الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اقتباس النصوص:
البحث العلمي يفرض الاطلاع على بحوث الآخرين، وأعمالهم في نفس الحقل والتخصص، فليس غريبًا أن تحتوي الكتابات العلمية في أي موضوع أو مادة على اقتباسات منقولة من مؤلفات العلماء وكتابات الكُتَّاب السابقين.
فالباحث لا يبدأ من فراغ؛ إذ لَا بُدَّ أنه سبق بدراسات العلماء، وتجارب الباحثين، والبحث العلمي أساسًا عملية بناء متتابعة من الباحثين، يضم كل واحد منهم إلى العلم والمعرفة ما يتوصل إليه فكره، فكل منهم يضع لبنة في بناء المعرفة الإنسانية وتكوينها، وبذلك تبني الأمم حضارتها، فيكمل الخَلَف ما أنجزه السلف.
وبالرغم من الأهمية البالغة للاطلاع على أعمال الآخرين في استكمال جوانب البحث، يقف العلماء والباحثون في الاقتباس منها، وتضمينها موضوعات البحث موقفين متتابينين:
الأول: مَن لا يرى في الاقتباس فضيلة، وأنه -في نظره- مظهر من مظاهر الضعف في التأليف، وبخاصة عندما يكون النقل لفصل كامل، وأوراق عديدة؛ بحيث تختفي شخصية الكاتب بين الاقتباسات الطويلة المتعددة.
نبه على هذا عباقرة المؤلفين من المسلمين الذين أسهموا بنتاج علمي فريد؛ من هؤلاء إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك
الجويني في معرض حديثه عن "إمامة المفضول" بقوله:
"اختلف الخائضون في هذا الفن في إمامة المفضول على آراء متفاوتة، ومذاهب متهافتة، ولو ذهبت أذكر المقالات وأستقصيها، وأنسبها إلى قائليها وأعزيها؛ لخفت خصلتين:
أحدهما: خصلة أحاذرها في مصنفاتي، وأتقيها، وتعافها نفسي الأبية وتجتويها، وهي سرد فصل منقول عن كلام المتقدمين مقول.
وهذا عندي يتنزل منزلة الاختزال والانتخال والتشيع لعلوم الأوائل، والإغارة على مصنفات الأفاضل، وحق على كل من تتقاضاه قريحته تأليفًا وجمعًا وترصيفًا، أن يجعل مضمون كتابه أمرًا لا يلقي في مجموع، وغرضًا لا يصادف في تصنيف، ثم إن لم يجد بُدًّا من ذكرها أتى به في معرض [التذرع] ، والتطلع إلى ما هو المقصود والمعمود، فهذه واحدة.
والخصلة الثانية: اجتناب الإطناب، وتنكب الإسهاب في غير مقصود الكتاب"1.
الثاني: ويذهب آخرون إلى أن الاقتباس دليل القراءة الواسعة، والمعرفة التامة بالأفكار والبحوث القديمة والحديثة؛ فمن ثَمَّ ينال الباحث ثقة القارئ، ويطمئن لأفكاره وآرائه.
والحقيقة أن شخصية الكاتب كما تظهر من آرائه، وأسلوب عرضه، فإنها تتجلى أيضًا من طريقة نقله واقتباسه، ودمجها في موضوعات البحث.
1 الغياثي، غياث الأمم في التياث الظلم، الطبعة الأولى، تحقيق ودراسة وفهارس: عبد العظيم الديب "قطر: الشئون الدينية، عام 1400هـ" ص164.
وكلا الفريقين متفقان على أن الاقتباس المناسب، بالحجم المعقول، في المكان المناسب، أمرٌ بعد في مهارة الكاتب، والاعتدال دائمًا هو الطريق السوي.