الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في الجزية والخراج وما بينهما من اتفاقٍ وافتراقٍ
الخراج هو جزية الأرض، كما أن الجزية خراج الرقاب، وهما حقّان على رقاب الكفار وأرضِهم للمسلمين، ويتفقان في وجوهٍ ويفترقان في وجوهٍ
(1)
.
فيتفقان في: أن كلًّا منهما مأخوذٌ من الكفار على وجه الصَّغار والذلة، وأن مصرفهما مصرف الفيء، وأنهما يَجِبان في كل حولٍ مرةً، وأنهما يسقطان بالإسلام، على تفصيلٍ نذكره إن شاء الله تعالى.
ويفترقان في: أن الجزية ثبتت بالنص، والخراج بالاجتهاد. وأن الجزية إذا قُدِّرت على الغني لم تزد بزيادة غناه، والخراج يُقدَّر بقدر كثرة الأرض وقلَّتها. والخراج يجامع الإسلام حيث نذكره إن شاء الله تعالى، والجزية لا تجامعه بوجهٍ؛ ولذلك يجتمعان تارةً في رقبة الكافر وأرضِه ويسقطان تارةً، وتجب الجزية حيث لا خراجَ، والخراج حيث لا جزيةَ.
ونحن نذكر كيف
أصل الخراج وابتداء وضْعِه
وأحكامه، فنقول:
الأرض ستة أنواعٍ:
أحدها: أرضٌ استأنف المسلمون إحياءها، فهذه أرضُ عُشْرٍ، ولا يجوز أن يوضع عليها خراجٌ بغير خلافٍ بين الأئمة.
(1)
انظر: "الأحكام السلطانية" للماوردي (ص 221).
قال أبو الصقر
(1)
: سألت أحمد عن أرضٍ مَواتٍ في دار الإسلام لا يُعرف لها أربابٌ، ولا للسلطان عليها خراجٌ، أحياها رجل من المسلمين؟ فقال: من أحيا أرضًا مَواتًا في غير السواد كان للسلطان عليه فيها العشر، ليس عليه غير ذلك.
وقال في رواية ابن منصورٍ
(2)
: والأرضون التي يملكها ربُّها ليس فيها خراجٌ، مثل هذه القطائع التي أقطعها عثمان في السواد
(3)
لسعدٍ وابن مسعودٍ [وخبَّابٍ].
وقد استشكل القاضي
(4)
هذا النص، وتأوله على أنَّ عثمان أقطعَهم منافعَها، وأسقط الخراج على وجه المصلحة؛ لأن أرض السواد فُتِحتْ عَنْوةً فهي خراجيةٌ، وظاهر النص أن هذه الأرض قد صارت ملكًا لهم بإقطاع الإمام، وإذا ملكوها ملكوها
(5)
بمنافعها، والخراج من جملة منافعها، فإنه جارٍ مجرى الأجرة، فيملكونه بمِلْك منافعها، إذ لا يجب للإنسان على نفسه خراجٌ، فكأنه ملَّكهم الأرضَ وخراجَها.
(1)
كما في "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 162).
(2)
المصدر نفسه (ص 163). ومنه الزيادة بين معكوفتين. وهو في "المسائل" بروايته (1/ 245).
(3)
"في السواد" ساقطة من المطبوع.
(4)
أي أبو يعلى في المصدر السابق.
(5)
"ملكوها" الثانية ساقطة من المطبوع.
فصل
النوع الثاني: أرضٌ أسلم عليها طوعًا من غير قتالٍ، فهي لهم
(1)
، لا خراجَ عليها، وليس فيها سوى العشر. وهذا كأرض
(2)
المدينة وأرض اليمن وأرض الطائف وغيرها.
نصَّ على ذلك أحمد في رواية حربٍ
(3)
فقال: أرض العشر
(4)
: الرجل يسلم بنفسه من غير قتالٍ وفي يده أرضٌ، فهو عُشْر.
وقال في موضع آخر: أرض العشر: الرجل يسلم وفي يده أرضٌ فهو عُشْر، مثل مكة والمدينة.
وأما قوله في رواية حنبلٍ
(5)
: "من أسلم على شيء فهو له، ويؤخذ منه خراج الأرض"، فليس مراده أن يسلم على أرضه التي كانت بيده قبل الإسلام بغير خراجٍ؛ لأنه قد صرح أنه ليس في هذه الأرض غير العشر، وإنما مراده أنه يسلم وفي يده أرضٌ خراجيةٌ فتحها الإمام عَنْوةً، فهذه لا يسقط الخراج بإسلام من هي في يده كما سنذكره.
(1)
كذا في الأصل. وفي المطبوع: "له".
(2)
في المطبوع: "كان في" بدل "كأرض" تحريف.
(3)
كما في "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 163).
(4)
"العشر" ساقطة من المطبوع.
(5)
في "الأحكام السلطانية"(ص 163).