الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
للمسلم إجبارُ زوجته الذمية على الغسل من الحيض
، وقد قال أحمد في رواية حنبلٍ
(1)
: يأمرها بالغسل من الجنابة، فإن أبت لم يتركها.
وقد علّق القول في رواية صالحٍ
(2)
في المشركة: يجب عليها الغسل من الجنابة والحيض، فإن لم تغتسل فلا شيء عليها، الشرك أعظم.
قال القاضي: وظاهر هذا أنه لم يوجب ذلك عليها عند امتناعها. قال: وهذا محمولٌ على أنها امتنعت، ولم يوجد من الزوج مطالبةٌ بالغسل. قال: والدلالة على أن له إجبارها على ذلك: أن بقاء الغسل يُحرِّم عليه الوطء الذي يستحقّه، وكان له إجبارها عليه لاستيفاء حقه، كما له إجبارها على ملازمة المنزل، والتمكين من الاستمتاع، ليتوصل بذلك إلى استيفاء حقه.
فأما الغسل من الجنابة، فهل للزوج أن يُجبِرها عليه
(3)
؟ فقد أطلق القول في رواية حنبلٍ وقال: يأمرها بالغسل من الجنابة، فإن أبت لم يتركها. وظاهر هذا أن له إجبارها.
وقال في رواية مهنا
(4)
في رجل تزوَّج نصرانيةً فأمرها بتركه ــ يعني شرب
(1)
"الجامع"(1/ 115)، و"الروايتين والوجهين"(2/ 101).
(2)
"الروايتين والوجهين"(2/ 101).
(3)
انظر: "المغني"(10/ 223)، فقد اعتمد عليه المؤلف في هذا الفصل.
(4)
"الجامع"(2/ 430).
الخمر ــ: فإن لم تقبل ليس له أن يمنعها. وظاهر هذا يقتضي أنه لا يملك إجبارها على الغسل من الجنابة، كما لم يملك إجبارها على الامتناع من شرب الخمر؛ لأنه يمنع من كمال الوطء، ولا يمنع من أصله.
وجه الرواية الأولى أن بقاء الغسل عليها يمنعه من كمال الاستمتاع، فإن النفس تعاف وطء من لا تغتسل من الجنابة، فيفوته بذلك بعض حقه، فكان له إجبارها كما كان له في الاغتسال من الحيض.
ووجه الثانية أن بقاء غسل الجنابة عليها لا يُحرِّم عليه وطأها، فلم يكن له إجبارها على ذلك، ويفارق هذا غسل الحيض؛ لأن بقاءه محرمٌ عليها.
وهاتان الروايتان أصلٌ لكل ما لم يمنعه من أصل الاستمتاع، لكنه يمنعه من كماله، هل له إجبارها عليه أم لا؟ على روايتين.
فمن ذلك:
إذا كان عليها وسخٌ ودَرَنٌ، وأراد إجبارها على إزالته، على روايتين:
إحداهما: له ذلك
(1)
، لأن النفس تعاف الاستمتاع مع وجوده.
والثانية: ليس له ذلك.
وأما أخذ الشعر وتقليم الأظفار فيُنظر، فإن طال الشعر واسترسل بحيث يستقذر ويمنع الاستمتاع، فله إجبارها على إزالته: رواية واحدة. وإن لم يخرج عن حد العادة، لكنه طال قليلًا، وكانت النفس تعافه فعلى الروايتين.
(1)
"على روايتين إحداهما له ذلك" ليست في المطبوع.
وكذلك الأظفار، إن طالت وخرجت عن حد العادة، فصار يستقبح منظرها، ويتعذر الاستمتاع معها، كان له إجبارها على إزالتها: رواية واحدةً. وإن لم يخرج عن حد العادة، لكن النفس تعافها، فعلى الروايتين.
فصل
وأما الخروج إلى الكنيسة والبِيعة، فله منعها منه. نصّ عليه أحمد في رواية يعقوب بن بختان
(1)
في الرجل تكون له المرأة النصرانية: لا يأذن لها في الخروج إلى عيد النصارى أو البِيعة.
وقال في رواية محمد بن يحيى الكحال وأبي الحارث
(2)
في الرجل تكون له الجارية النصرانية تسأله الخروج إلى أعيادهم وكنائسهم وجموعهم: لا يأذن لها في ذلك.
وقد علّل القاضي المنع بأنه يفوِّت حقَّه من الاستمتاع، وهو عليها له في كلّ وقتٍ. وهذا غير مراد أحمد، ولا يدلُّ لفظه عليه، فإنه منعه من الإذن لها، ولو كان ذلك لحقه لقال: لا تخرج إلا بإذنه. وإنما وجه ذلك أنه لا يُعِينها على أسباب الكفر وشعائره
(3)
، ولا يأذن لها فيه.
قال القاضي: وإذا كان له منعُ المسلمة من إتيان المساجد، فمنعُ الذمية من الكنيسة أولى.
(1)
في "الجامع"(2/ 431).
(2)
المصدر نفسه (2/ 430).
(3)
في الأصل: "مغايره".
وهذا دليل فاسدٌ، فإنه لا يجوز له منع المسلمة من المساجد. وأعجب من هذا أنه أورد الحديث، وأجاب عنه بجوابين فاسدين:
أحدهما: أن المراد به صلاة العيد خاصةً.
والثاني: المراد به منعها من الحج إلى المسجد الحرام.
ولا يخفى بطلان الجوابين.
فصل
(1)
وله منعها من السُّكْر؛ لأنه يتأذى به. وهل له منعها من شرب ما لا يُسكِرها؟ خرَّجه القاضي على الروايتين فيما يمنع كمال الاستمتاع دون أصله.
والمنصوص عليه في رواية مهنا
(2)
أنه لا يمنعها، فإنه قال في رجل تزوج نصرانيةً، أله أن يمنعها من شرب الخمر؟ قال: يأمرها، قيل له: لا تَقبل منه، أله أن يمنعها؟ قال: لا.
وظاهر هذا أنه لم يجعل له منعها، فإن شربت كان له إجبارها على غَسْل فمها من الخمر؛ لأنه نجسٌ يتعذر مع ذلك تقبيلها والاستمتاع بها فيه.
فإن قيل: فلو أرادت المسلمة أن تشرب من النبيذ المختلف فيه ما لا يُسكِرها، هل له منعها؟
(1)
انظر: "المغني"(10/ 223).
(2)
"الجامع"(2/ 430). وتقدمت قريبًا باختصار.
قيل: نعم، له منعها. هذا الذي لا يحتمل المذهب غيره، فإن أحمد يحدّ عليه، فكيف تُقَرُّ على شربها؟ والإنكار بالحدّ من أقوى مراتب الإنكار.
وقال القاضي: إن كانا حنبليين أو شافعيين له منعها منه، لأنهما يعتقدان تحريمه، وإن كانا حنفيين فهذا لا يمنعه الاستمتاع، ولكن يمنعه كماله، فيخرَّج على الروايتين. والصحيح الأول.
قال: وهل له منعها من الثوم والبصل والكُرَّاث؟ يخرج على الروايتين
(1)
. وكذلك هل له منعها من الثياب الوسخة؟ على الروايتين.
فصل
وقال أحمد في رواية مهنا
(2)
وقد سأله: هل يمنعها أن تُدخِل منزلَه الصليب؟ قال: يأمرها، فأما أن يمنعها فلا.
وقال في رواية محمد بن يحيى الكحال
(3)
: في الرجل تكون له امرأةٌ أو أمةٌ نصرانيةٌ تقول: اشترِ لي زُنَّارًا
(4)
، فلا يشتري لها، تخرج هي تشتري. فقيل له: جاريته تعمل الزنانير؟ قال: لا.
قال القاضي: أما قوله: لا يشتري هو الزنَّار لأنه يراد لإظهار شعائر
(1)
"المغني"(10/ 223).
(2)
"الجامع"(2/ 430).
(3)
المصدر نفسه (2/ 431)، و"المغني"(10/ 224).
(4)
الزنّار: حزام يشدُّه النصراني في وسطه.
الكفر، فلذلك منعه من شرائه وأن يُمكِّن جاريته من عمله؛ لأن العوض الذي يحصل لها صائرٌ إليه ومِلكٌ له، وقد منع من بيع ثياب الحرير من الرجال إذا علم [أنهم] يلبسونها، وكذلك بيع العصير لمن يتخذه خمرًا. انتهى.
وليس له منعها من صيامها الذي تعتقد وجوبه، وإن فوَّت عليه الاستمتاع في وقته، ولا من صلاتها في بيته إلى الشرق، وقد مكَّن النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران من صلاتهم في مسجده إلى قبلتهم
(1)
. وليس له إلزام اليهودية إذا حاضت بمضاجعته، والاستمتاع بما دون الفرج. هذا قياس المذهب.
وليس له حملها على كسر السبت ونحوه مما هو واجبٌ في دينهم، وقد أقررناهم عليه. وليس له حملها على أكل الشحوم واللحوم المحرمة عليهم، وهل له منعها من أكل لحم الخنزير؟ يحتمل وجهين.
وهل له منعها من الخلوة بابنها وأبيها وأخيها؟ فإن كانت مجوسيةً فله ذلك، لأنهم يعتقدون حلَّها لهم، فليسوا بذوي مَحْرمٍ، وإن كانت يهوديةً أو نصرانيةً فليس له منعها من ذلك إذا كانوا مأمونين عليها، وإن كان له منعها من السفر معهم كما تقدم نصه، وذكرنا الفرق بين الموضعين.
وليس له منعها من قراءة كتابها إذا لم ترفع صوتها به.
فإن أرادت أن تصوم معه رمضان فهل له منعها من ذلك؟ يحتمل
(1)
أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة"(5/ 382) عن ابن إسحاق.
وجهين:
أحدهما: له ذلك لأنه لا يجب عليها، وله منعها منه كما له منع المسلمة من صوم التطوع ترفيهًا لها.
والثاني: ليس له ذلك؛ لأنه لا حقَّ له في الاستمتاع بها في نهار رمضان، وإذا لم يكن له منعها من الصوم المنسوخ الباطل فأن لا يمنعها من صوم رمضان أولى وأحرى.
وقد يقال: الفرق بينهما أنها تعتقد وجوب صيام دينها عليها، وقد أقررناهم على ذلك، فليس لنا أن نمنعهم منه بخلاف ما لا يعتقدون وجوبه.
* * * *