المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع نسوة، ثم أسلم الزوج والزوجات= لم يكن له الاختيار قبل بلوغه، فإنه لا حكم لقوله - أحكام أهل الذمة - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ سبب وضع الجزية

- ‌ يجوز أخذها مما تيسَّر من أموالهم

- ‌الكتاب الذي بأيدي الخَيابرة الذي يدَّعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطلٌ

- ‌فصلفي بني تغلب وأحكامهم

- ‌فصل في السَّامرة

- ‌اختلاف الفقهاء فيهم: هل يُقَرُّون بالجزية أم لا

- ‌فصل في الصابئة

- ‌عدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم

- ‌فصلفي الجزية والخراج وما بينهما من اتفاقٍ وافتراقٍ

- ‌ أصل الخراج وابتداء وضْعِه

- ‌الأرض ستة أنواعٍ:

- ‌النوع الثالث: ما ملك عن الكفار عَنْوةً وقهرًا

- ‌فصلفي كراهة الدخول في أرض الخراج

- ‌ذكر أحكام أهل الذمة في أموالهم

- ‌فصلفي الأمكنة التي يُمنع أهل الذمة من دخولها والإقامة بها

- ‌ذكر معاملتهم عند اللقاء وكراهة أن يُبدَؤوا بالسلام، وكيف يُرَدُّ عليهم

- ‌فصلفي عيادة أهل الكتاب

- ‌فصلفي شهود جنائزهم

- ‌فصلفي تعزيتهم

- ‌فصلفي تهنئتهم

- ‌فصلفي المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم

- ‌فصل(1)في سياق الآيات الدالَّة على غشِّ أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم

- ‌فصلفي أحكام ذبائحهم

- ‌المسألة الرابعة: إذا ذبحوا ما يعتقدون حلَّه، فهل تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم

- ‌ذكر أحكام معاملتهم

- ‌فصلفي البيع والشراء منهم

- ‌فصلفي شركتهم ومضاربتهم

- ‌فصلفي استئجارهم واستئجار المسلم نفسه منهم

- ‌فصلفي حكم أوقافهم ووقف المسلم عليهم

- ‌فصلفي أحكام نكاحهم ومناكحاتهم

- ‌فصلولو زوَّج الكافرُ ابنَه الصغير أكثرَ من أربع نسوةٍ، ثم أسلم الزوج والزوجات= لم يكن له الاختيار قبل بلوغه، فإنه لا حكم لقوله

- ‌فصل(4)نقرُّ أهل الذمة على الأنكحة الفاسدة بشرطين:

- ‌فصولٌ في أحكام مهورهم

- ‌فصل(2)في ضابط ما يصحُّ من أنكحتهم وما لا يصحُّ

- ‌فصلفي الكافر يكون وليًّا لوليته الكافرة دون المسلمة

- ‌فصلللمسلم إجبارُ زوجته الذمية على الغسل من الحيض

الفصل: ‌فصلولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع نسوة، ثم أسلم الزوج والزوجات= لم يكن له الاختيار قبل بلوغه، فإنه لا حكم لقوله

يكن لهم مدخلٌ فيه.

فصل

ومن فروع هذه المسألة أنه قبل الاختيار هنَّ على النكاح في حكم الإنفاق، فعليه نفقة الجميع إلى أن يختار، لأنهن محبوساتٌ عليه وإن لم يكن النكاح صحيحًا لازمًا بعد الإسلام، ولأنهن في حكم الزوجات، ولهذا أيتهنّ اختارها كانت زوجةً من غير تجديد عقدٍ

(1)

.

‌فصل

ولو زوَّج الكافرُ ابنَه الصغير أكثرَ من أربع نسوةٍ، ثم أسلم الزوج والزوجات= لم يكن له الاختيار قبل بلوغه، فإنه لا حكم لقوله

، وليس لأبيه الاختيار، لأن ذلك حقٌّ يتعلق بالشهوة، فلا يقوم غيره مقامه فيه، وتُحبَس عليه الزوجات إلى أن يبلغ، فيختار حينئذٍ، وعليه نفقتهن إلى أن يختار.

هكذا قال أصحابنا

(2)

والشافعية

(3)

. وهو في غاية الإشكال، فإنه ليس في الإسلام مسلم تحته عشر نسوةٍ مسلماتٍ يبقى نكاحهن مدة سنين، وفي ذلك إضرارٌ بالزوجات في هذه المدة بحيث تبقى المرأة ممنوعةً من الزوج مدة سنين، محبوسةً على صبي لا تدري أيختارها أم يفارقها، وفي ذلك

(1)

انظر: "المغني"(10/ 15).

(2)

انظر المصدر السابق (10/ 15، 16).

(3)

انظر: "فتح العزيز"(8/ 107)، و"روضة الطالبين"(7/ 157).

ص: 506

إضرارٌ عظيمٌ بها، وهو منتفٍ شرعًا. وقياسُ المذهب أن يختار عنه وليُّه كما لو كان مجنونًا.

فإن قلتم: والحكم في المجنون كذلك، فهو في غاية الفساد، إذ تبقى المرأة ما شاء الله من السنين محبوسةً عليه.

وإن فرَّقتم بأن البلوغ له حدٌّ ينتهي الصبي إليه، فلا يشقُّ انتظاره بخلاف الجنون.

قيل أولًا: لا بدَّ لهذا الفرق من شاهدٍ بالاعتبار.

وقيل ثانيًا: لا ريبَ أنه يشقُّ على المرأة الانتظارُ بضعَ عشرةَ سنةً لا يُدرى أيعيش الزوج حتى يصل إليها، أم يموت قبل ذلك.

وقيل ثالثًا: والجنون قد يزول عن قربٍ أو بعدٍ، وإن لم يكن لزواله أمدٌ شرعي، وقد صرَّح الأصحاب بأنه إذا جُنَّ انتظر به عود عقله، ثم يختار.

والصواب أن الولي يقوم مقامه في الموضعين.

فصل

والاختيار واجبٌ على الفور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، والأمر المطلق على الفور، ولا سيما إذا تضمَّن التأخير إمساكَ المسلم أكثر من أربع، وهذا لا يجوز، فإن أبى الاختيار أُجبِر عليه بالحبس والضرب؛ لأنه حقٌّ عليه، وهو قادرٌ على الإتيان به، فأُجبِر عليه كإيفاء الدين

(1)

.

(1)

انظر: "المغني"(10/ 15).

ص: 507

قال الشيخ في "الكافي"

(1)

: وهكذا كلُّ من عليه حقٌّ إذا امتنع من أدائه.

قال القاضي في "الجامع"

(2)

: فإن لم يختر حبسه، ويكون الحبس ضربًا من التعزير، فإن لم يختر ضربه وعزَّره، ويفعل ذلك ثانيًا وثالثًا حتى يختار؛ لأن هذا حقٌّ تعيَّن عليه، ولا يقوم غيره مقامه، فوجب حبسه وتعزيره حتى يفعله.

وهكذا إذا كان على رجل دينٌ، وله مالٌ فائضٌ لا يعرف بمكانه

(3)

، وامتنع من قضاء دينه، فإن الحاكم يحبسه ويضربه.

فصل

فإذا اختار أربعًا فهل يكون اختياره لهن فراقًا لسائرهن أم لا يَبِنَّ منه حتى يفارقهن بفعله؟ فصرَّح الشيخ في "المحرر"

(4)

، وصاحب "المغني"

(5)

أنهن يَبِنَّ منه بنفس الاختيار، ووقع في كلام بعض الأصحاب

(6)

أنه يجب عليه أن يفارق غير المختارات. وهذه العبارة تُوهِم أنهن لا يَبِنَّ حتى ينشئ لهن فراقًا.

(1)

(3/ 75، 76).

(2)

لم أجد النصّ في "الجامع الصغير" المطبوع.

(3)

في الأصل: "لا يعرض مكانه".

(4)

(2/ 29).

(5)

(10/ 18).

(6)

انظر: "المغني"(10/ 15).

ص: 508

وحكاه الخطابي

(1)

عن بعض أهل العلم قال: وحديث فَيروزٍ الديلمي حجةٌ لمن قال ذلك، يعني قوله:"وفارق سائرهن"، ولو بِنَّ منه بنفس الاختيار لم يأمره بتحصيل الحاصل، وهذا مذهب مالك. والمسألة محتملةٌ.

فصل

فإن مات قبل الاختيار، فقال القاضي: قياس المذهب يقتضي أنه يجب على جماعتهن عدة الوفاة؛ لأن أكثر ما فيه أنه ممنوع من استدامة نكاحِ ما زاد على أربع، وهذا لا يمنع من عدة الوفاة، كالنكاح الفاسد إذا اتصل به الموت وجب فيه عدة الوفاة، نص عليه. وهذا أولى، لأنا نحكم بصحة العقد في الجميع.

وتبعه الشيخ في "المقنع"

(2)

، وقال في "الكافي" و"المغني"

(3)

: والأولى أن من كانت منهن حاملًا فعدتها بوضعه؛ لأن ذلك تنقضي به العدة في كل حالٍ. ومن كانت آيسةً أو صغيرةً فعدتها عدة الوفاة لأنها أطول العدتين في حقها. ومن كانت من ذوات الأقراء اعتدَّتْ أطولَ الأجلين من ثلاثة قروءٍ أو أربعة أشهرٍ وعشرٍ

(4)

، لتنقضي العدة بيقينٍ، ولأن كلَّ واحدةٍ منهن يحتمل أن

(1)

"معالم السنن"(3/ 158) بنحوه. وليس في حديث فيروز: "وفارق سائرهن"، وإنما خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم غيلان بن سلمة الذي أسلم وعنده عشر نسوة.

(2)

(ص 217).

(3)

"الكافي"(3/ 76)، "المغني"(10/ 16).

(4)

في الأصل: "وعشرًا". والمثبت ما في "المغني".

ص: 509

تكون مختارةً أو مفارقةً، وعدة المختارة عدة الوفاة، وعدة المفارقة ثلاثة قروءٍ، فأوجبنا أطولَهما لتنقضي العدة بيقينٍ، كما قلنا فيمن نسي صلاةً من يومٍ لا يعلم عينَها: عليه خمس صلواتٍ، وهذا مذهب الشافعي.

ولو قيل: إن من كانت منهن حاملًا اعتدت بالوضع، ومن كانت حائلًا فعدتها عدة الوفاة بكل حالٍ= لكان قويًّا؛ لأن وضع الحمل يأتي على جميع العدة، فلا عدة بعده. وأما الحائل فلأن النكاح قبل الاختيار في حكم الثابت، بدليل أن من اختارها منهن فهي زوجةٌ من غير تجديد عقدٍ، ومن طلقها نفذ طلاقه، وغايته أنه نكاحٌ غير مستقرٍّ، وهو آئلٌ إلى الفسخ في حق بعضهن، ولم تتعيَّن المفسوخُ نكاحها، والأصل في كل واحدةٍ منهن بقاء النكاح، وهذا أولى إن شاء الله تعالى.

فصل

فأما ميراثهن، فقال القاضي: فيهن أربع يستحققن الميراث، وأربع لا يستحققنه، فينظر؛ فإن اصطلحوا على أن يكون ذلك بينهن على السواء أو على التفاضل أو يكون لبعضهن= جاز، وإن تشاحّوا فقياس المذهب أنه يُقرَع بينهن، فإذا وقعت القرعة لأربع منهن كان الميراث بينهن بالسوية

(1)

.

قال: وأصل هذا ما نصَّ عليه أحمد في من طلق واحدةً من نسائه لا بعينها، أو بعينها لكنه أُنسِيها، فإنه يُقرَع بينهن، وتخرج بالقرعة، فإن مات قبل

(1)

انظر: "المغني"(10/ 16).

ص: 510

ذلك أقرع الورثة، وكان الميراث للبواقي منهن

(1)

. ومذهب الشافعي أن الميراث يُوقَف حتى يصطلحن عليه.

فصل

وأما المهر فيُنظر، فإن كان بعد الدخول فالمهر واجبٌ لكل واحدةٍ منهن لأجل الدخول، وكذلك إن كان قد دخل ببعضهن كان لها المهر، وإن مات قبل الدخول نظر في السابق منهما إلى الإسلام، فإن كان الزوج وجب عليه نصف المهر لأربعٍ منهن كما أوجبنا الميراث لأربع منهن، وإن كان السابق الزوجات فلا مهر لواحدةٍ منهن؛ لأن الفرقة جاءت من جهتهن قبل الدخول.

فصل

فإن طلَّق الجميع، فقال أصحابنا: يخرج منهن أربع بالقرعة، فيكُنَّ المختارات، ويقع الطلاق بهن وينفسخ نكاح البواقي، وله تجديد العقد عليهن. فإن كان الطلاق ثلاثًا فمتى انقضت عدتهن فله أن ينكح من الباقيات، لأنهن لم يطلقن منه، ولا يحلُّ له المطلقات إلا بعد زوجٍ وإصابةٍ

(2)

.

قلت: وهذا بناءً على أن الطلاق يكون اختيارًا

(3)

للمطلقات، فيكُنَّ هن الزوجات ومن عداهن أجنبيات، وعلى أنه إذا كان تحته أربع فطلقهن لم

(1)

المصدر نفسه (10/ 526).

(2)

انظر: "المغني"(10/ 18).

(3)

في الأصل: "اختيار".

ص: 511

يحلَّ له نكاح خامسةٍ حتى تنقضي عدة واحدةٍ منهن.

وعندي ينفذ الطلاق في الجميع، لأنهن في حكم الزوجات قبل الاختيار، وكل واحدةٍ منهن صالحةٌ للإبقاء من غير تجديد عقدٍ. وكون النكاح [فاسدًا]

(1)

لا في الجميع، وآئلًا إلى الفسخ فيما زاد على الأربع= لا يمنع وقوع الطلاق، فإن الطلاق عندنا يقع في النكاح الفاسد الذي لا سبيل إلى الاستمرار به، وهنا له سبيلٌ إلى الاستمرار بكل واحدةٍ على انفرادها، ومع ثلاثٍ أخر.

فصل

(2)

فلو أسلم، ثم طلق الجميع قبل إسلامهن، ثم أسلمن

(3)

في العدة= أُمِر أن يختار أربعًا منهن، فإذا اختارهن تبينَّا أن طلاقه وقع بهن لأنهن زوجاتٌ، ويعتددن من حين طلاقه، وبانَ البواقي باختياره لغيرهن، ولا يقع بهن طلاقه، وله نكاح أربعٍ منهن إذا انقضت عدة المطلَّقات؛ لأن هؤلاء غير مطلقاتٍ.

والفرق بين هذه المسألة وبين التي قبلها: أن طلاقهن قبل إسلامهن في زمنٍ ليس له الاختيار فيه، فإذا أسلمن تجدَّد له الاختيار حينئذٍ، وفي التي قبلها طلَّقهن وله الاختيار، والطلاق يصلُح اختيارًا، وقد أوقعه في الجميع، وليس بعضهن أولى من بعضٍ، فصرنا إلى القُرعة لتساوي الحقوق.

(1)

هنا بياض في الأصل.

(2)

انظر: "المغني"(10/ 18، 19).

(3)

في الأصل: "أسلموا". والمثبت من "المغني".

ص: 512

فصل

(1)

وإذا اختار منهن أربعًا وفارق البواقيَ، فهل العدة من حين الاختيار أم من حين الإسلام؟ فيه وجهان:

أشهرهما: أنها من حين الاختيار، لأنهن إنما بِنَّ منه بالاختيار.

ووجه الوجه الثاني: أنهن يَبِنَّ منه بالإسلام، وإنما يتبين ذلك بالاختيار، فيثبت حكم البينونة من حين الإسلام، كما إذا أسلم أحد الزوجين ولم يُسلم الآخر حتى انقضت عدتها، فإنها تَبِين بانقضاء عدتها من حين الإسلام، وفرقتهن فسخٌ لا طلاقٌ.

وأما عدتهن، فقال أصحابنا: كعدة المطلَّقات ثلاثة قروءٍ؛ لأن عدة من انفسخ نكاحها كذلك.

وقال شيخنا

(2)

: عدتهن حيضةٌ واحدةٌ، وكذلك عدة المختلعة وسائرِ من فسخ نكاحها، لأن العدة إنما جُعلت ثلاثة قروءٍ لتمكُّنِ الزوج من الرجعة فيها، وأما الفسوخ ــ كالخلع وغيره ــ فالمقصود منها براءة الرحم، فيكتفى فيها بحيضةٍ.

قال: وبذلك أفتى النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة

(3)

.

(1)

انظر: "المغني"(10/ 18).

(2)

لم أجد نصَّ كلامه، وانظر:"مجموع الفتاوى"(32/ 336).

(3)

كما في حديث الرُّبيِّع بنت معوذ بن عفراء الذي أخرجه الترمذي (1185) وغيره. وإسناده صحيح.

ص: 513

قال: وهو مذهب ابن عباس، ولا يُعرف له مخالفٌ من الصحابة

(1)

.

قلت له: فما تقول في المطلقة تمام الثلاث؟ فقال: الطلقة الثالثة من جنس الطلقتين اللتين قبلها، فكان حكمها حكمهما، هذا إن كان في المسألة إجماعٌ. انتهى.

وإن ماتت إحدى المختارات أو بانت منه وانقضت عدتها، فله أن ينكح واحدةً من المفارقات، وتكون عنده

(2)

على طلاق ثلاثٍ؛ لأنه لم يطلقها قبل ذلك.

فصل

(3)

وإذا أسلم وتحته ثمان نسوةٍ، فأسلم أربعٌ منهن، فله اختيارهن، وله الوقوف إلى أن يُسلم البواقي. فإن مات اللاتي أسلمن ثم أسلم الباقياتُ فله اختيار الميِّتات، وله اختيار الباقيات، وله اختيار بعض هؤلاء وبعض هؤلاء؛ لأن الاختيار ليس بعقدٍ، وإنما هو تصحيح للعقد الأول في المختارات،

(1)

ولكن قال الترمذي بعد الحديث (1185): "واختلف أهل العلم في عدة المختلعة، فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إن عدة المختلعة عدة المطلقة ثلاث حيض

".

(2)

في الأصل: "عدة" خطأ. والتصويب من "المغني"(10/ 18) الذي صدر عنه المؤلف.

(3)

انظر: "المغني"(10/ 20).

ص: 514

والاعتبار في الاختيار بحال ثبوته وصحته، لا بحال وقوعه، وحالَ ثبوته كنَّ أحياءً.

وإن أسلمت واحدةٌ منهن، فقال: اخترتُها جاز، فإذا اختار أربعًا على هذا الوجه انفسخ نكاح البواقي. وإن قال: اخترتُ فسخَ نكاحها لم يصح، لأن الفسخ إنما يكون فيما زاد على الأربع، والاختيار للأربع، إلا أن يريد بالفسخ الطلاق فيقع لأنه كنايةٌ، ويكون طلاقه لها اختيارًا لها، ذكره أصحابنا

(1)

.

والصحيح أنه يصح، فإنه ما منهن واحدةٌ إلا وله أن يختارها ويختار مفارقتها، فإذا قال: فسختُ نكاح هذه فهو اختيارٌ لفراقها، وله أن يفارقها وحدها، ويفارقها

(2)

مع جملتهن، ويفارقها مع الزائدات على النصاب. فإذا قال: اخترت فسخ نكاحها، فكأنه قال: هذه من المفارقات، وهو لو اختار أربعًا سواها ولم يصرِّح بفسخ نكاحها

(3)

انفسخ نكاحها، فكيف إذا صرَّح به؟!

فإن قيل: هي زوجةٌ، والرجل لا يستقلُّ بفسخ النكاح في غير المعيَّنة.

قيل: وإن كانت زوجةً، لكنه يخيَّر

(4)

في إبقائها ومفارقتها، فإذا عجَّل مفارقتها كان اختيارًا منه لأحد الأمرين.

(1)

كما في المصدر المذكور.

(2)

في الأصل: "ويفارقهن". والمثبت يقتضيه السياق.

(3)

"بفسخ نكاحها" ساقطة من المطبوع. و"انفسخ" الآتي تحرف إلى "نفسخ".

(4)

في الأصل: "يختر" تصحيف.

ص: 515

وقولهم: إن الفسخ إنما يكون فيما زاد على الأربع، قلنا: إن أردتم الانفساخ فصحيح، فإنه إذا اختار أربعًا انفسخ نكاح الزائد عليهن، وإن أردتم أن إنشاء الفسخ بالاختيار لا يكون إلا فيما زاد على الأربع فليس كذلك، فإن له أن يفارق الجميع بغير طلاقٍ، بل متى قال: فارقتُ الجميع أو سيَّبتُهن أو فسختُ نكاحهن= بِنَّ منه، كما لو قال: طلَّقتُهن.

فصل

(1)

وإذا أسلم قبلهن ولم يُسلمن حتى انقضت عدتهن تبينَّا أنهنَّ بِنَّ منه منذ اختلف الدينان، فإن كان قد طلَّقهن قبل انقضاء عدتهن تبينَّا أن طلاقه لم يقع بهن، وله نكاح أربعٍ منهن إذا أسلمن. فإن كان قد وطئهن في العدة تبينَّا أنه وطئ أجنبياتٍ. وكذلك إن آلى منهن أو ظاهَرَ تبينَّا أن ذلك وقع في أجنبيةٍ. فإن أسلم بعضهن في العدة تبينَّا أنها زوجةٌ، فيقع طلاقه بها، فإذا وطئها بعد ذلك كان قد وطئ مطلقته. وإن كانت المطلَّقةُ غيرها فوطؤُه لها وطءٌ لامرأته. وإن طلّق الجميع، فأسلم أربعٌ منهن أو أقلُّ في عدتهن، ولم يسلم البواقي= تعيَّنت الزوجية في المسلمات، ووقع الطلاق بهن، فإذا أسلم البواقي فله أن يتزوَّج منهن، لأنه لم يقع طلاقه بهن.

قلت: هذا مبنيٌّ على أن الطلاق اختيارٌ، وقد علمتَ ما فيه، وعلى أن البينونة إذا انقضت العدة تكون من حين الإسلام لا من حين الاختيار.

ويحتمل أن يقال: إن البينونة إنما تقع من حين الاختيار؛ لأن كل واحدةٍ

(1)

انظر: "المغني"(10/ 19).

ص: 516

منهن قبل الاختيار في حكم الزوجة، ولهذا له اختيارها وعليه نفقتها، وإنما عُلِم خروجها عن زوجيته باختيار غيرها، فكان اختيار غيرها فراقًا لها، فتكون البينونة من حين ثبتت مفارقتها، وقد صرَّح الأصحاب بأنه إذا اختار منهن أربعًا وفارق البواقي فعدتهن من حين الاختيار، لا من حين إسلامه.

فصل

(1)

وإن اختار أربعًا وفارق البواقي، فماتت إحدى المختارات، أو بانت منه وانقضتْ عدتها، فله أن ينكح من المفارقات تمام أربع، وتكون عنده على طلاق ثلاثٍ، لأنه

(2)

لم يطلقها قبل ذلك.

وإن اختار أقلَّ من أربع، بأن اختار واحدةً من ثمانٍ، أو اختار ترْكَ الجميع، فقال في "المغني"

(3)

: أُمر بطلاقِ أربعٍ أو تمامِ أربع، يعني: أُمر بطلاق أربعٍ فيما إذا اختار ترك الثمان، أو بتمام أربعٍ فيما إذا اختار واحدةً وترك السبع. قال: لأن الأربع زوجاتٍ لا يَبِنَّ منه إلا بطلاقٍ أو ما يقوم مقامه.

قلت: اختياره ترْكَ الجميع أو الأكثرِ كافٍ في فسخ نكاحهن، فلأيِّ شيء يؤمر بطلاقِ أربعٍ في إحدى الصورتين، وتمامِ أربعٍ في الصورة الثانية؟

قوله: لأن الأربع زوجاتٍ لا يَبِنَّ منه إلا بطلاقٍ أو ما يقوم مقامه، فلا ريبَ أن اختياره ترْكَهن قائمٌ مقام الطلاق في إحدى الصورتين، فإنه إذا قال:

(1)

انظر: "المغني"(10/ 18).

(2)

في الأصل: "لأنهن". والمثبت من "المغني".

(3)

(10/ 18).

ص: 517

اخترتُ ترْكَهن كان بمنزلة قوله: اخترتُ فراقهن، وهذا كافٍ في مفارقتهن، واختيارُه بعضهن فسخٌ لنكاح من عدا المختارات، فإن قوله: اخترت هذه هو اختيارٌ لها ومفارقةٌ لمن عداها، كما لو قال: اخترتُ هؤلاء الأربع فإنه لا يلزمه أن يطلق الأربع البواقي، بل بمجرد اختياره للأربع تَبِينُ منه البواقي.

فإن قيل: الفرق بين الصورتين أنه إذا اختار أربعًا كنّ هنّ الزوجات، فانفسخ نكاح من سواهن لزيادتهن على النصاب، فلا يحتاج أن يطلِّقهن، ولا ينشئ ما يقوم مقام طلاقهن، بخلاف ما إذا اختار واحدةً من ثمانٍ فإنه لا يكون اختيارها فراقًا لمن عداها، فلهذا أمرناه بطلاقِ أربعٍ أو تمامِ أربعٍ.

قيل: هذا لا يصحُّ أولًا لأنه قد يريد فراق الجميع أو مَن عدا المختارة، فكيف يؤمر بطلاق أربعٍ وهو مريدٌ لفراق الثمان؟ هذا لا معنى له.

وقوله: اخترتُ تركَهن ومفارقتهن ونحو ذلك قائمٌ مقام الطلاق، وكافٍ في فسخ نكاحهن.

وأيضًا فإن قوله: اخترتُ هذه جعل إبقاءً لنكاح المختارة، وفسخًا لنكاح من عداها، كما لو قال: اخترتُ هؤلاء الأربع.

فصل

فإن قال: كلَّما أسلمت واحدةٌ اخترتُها، فقال الأصحاب

(1)

: لا يصح، لأن الاختيار لا يصح تعليقه على الشرط، ولا يصح في غير معيَّنٍ.

(1)

"المغني"(10/ 20).

ص: 518

ويحتمل

(1)

أن يصح، ولا يمتنع تعليق الاختيار على الشرط، كما يصح تعليق الجعالة والولاية والوكالة والعتق والطلاق، وكذلك يصح أيضًا تعليق الرجعة بالشرط، وإن قال كثيرٌ من أصحابنا وغيرهم: لا يصح. والأصل في الشروط الصحة، والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا.

وكذلك الهبة يجوز تعليقها بالشرط، كما ثبت ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:"أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك"

(2)

.

وكذلك هبة الثواب يجوز تعليقها بالشرط، نحو: اللهم إن كنتَ قَبِلتَ منّي هذا العمل فاجعلْ ثوابه لفلانٍ.

وكذلك الدعاء في صلاة الجنازة يجوز تعليقه بالشرط، نحو: اللهم إن كان محسنًا فزِدْ في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوزْ عنه

(3)

.

وكذلك الإبراء يجوز تعليقه بالشرط، وقد نصَّ عليه أحمد. والعجب

(1)

هذا تعقيب المؤلف على كلام الأصحاب.

(2)

أخرجه أحمد (6729، 7037) وأبو داود (2694) والنسائي (3688) من حديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه.

(3)

هذا جزء من الدعاء للميت في صلاة الجنازة، أخرجه الطبراني في "الكبير"(22/ 249) والحاكم في "المستدرك"(1/ 359) من حديث يزيد بن ركانة مرفوعًا. وصححه الحاكم. ورُوي موقوفًا على أبي هريرة وأنس بن مالك وزيد بن ثابت، انظر:"مصنف عبد الرزاق"(6425، 6440) وابن أبي شيبة (11495، 11827).

ص: 519

ممن منع تعليقه، وهو إسقاطٌ محضٌ، فهو كالطلاق والعتق.

وكذلك الفسوخ كلها يجوز تعليقها بالشرط.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: "أميركم زيدٌ، فإن قُتِل فجعفرٌ، فإن قُتِل فعبد الله بن رواحة"

(1)

.

وفي "سنن أبي داود"

(2)

من حديث طارق بن المُرَقَّع أنه قال: من يعطي رمحًا بثوابه؟ فقال له رجلٌ: وما ثوابه؟ قال: أزوِّجه أولَ بنتٍ تكون لي. فلما ولدت طلبها منه بعد كبرِها، فحلف أن لا يعطيها إياه إلا بصداقٍ آخر، وحلف الزوج أن لا يُصدِقها غير ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" [أرى] أن تتركها"

(3)

، ثم قال:"لا تأثم ولا يأثم صاحبك". ولم ينكر عليه الشرط ولم يقل له: لا نكاحَ بينكما.

وقد نصَّ أحمد وقبله ابن عباس على جواز تعليق النكاح بالشرط، وهذا هو الصحيح.

(1)

أخرجه البخاري (4261) من حديث ابن عمر بنحوه.

(2)

برقم (2103)، وأخرجه أيضًا أحمد (27064) وابن قانع في "المعجم"(2/ 394) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(3948، 5884) من حديث سارة بنت مقسم عن ميمونة بنت كردم أنها سمعت أباها يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. وفي إسناده لين لجهالة حال سارة بنت مقسم الثقفية.

(3)

في الأصل: "إن تركتها". والمثبت من "سنن أبي داود".

ص: 520

فقال الأثرم

(1)

: سألت أبا عبد الله عن الرجل تزوَّج المرأة على أنه إن جاءها بالمهر إلى كذا وكذا، وإلا فلا نكاح بيننا. فقال: لا أدري، فقيل له: حديث ابن عباس: النكاح ثابتٌ والشرط فاسدٌ؟ قال: نعم.

ونقل عنه ابن منصورٍ

(2)

: إذا قال: إن جئت بالمهر إلى كذا وكذا، وإلا فليس بيننا نكاحٌ، فالنكاح والشرط جائزان.

وهذا هو الذي تقتضيه أصوله وقواعد مذهبه، ومَن ضعَّف هذه الرواية لم يضعِّفها بما يقتضي تضعيفها. وغاية ما قالوا: أن النكاح مما لا يدخله الخيار، فشرطه فيه يفسده كالصرف والسلم.

فيقال: نَقْنَع منكم بسؤال المطالبة، وهو تأثير الوصف في الأصل وثبوته في الفرع، ثم نتبرع بالفرق بأن السلم والصرف يجب تسليم العوض فيه في مجلس العقد بخلاف النكاح.

قالوا: الخيار ينفي الإباحة في وقتٍ يقتضي إطلاق العقد ثبوته، فصار كما لو تزوَّجها شهرًا.

وحقيقة هذا القياس التسويةُ بين العقد المطلق والمقيَّد، وهذا منتقضٌ بسائر الشروط التي تثبت في العقد المقيَّد دون المطلق. ثم يقال: كون العقد المطلق لا يقتضي ثبوتها لا يقتضي أن العقد المقيّد لا يقتضي ثبوتها، بل

(1)

لم أجد هذه الرواية في المصادر.

(2)

أشار في "المغني"(9/ 488) إلى هذه الرواية.

ص: 521

مقتضى العقد المقيَّد ما قيِّد به، فهذا إذن مقتضى هذا العقد، وإن لم يكن مقتضى العقد المطلق.

قالوا: فقد قال أحمد في رواية حنبلٍ

(1)

: المتعة حرامٌ، وكلُّ نكاحٍ فيه وقتٌ أو شرطٌ فهو فاسدٌ.

قيل: هذا لفظ عامٌّ، وما ذكرناه عنه فهو خاصٌّ. وكلام "المغني"

(2)

يقيِّد مطلقَه بمقيَّده وخاصَّه بعامِّه، كيف وقد عُلِم من مذهبه تخصيص هذا العام؟ فإنه يصحح النكاح بشرط

(3)

أن لا يُخرجها من دارها، وأن لا يتزوج ولا يتسرَّى عليها، ومتى فعل ذلك فلها الخيار، وهذا نظير إن جاءها بالمهر إلى وقت كذا، وإلا فلها الخيار، فالصواب التسوية بينهما.

وقوله: "كل نكاحٍ فيه وقتٌ أو شرطٌ فهو فاسدٌ"، إنما أراد به شرط التحليل كما صرح به في غير موضع، ولهذا قرنَه بالمتعة، والجامع بينهما أن المستمتع والمحلِّل لا غرضَ لهما في نكاح الرغبة.

فإن قيل: قياس قواعده وأصوله بطلان هذا النكاح المشروط فيه الخيار؛ لأنه قد أبطل نكاح المحلل لما فيه من الشرط المانع من لزومه.

قيل: هو لم يُبطل نكاح المحلِّل لذلك، وإنما أبطله لأنه نكاحٌ محرَّمٌ،

(1)

كما في "الهداية" للكلوذاني (ص 393).

(2)

فيه (9/ 483): "وإذا تزوَّجها وشرَطَ أن لا يُخرِجها من دارها أو بلدها فلها شرطها

، وإن تزوَّجها وشرط لها أن لا يتزوَّج عليها فلها فراقه إذا تزوَّج عليها".

(3)

"بشرط" ساقطة من المطبوع.

ص: 522

ملعونٌ فاعله، منهيٌّ عنه. ولهذا لو قصد بقلبه التحليل ولم يشرطه، أو شرط أن يُحِلَّها للأول فقط ولم يشرط طلاقها= كان نكاحًا باطلًا، مع أنه لا شرط هناك يمنع لزومه.

وأحمد عنه في هذه المسألة ثلاث رواياتٍ منصوصاتٍ

(1)

: صحة النكاح والشرط. وهي أنصُّ الروايات عنه وأصرحُها، نقلها [ابن] منصورٍ كما تقدم. وصحة النكاح وفساد الشرط، كما نقل الأثرم. وفساد الشرط والنكاح، وهي التي نقلها حنبلٌ باللفظ العام.

والمقصود أن تعليق الاختيار على الإسلام يصح.

ويصح تعليق الفسخ أيضًا على الشرط، وهو أولى بالصحة لأنه إزالة ملكٍ، فهو كتعليق الطلاق والعتاق. وقال أصحابنا: لا يصح. ولهم في صحة تعليق الطلاق هاهنا وجهان

(2)

: فإذا قال: كل من تمسَّكتْ بدينها فهي طالقٌ، فهل يصح؟ على وجهين. ووجه البطلان أن الطلاق يتضمن الاختيار، وهو مما لا يصح تعليقه بالشرط، والمقدمتان ممنوعتان كما تقدم.

فصل

(3)

وإذا أسلم ثم أحرم بحجٍ أو عمرةٍ، ثم أسلمنَ، فله الاختيار؛ لأن الاختيار استدامةٌ للنكاح وتعيينٌ للمنكوحة، وليس بابتداءٍ له.

(1)

انظر: "المغني"(9/ 488).

(2)

انظر: "المغني"(10/ 20، 21).

(3)

انظر المصدر السابق (10/ 21).

ص: 523

وفيه وجهٌ آخر: أنه ليس له الاختيار، وهو اختيار القاضي ومذهب الشافعي. والخلاف هاهنا كالخلاف في رجعة المحرم.

والصحيح في الموضعين الجواز، لأنها إمساكٌ، فلا ينافيها الإحرام.

فصل

(1)

وإذا أسلم الجميع معه ثم مِتْنَ قبل أن يختار فله أن يختار منهن أربعًا، فيكون له ميراثهن، ولا يرث من الباقيات لأنهن لسنَ بزوجاتٍ. وإن مات منهن أربع وبقي أربع فله اختيار الميتات فيرثهن، وتَبِينُ الحيات، وله اختيار الحيَّات فيستمرُّ بهن، ولا يرِث الميتات، وله اختيار بعض هؤلاء وبعض هؤلاء.

فصل

(2)

وإذا تزوج أختين ودخل بهما، ثم أسلم

(3)

وأسلمتا معه، فاختار إحداهما= لم يطأها حتى تنقضي عدة أختها، لئلا يكون واطئًا لإحدى الأختين في عدة الأخرى. وكذلك إذا أسلم وتحته ثمانٍ قد دخل بهن، فأسلمن معه، فاختار أربعًا وفارق البواقي= لم يطأ واحدةً من المختارات حتى تنقضي عدة واحدةٍ من المفارقات، فإذا انقضت عدة واحدةٍ فله وطء أيِّ المختارات شاء، فإن انقضت عدة اثنتين فله وطء اثنتين، وكذلك إلى

(1)

انظر: "المغني"(10/ 21).

(2)

المصدر نفسه (10/ 22).

(3)

في الأصل: "أسلما". والمثبت من "المغني".

ص: 524

تمام الأربع. فإن كنَّ خمسًا ففارق إحداهن فله وطء ثلاثٍ من المختارات دون الرابعة. وإن كن ستًّا ففارق اثنتين فله وطء اثنتين من المختارات. وإن كنَّ سبعًا ففارق ثلاثًا

(1)

فله وطء واحدةٍ من المختارات، وكلما انقضت عدة واحدةٍ من المفارقات فله وطء واحدةٍ من المختارات.

وهذا مبنيٌّ على أن الرجل إذا طلَّق امرأته لم ينكح أختَها ولا الخامسةَ في عدة المطلقة، لئلا يكون جامعًا لمائه في رحم أختين أو أكثرَ من أربع. قال ذلك أصحابنا قياسًا على نصِّ أحمد فيما إذا طلَّق إحدى الأختين أو الخامسة، وذلك لحديث زُرارة بن أوفى

(2)

: ما أجمع أصحاب محمد على شيء ما أجمعوا على أن الأخت لا تُنكح في عدة أختها. ولأنه بذلك يكون جامعًا ماءه في رحم أختين، فلا يجوز كجمع العقد وأولى.

وعندي أنه إذا اختار أربعًا جاز وطؤهن من غير انتظارٍ لانقضاء عدة المفارقات، وهو قول الجمهور، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يُمسِك أربعًا ويفارقَ سائرهن، وأمر مَن تحته أختان أن يفارِق أيتَهما شاء، وهو حديث عهدٍ بالإسلام، ولم يأمره أن ينتظر بوطء من أمسك انقضاءَ عدةِ من فارق، ولا ذكر له ما يدلُّ على ذلك بوجهٍ، وتأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة. والمفارقات قد بِنَّ عنه وخرجن عن عصمته، وقد يسافرن إلى أهاليهن، وقد

(1)

في الأصل: "ثلاثة". والمثبت من "المغني".

(2)

لم أجده عن زرارة، وهو مرويٌّ عن عبيدة السلماني كما في "المغني"(9/ 478) و"مجموع الفتاوى"(32/ 72).

ص: 525

يذهبن حيث شئن، فلا تُعلم أحوالهن، فما يُدرِيه بانقضاء عدتهن؟

فإن قلتم: ينتظر علمه بذلك، أو حتى يصرن إلى حد الإياس فيحسب ثلاثة أشهرٍ= كان هذا في غاية البعد، ولا تأتي الشريعة به.

وإن قلتم: ينتظر مقدار ثلاث حيضٍ= فالحيضة قد يطول زمن مجيئها، فلا يُعلم متى تجيء، فكيف تنقضي العدة بالشك؟

فإن قلتم: هذا بعينه واردٌ فيمن طلَّق إحدى الأختين أو واحدةً من أربع، فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن الحكم في صورة النقض لم يثبت بنصٍّ يجب التسليم له، ولا إجماعٍ لا تجوز مخالفته.

وأما ما ذكرتم من إجماع الصحابة فسألتُ شيخنا عنه فقال لي: الظاهر أنه أراد عدة الرجعية، وهاهنا يتحقق الإجماع، وأما البائن فأين الإجماع فيها؟

(1)

.

قال الشافعي

(2)

: والحجة على جواز ذلك انقطاعُ أحكام الزوجية بانقطاع أحكامها من الإيلاء والظهار واللعان والميراث وغير ذلك.

قال: وهو قول القاسم وسالمٍ وعروة وأكثرِ أهلِ دارِ السنة وحرمِ الله.

(1)

انظر: "مجموع الفتاوى"(32/ 72، 73).

(2)

كما في "السنن الكبير" للبيهقي (7/ 150). وانظر: "الأم"(6/ 380، 381).

ص: 526