المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس: الشعر الغزلي - قصة الأدب في الحجاز

[عبد الله عبد الجبار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌تمهيد: وصف عام للحجاز وبيئته الطبيعية والبشرية

- ‌القسم الأول: العوامل المؤثرة في الأدب الحجازي

- ‌الباب الأول: الحياة السياسية-توطئة الجاهلية وتحديد العصر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: أهمية الحجاز في العصر القديم

- ‌الفصل الثاني: تاريخ الحجاز السياسي

- ‌الفصل الثالث: طبيعة الحكم في الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الحياة الاجتماعية لعرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الثالث: اللغة العربية في الحجاز

- ‌الباب الثالث: الحياة الدينية

- ‌الفصل الأول: معبودات الحجازيين وعاداتهم الدينية

- ‌الفصل الثاني: أشهر الأصنام في الحجاز

- ‌الباب الرابع: الحياة العقلية عند عرب الحجاز في العصر الجاهلي

- ‌الباب الخامس: شخصيات حجازية في العصر الجاهلي

- ‌القسم الثاني: الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، النثر

- ‌الباب الأول: صورة عامة للنثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: فنون النثر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الحكم والأمثال

- ‌الفصل الثاني: الخطب والوصايا

- ‌الفصل الثالث: المحاورات والمفاخرات والمنافرات وسجع الكهان

- ‌الحياة الأدبية في الحجاز في العصر الجاهلي، الشعر:

- ‌الباب الأول: فكرة عامة عن الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: نماذج هذا الشعر

- ‌الفصل الثاني: لمحة عامة عن الشعر الجاهلي

- ‌الباب الثاني: الشعر الحجازي بين الصحة والوضع

- ‌مدخل

- ‌ الشعر الحجازي في الميزان:

- ‌استدراكات ابن هشام على بن إسحاق

- ‌لامية تأبط شرا:

- ‌شعر أمية بن أبي الصلت الديني

- ‌دواوين القبائل الحجازية:

- ‌ديوان الهذليين:

- ‌طبعة دار الكتب:

- ‌الداواوين المفردة

- ‌ رواية ديوان النابغة:

- ‌رواية ديوان زهير:

- ‌الباب الثالث: فنون الشعر الحجازي في العصر الجاهلي

- ‌الفصل الأول: الشعر السياسي

- ‌أولا" أيام الحجازيين في الجاهلية:

- ‌ثانيا: صميم الشعر السياسي

- ‌الفصل الثاني: الشعر الحماسي

- ‌الفصل الثالث: الشعر اجتماعي

- ‌الفصل الرابع: الشعر الديني

- ‌الفصل الخامس: الشعر الغزلي

- ‌الفصل السادس: الشعر الهجائي

- ‌الفصل السابع: فنون شعرية أخرى

الفصل: ‌الفصل الخامس: الشعر الغزلي

‌الفصل الخامس: الشعر الغزلي

معنى الغزل:

إذا رجعنا إلى أمهات كتب اللغة وجدنا أن الغزل والنسيب والتشبيب كلمات مترادفات. فابن سيده يقول: إن الغزل تحديث الفتيان الجواري، والتغزل: تكلف ذلك، والنسيب: التغزل بهن في الشعر، والتشبيب مثله.

وابن منظور يقول: إن الغزل حديث الفتيان والفتيات واللهو مع النساء. ومغازلتهن: محادثتهن ومراودتهن. والتغزل: التكلف لذلك. ونسب النساء ينسب نسبا ونسيبا ومنسبة: شبب بهن في الشعر وتغزل. وشبب بالمرأة: قال فيها الغزل والنسيب. وهو يشبب بها أي: ينسب بها. ويقول الزبيدي مثل ذلك1.

هذا هو رأي طائفة من أكبر علماء اللغة، فما رأي الأدباء ومؤرخي الأدب قديما وحديثا؟ يرى ابن سلام -وهو في طليعة الباحثين في الأدب- أن الكلمات الثلاث متحدة المعنى، فهو يقول:"كان لكثير في التشبيب نصيب وافر وجميل مقدم عليه في النسيب". فالنسيب والتشبيب في هذه العبارة مترادفان. ومرة أخرى يقول: "وكان عمر يصرح بالغزل ولا يهجو ولا يمدح، وكان عبيد الله يشبب ولا يصرح، ولم يكن له معقود شعر وغزل كغزل عمر"2. فالغزل والتشبيب هنا بمعنى واحد، ويستخلص من ذلك أن الغزل والنسيب والتشبيب في رأي ابن سلام كلمات مترادفات

1 المخصص 4/ 54، 55، ولسان العرب وتاج العروس، مادة شبب ونسب وغزل.

2 طبقات فحول الشعراء، تحقيق شاكر ص461، 530.

ص: 515

واستعمل صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني الغزل دالا على النسيب في مواضع شتى من كتابه، وكذلك استعمل الجاحظ الغزل والتشبيب بمعنى واحد.

ويرى ابن رشيق أن التغزل والنسيب والتشبيب كلها بمعنى واحد، وأن الغزل إلف النساء والتخلق بما يوافقهن، وقد اقتفى أثر قدامة في أن الغزل غير التغزل. إلا أن الدكتور الحوفي لا يميل إلى التفرقة بين الغزل والتغزل؛ لأن التغزل ليس تكلف الغزل كما قد يتبادر، ذلك أن التاء هنا كالتاء في مصادر أخرى مثل: التقدم والترقي والتعلم. وقد حاول بعض القدماء أن يفرقوا بين هذه الكلمات، ومن هؤلاء التبريزي الذي يرى "أن النسيب ذكر الشاعر المرأة بالحسن والإخبار عن تصرف هواها به، وليس هو الغزل. وإنما الغزل الاشتهار بمودات النساء والصبوة إليهن، والنسيب ذكر ذلك"1. وهذا الرأي مخالف لآراء الأدباء واللغويين من قبل.

أما في العصر الحاضر، فقد حاول المرحوم محمد هاشم عطية أن يصنع شيئا يشبه أن يكون تحديدا لهذه الكلمات، فقال:"ويترجح عندنا أن الغزل هو الاشتهار بمودات النساء وتتبعهن والحديث إليهن والعبث بذلك في الكلام، وإن لم يتعلق القائل منهن بهوى أو صبابة. وأما التشبيب فهو ما يقصد إليه الشاعر من ذكر المرأة في مطالع الكلام وما يضاف إلى ذلك من ذكر الرسوم ومساءلة الأطلال؛ توخيا لتعليق القلوب وتعقيدا لأسماع قبل المفاجأة بالعرض من الكلام. وأما النسيب فهو أثر الحب وتبريح الصبابة فيما يبثه الشاعر من الشكوى وما يصفه من التجني، وما يعرض له من ذكر محاسن النساء"2. ويتفق معه الأستاذ السباعي بيومي في أن التشبيب هو الغزل التمهيدي، ويختلف معه في غير ذلك. فوصف جمال المرأة ومحاسنها وجاذبيتها نسيب عند الأستاذ هاشم وغزل عند الأستاذ السباعي.

1 شرح ديوان الحماسة 3/ 112.

2 الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي ص107.

ص: 516

واستعمل طه حسين كلمة الغزل دالة على الأنواع كلها. وكذلك فعل الدكتور الحوفي في رسالته للماجستير عن "الغزل في الشعر الجاهلي"، وهي في رأيه أخف نطقا وأكثر شيوعا، كما أن عدم التفرقة هو رأي اللغويين والأدباء من القدماء.

فينوس الحجازيين:

يغرم الحجازيون بالمرأة الجميلة، ومقياس الجمال عندهم يتوفر في المرأة: الكحلاء، العيناء، الزجاء، البلجاء، مع بياض في البشرة، واستقامة في الأنف، وأشر في الأسنان، وسمرة في الشفتين، وطول في العنق، وغيد في الأعطاف. وتكون سوداء الشعر، بيضاء النحر، دقيقة الخصر، طويلة، ملتفة الساقين والساعدين، تهتم بما يكمل هذه الأوصاف الجسدية من طيب وخضاب وملبس ملائم دون تكلف.

وكما نرى معاهد التجميل تنتشر في أنحاء العالم، كذلك كانت عند الحجازيين -مثل غيرهم من العرب- صانعات الجمال، وهن النساء اللواتي يتعاهدن العرائس ويجملنهن، وقد تنجح صانعة الجمال إلى درجة أن تجعل القبيحة جميلة مؤقتا؛ ولذلك أبطل الإسلام هذه العادة وحظر العمل بها لأنها خديعة.

ومن أنواع الجمال المصنوع التنميص والتزجيج والتفليج والتلمية والوشر والوشم والوصل

فأما التنميص فنزع ما بين الحاجبين من شعر حتى يصيرا كأنهما أبلجان، والتزجيج حف الحاجبين وإطالتهما بالأثمد، والتفليج تفريق ما بين الثنايا والرباعيات، والتلمية خضاب الشفة واللثة بأثمد، والوشر تحزيز الأسنان وتحديدها لتحكي الأشر؛ لأنها من صفات الشابات، والوشم معروف وأكثر ما يكون بالذراع والشفة واللثة، والوصل إطالة الشعر بشعر معار1.

ولدينا قصيدة لقيس بن الخطيم، يصور فيها جمال المرأة الحجازية كما يريدها

1 الغزل في العصر الجاهلي 114.

ص: 517

هو؛ فهي مزيج من الفضائل المادية والمعنوية. فهي مرحة مدلّلة، لا هي بالطويلة ولا بالقصيرة، لا سمنة فيها ولا نحافة إلا خصرها فهو نحيف يكاد ينقصف، ووجهها مشرق كالدرة التي أخرجت من الصدفة، فيها حور العين وجيد العنق، تكاد تضيء، نئوم الضحى تنام عن شئونها، فإذا قامت إليها، فإنما تقوم رويدا كأنما تخشى أن تقع:

رد الخليط الجمال فانصرفوا

ماذا عليهم لو أنهم وقفوا

فيهم لعوب العشاء آنسة الد

ل عروب يسوءها الخلف

بين شكول النساء خلقتها

قصد فلا جبلة ولا قضف

تفوق الطرف وهي لاهية

كأنما شف وجهها نزف

قضى الإله حين صورها الـ

ـخالق ألا يكنها سدف

تنام عن كبر شأنها فإذا

قامت رويدا تكاد تنغرف

حوراء جيداء يستضاء بها

كأنها خطوط بانة قصف

تمشي كمشي الزهراء في دمث الر

مل إلى السهل دونه الجرف

كأن لباتها تضمنها

هزلى جراد أجوازه خلف

كأنها درة أحاط بها الـ

ـغواص يجلو عن وجهها صدف1

وهذا سلامة بن جندل يجمع عدة أوصاف لحبيبته في بيت واحد؛ فهو يذكر امتلاء أردافها وطولها وبياض بشرتها، مما تتميز به المرأة الحرة عن الأمة:

ليست من الزول أردافا إذا انصرفت

ولا القصار ولا السود العناكيب2

1 الأصمعيات 1/ 45، الأغاني 3/ 22. جبلة: غليظة. قضف: نحافة. تنغرف: تنقطف من خصرها. قصف: لين. الزهراء: البقرة الوحشية. دمث: لين. جرف: جمع جرف وهو ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض. خلف: جمع خليف وهو السهم الحديد، الطرير. أجوازه: أواسطه. يجلو: يعلو.

2 ديوان سلامة بن جندل 26.

ص: 518

والنابغة ينسب إلى حبيبته صفات المرأة الحرة بنفي صفات الإماء عنها؛ فهي ليست من السود ولا تبيع قدور النحاس في المجتمعات:

ليست من السود أعقابا إذا انصرفت

ولا تبيع بجنبي نخلة البرما1

والمزرد بن ضرار يقول عن المرأة الجميلة في نظره: إنها بيضاء، تميل إلى اللهو وإلى الغزل:

وبيضاء فيها للمحالم صبوة

وفيها لمن يرنو إلى اللهو شاغل2

وكما وصفوا بالبياض، نجدهم أحيانا يصفون بالصفرة كما نجد عند قيس بن الخطيم:

صفراء أعجلها الشباب لداتها

موسومة بالحسن غير قطوب3

والنابغة يرى من جمال حبيبته أن تكون صفراء، كثوب من حرير:

صفراء كالسيراء أكمل خلقها

كالغصن في غلوائه المتأود4

ومفهوم أن مرادهم من وصف المرأة بالصفرة الغزل والتشبيب والابتهاج لمرأى هذه الصفرة، وإذًا فلا بد أن تكون الصفرة المحمودة هي التي تنشأ عن كسل المرأة وحسن التغذية. وهذا هو فهم من التغزل بالبياض أيضا، فليسوا يحمدون البياض الناشئ عن مرض وإنما هو بياض الصحة والشباب، كما نرى عند حسان إذ يصف بياض المرأة بالبرد:

يحملن حوا حور المدامع في الريـ

ـط وبيض الوجوه كالبرد5

وقيس بن الخطيم يصف حبيبته ببياض الأسنان، وقلة لحم اللثة:

تنكل عن حمش اللثات كأنه

برد جلته الشمس في شؤبوب6

ويصفون النهد بالبروز وطغيانه على الصدر، كما نرى عند النابغة:

والبطن ذو عكن لطيف طيه

والنحر تنفجه بثدي مقعد7

1 ديوان النابغة 65.

2 المفضليات 1/ 92.

3 ديوانه.

4 ديوان النابغة 28.

5 ديوان حسان 13.

6 ديوانه 6.

7 ديوانه 28.

ص: 519

وإذا وصفوا الشعر فتنوا بسواده وغزارته، والنابغة يشبهه فوق ذلك بعناقيد العنب الثقيلة:

وبفاحم رجل أثيث نبته

كالكرم مال مع الدعام المسند1

وإذا وصفوا الساق شبهوه في التفافه واندماجه بالبردي، وقد وصفه بذلك شاعران واتفقا في التعبير. قال قيس بن الخطيم:

تخطو على ديتين غذاهما

غدق بساحة حائر يعبوب2

وقال المزرد بن ضرار:

وتخطو على ديتين غذاهما

نمير المياه والعيون الغلاغل3

ولصوت الحبيبة على الشاعر الحجازي تأثير كبير؛ ولهذا فإن قيس بن الخطيم لا يمل حديثها ويفزع إذا سكنت؛ لأن حديثها عذب شهي لا ينبغي أن ينقطع:

ولا يغث الحديث ما نطقت

وهو بفيها ذو لذة طرف

تخزنه وهو مشتهى حسن

وهو إذا ما تكلمت أنف4

ومما يفتن الشاعر الحجازي ويخلب لبه ابتسامة الحبيبة، فالنابغة يرى في ضحكتها قوة فعالة ستنزل العصم من الجبال والغيث من المزن:

وإن ضحكت للعصم ظلت دوانيا

إليها وإن تبتسم إلى المزن يبرق5

والشاعر الحجازي تعجبه المرأة العفيفة التي تضنّ بوصلها، وتحافظ على شرف أسرتها وسمعة أقاربها، فقيس بن الحدادية يشهد الله أن نعمى حبيبته ضلت بوصله، على أنهما تجاورا شهورا عديدة:

أجدك أن نعم نأت أنت جازع

قد اقتربت لو أن ذلك نافع

قد اقتربت لو أن في قرب دارها

نوالا ولكن كل من ضن مانع

وقد جاورتنا في شهور كثيرة

فما نولت والله راءٍ وسامع6

والمرأة العفيفة حيية، وهذا الحياء يعجب الشاعر الحجازي، فهو يريد المرأة

1 ديوان النابغة 31.

2 ديوانه.

3 المفضليات 1/ 92.

4 ديوانه 17.

5 ديوان النابغة 29.

6 الأغاني 13/ 6.

ص: 520

التي تحافظ على قناعها، ولا تتلفت ولا ترفع بصرها كما يقول الشنفرى:

لقد أعجبتني لا سقوطا قناعها

إذا ما مشت ولا بذات تلفت

كأن لها في الأرض نسيا تقصه

على أمها وإن تكلمك تبلت1

وقيس بن الأسلت يشيد بالمرأة التي تستحوذ على تقدير جاراتها، فيمنعها حياؤها من زيارتهن ويجئن لزيارتها:

وتكرما جاراتها فيزرنها

وتعتلّ عن إتيانهن فتعذر

وليس بها أن تستهين بجارة

ولكنها منهن تحيا وتخفر2

ويشيد النابغة بأنها لا تذيع أسرارها الداخلية بين صديقاتها، فهي لا تنشر أخبار غضبها إن غضبت، ولا أسباب سرورها إن رضيت:

إذا غضبت لم يشعر الحي أنها

أرببت وإن نالت رضا لم تدهدق2

والشاعر يعذر المرأة إذا انصرفت عنه لكبر سنه، بل ويعتب على نفسه أن يستميل النساء بعدما شاخ، فالنابغة يستنكر على نفسه الحب بعد شيب قذاله ومفرقه:

علقت بذكر المالكية بعدما

علاك مشيب في قذال ومفرق4

وفي موضع آخر يكرر هذا العتاب:

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وقلت ألما أصح والشيب وازع5

وحسان بن ثابت يعجب من تطلعه إلى التصابي بعد التجربة، وبعد الشيب الذي كسا مفرقه:

وكيف لا ينسى التصابي بعدما

تجاوز رأس الأربعين وجربا

وقد بان ما يأتي من الأمر واكتست

مفارقه لونا من الشيب مغربا6

1 الأغاني 21/ 91.

2 الأغاني 15/ 195.

3 ديوان النابغة 39. الدهدقة: الضحك الشديد.

4 ديوانه 39.

5 ديوان النابغة 49.

6 ديوان حسان 12.

ص: 521

أنواع الغزل:

نعرف أن الشعر الغزلي يصدر إما عن عاطفة الحب والغرام، وإما أن ينبعث بدافع الشهوة والسعي وراء الغريزة، وإما أن يكون غزلا عفويا كالذي يجيء في أوائل القصائد العربية في الجاهلية والإسلام نوعا ما، وهذا الغزل لا يصدر في أغلب أحواله عن عاطفة وإنما سبيله سبيل ما سنراه عند الشعراء الحجازيين من الغزل الكيدي الذي يتخذه الشاعر وسيلة للنيل من خصمه بذكر محارمه في شعره، فالغزل هنا وسيلة لا غاية، والشعر الذي ينبثق غزله من العاطفة هو الغزل العذري والغزل المادي.

الغزل العذري:

أما الحب العذري فهو الحب الذي لا يدنسه الحبيبان بالشهوة ولا تحوم فوقهما طيور المادية، وقد نسب هذا الحب إلى بني عذرة؛ لأن الحب كان يفتك بهم، وكانوا يستعذبون آلام الحب ويستزيدون أحباءهم منها. وهناك اختلاف في نشأة هذا النوع من الغزل؛ فالدكتور طه حسين يراه وليد السياسة الأموية والمستشرق ماسينيون يراه أثرا من آثار أفلاطون في الشعر العربي، ولكن الدكتور الحوفي يؤكد أنه نشأ في العصر الجاهلي1، وأورد على ذلك شواهد هي قصائد مستقلة للحب الخالص لا شيء فيها سوى الغزل؛ منها لقيس بن الحدادية قصيدة غزلية في أربعة وأربعين بيتا، وأخرى لحسان في سبعة عشر بيتا، وهذه القصائد أثر الغزل المادي فيها ضئيل، فنحن نرى للنابغة قصيدة من هذا النوع يتغزل بحبيبته نعم، ويتشوق إلى عهدهما الماضي يوم كانا معا يتناجيان والزمان غافل عنهما، فيتبادلان الأسرار المكتومة والحب الصافي

وينتقل إلى المرحلة التالية حيث هجرته نعم، فإذا هو يدعو قلبه للإفاقة من سكرة الحب ولكن أنى له ذلك، فقد عذر حبيبته وبكى رحيلها:

1 الغزل في العصر الجاهلي 159.

ص: 522

وقد أراني ونعما لابثين معا

والدهر والعيش لم يهمم بإمرار

أيام تخبرني نعم وأخبرها

ما أكتم الناس من حاجي وأسراري

لولا حبائل من نعم علقت بها

لأقصر القلب عنها أي إقصار

فإن أفاق فقد طالت عمايته

والمرء يخلق طورا بعد أطوار

نبئت نعما على الهجران عاتبة

سقيا ورعيا لذاك العاتب الزاري

رأيت نعما وأصحابي على عجل

والعيس للبين قد شدت بأكوار

فريع قلبي وكانت نظرة عرضت

حينا وتوفيق أقدار لأقدار1

والعذريون الحجازيون يصورون عواطفهم وعواطف أحبائهم في أسلوب شبه قصصي كما يفعل شعراء الغزل المادي، فقيس بن الحدادية يورد ما يجيش به خاطره وما تبثه حبيبته في حوار؛ فهو يسألها: متى ترجع؟ فتجيبه بأن البعد لن يقطع ما بينهما من عهد ومودة، وراحت تشكو إليه ما تلقاه من الوشاة الذين يبثون عن حبهما الإشاعات المؤلمة؛ فيعزيها عن ذلك وينصحها بالصبر والكتمان. فتقول: إن السر لن يتسرب منها؛ لأنه دون حجاب ودون الحجاب الأضالع أيضا

وحين يأتي المنادي بالرحيل يهرع إليها ويخاطر بحياته ليراها ويودعها، فتبثه خوفها عليه وتتعجب من جرأته:

وقلت لها في السر بيني وبينها

على عجل أيان من سار راجع

فقالت لقاء بعد حول وحجة

وشحط النوى لا لذي العهد قاطع

وقد يلتقي بعد الشتات أولو النوى

ويسترجع الحي السحاب اللوامع

سعى بينهم واشٍ بأفلاق برمة

ليفجع بالإظعان من هو جازع

بكت من حديث بثّه وأشاعه

ورصعه واشٍ من القوم راصع

بكت عين من أبكاك لايعرف البكا

ولا تتخالجك الأمور النوازع

فلا يسمعن سري وسرك ثالث

ألا كل سر جاوز اثنين شائع

وكيف يشيع السر مني ودونه

حجاب ومن دون الحجاب الأضالع

وما راعني إلا المنادي: ألا اظعنوا

ولا الرواعي غدوة والقعاقع

1 ديوان النابغة 38.

ص: 523

فجئت كأني مستضيف وسائل

لأخبرها كل الذي أنا صانع

فقالت تزحزح ما بنا كبر حاجة

إليك ولا منا لفقرك راقع

فما زلت تحت الستر حتى كأنني

من الحر ذو طمرين في البحر كارع

فهزت إلي الراس مني تعجبا

وعضض مما قد فعلت الأصابع

ومن العذريين الحجازيين الذين قضوا حياتهم يترنمون بحبيبة واحدة، مسافر بن عمرو الذي قضى عليه الحب، فإنه كان يحب هندا بنت عتبة وهي تبادله الحب أيضا، ولكن أبا سفيان تزوجها وأخبر المسافر بذلك وهما في الحيرة عند النعمان؛ فاعتلّ علة شديدة وقال:

ألا إن هندا أصبحت منك محرما

وأصبحت من أدنى حموتها حما

وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه

يقلب بالكفين قوسا وأسهما

وحاول أطباء الملك علاجه ولكنهم عجزوا، ومات مسافر في طريقه إلى مكة2.

الغزل المادي:

وهو الغزل الحسي الذي أساسه حب تمتزج به ميول شهوانية وعواطف خالية من التحرج وأوصاف ربما لا يرضى عنها إلا أنصار الأدب المكشوف3. والظاهر أنه نشأ في البيئة الحجازية من تأثير الإماء اللواتي كن لا يتحرزن ولا يبالغن في العفة، وكن يأتين إلى الحجاز من طرق شتى، ويكفي أن نعرف أن جوائز الملوك للشعراء تكون من الإماء بعض الأحيان. قال النابغة يمدح النعمان بأنه يبذل الإماء المنعمات في هباته جنبا إلى جنب مع الإبل الغلاظ الشداد:

الواهب المائة المعكاء زينها

سعدان توضح في أوبارها اللبد

والراكضات ذيول الريط فانقها

برد الهواجر كالغزلان بالجرد4

1 الأغاني 13/ 6.

2 الأغاني 8/ 46.

3 الأصول الفنية للأدب، عبد الحميد حسن 74.

4 ديوان النابغة 21.

ص: 524

وكان بعضهن يكرهن على البغاء في الحجاز، فلما شكت جارية عبد الله بن أبي إلى الرسول أنه يجبرها على البغاء، نزل تحريم ذلك في القرآن1، ولا ينبغي أن نفهم أن تردد الرجال على بيوت البغاء يعطي النساء نفس الحق في الحجاز، فإن ذلك كان مما تأباه نفس الحرة الأبية، وقد رأينا شيئا من هذا عند هند بنت عتبة حينما استنكرت أن يعاهد نساء قريش ألا يزنين، وقالت:"وهل تزني الحرة يا رسول الله؟ "2 والقرآن عبر بالفتيات وهن الإماء في النهي عن إكراه الإماء على البغي: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} . والمرأة الحجازية تنفر من هذا النوع من الإماء ولا تقبل حتى مجرد المشاركة في الاسم، فقد غضبت زوجة عمر بن الخطاب حينما حول اسمها من عاصية إلى جميلة؛ لأنه اسم أمة3.

وسحيم عند بني الحسحاس -الذي فتح باب الغزل المادي على مصراعيه- لم يكن عربيا، مما يدل على أن نشأة هذا الغزل المادي كانت أجنبية عن العرب، فهو عبد أسود نوبي اشتراه عبد الله بن أبي ربيعة وعرضه على عثمان، فرده واشتراه بنو الحسحاس

وتأثر خطاه عمر بن أبي ربيعة وإن لم يفحش مثله

فسحيم يتمادى في التصوير ويبرز التجربة كما هي دون تحوير، فهي توسده كفها وتدغدغه بالآخر، وتثني رجلها من ورائه وسوف يشهد أنه رآها ويديها ورجليها كلها من ورائه:

توسدني كفا وتثني بمعصم

علي وتحوي رجلها من ورائيا

فما زال بردي طيبا من ردائها

إلى الحول حتى أنهج البرد باليا4

وأشهد عند الله أن قد رأيتها

وعشرين منها إصبعا من ورائيا

ولم يتركه فحشه وبذاؤه حتى ساعة قتله، ففي طريقه إلى الموت شمتت به إحدى صويحباته، فذكرها بماضيها معه:

1 تفسير الطبري 18/ 103.

2 الإصابة 8/ 295.

3 الإصابة 8/ 40.

4 ديوان سحيم 19.

ص: 525

فإن تضحكي مني فيا رب ليلة

تركتك فيها كالقباء المفرج1

ولما حان قتله، لم ينس أن يعيد إلى ذكراه الحي أفاعيله مع بنتهم:

شدوا وثاق العبد لا يفلتكم

إن الحياة من الممات قريب

فلقد تحدر من جبين فتاتكم

عرق على متن الفراش رطيب2

وشعر الغزل المادي يصف جرأة الشاعر في وصوله إلى حبيبته رغم حذر أهلها ورقابتهم، ويسكن من روع المرأة إن شعرت بالخوف. فهذا سحيم يخرجها من خدر أمها ويلاعبها في الخلاء، بدليل أن المسك يتفتت من عليها فيلتقطه:

ومثلك قد أبرزت من خدر أمها

إلى مجلس تجر بردا مسهما

فنفضت ثوبيها ونظرت حولها

ولم أخش هذا الليل أن يتصرما

أعفي بآثار الثياب مبيتها

وألقط رضا من وقوف تحطما3

وقد يحدث العكس؛ فتسعى المرأة إلى الرجل وتجتهد في رؤيته، فسحيم نفسه يذكر أنه اجتمع عنده ثماني نسوة يعدنه وهن سبب دائه:

تجمعن من شتى ثلاثا وأربعا

وواحدة حتى كملن ثمانيا

وأقبلن من أقصى الخيام يعدنني

بقية ما أبقين نصلا يمانيا

يعدن مريضا هن قد هجن داءه

ألا إنما بعض العوائد دائيا4

الغزل التمهيدي:

ونأتي أخيرا إلى الشعر التمهيدي الذي قلنا: إنه لا يصدر عن عاطفة الحب ولا يدفع الشهوة، وإنما هو وسيلة لجذب الانتباه وتهيئة الجو للشاعر كي ينفذ إلى القلوب لينال ما يريد. ومن الغريب أن هذا الغزل فرض سلطانه على جميع أغراض الشعر، فالشاعر الحجازي قدم الغزل حتى في قصائد الرثاء، فهذا دريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله فيمهد لذلك بالتساؤل عن عهد حبيبته، وهل لا تزال هي متمسكة بهذا العهد أم أنها قد تحولت إلى سواه؟ فقد افترقا دون أن تنوله شيئا. وبعد ذلك ينتقل إلى موضوع الرثاء:

1 ديوان سحيم 60.

2 المفضليات 1/ 81.

3 ديوان سحيم 35.

4 ديوان سحيم 23.

ص: 526

أرث جديد الحبل من أم معبد

بعاقبة أم أخلفت كل موعد

وبانت ولم أحمد إليها نوالها

ولم ترج فينا ردة اليوم أو غد

أعاذل إن الرزء في مثل خالد

ولا رزء فيما أهلك المرء عن يد1

وحسان بن ثابت حين رثى حمزة، قدم لهذا الرثاء بأبيات من الغزل يبكي فيها الأطلال ويسائلها عن سكانها، فلم تحر الأطلال جوابا فتركها واتجه إلى موضوعه وهو الرثاء:

أتعرف الدار عفا رسمها

بعدك صواب المسبل الهاطل

سألتها عن ذاك فاستعجمت

لم تدر ما مرجوعة السائل

دع عنك دارا قد عفا رسمها

وابك على حمزة ذي النائل2

ولدينا غير هاتين القصيدتين أيضا رثاء النابغة للنعمان بن الحارث، ومراثي المهلهل في أخيه والحارث بن عباد في ابنه وعريقة بن مسامع العبسي في أخيه مما يناقض ما قاله ابن الكلبي من أنه لا يعلم إلا قصيدة واحدة في الرثاء قدم لها بغزل، هي قصيدة دريد في رثاء أخيه3.

وما دام الغزل التمهيدي قد تسرب إلى الرثاء فليس بغريب بعد ذلك أن نجده في كافة أغراض الشعر، ومن بينها الفخر الذي ينبغي أن يعمد إليه الشاعر قبل كل شيء، ولكنها التقاليد الشعرية اضطرت شعراءنا إلى غير ذلك، ونجدها متحكمة في الهجاء أيضا، وبعد أن يقضي الشاعر أربه من الغزل ينتقل إلى موضوعه مباشرة وقد يعرج على موضوع آخر غير ذلك مثل وصف الناقة، ويعلل الأستاذ جب ذلك "بأن الخلق الفني لدى العرب سلسلة من بواعث منفصلة، وكل منها تام ومستقل بنفسه، لا تربط بينها غاية أو انسجام أو اتفاق، اللهم إلا وحدة العقل الفردي الذي أبدعها".

وهو يقول:

"إن القصيدة العربية تتألف من سلسلة من الصور تعرض جوانب متعددة من الحياة العربية جرت العادة بترتيبها وترابطها، فالشاعر في أول قصيدته

1 الأصمعيات 1/ 23.

2 سيرة ابن هشام 3/ 132.

3 العمدة 2/ 121.

ص: 527

يتحدث على ظهر جمله مع صاحب أو اثنين، وينطلق إلى منزل الحي الذي رحلوا عنه، فيقف على الطلل ويتذكر ماضيه فيه ويصف ما كان بينه وبين حبيبته

وبعد ذلك يصف بدقة جمله أو حصانه الذي يشبه الحمار الوحشي في سرعته، وحينئذ يصف هذا الحيوان وطريقة صيده ثم يدخل إلى الموضوع، وهكذا سهل الأمر على المصنفين بعد ذلك، فجعلوا كل جزء وحدة قائمة بذاتها1

ومن هذا النص للعلامة جب نرى كيف يفهم المستشرقون ترابط أجزاء القصيدة العربية.

الغزل الكيدي:

وإذا قد انتهينا من أنواع الغزل الثلاثة نصل إلى موضوع هام بالنسبة إلى الشعراء الحجازيين؛ ذلك هو الغزل الكيدي الذي يخالف كل ما سبق من الأنواع الغزلية، فليس بالعذري ولا المادي ولا التمهيدي، وإنما هو نوع آخر غير ذلك يراد به تحقير الخصم وامتهان كرامته وتجريحه.

وأكثر ما يحدث ذلك بين الشعراء أنفسهم؛ إذ يحاول كل منهم أن يكسب المعركة بأي سلاح، حتى ولو كان التشهير بالخصم في التغزل بقريباته وتدوين أسمائهن لتلوكها الألسن بعد ذلك.

وقد لَجَّ الهجاء بين قيس بن الخطيم وعبد الله بن رواحة؛ فتغزل الأول بعمرة أخت عبد الله ولكن غزله كان عفيفا، فعمرة محجبة محتشمة لا تُرَى إلا وقت الحج:

أتعرف رسما كاطراد المذاهب

لعمرة وحشا غير موقف راكب

ديار التي كانت ونحن على منى

تحل بنا لولا نجاء الركائب

تراءت لنا كالشمس تحت غمامة

بدا حاجب منها وضنت بحاجب

ولم أرها إلا ثلاثا على منى

وعهدي بها عذراء ذات ذوائب

ومثلك قد أحببت ليست بكنة

ولا جارة ولا حليلة صاحب2

1 Arapic Literature q 20.

2 طبقات الشعراء 81.

ص: 528

ورد عليه عبد الله يتغزل بليلى أخت قيس:

أشافتك ليلى في الخليط المجانب

نعم فرشاش الدمع في الصدر غالبي

وبين حسان وقيس بن الخطيم حدث شيء من هذا؛ فإن حسانا في معرض فخره على الأوس تغزل بليلى أخت قيس:

لقد هاج نفسك أشجانها

وعاودها اليوم أديانها

تذكرت ليلى وإني بها

إذا قطعت منك أقرانها

وحجل في الدار غربانها

وخف من الدار سكانها

وغيرها معصرات الرياح

وسح الجنوب وتهتانها

مهاة من العين تمشي بها

وتتبعها ثم غزلانها

وقفت عليها فساءلتها

وقد ظعن الحي ما شانها

فعيت وجاوبني دونها

بما راع قلبي أعوانها

فلم يسكت قيس على هذا النيل الجارح، ورد على خصمه يتغزل بزوجته عمرة:

أجد بعمرة غنيانها

فتهجر أم شأننا شأنها

وإن تمس شطت بها دارها

وباح لك اليوم هجرانها1

ولهذا النوع من الغزل خطره الشديد على نفوس الحجازيين، ويرون فيه إهانة بالغة قد يحتاجون في غسلها إلى الدم، فإن كعب بن الأشرف اتخذ من الغزل الكيدي وسيلة إلى تجريح المسلمين والتندر عليهم والتعريض بهم، فها هو ذا يتغزل بأم الفضل بنت الحارث، فيعجب كيف يرحل ويتركها في المدينة رغم أنها منعمة مرفهة ممتلئة، وهي شريفة في قومها وأبوها رأس العشيرة، وهي جميلة تشرق كالشمس:

أراحل أنت لم تحلل بمنقبة

وتارك أنت أم الفضل بالحرم

صفراء رادعة لو تعصر انعصرت

من ذي القوارير والحناء والكتم

يرتج ما بين كعبيها ومرفقها

إذا تأتت قياما ثم لم تقم

1 الأغاني 3/ 12.

ص: 529

وأشباه أم حكيم إذ تواصلنا

والحبل منها متين غير منجذم

إحدى بني عامر جن الفؤاد بها

ولو تشاء شفت كعبا من السقم

فرع النساء وفرع القوم والدها

أهل المحلة والإيفاء بالذمم

لم أر شمسا بليل قبلها طلعت

حتى تجلت لنا في ليلة الظلم1

واستمر كعب يتغزل بنساء المسلمين على هذا المنوال حتى دفع حياته ثمنا لهذه الحماقات التي رددها لسانه. وحقا، إن كعبا لم يكن عفيف الغزل حين شبّب بنساء المسلمين؛ لأن عداوة الدين هي التي تدفعه إلى هذا الكيد. أما إذا كان الغزل الكيدي بدافع المفاخرة القبلية أو الهجاء الشخصي فإنه يلتزم الاحتشام والعفة غالبا، حتى لنرى النعمان بن بشير يسمع بسرور غناء عزة الميلاء بشعر قيس بن الخطيم في أمه عمرة بنت رواحة قائلا:"إنه لم يذكر إلا كرما وطيبا"2.

1 تاريخ الطبري 3/ 3.

2 الأغاني 3/ 12.

ص: 530