الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في تهنئتهم
بزوجةٍ أو ولدٍ أو قدومِ غائبٍ
أو عافيةٍ أو سلامةٍ من مكروهٍ ونحو ذلك
وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد، فأباحها مرةً ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا
(1)
فرقَ بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهَّال من الألفاظ التي تدلُّ على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم: متَّعك الله بدينك أو نيَّحَك
(2)
فيه، أو يقول له: أعزَّك الله أو أكرمك، إلا أن يقول: أكرمَك الله بالإسلام وأعزَّك به ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة.
وأما التهنئة بشعائر
(3)
الكفر المختصة به فحرامٌ بالاتفاق، مثل أن يهنِّئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيدٌ مباركٌ عليك، أو تَهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سَلِم قائلُه من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يُهنِّئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشدُّ مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثيرٌ ممن لا قدْرَ للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قُبحَ ما فعل.
(1)
في الأصل: "ولكن". والتصويب من هامشه.
(2)
أي قوَّاك فيه.
(3)
في الأصل: "بشعار". والمثبت يقتضيه السياق.
فمن هنَّأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كفرٍ فقد تعرَّض لمقتِ الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنَّبون تهنئةَ الظَّلمَة بالولايات، وتهنئةَ الجهَّال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء، تجنبًا لمقت الله وسقوطهم من عينه. وإن بُلِي الرجل بذلك فتعاطاه دفعًا لشرٍّ يتوقَّعه منهم، فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرًا، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد= فلا بأس بذلك، وبالله التوفيق.
* * * *
فصل
في المرأة الكافرة تموت وفي بطنها ولد مسلم
قال حنبلٌ
(1)
: سمعت أبا عبد الله يقول في امرأةٍ نصرانيةٍ حملَتْ من مسلم، فماتت وفي بطنها حملٌ من مسلم، فقال: يُروى عن واثلة: تُدفن بين مقابر المسلمين والنصارى
(2)
.
وقال حنبلٌ في موضع آخر
(3)
: قلت: فإن ماتت وفي بطنها ولدٌ منه، أين ترى أن تُدفن؟ قال: قد قالوا: تُدفن [في] حجرةٍ من قبور المسلمين. وقال: أرى أن تُدفن ناحيةً من قبور المسلمين
(4)
.
قال أبو داود
(5)
: سألت أحمد عن النصرانية تموت حبلى من مسلم، قال: فيها ثلاثة أقاويل، لو كانت مقبرةً على حدةٍ، قلت: ما الذي تختار؟ فذكر قوله هذا.
(1)
كما في "الجامع" للخلال (1/ 302).
(2)
سيأتي قريبًا.
(3)
كما في "الجامع"(1/ 302). ومنه الزيادة.
(4)
"وقال أرى
…
المسلمين" ساقطة من المطبوع من هنا، وأضيفت إلى الفقرة التالية بعد "ثلاثة أقاويل"، خلاف ما في الأصل والمصدر السابق.
(5)
"الجامع"(1/ 302). و"مسائله"(ص 222).
وقال إسحاق بن منصورٍ
(1)
: قلت لأبي عبد الله: المرأة النصرانية إذا حملت من المسلم فماتت حاملًا؟ قال: حديث واثلة.
وقال الفضل بن زيادٍ: سمعت أحمد وسئل عن المرأة النصرانية تموت وفي بطنها ولد مسلم؟ قال: فيها ثلاثة أقاويل، يقال: تُدفن في مقبرة المسلمين، ويقال: في مقابر النصارى. قال الفضل بن زياد
(2)
: وقال سمرة: تُدفن ما بين مقابر المسلمين والنصارى. قيل له: فما ترى؟ قال: لو كان لهؤلاء مقابر على حدةٍ ما كان أحسنَه!
قال الخلال: أخطأ أبو الحارث في قوله: سمرة، إنما هو واثلة.
وقال أبو طالب
(3)
: سألت أحمد عن أم ولدٍ نصرانيةٍ في بطنها ولد مسلم، قال: تدفن في ناحيةٍ، ولا تكون مع النصارى لمكان ولدها، ولا مع المسلمين فتؤذيهم.
وقال المروذي
(4)
: سألت أبا عبد الله عن النصرانية يكون في بطنها المسلم، فتبسم وقال: ما أحسنَ أن تُدفن بين مقبرتين! يعني مقابر المسلمين والنصارى. قال المروذي: وكان كلام أبي عبد الله أنه لا يرى بأسًا أن تُدفن
(1)
المصدر نفسه (1/ 303).
(2)
كذا في الأصل. والصواب: "أبو الحارث" كما في "الجامع"، وكما يدل عليه تعقيب الخلال عليه.
(3)
"الجامع"(1/ 303).
(4)
المصدر نفسه.
في مقابر المسلمين للذي في بطنها.
وسئل أيضًا
(1)
: ما تقول في النصرانية تموت وفي بطنها ولد مسلم أين تُدفن؟ قال: فيها ثلاثة أقاويل، عن عمر: تُدفن مع المسلمين، وعن واثلة: تُدفن بين مقابر المسلمين والنصارى
(2)
، وذكر آخر: أنها تُدفن مع النصارى. قال: أعجبُ إليَّ أن تُدفن بينهما، قلت: فإن لم يوجد إلا مقابر المسلمين؟ فتبسم ولم يكرهه.
قلت
(3)
: أما أثر واثلة، فقال ابن أبي شيبة
(4)
: حدثنا جعفر بن عونٍ عن ابن جريجٍ عن سليمان بن موسى عن واثلة بن الأسقع في امرأةٍ نصرانيةٍ في بطنها ولدٌ من مسلم، قال: تُدفن في مقبرةٍ بين
(5)
مقبرة المسلمين والنصارى.
وأما أثر عمر فقال
(6)
: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرٍو، قال: ماتت امرأةٌ بالشام وفي بطنها ولدٌ من مسلم وهي نصرانيةٌ، فأمر عمر أن تُدفن مع المسلمين من أجل ولدها.
(1)
المصدر نفسه.
(2)
سيأتي الأثران قريبًا.
(3)
الكلام للمؤلف.
(4)
في "المصنف"(12017).
(5)
في "المصنف": "ليست" بدل "بين".
(6)
في "المصنف"(12018).
قالوا
(1)
: ويكون ظهرها إلى القبلة على يسارها؛ لأن وجه الجنين إلى ظهر أمه فيكون حينئذٍ وجهه إلى القبلة على جنبه الأيمن.
قال أبو عبد الله ابن حمدان في "رعايته"
(2)
: دُفِنتْ منفردةً كالمرتد.
قلت: ووجه هذا أنه لم يثبت له حكمُ الدين الذي انتقل إليه من التوارث والموالاة ودفْعُه إلى الكفَّار يتولَّونه، وقد زال حكم الدين الذي كان عليه، فيُدفن وحدَه.
ولأصحاب الشافعي في الذمية تموت وفي بطنها ولد مسلم أربعة أوجهٍ
(3)
:
أصحها: ما ذكرناه.
والثاني: تُدفن في مقابر المسلمين. قال أصحاب هذا الوجه: وتكون للولد بمنزلة صندوقٍ مُودَعٍ فيه.
والثالث: تُدفن في مقابر أهل دينها؛ لأن الحمل لا حكمَ له يُثبِت أحكام الدنيا من غسله والصلاة عليه وغيرها، فلم يثبت له شيء من أحكام أموات المسلمين، فتفرد بهذا الحكم وحده.
والرابع: أنها تُدفن في طرف مقابر المسلمين.
(1)
انظر: "المغني"(3/ 514)، و"الفروع"(3/ 395).
(2)
"الرعاية الصغرى"(1/ 371).
(3)
انظر: "روضة الطالبين"(2/ 135).