار" أو خيل إليه أنه استطاع أن يثبت أن هناك شعرا جاهليا صحيحا، وأن هذا الشعر الجاهلي قد كان له -في رأيه الخاطئ- أثر في القرآن.

ويعلق الدكتور طه حسين على ذلك بقوله: والغريب من أمر المستشرقين في هذا الموضوع أنهم يشكون في صحة السيرة نفسها، ويتجاوز بعضهم الشك إلى الجحود، فلا يرون في السيرة مصدرا تاريخيا صحيحا، وإنما هي عندهم طائفة من الأخبار والأحاديث تحتاج إلى التحقيق والبحث العلمي الدقيق ليمتاز صحيحها من منتحلها. هم يقفون هذا الموقف من السيرة ويغالون في هذا

ص: 368

الموقف، ولكنهم يقفون من أمية بن أبي الصلت وشعره موقف المستيقن المطمئن، مع أن أخبار أمية ليست أدنى إلى الصدق، ولا أبلغ في الصحة من أخبار السيرة.

فما سر هذا الاطمئنان الغريب إلى نحو من الأخبار، دون النحو الآخر؟!

أيمكن أن يكون المستشرقون أنفسهم لم يبرءوا من هذا التعصب الذي يرمون به الباحثين من أصحاب الديانات؟!

ويقف الدكتور طه حسين من شعر أمية نفس الموقف الذي وقفه من شعر الجاهليين جميعا، فيقول:"وحسبي أن شعر أمية بن أبي الصلت لم يصل إلينا إلا من طريق الرواية والحفظ لأشك في صحته كما شككت في صحة امرئ القيس والأعشى وزهير، وإن لم يكن لهم من النبي موقف أمية بن أبي الصلت".

ثم إن الموقف نفسه، يحملني على أن أرتاب في شعر أمية بن أبي الصلت، فقد وقف أمية من النبي موقف الخصومة، هجا أصحابه، وأيد مخالفيه، ورثى أهل بدر من المشركين، وكان هذا وحده يكفي لينهى عن رواية هذا الشعر، وليضيع هذا الشعر كما ضاع الكثير من الشعر الوثني الذي هجي فيه النبي وأصحابه حين كانت الخصومة شديدة بينهم، وبين مخالفيهم من العرب الوثنيين واليهود. وليس يمكن أن يكون من الحق في شيء أن النبي نهى عن رواية شعر أمية لينفرد بالعلم والوحي وأخبار الغيب؛ فما كان شعر أمية بن أبي الصلت إلا شعرا كغيره من الشعر، لا يستطيع أن ينهض للقرآن كما لم يستطع غيره من الشعر أن ينهض القرآن. وما كان علم أمية بن أبي الصلت بأمور الدين إلا كعلم أحبار اليهود ورهبان النصارى، وقد ثبت النبي لأولئك وهؤلاء واستطاع أن يغلبهم، فأمر النبي مع أمية بن أبي الصلت كأمره مع هؤلاء الشعراء الكثيرين الذين هجوه وناهضوه وألبوا عليه.

ومن هنا تستطيع أن تفهم ما يروى من أن النبي أنشد شيئا من شعر أمية فيه دين وتحنف، فقال:"آمن لسانه وكفر قلبه". آمن لسانه لأنه كان يدعو إلى مثل ما كان يدعو إليه النبي، وكفر قلبه لأنه كان يظاهر المشركين على صاحب هذا الدين محمد الصادق الأمين، فأمره كأمر هؤلاء اليهود الذين أيدوا النبي ووادعوه، حتى إذا

ص: 369

خافوه على سلطانهم السياسي والاقتصادي والديني ظاهروا عليه المشركين من قريش.

ليس إذًا شعر أمية بن أبي الصلت بدعا في شعر المتحنفين من العرب أو المتنصرين أو المتهودين منهم، وليس يمكن أن يكون المسلمون قد تعمدوا محوه إلا ما كان منه هجاء للنبي وأصحابه ونعيا على الإسلام، فقد سلك المسلمون فيه مسلكهم في غيره من الشعر الذي أهمل حتى ضاع.

ولكن في شعر أمية أخبارا وردت في القرآن: كأخبار ثمود، وصالح، والناقة، والصيحة. ويرى "هوار" أن ورود هذه الأخبار في شعر أمية مخالفة بعض المخالفة لما جاء في القرآن، دليل على صحة هذا الشعر من جهة، وعلى أن النبي -كما يزعم كذبا هوار- قد استقى منه أخباره من جهة أخرى.

ولكن من الذي زعم أن ما جاء في القرآن من الأخبار كان مجهولا من قبل؟ ومن الذي يستطيع أن ينكر أن كثيرا من القصص القرآني كان معروفا بعضه عند اليهود وبعضه عند النصارى وبعضه عند العرب أنفسهم؟ ولم يكن من العسير إذًا أن يعرفه المتصلون بأهل الكتاب.

ثم كان النبي وأمية متعاصرين، فلم يكون النبي هو الذي أخذ عن أمية ولا يكون أمية هو الذي أخذ عن النبي؟ ثم من الذي يستطيع أن يقول: إن من يتحمل الشعر ليحاكي القرآن ملزم أن يلائم بين شعره وبين نصوص القرآن؟ أليس من المعقول أن يخالف بينهما ما استطاع؛ ليخفي الانتحال ويوهم أن شعره صحيح لا تكلف فيه، ولا تعمل؟ بلى.

ثم يلخص طه رأيه في شعر أمية وغيره من المتحنفين، فيقول1:

"ونحن نعتقد أن هذا الشعر الذي يضاف إلى أمية بن أبي الصلت، وإلى غيره من المتحنفين الذين عاصروا النبي أو جاءوا قبله، انتحل انتحالا، انتحله المسلمون ليثبتوا إن للإسلام قدما وسابقة في البلاد العربية. ومن هنا لا نستطيع أن نقبل ما يضاف إلى هؤلاء الشعراء والمتحنفين إلا مع شيء من الاحتياط والشك غير قليل".

1 في الشعر الجاهلي 81-86.

ص: 370

ونحن مع الدكتور طه حسين في دفاعه القوي البليغ عن القرآن في هذا الموضع من كتابه، ضد بعض المستشرقين الذين اصطنعوا هذا الأسلوب المشين للتشكيك في القرآن، واتخذوا من البحث في شعر أمية بن أبي الصلت تكأة للنيل من الإسلام، ولكننا لسنا معه في الشك في شعر أمية بن أبي الصلت جملة وتفصيلا، وإن كنا نعتقد أن كثيرا من شعر أمية قد ضاع، فقد وقف الحجاج بن يوسف الثقفي -يوما- على المنبر، فقال:"ذهب قوم يعرفون شعر أمية، وكذلك اندراس الكلام!! "، وبين الحجاج وأمية نحو من ثمانين سنة. كما أن طائفة منه قد تعرضت للنحل والوضع، وقد نص النقاد على بعض مواضع الانتحال؛ فالأصمعي ينفي عنه القصيدة المنسوبة إليه التي منها:

من لم يمت غبطة يمت هرما

الموت كأس فالمرء ذائقها

وينسبها لرجل من الخوارج، ونقد قوله:"الموت كأس".

أما من نسب هذه القصيدة لأمية فهو الزبير بن بكار عن شيوخه، وعن الحسن البصري أيضا.

وقد سبق أن ذكرنا حديث النابغة الجعدي مع الحسن بن علي، حين أنشده قصيدته:

الحمد لله لا شريك له

من لم يقلها فنفسه ظلما

فقال له الحسن: با أبا ليلى، ما كنا نروي هذه الأبيات إلا لأمية بن أبي الصلت. قال: يابن رسول الله، والله إني لأول الناس قالها.

كما نلاحظ أن بعض شعر أمية مشكوك في نسبته إليه، وقد نص بعض المؤرخين على شعر له يروى لشعراء آخرين، كما فعل ابن هشام في تعقيباته على ابن إسحاق1.

والقصيدة التي منها:

من سبأ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما

1 راجع السيرة 1/ 60، 61، 67، 242، 247.

ص: 371

نسبها يونس للنابغة الجعدي، ونسبها أبو عبيدة لأمية، ثم سئل خلف الأحمر عنها فقال: للنابغة، وقد يقال: لأمية.

واختلاف الرواة في نسبة الشعر الجاهلي لا يعني أن هذا الشعر منحول؛ لأن هذا الخلاف لا يخرجه عن نطاق الشعر الجاهلي. ومعنى هذا أن جاهلية هذا الشعر لا شك فيها عند الرواة، وإنما الخلاف في قائليها. ومن الممكن ترجيح نسبة القصيدة لشاعر بعينه، إذا كانت مشاكلة لشعره، وتبدو فيها شخصيته.

وكان الجاحظ يقول إذا ما شك في نسبة الشعر: "وقال أمية، إن كان قالها".

وما ذكره الدكتور طه من أن النبي -صلى الله عليه وسم- نهى عن رواية شعر أمية، وأن هذا وحده كافٍ لأن يضيع هذا الشعر، يرده ما جاء في الحديث الصحيح، من أن النبي استشهد رجلا شعر أمية، فظل ينشده حتى أنشد مائة بيت. ولو صح أن النبي نهى عن شعره لكان هذا النهي مقصورا على قصيدة أمية التي رثى بها قتلى قريش في وقعة بدر

على أنا نجد هذه القصيدة التي يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن روايتها، واردة في بعض كتب السير والمغازي، وقد رواها ابن هشام في نحو ثلاثين بيتا.

وينكر الدكتور طه حسين كل ما يروى من الشعر والأخبار الممهدة للبعثة النبوية، مع أن انتظار بعض علماء العرب وكهانهم وأحبار اليهود ورهبان النصارى لبعثة نبي عربي من المسائل التي ذكرها القرآن. ثم ما الذي يمنع أن يسبق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم شعر أو خبر يتصل بها؟ ليس هناك ما يمنع من ذلك!! وإنما شأن هذه الأشعار والأخبار الممهدة لرسالة النبي الكريم شأن الأشعار الجاهلية كلها، أن توضع على محكّ النقد الصحيح، ويفحص ما يرد في هذا الصدد فحصا دقيقا حتى يتميز صحيحه من فاسده، ويتخذ مكانه من الوضع أو الضعف أو الصحة. وكذلك فعل العلماء الثقات؛ فحكموا على جانب من ذلك بالوضع والنحل، كالأخبار والأشعار المعزوَّة إلى قس بن ساعدة.

ص: 372