الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختيار موضوع البحث "المشكلة
":
إن إحساس الدارس الملح بوجود موضوع جدير بالدراسة، أو شعوره بوجود مشكلة يراد حلها، هما البداية المنطقية للقيام ببحث علمي أصيل.
هذا هو السبيل السليم إلى الإبداع الفكري والأصالة العلمية؛ إذ إن أفضل البحوث وأرفعها ما كان مصدره الإلحاح الداخلي والرغبة الذاتية، فالاختيار الشخصي للبحث مهم جدًّا في تقدمه وتفوقه.
أثبتت التجربة بين طلاب البحوث بأن الذين يتوفقون إلى اختيار الموضوعات بأنفسهم يكونون أكثر تفوقًا، ونجاحًا، وسعادة بالعمل، من أولئك الذين يفرض عليهم بحث معين1.
وفي المقابل يُحذِّر العلماء والباحثون من اعتماد طالب الدراسات العليا على مقترحات الآخرين في اختيار موضوع البحث. يقول الدكتور شوقي ضيف:
"يجد ناشئة الباحثين صعوبة في اختيار موضوعات بحوثهم، وكثيرًا ما يلجئون إلى بعض الباحثين، وبخاصة من أساتذة الجامعات ليدلوهم على موضوعات يبحثونها. وهي طريقة خطرة؛ إذ قد يدلهم هؤلاء الباحثون على موضوعات لا تتفق وميولهم الحقيقية؛ فيتعثرون فيها، وقلما يحسنونها، ولعل في ذلك ما يجعل أول واجب على هؤلاء الناشئة ألا يلقوا بزمامهم في بحوثهم إلى غيرهم، وأن يعملوا على الاهتداء إليها من خلال قراءاتهم، وعكوفهم على كتب الباحثين من
1 Evan K.M. Planing Small Scale Research، "Windser: N.F.E.R. 1971" p. 30.
قبلهم، يستعرضون موضوعاتها، ويقرءون فيها؛ حتى يستبين لهم موضوع يتفق وميولهم، ويحاولون بحثه ودراسته.....، ومن أخطر الأشياء أن يبدأ الباحث حياته عالة على غيره من الباحثين الذين سبقوه؛ فإن ذلك يصبح خاصة من خواص بحوثه، ولا يستطيع فيما بعد أن يتحول باحثًا بالمعنى الدقيق لكلمة باحث؛ فقد انطبع بطوابع التبعية لغيره، ولم يعد يشعر لنفسه بوجود حقيقي، فوجوده دائمًا تابع لوجود غيره؛ كوجود النباتات المتسلقة على الأشجار الشامخة"1.
والطريقة العملية في التوصل إلى اختيار بحث مناسب أن يتخير الباحث مجموعة من المصادر والكتب في حقل التخصص، متنوعة بين قديم وحديث، تمثل مدارس فكرية متنوعة، ومناهج علمية مختلفة، يعكف على تأملها، ودراسة موضوعاتها بتأنٍّ ورَوِيَّة، ولن تخونه هذه الدراسة في اكتشاف عدد من البحوث والموضوعات التي تحتاج إلي زيادة في الدراسة والبحث. سيجد بعد ذلك أمامه قائمة طويلة بعناوين كثيرة، يُلقي بعد ذلك عليها نظرة فحص واختبار؛ ليقع اختياره على أحدها مما يتوقع فيه مجالًا واسعًا للبحث والكتابة.
حسن اختيار الموضوع -أو المشكلة- هو محور العمل العلمي الناجح، وليضع الباحث في اعتباره أنه سيكون محور نشاطه، وبؤرة تفكيره لسنوات معدودة؛ بل ربما كان قرين حياته إذا استمرت نشاطاته الفكرية في اتجاهه، وليتوخَ في الاختيار ما يتوقعه من فوائد علمية في مجال التخصص، أو أهمية اجتماعية تعود بفوائدها على المجتمع، يستحق ما يبذل له من وقت وجُهْد ومال. فالمهم في هذه المرحلة "أن تتخير وتحصل على موضوع له فائدته، وقيمته العلمية في مجال التخصص، وأن
1 البحث الأدبي: طبيعته - مناهجه - أصوله - مصادره "مصر: دار المعارف 1972م" ص 17، 18.
تضع في الاعتبار كل الاحتمالات المتوقعة قبل البدء؛ من حيث مناسبته للزمن المقدر لمثل هذه المرحلة الدراسية، وأن تكون هذه بداية لدراسة أوسع"1.
".... كثيرًا ما يستهوي الطالب موضوع جذاب؛ ولكن يتبين له أنه محدود للغاية، فلا يصلح لبحث طويل ينال عليه درجة علمية؛ وإنما قد يصلح لأن يكون موضوعًا لمقال يُنشر في إحدى المجلات المتخصصة، وكثيرًا ما يغير الطلبة موضوعات أبحاثهم بعد أن يكتشفوا ذلك؛ ولكن بعد أن يكونوا قد صرفوا وقتًا وجُهْدا كان أولى بهم أن يبذلوه فيما يعود بالنفع عليهم....."2.
وفي سبيل اختيار موفق لدراسة موضوع علمي يستحسن أن يتفادى الباحث في هذا الاختيار الأمور التالية:
أولًا: الموضوعات التي يشتد حولها الخلاف؛ حيث إنها بحاجة إلى فحص وتمحيص، ومن الصعب للباحث أن يكون موضوعيًّا في الوقت الذي تكون فيه الحقائق والوقائع مختلفًا فيها؛ إذ ليس البحث مجرد عرض آراء المخالفين والمؤيدين فقط.
ثانيًا: الموضوعات العلمية المعقدة التي تحتاج إلى تقنية عالية؛ لأن موضوعات كهذه ستكون صعبة على المبتدئ في هذه المرحلة.
ثالثًا: الموضوعات الخاملة التي لا تبدو ممتعة، فإذا كانت المادة العلمية من الأساس غير مشجعة، فإنه سيصبح مملًّا وعائقًا من التقدم.
1 Pick Ford L.J. & E. W. smith، A Student Hand Book on note taking Essay Writting Special study and thesis Presentation. "London: Ginn and Company Ltd 1969". p. 39.
2 الفرا، محمد علي عمر، مناهج البحث في الجغرافيا بالوسائل الكمية، ص 65.
رابعًا: الموضوعات التي يصعب العثور على مادتها العلمية في مراكز المعلومات المحلية، وبصورة كافية، فليس من الحكمة أن يستمر الطالب في بحث تندر مصادره.
خامسًا: الموضوعات الواسعة جدًّا؛ فإن الباحث سيعاني كثيرًا من المتاعب، وعليه من البداية أن يحاول حصره وتحديده، بدلًا من طرحه كما خطر بباله.
سادسًا: الموضوعات الضيقة جدًّا؛ بعض الموضوعات قصيرة وضيقة، ولا تتحمل لضيقها تأليف رسالة علمية في حدودها، وسيصيب الباحث الكثير من العنت في معالجتها.
سابعًا: الموضوعات الغامضة؛ يتبعها غموض الفكرة، فلا يعرف الباحث ما الذي يمكن تصنيفه من المعلومات مما يدخل تحتها، والأخرى التي يجب حذفها منه، وينتج عن هذا أن الباحث ربما قرأ الكثير مما ليس له صلة أو عَلاقة بالموضوع؛ وحينئذ يصعب أن خرج برؤية وتصور واضح له1.
فإذا تم اختيار البحث على ضوء التعليمات السابقة -وهو الجانب الأول- فإن اختبار استعداد الباحث له هو الجانب الآخر، فليتلمس في نفسه مدى توافره على العناصر التالية: الكفاءة العلمية أولًا، والرغبة الصادقة في البحث ثانيًا.
أما بالنسبة للعنصر الأول -وهو الكفاءة العلمية- "فإن دراسة أي بحث من البحوث العلمية يتطلب مستوى علميًّا معينًا، وسيكون لهذا دوره الكبير في الإحاطة بالموضوع، وتحديد زمن دراسته.
1 انظر:
Hubbell، george shelton، writting Term papers and Reports، 4 th،d. "new york: Barnes and Nobel. 1969"، p. VII.
والبحث بحاجة إلى وقت قد يطول وقد يقصر حسب طبيعة الموضوع، فمن الموضوعات ما يحتاج إلى رَوِيَّة وقراءة متأنية، ومنها ما يحتاج إلى الكتابة المسهبة، وكلاهما يستلزم الصبر.
وأما بالنسبة للرغبة في كتابة بحث بعينه، فإن نتائج هذا على البحث واضحة؛ إذ يكون أكثر متعة، والكتابة فيه تكون في مستوى أفضل؛ وبالتالي يتضاعف حماسه لإنهائه في أحسن شكل وأسلوب، وعلى العكس من ذلك، فإن الطلاب الباحثين يشعرون بالسآمة حالًا حينما لا يكون الموضوع ممتعًا أو مستهويًا لهم؛ ولهذا تأثيره في سيرهم في البحث بالبطء والإهمال، فمن المستحسن مقدمًا تبيُّن هذه الأحوال قبل التورط فيها، وهذا يتطلب إمعان النظر طويلًا، وبشكل دقيق في الموضوع الذي وقع عليه الاختيار، والتأكد من أهميته.
وأخيرًا، فإن موافقة المشرف على موضوع البحث هو حجر الزاوية، فمما لا شك فيه أن أكثر المشرفين من الأساتذة على الرسائل العلمية عندما يُعرض عليهم موضوع للموافقة عليه، ينظرون أولًا إلى مدى استعداد الطالب للقيام بتلك الدراسة، وإلى توافر المادة العلمية، ومصادر البحث ثانيًا. والمشرف الواعي هو الذي ينظر نظرة متساوية إلى الموضوع الذي وقع عليه اختيار الطالب بأنه مفيد ومهم، وإلى المستوى العلمي للطالب، ومدى استعداده لبحثه، ومعالجة موضوعاته"1.
اختيار الموضوع لا يعني تلقائيًّا تحديده، وبخاصة في الموضوعات العلمية والثقافية ذات العَلاقة بأكثر من علم أو فن، وحتى في الموضوعات المختصة بعلوم معينة، فإنها بحاجة إلى تحديد العناصر المطلوب دراستها.
1 Ehrlich، Eugene and Daniel Murphy، Writting and Researching Term Papers and Roports، 5 th ed، "new york; Bantam Books"، p. 13.
فلَا بُدَّ أولًا قبل كل شيء من صياغة الموضوع -أو المشكلة- صياغة تتبين منها: أبعاده، طبيعته، عناصره، الإشكالات حوله، من كل هذه الأمور مجموعة يتوصل الباحث إلى تحديد الموضوع أو المشكلة بصورة دقيقة، ومنها ينطلق إلى وضع خطة البحث.
من المسلم به أن هذه المرحلة تعد من أصعب المراحل، وبخاصة بالنسبة للباحث المبتدئ؛ إلا أنه يساعد على التغلب عليها:
أولًا: قراءة كل ما له صلة بالموضوع -أو المشكلة- من البحوث والكتابات؛ بحيث يصبح على إلمام تام بكل ما كتب حولها أو في مجالها.
ثانيًا: الاستفادة من الخبرات العملية التي اكتسبها الباحث خلال السنين من القيام بعمل من الأعمال إذا كان ذا صلة بموضوع البحث -أو المشكلة مما يهيئ له كفاءة علمية جيدة في البحث.
ثالثًا: البحوث الماضية التي سبق للباحث القيام بها.
أما الباحث المبتدئ فإن استيعابه قراءة المكتوب في الموضوع -أو المشكلة- يعطيه الثقة بأهمية البحث، وأنه جدير بالدراسة. والبحث الجيد هو الذي يمد الباحث بالكثير من الأفكار، ويثير تساؤلات أكثر مما يقدم من إجابات1.
1 JR. Jhon L. Hayman، Research in Education، "Ohio: A Bell & Howell Company، 1968"، p. 15، 16.