الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: مبادئ في البحث العلمي
البحث العلمي مدلوله وخصائصه
…
الفصل الأول: مبادئ في البحث العلمي
البحث العلمي مدلوله - خصائصه:
البحث: كلمة لها مدلول لغوي عام تعني: طلب الشيء، وإثارته، وفحصه.
هذه المعاني كلها مجتمعة تشير بالفعل إلى طبيعة البحث العلمي؛ إذ هو طلب لمجهول، يستدعي إثارة كل ما يمكن أن يمد الباحث بمعلومات مفيدة في مجال البحث، والتنقيب عنه، ثم فحص ما تجمع من تلك المعلومات لطرح ما ليس ذا صلة بالبحث المطلوب وإبعاده، ثم دراسة وتحليل ما تبقى مما له به صلة مباشرة، أو يساعد على دراسة جانب من جوانبه.
ويُعرِّف العلماء المتخصصون البحث بأنه: عملية علمية تُجمع لها الحقائق والدراسات، وتُستوفى فيها العناصر المادية والمعنوية حول موضوع معين دقيق في مجال التخصص، لفحصها وفق مناهج علمية مقررة، يكون للباحث منها موقف معين؛ ليتوصل من كل ذلك إلى نتائج جديدة.
هذه النتائج هي ثمرة البحث، والغاية التي ينشدها الباحث من وراء العملية العلمية الفكرية، سواء كانت نظرية أو تجريبية، وهي ما يعبر عنها علميًّا بـ"الإضافة الجديدة" المطلوبة في البحوث العلمية العالية.
وهذا شيء مهم جدًّا؛ بل هو عنصر أساسي في البحث؛ ليتطابق الاسم مع المسمى، والعنوان مع المضمون.
والإضافة الجديدة في البحوث تتخذ صورًا شتى؛ فقد تكون أفكارًا جديدة في المجال العلمي، كما تكون حلًّا لمشكلة علمية، أو بيانًا لغموض علمي، إلى غير ذلك من الأغراض المطلوبة مما يتفق ومدلول كلمة "البحث العلمي"1.
فحينما يحقق العمل العلمي واحدًا من هذه الأغراض تتحقق أساسياته، ويتجلى فيه معناه الحقيقي بأوضح صورة، ويصدق عليه حينئذ أنه إضافة جديدة للمعرفة.
وفي المقابل، فإن كثيرًا من الأعمال العلمية التي تختلف بطبيعتها عن "البحث العلمي" لا يمكن أن يطلق عليها هذا العنوان؛ من ذلك:
المؤلفات التقريرية التي لا تتجاوز إعادة الصياغة والتقسيمات.
ما كان جمعًا لمعلومات ووصفًا لها فقط.
الكتاب الدراسي مهما بلغت جودته، أو أهميته في مجال التدريس، فليست هذه من قبيل البحث العلمي2؛ لأنها تقرر حقائق معلومة، وقضايا مسلمة في مجال التخصص، وجمع المعلومات في البحث العلمي هو جزء منه؛ ولكنه ليس هو كل البحث أو الجزء الأهم فيه. كما لا يعد من البحث أنواع الدراسات الآتية:
جمع المعلومات التاريخية وحدها لا يسهم بجديد إلى المعرفة، إذا لم يكن ثمة تحليل لها، أو فحص للأفكار التي تضمنتها.
وصف حالة من الحالات، أو قضية من القضايا إذا لم يكن توضيحًا لنظرية، أو أفكار جديدة.
1 انظر ص 58، 59 أهمية البحث من هذا الكتاب.
2 يجب ألا يشتبه هذا ببعض الأبحاث العلمية التي نالت قسطًا كبيرًا من التقدير، فاستحسنت الهيئات العلمية أن يكون مقررًا دراسيًّا، أو مرجعًا علميًّا للطلاب والباحثين، فإن إعطاءها هذه الصفة لا يغير من حقيقتها، ولا يطعن في أصالتها.
تطوير مشروع علمي يعتمد على معلومات معروفة في مجال التخصص لا يعد في نطاق البحوث العلمية الأصيلة؛ إلا في حالات مقارنة النتائج والدراسات.
تطوير طريقة معينة، أو نظام معين، ووضعه موضع التنفيذ في مجال من المجالات الاجتماعية، أو التجارية، أو الحكومية، أو الجامعية، ربما يكون نشاطًا مبتكرًا؛ ولكن لا ينطبق عليه مفهوم البحث.
ربما يضع الدارس برنامج كمبيوتر لعمل إحصائية تحليلية، قد يكون هذا مشروعًا جيدًا ومفيدًا؛ ولكن لا يمثل بحثًا يستحق به درجة علمية جامعية، ليس لشيء؛ ولكن لأنه يمثل تطوير مشروع لا يضيف للعلم جديدًا1.
ومن باب أَوْلَى ألا تعد المقالات الطويلة أبحاثًا، وبخاصة إذا كانت تقدم معلومات مسلمة، فللبحث العلمي طبيعته وخصائصه.
الحجم في البحث العلمي طولًا أو قصرًا ليس معيارًا من المعايير التي تقاس بها الأبحاث، أو يحكم عليها من خلاله؛ ولكنه المضمون، والخصائص، والجوانب الفنية التي تصاغ في ضوئها، وحسب قوانينها.
أما خصائص البحث العلمي، فأهمها:
أولًا: الموضوعية: ويقصد منها الباحثون جانبين مهمين؛ هما:
أ- حصر الدراسة، وتكثيف الجُهْد في إطار موضوع البحث، بعيدًا عن الاستطراد، والخروج عن موضوع البحث إلى نقاط جانبية هامشية، مما يسبب تشتيت أفكار القارئ، وهو
1 انظر:
Davis، Gordon B. and clyde A. parker، writing the Doctoral Dissertation new York: Baron's educational series Inc، 1979. p 47-48.
من قبل هذا جُهْد يأتي على حساب الموضوع الرئيس، فيؤثر على مستواه، في حين أن المفروض الاحتفاظ للبحث بكل مجهود ومساحة على صفحاته.
ب- تجرد الأفكار والأحكام من النزعات الشخصية، وعدم التحيز مسبقًا لأفكار، أو أشخاص معينين، فالهدف الأول والأخير من البحث هو التوصل إلى الحقيقة كما هي، مؤيدة بالأدلة والشواهد، بعيدة عن المؤثرات الشخصية والخارجية، التي من شأنها أن تغير الموازين.
".... وليست أهمية العلوم وعظمتها في الحقائق التي كشفت عنها، بقدر ما هي كامنة في الطريقة، وفي الروح العلمية التي تبحث بها الحقائق"1.
ثانيًا: المنهجية: نسبة إلى المنهج؛ وهو طريقة تنظيم المعلومات؛ بحيث يكون عرضها عرضًا منطقيًّا سليمًا، متدرجًا بالقارئ من السهل إلى الصعب، ومن المعلوم إلى المجهول، منتقلًا من المسلمات إلى الخلافيات، متوخيًا في كل ذلك انسجام الأفكار وترابطها. جاء تعريفه بأنه:"فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإما من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين"2.
1 سلطان، حنان عيسى، وغانم سعيد شريف العبيدي. أساسيات البحث العلمي بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى "الرياض: دار العلوم للطباعة والنشر 1404هـ-1984م" ص73.
2 خضر، عبد الفتاح، أزمة البحث العلمي في العالم العربي "الرياض: معهد الإدارة، عام 1401هـ-1981م"، ص12.
"
…
إن المهم بالدرجة الأولى من هذا التدريب العلمي فحص خبرة الكاتب، وقدرته الفنية التي يبرزها، والتي تظهر من خلال استعماله للمعلومات في موضعها الصحيح"1.
ولئن كانت هذه هي أهم خصائص البحث العلمي ومكوناته، فهناك أمور أخرى مهمة تدل بنفسها على أصالة البحث، وجودته، والتزامه المنهج العلمي الصحيح.
"
…
فالبحث العلمي يُعرف من العنوان الذي يجمع بين الجدة والدقة والتبويب، وما بين الفصول والفقر من ترابط وتجانس وتناسب، والهوامش، وما هي عليه من إيجاز في الدلالة على المصادر، ثم ما يصحب كل ذلك من فهارس، وقائمة تامة للمعلومات عن المصادر والمراجع....
وإذا كانت هذه الأمور أدخل بالجانب الشكلي من البحث، فإن قراءة فقرة هنا وهناك بن المقدمة والخاتمة تؤيد علمية البحث، إذا وقع القارئ على حسن الرأي، وجودة المناقشة، وشخصية الكاتب، وسيطرته على المادة، وإعرابه عن كل ذلك في لغة سليمة، جميلة، بعيدة عن التطويل والثرثرة، وكلما زاد في القراءة ازداد قربًا من المؤلف...."2.
1 بيكفورد، ول ج. ول. و. سمث. الدليل إلى كتابة البحوث الجامعية ورسائل الماجستير والدكتوراه، الطبعة الثانية، عرَّبه بتصرف عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، "جُدة: تهامة، عام 1404هـ-1983م" ص99.
2 الطاهر. علي جواد. منهج البحث الأساسي الأدبي. الطبعة الثالثة. "بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1979م" ص30.
والبحث العلمي يُقوَّم بمقدار جدواه العلمية والاجتماعية، وبقدر ظهور شخصية الباحث المتمثلة في أصالة أفكاره، المبنية على أساس من تفهم المادة العلمية، ومنهجيته في عرضها، ومناقشتها بأسلوب علمي هادئ متجرد، والتزام الجوانب الفنية المطلوبة للبحث.
"فالشيء الأساسي -والذي ينبغي أن نحفظه دائمًا في عقولنا- هو أن الدراسة والبحث ليست مجرد تجميع البيانات والمعلومات والحقائق
…
؛ ولكن تفسير الباحث لهذه الحقائق، وبيان معانيها، ووضعها في إطار منطقي مفيد هو الذي يميز التفكير العلمي عن سواه، فالبحث يتطلب الفكر.... ومن هنا كان التفكير الذي يتضمنه البحث هو ما يسمى بالتفكير العلمي النقدي "Critical Thinking"1.
1 بدر، أحمد، أصول البحث العلمي ومناهجه، الطبعة الرابعة "الكويت: وكالة المطبوعات، عام 1978م" ص51.