الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن تحمَّل بها ذمي آخر عنه احتمل وجهين.
والذي يظهر في هذا كله: التفصيل في مسألة الحوالة والحمالة والضمان والتوكيل في الدفع، أنه إن فعله لعذرٍ من مرضٍ أو غَيبةٍ أو حبسٍ ونحوه جاز، وإن فعله غيرةً وأنفةً وهربًا من الصَّغار لم يجز ذلك، والله أعلم.
فصل في السَّامرة
و
اختلاف الفقهاء فيهم: هل يُقَرُّون بالجزية أم لا
؟
فذهب الجمهور إلى إقرارهم بالجزية، وتردَّد الشافعي فيهم، فمرةً قال: لا تؤخذ منهم الجزية، وقال في موضع آخر: تؤخذ منهم
(1)
.
وقال في "الأم"
(2)
: يُنظر في أمرهم فإن كانوا يوافقون اليهود في أصل الدين، ولكنهم يخالفونهم في الفروع لم تضرَّ مخالفتهم، فيُقَرُّون على دينهم فتؤخذ منهم الجزية، وإن كانوا يخالفونهم في أصل الدين لم يُقَرُّوا على دينهم ببذل الجزية. هذا نقل الربيع عنه.
وأما المزني
(3)
فنقل عنه أنهم صنفٌ من اليهود فتؤخذ منهم الجزية.
واختلف أصحابه في حكمهم، فقال بعضهم: يقرون بالجزية، وقال بعضهم: لا يقرون بها. وقال أبو إسحاق المروزي: لم يكن الشافعي يعرف
(1)
انظر: "نهاية المطلب"(18/ 11).
(2)
(5/ 435) بمعناه.
(3)
في "مختصره"(ص 384).
حقيقة أمر دينهم، فتوقف في ذلك، ثم بان له أنهم من جملة أهل الكتاب، فرجع إلى ذلك وألحقهم بهم
(1)
.
وهذا الذي قاله المروزي هو الصواب المقطوع به، وغَلِط من قال: لا يقرون بالجزية ويقر المجوس بها لأن لهم شبهة كتابٍ. وهذا من العجب أن يُقَرَّ قومٌ يعبدون النار، ويعتقدون أن للعالم إلهينِ اثنين النور والظلمة، ولا يؤمنون ببعثٍ ولا نشورٍ، ولا أن الله يبعث من في القبور، ويرون نكاح الأمهات والبنات، ولا يؤمنون برسولٍ ولا يحرِّمون شيئًا مما يحرِّمه الأنبياء؛ ولا يُقَرُّ السامرة بالجزية مع أنهم يؤمنون بموسى والتوراة، ويَدينون بها، ويؤمنون بالمعاد والجنة والنار، ويصلُّون صلاة اليهود ويصومون صومهم، ويستنُّون بسنتهم، ويقرؤون التوراة، ويحرِّمون ما يحرِّمه اليهود، ولا يخالفون اليهود في التوراة ولا في موسى وإن خالفوهم في الإيمان بالرسل، فإن السامرة لا يؤمنون بنبي غير موسى وهارون ويوشع وإبراهيم فقط، ويخالفونهم في القبلة، فاليهود تصلِّي إلى بيت المقدس، والسامرة تصلِّي إلى جبل عزون
(2)
ببلد نابلوس،
(1)
"نهاية المطلب"(18/ 12).
(2)
كذا في الأصل، وفي "الملل والنحل" للشهرستاني (ص 220):"غريزيم". ويقال: "جريزيم"، وفي الترجمة العربية للعهد القديم:"جرزيم". وهو جبل يقع جنوبي مدينة نابلس، وتسكن الطائفة السامرية على قمته. انظر:"خطط الشام" لكرد علي (6/ 214). أما عزون فهي بلدة في الضفة الغربية جنوبي مدينة نابلس. وانظر عن "السَّامرة": "مروج الذهب"(1/ 59) و"الفصل"(1/ 82)، و"المواعظ والاعتبار"(4/ 384، 385). ومناظرة المؤلف مع أحدهم في "بدائع الفوائد"(4/ 1606، 1607).