المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل(1)في سياق الآيات الدالة على غش أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم - أحكام أهل الذمة - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ سبب وضع الجزية

- ‌ يجوز أخذها مما تيسَّر من أموالهم

- ‌الكتاب الذي بأيدي الخَيابرة الذي يدَّعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطلٌ

- ‌فصلفي بني تغلب وأحكامهم

- ‌فصل في السَّامرة

- ‌اختلاف الفقهاء فيهم: هل يُقَرُّون بالجزية أم لا

- ‌فصل في الصابئة

- ‌عدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم

- ‌فصلفي الجزية والخراج وما بينهما من اتفاقٍ وافتراقٍ

- ‌ أصل الخراج وابتداء وضْعِه

- ‌الأرض ستة أنواعٍ:

- ‌النوع الثالث: ما ملك عن الكفار عَنْوةً وقهرًا

- ‌فصلفي كراهة الدخول في أرض الخراج

- ‌ذكر أحكام أهل الذمة في أموالهم

- ‌فصلفي الأمكنة التي يُمنع أهل الذمة من دخولها والإقامة بها

- ‌ذكر معاملتهم عند اللقاء وكراهة أن يُبدَؤوا بالسلام، وكيف يُرَدُّ عليهم

- ‌فصلفي عيادة أهل الكتاب

- ‌فصلفي شهود جنائزهم

- ‌فصلفي تعزيتهم

- ‌فصلفي تهنئتهم

- ‌فصلفي المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم

- ‌فصل(1)في سياق الآيات الدالَّة على غشِّ أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم

- ‌فصلفي أحكام ذبائحهم

- ‌المسألة الرابعة: إذا ذبحوا ما يعتقدون حلَّه، فهل تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم

- ‌ذكر أحكام معاملتهم

- ‌فصلفي البيع والشراء منهم

- ‌فصلفي شركتهم ومضاربتهم

- ‌فصلفي استئجارهم واستئجار المسلم نفسه منهم

- ‌فصلفي حكم أوقافهم ووقف المسلم عليهم

- ‌فصلفي أحكام نكاحهم ومناكحاتهم

- ‌فصلولو زوَّج الكافرُ ابنَه الصغير أكثرَ من أربع نسوةٍ، ثم أسلم الزوج والزوجات= لم يكن له الاختيار قبل بلوغه، فإنه لا حكم لقوله

- ‌فصل(4)نقرُّ أهل الذمة على الأنكحة الفاسدة بشرطين:

- ‌فصولٌ في أحكام مهورهم

- ‌فصل(2)في ضابط ما يصحُّ من أنكحتهم وما لا يصحُّ

- ‌فصلفي الكافر يكون وليًّا لوليته الكافرة دون المسلمة

- ‌فصلللمسلم إجبارُ زوجته الذمية على الغسل من الحيض

الفصل: ‌فصل(1)في سياق الآيات الدالة على غش أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم

‌فصل

(1)

في سياق الآيات الدالَّة على غشِّ أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم

وتمنِّيهم السوء لهم، ومعاداةِ الرب تعالى لمن أعزَّهم أو والاهم أو ولَّاهم أمورَ المسلمين

قال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 104].

وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 108].

وقال تعالى لرسوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 119].

وقال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي

(1)

الآيات الواردة في هذا الفصل توجد بهذا الترتيب في كتاب "المذمة في استعمال أهل الذمة" لابن النقاش (ص 257 - 265). وقد ألَّف كتابه سنة 759 كما ذكر (ص 257)، فيكون هو الناقل عن كتاب ابن القيم هذا.

ص: 336

صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 44].

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (50) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 50 - 51].

وقال تعالى مبشِّرًا لمن والاهم بالعذاب الأليم فقال: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (137) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 137 - 138].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 143].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (53) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (54) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا

ص: 337

خَاسِرِينَ} [المائدة: 53 - 55].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (59) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة:59 - 60].

وقال تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (82) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 82 - 83].

وقال تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 8 - 10].

وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23].

وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22][المجادلة: 22].

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ

ص: 338

مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المجادلة: 14، 15].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ} إلى قوله : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:1 - 4].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة: 13].

وقال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 84].

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28].

وقال تعالى: {هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 119 - 120].

ص: 339

وقد أخبر سبحانه عن أهل الكتاب أنهم يعتقدون أنهم ليس عليهم إثم ولا خطيئةٌ في خيانة المسلمين وأخْذِ أموالهم، فقال تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 74].

والآيات في هذا كثيرةٌ، وفي بعض هذا كفايةٌ.

فصل

(1)

ولما كانت الوِلاية شقيقةَ الوَلاية كانت توليتهم نوعًا من تَوَلِّيهم، وقد حكم تعالى بأن من تولَّاهم فإنه منهم، ولا يتمُّ الإيمان إلا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة، فلا تجتمع البراءة والولاية أبدًا، والولاية إعزازٌ، فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبدًا، والولاية صلةٌ، فلا تُجامِع معاداةَ الكافر أبدًا.

فصل

(2)

ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى الكتَّاب، ومكاتبتهم الفرنجَ أعداء الإسلام، وتمنِّيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الأمكان= لثَناهم ذلك عن تقريبهم وتقليدهم الأعمال.

(1)

هذا الفصل أيضًا بتمامه في "المذمة" لابن النقاش (ص 266، 267).

(2)

نقله ابن النقاش في "المذمة"(ص 317 وما بعدها). والخبر في "الرد على أهل الذمة" لابن الواسطي (ص 57).

ص: 340

وهذا المَلِك الصالح

(1)

كان في دولته نصراني يُسمَّى بخاصِّ الدولة أبي

(2)

الفضائل بن دخانٍ، ولم يكن في المباشرين أمكنُ منه. وكان المذكور قَذاةً في عين دين الإسلام، وبَثْرةً في وجه الدين، ومثالبه في الصحف مسطورةٌ، ومخازيه مخلَّدةٌ مذكورةٌ، حتى بلغ مِن أمره أنه وقَّع لرجلٍ نصراني أسلم بردِّه إلى دين النصرانية، وخروجه من الملة الإسلامية. ولم يزل يكاتب الفرنجَ بأخبار المسلمين وعمَّالهم، وأمر الدولة وتفاصيل أحوالها. وكان مجلسه معمورًا برسل الفرنج والنصارى، وهم مُكْرَمون لديه وحوائجهم مقضيَّةٌ عنده، ويُحمل لهم الأَدرار والضِّيافات، وأكابر المسلمين محجوبون على الباب لا يؤذن لهم، وإذا دخلوا لم يُنْصَفوا في التحية ولا في الكلام.

فاجتمع به بعض أكابر الكتَّاب فلامَه على ذلك، وحذَّره من سوء عاقبة صُنْعه، فلم يزِدْه ذلك إلا تمرُّدًا. فلم يمضِ على ذلك إلا يسيرٌ حتى اجتمع في مجلس الصالح أكابرُ الناس من الكتّاب والقضاة والعلماء، فسأل السلطان بعضَ الجماعة

(3)

عن أمرٍ أفضى به إلى ذكر مخازي النصارى، فبسط لسانه

(1)

المقصود به هنا طلائع بن رزّيك (495 - 556)، لا نجم الدين أيوب (603 - 647)، وكلاهما لقّب بالملك الصالح. وخاصّ الدولة ابن دخان كان أشهر كتاب النصارى في وزارة طلائع بن رزّيك.

(2)

في الأصل: "محاضر الدولة أبا" تحريف. والمثبت من "تجريد سيف الهمة" للنابلسي و"المذمة". ويقال: "خاصة الدولة" كما في "النكت العصرية"(ص 90) طبعة باريس، و"تاريخ أبي صالح الأرمني"(ص 41) طبعة أكسفورد.

(3)

هو الشيخ زين الدين بن نجا الواعظ الحنبلي (ت 599)، كما في كتاب ابن الواسطي (ص 57). وترجمته في "تاريخ الإسلام"(12/ 1175) و"ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 436).

ص: 341

في ذلك، وذكر بعض ما هم عليه من الأفعال والأخلاق، وقال من جملة كلامه: إن النصارى لا يعرفون الحساب ولا يدرونه على الحقيقة؛ لأنهم يجعلون الواحد ثلاثةً والثلاثة واحدًا، والله تعالى يقول:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 75]. وأولُ أمانتهم وعقدِ دينهم: باسم الأب والابن وروح القدس إلهٌ واحد. فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء، وقال في قصيدةٍ له

(1)

:

كيف يَدرِي الحسابَ من جعلَ الوا

حدَ ربَّ الورى تعالى ثلاثَهْ

ثم قال: كيف تأمن أن يفعل في معاملة السلطان كما فعل في أصل اعتقاده، ويكون مع هذا أكثر النصارى أمانةً؟ وكلما استخرج ثلاثةَ دنانير دفع إلى السلطان دينارًا وأخذ لنفسه اثنين، ولاسيما وهو يعتقد ذلك قربةً وديانةً؟ وانصرف القوم، واتفق أن كَبَتْ بالنصراني بطْنَتُه، وظهرت خيانته فأُرِيق دمه، وسُلِّط على وجوده عدمُه. وفيه يقول عُمارة اليمني

(2)

:

قلْ لابن دخانٍ إذا جئتَه

ووجهُه يَنْدَى من القَرْقفِ

(3)

لم تَكْفِك الدنيا ولو أنها

أضعافُ ما في سورة الزخرف

(1)

البيت في "المذمة"(ص 318). وفي كتاب ابن الواسطي (ص 58) باختلاف القافية.

(2)

الأبيات له في "النكت العصرية"(ص 294).

(3)

القرقف: الخمر يرعد عنها صاحبها.

ص: 342

فاصفَعْ قَفا الذلِّ ولو أنه

بين قَفا القسِّيس والأُسْقف

ملَّكَك الدهْرُ سِبالَ الورى

فاحْلِقْ لحاهم آمنًا وانْتِف

خلا لك الديوانُ من ناظرٍ

مستيقظِ العزم ومن مُشرِف

فاكسِبْ وحصِّلْ وادَّخِرْ واكتنِزْ

واسرِقْ وخُنْ وابْطِشْ ولا تَضْعُفِ

وابكِ وقلْ ما صحَّ لي درهمٌ

فردٌ وصَلِّبْ وابتهِلْ واحلِفِ

واغتنمِ الفرصةَ من قبلِ أن

تَقضِي على الإنجيلِ والمصحف

* * * *

ص: 343