المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي كراهة الدخول في أرض الخراج - أحكام أهل الذمة - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ سبب وضع الجزية

- ‌ يجوز أخذها مما تيسَّر من أموالهم

- ‌الكتاب الذي بأيدي الخَيابرة الذي يدَّعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطلٌ

- ‌فصلفي بني تغلب وأحكامهم

- ‌فصل في السَّامرة

- ‌اختلاف الفقهاء فيهم: هل يُقَرُّون بالجزية أم لا

- ‌فصل في الصابئة

- ‌عدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم

- ‌فصلفي الجزية والخراج وما بينهما من اتفاقٍ وافتراقٍ

- ‌ أصل الخراج وابتداء وضْعِه

- ‌الأرض ستة أنواعٍ:

- ‌النوع الثالث: ما ملك عن الكفار عَنْوةً وقهرًا

- ‌فصلفي كراهة الدخول في أرض الخراج

- ‌ذكر أحكام أهل الذمة في أموالهم

- ‌فصلفي الأمكنة التي يُمنع أهل الذمة من دخولها والإقامة بها

- ‌ذكر معاملتهم عند اللقاء وكراهة أن يُبدَؤوا بالسلام، وكيف يُرَدُّ عليهم

- ‌فصلفي عيادة أهل الكتاب

- ‌فصلفي شهود جنائزهم

- ‌فصلفي تعزيتهم

- ‌فصلفي تهنئتهم

- ‌فصلفي المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم

- ‌فصل(1)في سياق الآيات الدالَّة على غشِّ أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم

- ‌فصلفي أحكام ذبائحهم

- ‌المسألة الرابعة: إذا ذبحوا ما يعتقدون حلَّه، فهل تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم

- ‌ذكر أحكام معاملتهم

- ‌فصلفي البيع والشراء منهم

- ‌فصلفي شركتهم ومضاربتهم

- ‌فصلفي استئجارهم واستئجار المسلم نفسه منهم

- ‌فصلفي حكم أوقافهم ووقف المسلم عليهم

- ‌فصلفي أحكام نكاحهم ومناكحاتهم

- ‌فصلولو زوَّج الكافرُ ابنَه الصغير أكثرَ من أربع نسوةٍ، ثم أسلم الزوج والزوجات= لم يكن له الاختيار قبل بلوغه، فإنه لا حكم لقوله

- ‌فصل(4)نقرُّ أهل الذمة على الأنكحة الفاسدة بشرطين:

- ‌فصولٌ في أحكام مهورهم

- ‌فصل(2)في ضابط ما يصحُّ من أنكحتهم وما لا يصحُّ

- ‌فصلفي الكافر يكون وليًّا لوليته الكافرة دون المسلمة

- ‌فصلللمسلم إجبارُ زوجته الذمية على الغسل من الحيض

الفصل: ‌فصلفي كراهة الدخول في أرض الخراج

الإسلام أو القتل، فإذا أسلموا كانت أرضهم أرضَ العشر]

(1)

ولا تكون خراجًا أبدًا. ثم جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسَّرًا حين قال: "لا تحلُّ غنائمها".

قال: وليس تُشبِه مكة شيئًا من البلاد لِما خُصَّتْ به، فلا حجةَ لمن زعم أن الحكم على غيرها كالحكم عليها، وليست تخلو بلاد العَنْوة ــ سوى مكة ــ من أن تكون غنيمةً كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم [بخيبر]

(2)

، أو تكون فيئًا كما فعل عمر رضي الله عنه بأرض السواد وغيرِه من أرض الشام ومصر، انتهى.

فغلِطَ في مكة طائفتان: طائفةٌ ألحقت غيرها بها، فجوَّزت أن لا تُقسَم ولا يُضرب عليها خراجٌ ولا تكون فيئًا، وطائفةٌ شبَّهت مكة بغيرها فجوَّزت قسمتَها، وضرْبَ الخراج عليها، وهي أقبح الطائفتين وأسوؤهم مقالةً، وبالله التوفيق.

‌فصل

في كراهة الدخول في أرض الخراج

، وما نُقل عن السلف في ذلك

قال أبو عبيد

(3)

: حدثنا إسماعيل ويحيى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن سفيان

(4)

العُقيلي، عن أبي عياضٍ، عن عمر رضي الله عنه

(1)

الزيادة من "الأموال". وليست في الأصل.

(2)

الزيادة من "الأموال".

(3)

في "الأموال"(209)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط"(6/ 37).

(4)

كذا في الأصل و"الأوسط" والطبعةِ المحققة من "الأموال" بالاعتماد على الأصول، وهو الصواب. وفي كتاب "الخراج" ليحيى بن آدم (163) والطبعة القديمة من "الأموال":"شقيق" وهو خطأ.

ص: 183

قال: لا تشتروا رقيقَ أهل الذمة فإنهم أهلُ خراجٍ، وأرضهم فلا تتبايعوها، ولا يُقِرَّنَّ أحدكم بالصَّغار بعد إذ نجَّاه الله منه.

وقد ذكر الأنصاري عن أبي عُقَيل عن الحسن قال: قال عمر رضي الله عنه: لا تشتروا رقيقَ أهل الذمة ولا أرضَهم. قال: قلت للحسن: ولم؟ قال: لأنهم فيءٌ للمسلمين

(1)

.

وقد ذكر الإمام أحمد هذا الأثر عن يزيد ثنا سعيد عن قتادة

(2)

.

وقال حنبلٌ

(3)

: سمعت أبا عبد الله قال: وأراد عمر أن يوفر الجزية؛ لأن

(4)

المسلم إذا اشتراه سقط عنه أداء ما يؤخذ منه، والذمي يؤدِّي عنه وعن مملوكه خراجَ جَماجِمهم

(5)

، إذا كانوا عَبيدًا أخذ منهم جميعًا الجزية.

(1)

"الأموال"(210)، وأخرجه الخلال في "الجامع"(276) من طريق آخر عن بشير بن عقبة به. وأخرجه يحيى بن آدم (159، 160، 161) وعبد الرزاق (9960) وابن أبي شيبة (21189) من طرق عن هشام بن حسَّان عن الحسن. ورواية الحسن عن عمر مرسلة، إلا أنه يشهد له الأثر السابق من رواية أبي عياض عن عمر. وتابع الحسن أيضًا ابنُ سيرين عن عمر، كما عند يحى بن آدم (156)، وروايته مرسلة أيضًا. كما أنه تابعه "رجل من غِفار" عند عبد الرزاق (9966).

(2)

كما في "الجامع" للخلال (1/ 176). وتقدم الكلام عليه.

(3)

كما في المصدر السابق.

(4)

في الأصل: "ان". والتصويب من المصدر السابق.

(5)

في الأصل: "كما حمهم" تحريف.

ص: 184

وقال إسحاق بن منصورٍ

(1)

: قلت لأبي عبد الله: قول عمر: "لا تشتروا رقيقَ أهل الذمة"؟ قال: لأنهم أهل خراجٍ يؤدِّي بعضهم عن بعضٍ، فإذا صار إلى المسلم انقطع عنه ذلك.

وفي المسألة عن أحمد روايتان منصوصتان:

إحداهما: لا جزية عليه.

والثانية: عليه الجزية، وهو ظاهر كلام الخرقي

(2)

: فيؤدِّيها عنه سيده. وهي ظاهر المنقول عن عمر وعلي رضي الله عنهما.

قال أحمد

(3)

: ثنا يحيى، ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة أن عليًّا رضي الله عنه كان يكره ذلك، يعني: شراء رقيقهم، ويقول: من أجل أنَّ عليهم خراجًا للمسلمين.

وظاهر الأحاديث وجوبها على الرقيق، فإنه لم يجئ في حديث واحدٍ منها اختصاصُ ذلك بالأحرار؛ وإن الجزية ذلٌّ وصَغارٌ وهو أهل لذلك؛ ولأنه قوي مكتسبٌ فلم يُقَرَّ في بلاد المسلمين بغير جزيةٍ. وهذا القول هو

(1)

المصدر السابق (1/ 177)، وهو في "مسائله"(2/ 549).

(2)

انظر: "المغني"(13/ 220).

(3)

المتبادر منه أنه الإمام أحمد، ولكن المقصود هاهنا أبو بكر الخلال، واسمه أحمد بن محمد، والنص في كتابه "الجامع"(1/ 178). ويحيى هو ابنُ أبي طالب جعفرِ بن الزِّبْرِقان البغدادي (ت 275) من شيوخ الخلال. وفي الإسناد انقطاع بيِّنٌ بين قتادةَ وعليٍّ، ووهم من صححه على شرط مسلم!

ص: 185

الذي نختاره.

وقال مهنَّا بن يحيى الشامي

(1)

: أخبرنا إسماعيل ابن عُلَية، عن ابن أبي عَروبة، عن قتادة، عن سفيان العُقيلي، عن أبي عياضٍ قال: قال عمر رضي الله عنه: لا تبتاعوا رقيقَ أهل الذمة، فإنما هم أهل خراجٍ يبيع بعضهم بعضًا، وأرضهم فلا تتبايعوها، ولا يُقِرَّنَّ أحدكم بالصَّغار في عنقه بعد إذ أنقذه الله منه.

قال مهنا: فسألته ــ يعني أحمد ــ عن سُفيان العقيلي، فقال: روى عنه قتادة وأيوب السختياني، قلت: أي شيءٍ روى أيوب عن سفيان؟ فقال: هذا الحديث مرسلٌ، لم يذكر فيه أبا عياضٍ. وسألته: لِمَ قال عمر: لا تتبايعوا

(2)

رقيقَ أهل الذمة، قال: لأنهم يؤدُّون الخراج.

وقال الميموني

(3)

: تذاكرنا قولَ عمر هذا، فقال أبو عبد الله: أظنه كرهه من أنهم كانوا جميعًا في الأصل حيث أُخِذوا مماليك، وإنما ملكوا هؤلاء بالقهر والغلبة منهم لهم، فكره شراءهم، واحتجَّ لقوله أنه نهاهم عن شراء ما في أيدينا، لأنهم إذا كان لهم أن يشتروا منا فلنا أن نشتري ما في أيديهم.

قال: هذا معنى كلام أبي عبد الله.

(1)

كما في "الجامع" للخلال (1/ 177).

(2)

في "الجامع": "لا تبتاعوا".

(3)

كما في "الجامع"(1/ 176).

ص: 186

وما أرى الميموني فهِمَ ما قال أحمد، وإلا فلا أدري ما معنى هذا الكلام؟ وعمر رضي الله عنه إنما قال: لأنهم أهل خراجٍ يبيع بعضهم بعضًا. وفي لفظ: يؤدّي بعضهم عن بعضٍ.

قال أحمد: فإذا صار إلى المسلم انقطع عنه. هكذا لفظه في رواية إسحاق بن منصورٍ، وقد صرَّح في رواية مهنأ بهذا، وقد سأله عن قول عمر رضي الله عنه ما معناه؟ فقال: إنهم يؤدُّون الخراج ويستعبد بعضهم بعضًا، فإذا اشتراه مسلم لم يكن عليه خراجٌ.

قلت: كأنه جعل استعباد بعضهم بعضًا غيرَ مؤثِّرٍ في إسقاط الجزية عنهم، وقد صرَّح به عمر رضي الله عنه في قوله: إنهم أهل خراجٍ يبيع بعضهم بعضًا.

وللصحابة ــ لاسيما الخلفاء منهم، لاسيما عمر ــ فقهٌ ونظر لا تبلغه أفهامُ مَن بعدهم، فكأن عمر رضي الله عنه لم يُثبِت لرقيقهم أحكامَ الرقيق التي تثبت لرقيق المسلم، وعلم أنهم يبيع بعضهم بعضًا، وذلك لا يُثبِت الرقَّ في الحقيقة، فمنع المسلم من شرائه احتياطًا، ولم يُسقِط الجزية عن رقبته، وألزمها من ادَّعى أنه رقيقه. وهذا من أدقِّ النظر وألطفِ الفقه، وقد وافقه على ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكره للمسلم شراءهم. وقال: من أجل أنَّ عليهم خراجًا للمسلمين

(1)

.

(1)

"وقال: من أجل أنّ عليهم خراجًا للمسلمين" ساقطة من المطبوع.

ص: 187

وقال سعيد: كان قتادة يكره أن يُشترى من رقيقهم شيء إلا ما كان من غير بلادهم زنجيًّا أو حبشيًّا أو خراسانيًّا، لأنه لا يبيع

(1)

بعضهم بعضًا

(2)

.

قلت: وهذه مسألة قد عمَّ بها الإسلام، ووقع السؤال عنها مرارًا، وهي بيع الكفَّار أولادهم للمسلمين، هل يملكهم المسلمون بذلك ويحلُّ استخدامهم؟

فإن كانوا أهلَ حربٍ جاز الشراء منهم، وملكَ المشتري الأولادَ، لأنه يجوز ملكهم بالسِّباء والسرقة

(3)

، فيجوز بالشراء.

وإن كانوا ذمةً تحت الجزية لم يجز اشتراء أولادهم، ولا يملكهم المشتري، لأنهم ملتزمون لجريان أحكام الإسلام عليهم، وذلك ينافي حكم الإسلام.

وإن كانوا أهل هُدنةٍ لم تجرِ عليهم أحكام الإسلام، فهل يجوز شراء أولادهم منهم

(4)

؟ فيه وجهان، والجواز أظهر، فإنهم لم يلتزموا أحكام الإسلام. ومن منع الشراء منهم قال: قد أمنوا بالهدنة من السباء، وهذا في حكم السباء. والفرق بينهما ظاهرٌ، والله أعلم.

(1)

كذا في الأصل، وفي "الجامع" بحذف "لا" على أنه تعليل للكراهة.

(2)

أسنده الخلال في "الجامع"(1/ 178).

(3)

في المطبوع: "بالسبي والرق" خلاف ما في الأصل.

(4)

في الأصل: "منه". والمثبت يقتضيه السياق.

ص: 188

فصل

وأما شراء أرض الخراج، فقال أبو عبيد

(1)

: حدثني أبو نعيمٍ، حدثنا بُكَير بن عامر، عن الشعبي قال: اشترى

(2)

عُتبة بن فَرْقَدٍ أرضًا على شاطئ الفرات ليتخذ فيها قَضْبًا

(3)

، فذكر ذلك لعمر فقال: ممن اشتريتَها؟ فقال: من أربابها. فلما اجتمع المهاجرون والأنصار عند عمر قال: هؤلاء أهلُها فهل اشتريتَ منهم شيئًا؟ قال: لا، قال: فاردُدْها على من اشتريتَها منه وخذْ مالَك.

وحدثنا [أبو] نعيمٍ عن سعيد بن سِنانٍ عن عنترة قال: سمعت عليًّا يقول: إياي وهذا السواد

(4)

.

وقال أحمد

(5)

: ثنا وكيع، عن شريكٍ، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن

(1)

في "الأموال"(211). وأخرجه يحيى بن آدم (168، 169) ــ ومن طريقه البيهقي (9/ 141) ــ وابن زنجويه (285، 303) والطبراني في "الكبير"(17/ 132) من طرق عن بكير بن عامر به. وبكير ضعيف، ولكن تابعه مجالد ــ على لين فيه ــ عند الشافعي في "الأم"(9/ 246). ورواية الشافعي وإحدى روايتي يحيى بن آدم صريحتان أن الشعبي رواه عن عُتبة بن فرقد، وإلا فظاهر هذه الرواية الإرسال.

(2)

في الأصل: "على شرا". والتصويب من "الأموال".

(3)

القضب: ما أُكل من النبات المقتضب غضًّا.

(4)

"الأموال"(212) ومنه الزيادة، وأخرجه أيضًا الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(3/ 83) عن أبي نعيم به. وإسناده لا بأس به.

(5)

كما في "الجامع"(1/ 178) ومنه الزيادة.

ص: 189

عباس رضي الله عنهما أنه كره شراء [أرض] أهل الذمة.

وإنما كره الصحابة ذلك لأنه يدخل في التزامه الخراج، وهو نوع من الصَّغار، حتى كره ابن عباس قَبالتها.

لذلك قال أبو عبيد

(1)

: ثنا حجاجٌ، عن شعبة، عن حبيب بن أبي ثابتٍ قال: تَبِعْنا ابن عباس فسأله رجل فقال: إني أكون بهذا السواد فأتقبَّل، ولستُ أريد أن أزداد، ولكني أدفع عني الضَّيم

(2)

، فقرأ عليه ابن عباس:{قَاتِلُوا اُلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ اِلْأَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اَللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ اَلْحَقِّ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اُلْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا اُلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، فقال: لا تَنزِعوه من أعناقهم وتجعلوه في أعناقكم!

قال أبو عبيد

(3)

: وحدثنا أبو معاوية ويزيد، عن الحجَّاج، عن القاسم بن عبد الرحمن ــ قال يزيد: عن أبيه ــ: أن ابن مسعودٍ اشترى من دهقانٍ أرضًا

(1)

"الأموال"(213)، وأخرجه عبد الرزاق (10107) عن الثوري عن حبيب به.

(2)

في الأصل: "المصم". والتصويب من "الأموال".

(3)

في "الأموال"(214). وأخرجه يحيى بن آدم (166، 167) وابن زنجويه (306) والبيهقي (9/ 140) من طرق عن الحجاج به، ولم يتابع أحد منهم يزيد بن هارون في زيادة "عن أبيه". وعليه فالإسناد مرسل، القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يُدرك جدَّه، إلا أنه مغتفر هنا لكون الخبر مما يستفيض مثله في أهل البيت وأفراده. وله طريق آخر: أخرجه يحيى (170) ــ ومن طريقه البيهقي (9/ 140) ــ عن حفص بن غياث، عن مجالد، عن الشعبي مرسلًا.

ص: 190

على أن يَكْفِيَه جزيتَها

(1)

.

قال أبو عبيد

(2)

: أُراه يعني بالشراء هاهنا الاكتراءَ، لأنه لا يكون مشتريًا والجزية على البائع، وقد خرجت الأرض من مِلْكه.

قال: وقد جاء مثله في حديث آخر: حدثني ابن بُكَيرٍ، عن الليث بن سعدٍ، عن عبيد الله بن أبي جعفرٍ، عن القُرَظي قال: ليس بشراء أرض الجزية بأسٌ

(3)

. يريد كراءها. قال: وقال

(4)

ذلك أبو الزناد.

فابن مسعودٍ اكترى أرضَ الدهقان منه على أن يكفيه الدهقانُ جِزيتَها، فلا يكون ملتزمًا للصَّغار. وهذا قد يَستدلُّ به من يقول: الخراج على المستأجر، وإلا لم يكن للاشتراط على المُؤجِر معنى، وهو عليه بدون الشرط. ويُجاب عنه بأنه شرطٌ ليُقضى

(5)

العقد، فهذا تأكيدٌ له وتقريرٌ.

وقال قَبيصة بن ذُؤيبٍ: من أخذ أرضًا بجزيتها فقد باء بما باء [به] أهل الكتابين من الذلّ والصَّغار

(6)

.

(1)

بعدها زيادة فقرة في المطبوع نقلًا عن "الأموال"، وليست في الأصل، فلم نثبتها لعدم الحاجة إليها.

(2)

"الأموال"(1/ 154).

(3)

"الأموال" برقم (216).

(4)

"وقال" ساقطة من المطبوع، وهي ثابتة في الأصل و"الأموال".

(5)

في المطبوع: "لمقتضى" خلاف الأصل.

(6)

"الأمول"(217) بإسناده إلى قبيصة. ومنه الزيادة.

ص: 191

وقال مسلم بن مِشْكَمٍ: من عقد الجزية في عنقه فقد برئ مما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وقال عبد الله بن عمرٍو: ألا أُخبركم بالراجع على عقبيه؟ رجل أسلم فحسُنَ إسلامه، وهاجر فحسُنَتْ هجرته، وجاهد فحسن جهاده، فلما قَفَلَ حمل أرضًا بجزيتها، فذلك الراجع على عقبيه

(2)

.

وسئل عبد الله بن عمرٍو فقيل له: [أحدنا] يأتي النَّبَطيَّ فيحمل أرضَه بجزيتها، فقال: أتبدؤون بالصَّغار وتُعطون أفضلَ مما تأخذون؟!

(3)

وقال ميمون بن مِهران: ما يَسُرُّني أن لي ما بين الرُّها إلى حَرَّان بخراج خمسة دراهم

(4)

.

قال أبو عبيد: فقد تتابعت الآثار بكراهة شراء أرض الخراج، وإنما كرهها الكارهون من جهتين: إحداهما: أنها فيءٌ للمسلمين. والأخرى: أن الخراج صَغارٌ. وكلاهما داخلٌ في حديثي عمر اللذين ذكرناهما؛ أحدهما قوله: "ولا يُقِرَّنَّ أحدكم بالصَّغار بعد إذ نجَّاه الله منه"، ووافقه على ذلك ابن مسعودٍ وابن عباس وعبد الله بن عمرٍو وقَبيصة بن ذُؤيبٍ وميمون بن مِهرانٍ ومسلم بن مِشْكمٍ في هذه الأحاديث التي ذكرناها. ومذهبه

(5)

في الفيء قوله

(1)

"الأموال"(218) بإسناده إلى مسلم بن مشكم.

(2)

"الأموال"(219) بإسناد فيه انقطاع.

(3)

"الأموال"(219) بالإسناد السابق. ومنه الزيادة.

(4)

"الأموال"(220) بإسناده إلى ميمون.

(5)

أي مذهب عمر رضي الله عنه.

ص: 192

لعتبة بن فَرقد حين اشترى الأرض: "هؤلاء أهلُها" يعني المهاجرين والأنصار، ووافقه على ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

حدثنا يزيد عن المسعودي عن أبي عون الثقفي قال: أسلم دهقان على عهد علي رضي الله عنه

(1)

، فقال علي: أما أنت فلا جزيةَ عليك، وأما أرضُك فلنا

(2)

.

قلت: قوله: "لا جزيةَ عليك" يريد قد سقط عنك خراج رأسك ــ وهو الجزية ــ بإسلامك، وهذا يدلُّ على أن الإسلام لا يُسقِط الخراج المضروب على الأرض، فإن شاء المسلم أن يقيم بها إقامته به

(3)

، وإن شاء نزل عنها فسلمها إلى ذمي بالخراج، فإذا كانت الأرض خراجيةً ثم أسلم أُقِرَّت في يده بالخراج. وهو إجارةٌ حكمها حكم سائر الإجارات.

[والخراج]

(4)

وإن شارك الإجارة في شيء فبينهما فروقٌ عديدةٌ:

منها: أن الإجارة موقَّتةٌ، والخراج غير موقَّتٍ.

ومنها: أن الأجرة غير مقدَّرة، والخراج مقدَّر

(5)

.

(1)

"حدثنا يزيد

على رضي الله عنه " ساقطة من المطبوع.

(2)

أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(222)، وقد تقدَّم.

(3)

كذا في الأصل. وفي المطبوع: "أقام بها".

(4)

زيادة ليستقيم السياق.

(5)

هذا السطر ساقط من المطبوع.

ص: 193

ومنها: أنه لا يُكره استئجار المسلم لأرض الفيء، ويُكره دخوله فيها بالخراج، كما فعل ابن مسعودٍ.

قال أبو عبيد

(1)

: وأخبرني يحيى بن بكيرٍ أو غيره عن مالك أنه كان ينكر على الليث بن سعدٍ دخولَه فيما دخل فيه من أرض مصر.

قال أبو عبيد

(2)

: وحدثني سعيد بن عُفيرٍ، عن ابن لَهِيعة ونافع بن يزيد ــ وأظنه قال: ــ ويحيى بن أيوب وشيوخِهم أنهم كانوا ينكرون ذلك على الليث أيضًا.

قال أبو عبيد

(3)

: وإنما دخل فيها الليث لأن مصر كانت عنده صلحًا، فلذلك استجاز

(4)

الدخول فيها. كذلك حدثني عنه عبد الله بن صالحٍ وابن أبي مريم وغيرهما

(5)

.

وحرَّمها آخرون؛ لأنها كانت عندهم عنوةً. قال أبو عبيد

(6)

: وكان أبو إسحاق الفزاري يكره الدخول في بلاد الثَّغر لأنها عَنوة، ولم يتخذ بها زرعًا حتى مات.

(1)

"الأموال"(225).

(2)

"الأموال"(226).

(3)

"الأموال"(1/ 158).

(4)

في الأصل: "استخار". والتصويب من "الأموال".

(5)

في الأصل: "وغيرهم".

(6)

"الأموال"(1/ 158) وقال: حدَّثني بذلك محمد بن عيينة وغيره من أهل الثغر.

ص: 194

قال أبو عبيد

(1)

: ومع هذا كله إنه قد سهَّل في الدخول في أرض الخراج أئمةٌ يُقتدى بهم، منهم من الصحابة: عبد الله بن مسعودٍ، ومن التابعين: محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، وكان ذلك رأي سفيان الثوري فيما يُحكى عنه.

فأما حديث ابن مسعودٍ فإن حجَّاجًا حدثني عن شعبة، عن أبي التيَّاح، عن رجل من طيِّئٍ، حسبته قال: عن أبيه، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التَبَقُّر

(2)

في الأهل والمال. قال: ثم قال عبد الله: فكيف بمالٍ بِراذانَ

(3)

وبكذا وبكذا؟!

(4)

وذَكر عن ابن سيرين أنه كانت له أرضٌ من أرض الخراج، فكان يعطيها بالثلث والربع

(5)

.

وذَكر عن عمر بن عبد العزيز أنه أعطى أرضًا بجزيتها من أرض السواد

(6)

.

(1)

"الأموال"(1/ 162).

(2)

في الأصل: "السفر" تصحيف. والتبقر: التوسع في المال وغيره، كما شرحه أبو عبيد في "الأموال"(1/ 163).

(3)

المقصود براذان في حديث ابن مسعود هذا: قرية بنواحي المدينة. انظر: "معجم البلدان"(3/ 13).

(4)

"الأموال" برقم (239).

(5)

"الأموال"(240) بإسناده إلى ابن سيرين.

(6)

"الأموال"(241) بإسناده إلى نُعيم بن عبد الله ــ وهو كاتب عمر بن عبد العزيز ــ أن عمر أعطاه

إلخ. وأخرجه ابن أبي شيبة (21190) إلا أن فيه "نعيم بن سلامة"، والأول أصح.

ص: 195

قال أبو عبيد

(1)

: وكان عمر بن عبد العزيز يتأوَّل بالرخصة في أرض الخراج أن الجزية التي قال الله: {حَتَّى يُعْطُوا اُلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ

وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، إنما هي على الرؤوس لا على الأرض.

حدثنا عبد الله بن صالحٍ عن الليث بن سعدٍ عن عمر بن عبد العزيز قال: إنما الجزية على الرؤوس، وليس على الأرض جزيةٌ

(2)

.

يقول

(3)

: فالداخل في أرض الخراج ليس بداخلٍ في هذه الآية، والذي يروى عن سفيان أنه قال: إذا أقرَّ الإمام أهل العَنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها

(4)

، فهذا يبيِّن لك أن رأيه الرخصة فيها.

قال

(5)

: فالعلماء قد اختلفوا في أرض الخراج قديمًا وحديثًا، إلا أن أهل الكراهة أكثر، والحجة في مذهبهم أبين. وقد احتجَّ قومٌ من أهل الرخصة بإقطاع عثمان مَن أقطعَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسواد.

(1)

"الأموال"(1/ 163).

(2)

"الأموال"(242).

(3)

أبو عُبيد عقب الأثر السابق.

(4)

أسنده الطحاوي في "معاني الآثار"(3/ 246).

(5)

أي أبو عبيد في "الأموال"(1/ 164).

ص: 196

قال

(1)

: وإنما كان اختلافهم في الأرض المُغِلَّة التي يلزمها الخراج من ذوات المزارع والشجر، فأما المساكن والدور فما علمنا أحدًا كره شراءها

(2)

وحيازتها وسكناها، وقد اقتسمت الكوفة خِطَطًا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أذن في ذلك، ونزلها

(3)

من أكابر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجالٌ، منهم: سعد بن أبي وقاصٍ وعبد الله بن مسعودٍ وعمّارٌ وحذيفة وسلمان وخبَّابٌ وأبو مسعودٍ وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، ثم قدِمَها عليٌّ فيمن معه من الصحابة

(4)

، فأقام بها خلافته كلها، ثم كان التابعون بعدُ بها، فما علمنا أحدًا منهم ارتاب بها، ولا كان في نفسه منها شيء، وكذلك سائر السواد.

* * * *

(1)

الكلام مستمر له في المصدر السابق.

(2)

في الأصل: "كراءها". والتصويب من "الأموال".

(3)

كذا في الأصل. وفي "الأموال": "وأقر لها". وكلاهما محتمل.

(4)

في "الأموال": "أصحابه".

ص: 197