المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثالث: ما ملك عن الكفار عنوة وقهرا - أحكام أهل الذمة - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ سبب وضع الجزية

- ‌ يجوز أخذها مما تيسَّر من أموالهم

- ‌الكتاب الذي بأيدي الخَيابرة الذي يدَّعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطلٌ

- ‌فصلفي بني تغلب وأحكامهم

- ‌فصل في السَّامرة

- ‌اختلاف الفقهاء فيهم: هل يُقَرُّون بالجزية أم لا

- ‌فصل في الصابئة

- ‌عدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم

- ‌فصلفي الجزية والخراج وما بينهما من اتفاقٍ وافتراقٍ

- ‌ أصل الخراج وابتداء وضْعِه

- ‌الأرض ستة أنواعٍ:

- ‌النوع الثالث: ما ملك عن الكفار عَنْوةً وقهرًا

- ‌فصلفي كراهة الدخول في أرض الخراج

- ‌ذكر أحكام أهل الذمة في أموالهم

- ‌فصلفي الأمكنة التي يُمنع أهل الذمة من دخولها والإقامة بها

- ‌ذكر معاملتهم عند اللقاء وكراهة أن يُبدَؤوا بالسلام، وكيف يُرَدُّ عليهم

- ‌فصلفي عيادة أهل الكتاب

- ‌فصلفي شهود جنائزهم

- ‌فصلفي تعزيتهم

- ‌فصلفي تهنئتهم

- ‌فصلفي المنع من استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم

- ‌فصل(1)في سياق الآيات الدالَّة على غشِّ أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم

- ‌فصلفي أحكام ذبائحهم

- ‌المسألة الرابعة: إذا ذبحوا ما يعتقدون حلَّه، فهل تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم

- ‌ذكر أحكام معاملتهم

- ‌فصلفي البيع والشراء منهم

- ‌فصلفي شركتهم ومضاربتهم

- ‌فصلفي استئجارهم واستئجار المسلم نفسه منهم

- ‌فصلفي حكم أوقافهم ووقف المسلم عليهم

- ‌فصلفي أحكام نكاحهم ومناكحاتهم

- ‌فصلولو زوَّج الكافرُ ابنَه الصغير أكثرَ من أربع نسوةٍ، ثم أسلم الزوج والزوجات= لم يكن له الاختيار قبل بلوغه، فإنه لا حكم لقوله

- ‌فصل(4)نقرُّ أهل الذمة على الأنكحة الفاسدة بشرطين:

- ‌فصولٌ في أحكام مهورهم

- ‌فصل(2)في ضابط ما يصحُّ من أنكحتهم وما لا يصحُّ

- ‌فصلفي الكافر يكون وليًّا لوليته الكافرة دون المسلمة

- ‌فصلللمسلم إجبارُ زوجته الذمية على الغسل من الحيض

الفصل: ‌النوع الثالث: ما ملك عن الكفار عنوة وقهرا

فصل

‌النوع الثالث: ما ملك عن الكفار عَنْوةً وقهرًا

، فهذه فيها روايتان

(1)

:

إحداهما: أنها تكون غنيمةً تُقسم بين الغانمين كالمنقول، وتكون أرضَ عُشرٍ لا خراجَ عليها كما أحياه المسلمون.

الثانية: أن الإمام بالخيار، إن شاء قسمَها وكانت كذلك عُشْريةً غيرَ خراجيةٍ، وإن شاء وقفَها على المسلمين ويضرب عليه خراجًا يكون كالأجرة لها، غيرَ مقدَّرِ المدة بل إلى الأبد، فهذه عُشْريةٌ خراجيةٌ.

فإن استمرت في يد الكفار ففيها الخراج، زرعوها أو لم يزرعوها، ولا عُشْرَ عليهم، وإن أسلموا لم يُسقِط الإسلام خراجَها، ويجب عليهم فيها العُشْرُ، فيجتمع العشر والخراج بسببين مختلفين، العُشْر على المُغَلّ والخراج على رقبة الأرض، هذا قول الجمهور.

وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجتمع العُشر والخراج في أرضٍ

(2)

، بل إن أُخِذ ممن هي في يده الخراجُ لم يؤخذ منه العشر، وإن أُخِذ منه العشرُ لم يؤخذ منه الخراج. ورُوي في ذلك حديث باطلٌ لا أصلَ له، وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يجتمع العُشْر والخراج"

(3)

.

(1)

انظر: "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 163)، و"المغني"(4/ 189)، و"الفروع"(10/ 296).

(2)

انظر: "الأحكام السلطانية" للماوردي (ص 215)، و"المغني"(4/ 199)، و"الاختيار لتعليل المختار"(1/ 114).

(3)

يراجع في تضعيفه وبيان بطلانه: "الكامل" لابن عدي (7/ 2710)، و"المجروحين"(3/ 124)، و"المجموع"(5/ 455)، و"فتح القدير" لابن الهمام (6/ 41، 42). قال شيخ الإسلام: إن المرفوع منه كذب باتفاق أهل الحديث، "مجموع الفتاوى" (25/ 55) و"منهاج السنة" (7/ 430). وإنما روي عن عكرمة مقطوعًا من قوله. أخرجه يحيى بن آدم (ص 24) وابن زنجويه (382). وانظر:"الأموال" لأبي عبيد (1/ 173)، و"الاستخراج" لابن رجب (ص 452).

ص: 144

وشبهة هذا القول أن الخراج في الأصل إنما هو جزية الأرض، فهو بمنزلة خراج الرؤوس، فهو على الكفار بمنزلة الجزية على رؤوسهم، وهو عوضٌ عن العُشر الذي يجب بالإسلام وبدلٌ عنه، فلو لم يوضع على الأرض لتعطَّلتْ إذا كانت مع كافرٍ عن العشر والخراج، فكان في ذلك نقصٌ على المسلمين فقام خراجُها مقام العُشْر، فإذا أسلموا أخذوا بالعشر، ولم يُجمع عليهم بين العشر والخراج في حال الإسلام، كما لم يُجمع عليهم بينهما في حال الكفر، بل إذا سقطت الجزية بالإسلام ــ وهي خراج الرؤوس ــ فكذلك الخراج الذي هو جزية الأرض. ولهذا كره الصحابة رضي الله عنهم للمسلم الدخول في أرض الخراج؛ لأنه يسقط ما عليها من الخراج بدخوله فيها.

وأما الجمهور فنازعوه في ذلك وقالوا: الخراج على رقبة الأرض زُرِعتْ أو لم تُزرع، والعُشْر في مُغَلِّها سواءٌ كانت مِلكًا أو عاريةً أو إجارةً، ولم يوضع الخراج بدلًا عن العشر، بل وُضِع حقًّا للمسلمين في رقبة الأرض. وإنما لم يجتمع على الكافر العشر والخراج لأن العُشر زكاةٌ وليس من أهلها، فلا تُؤخذ منه كما لم تؤخذ من مواشيه وأمواله.

قالوا: وإنما كره الصحابة رضي الله عنهم الدخولَ في أرض الخراج؛ لأن

ص: 145

المسلم إذا دخل فيها التزم ما عليها من الخراج وهو صَغارٌ في الأصل، فلا ينبغي أن يلتزمه ويُقِرَّ به، ولما كان تابعًا للأرض كان باقيًا ببقائها تابعًا لها، ويزول بزوالها وتعطَّل نفعها، كما تسقط الجزية بزوال الرقبة أو عجزها عن الأداء. ولا تَنافِيَ بين اجتماع الحقَّين في العين الواحدة بسببين مختلفين، كما يجب عليه في الصيد المملوك إذا أتلفه في الإحرام قيمتُه لمالكه والجزاءُ لحقِّ الله، وكما لو قتل أمةً بالزنا غُرِّم قيمتها لسيدها ولزِمه الحدُّ لحقِّ الله سبحانه، وكذلك لو قتل عبدًا خطأً لزِمتْه قيمته لسيده والكفَّارة للمساكين، ونظائر ذلك كثيرةٌ. وهذا النوع من الأرض هو المعروف بوضع الخراج.

فصل

ويجوز بيع هذه الأرض وهبتها ورَهْنها وإجارتها، ونص الإمام أحمد في رواية ابنه صالحٍ

(1)

على جواز جعلها صداقًا. وهذا صريحٌ في جواز بيعها وهبتها.

وقال بعض المتأخرين من أصحابه: لا يجوز نقل الملك فيها، لأنها وقفٌ فلا يجوز بيعها. وهذا ليس بشيء، فإنها تُورَث بالاتفاق والوقف لا يُورَث، وتُجعل صداقًا بالنص والوقف لا يجوز فيه ذلك.

ومنشأ الشبهة أنهم ظنوا أن وقفها بمنزلة سائر الأوقاف التي تجري مجرى إعتاق العبد وتحريره لله. وهذا غلطٌ، بل معنى وقفها تركُها على حالها لم يقسمها بين الغانمين، لا أنه أنشأ تحبيسها وتسبيلها على المسلمين،

(1)

لم أجدها في "مسائله"، وطبعتها ناقصة.

ص: 146

هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمر ولا أحدٌ من الأئمة بعده، بل وقفُها هو ترك قسمتها وإبقاؤها على حالها، وضربُ الخراج عليها يؤخذ ممن تكون في يده، والوقف إنما امتنع بيعه لما في بيعه من إبطال وقفيته، وأما هذه فإذا بيعت أو انتقل الملك فيها فإنها تنتقل خراجيةً كما كانت عند الأول. وحق المسلمين في الخراج، وهو لا يسقط بنقل الملك، فإنها تكون عند المشتري كما كانت عند البائع، كما تكون عند الوارث كما كانت عند موروثه

(1)

. ولهذا جاز بيع المكاتب ولم يكن بيعه مُسقِطًا لسبب حريته بالأداء، فإنه ينتقل

(2)

إلى المشتري كما كان عند البائع.

فصل

النوع الرابع

(3)

: ما صُولح عليه المشركون من أرضهم على أن يُقِرَّها في أيديهم بخراجٍ يضرب عليها، وتكون الأرض لهم، فهذا الخراج جزيةٌ تؤخذ منهم ما أقاموا على شركهم، وتسقط عنهم بإسلامهم، ولهم بيعُ هذه الأرض والتصرف فيها كيف شاؤوا، فإن تبايعوها بينهم كانت على حكمها في الخراج، وإن بيعت على مسلم سقط عنه خراجها. وإن بيعت من ذمي فهل

(1)

في المطبوع: "مورّثه" خلاف الأصل. والشخص الذي يموت يُورَث، فهو موروث، والذي يرثه: وارث. وفي القرآن: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً

}.

(2)

في المطبوع: "لا ينتقل"، وهو يقلب المعنى.

(3)

انظر: "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 163)، وللماوردي (ص 228)، و"المغني"(4/ 191)، و"الفروع"(10/ 297).

ص: 147

يسقط عنه خراجها؟ ذكر القاضي

(1)

فيه احتمالين:

أحدهما: لا يسقط خراجها لبقاء كفره.

والثاني: يسقط لخروجه بالذمة من عقد من صُولح عليها

(2)

.

وقد قال أحمد في رواية ابن منصورٍ

(3)

، وذُكِر له قول سفيان: ما كان من أرضٍ صولح عليها ثم أسلم أهلها فقد وُضِع الخراج منها

(4)

، وما كان من أرضٍ أُخِذت عنوةً ثم أسلم صاحبها وُضِعت عنه الجزية وأُقِرَّ على أرضه بالخراج. فقال أحمد: جيدٌ.

قال

(5)

: فقد نصَّ على أن الخراج يسقط عن أرض الصلح بالإسلام.

قال القاضي: وهذا محمولٌ على أن تلك الأرضين لهم، ولم يُسقِطها عن أرض العنوة؛ لأنها وقفٌ لجماعة المسلمين فهي أجرةٌ عنها.

فصل

النوع الخامس: أرضٌ جلا عنها أهلُها فخلَّصها المسلمون بغير قتالٍ، فهذه حكمها حكم العنوة، تُترك

(6)

وقفًا ويُضرب عليها خراجٌ يكون أجرةً

(1)

في "الأحكام السلطانية"(ص 164).

(2)

في الهامش: "عليه" بعلامة خ. والمثبت موافق لما في "الأحكام السلطانية".

(3)

كما في المصدر السابق. وهو في "مسائله"(1/ 246 - 247).

(4)

كذا في الأصل، وفي المصدرين السابقين:"عنها".

(5)

أي أبو يعلى في "الأحكام السلطانية"(ص 165).

(6)

في الأصل: "ترك".

ص: 148

لمن تقرُّ في يده من مسلم وكافرٍ، ولا تتغير بإسلام ولا ذمةٍ.

قال أحمد في رواية ابنه صالحٍ وأبي الحارث

(1)

: كلُّ أرضٍ جلا

(2)

عنها أهلها بغير قتالٍ فهي فيءٌ.

فصل

النوع السادس: أرضٌ صالحناهم على نزولهم عنها، وتكون ملكًا لنا وتقرُّ

(3)

في أيديهم بالخراج، فحكم هذه الأرض أيضًا حكم أرض العنوة: أنها تصير وقفًا للمسلمين وتقرُّ في أيديهم بالخراج، ولا يسقط هذا الخراج بالإسلام، ولا يُمنعون من المناقلة فيها، ويكون ذلك مناقلةً عن حق الاختصاص، لا بيعٌ

(4)

لرقبة الأرض إذ ليست ملكًا لهم، وإنما يُعاوَضون على منفعة الاختصاص.

وليس في ذلك إبطال حق المسلمين من رقبة الأرض ولا نفعها، فلا يُمنعون منه، ويكونون أحقَّ بهذه الأرض ما أقاموا على صلحهم، ولا تنتقل من أيديهم سواءٌ أسلموا أو أقاموا على كفرهم، كما لا تُنتزع الأرض من مستأجرها. وإن صاروا ذمةً وضُربت عليهم الجزية لم يسقط عنهم الخراج، بل يُجمع عليهم الخراج والجزية.

(1)

"الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 148، 164).

(2)

في الأصل: "خلا" تصحيف.

(3)

في هامش الأصل: "وتعشر" بعلامة خ.

(4)

كذا في الأصل مرفوعًا.

ص: 149

فصل

وأما أصل وضع الخراج، فقال أبو عبيد

(1)

: حدثنا الأنصاري ــ ولا أعلم إسماعيل إلا وقد حدَّثَناه أيضًا ــ عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن أبي مِجْلَزٍ لاحق بن حميدٍ: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمار بن ياسرٍ إلى أهل الكوفة على صلاتهم وجيوشهم، وعبد الله بن مسعودٍ على قضائهم وبيت مالهم، وعثمان بن حُنيفٍ على مساحة الأرض، ثم فرض لهم في كل يومٍ شاةً بينهم: شطرها وسواقطها لعمّارٍ، والشطر الآخر بين هذين. ثم قال: ما أرى قريةً يؤخَذ منها كل يومٍ شاةٌ إلا سريعًا خرابها. قال: فمسحَ عثمان الأرضَ، فجعل على جَرِيب

(2)

الكَرْم عشرة دراهم، وعلى جريب النخل خمسة دراهم، وعلى جريب القَصَب

(3)

ستة دراهم، وعلى جريب البُرّ أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين، وعلى أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون بها في كل عشرين درهمًا درهمًا، وجعل على رؤوسهم ــ وعطَّل النساء والصبيان من ذلك ــ أربعةً وعشرين كل سنةٍ، ثم كتب بذلك إلى عمر رضي الله عنه فأجازه ورضي به. فقيل لعمر: تجار الحرب كم نأخذ منهم

(1)

في "الأموال"(182)، وعنه في "المحلى"(6/ 116). وأخرجه أيضًا أبو عبيد (105) وابن أبي شيبة (10826)، وابن المنذر في "الأوسط"(6/ 43) والبيهقي في "الكبير"(6/ 354، 9/ 136) من طرقٍ عن سعيد به مطولًا ومختصرًا. وأخرجه عبد الرزاق (10128) عن معمر عن قتادة به. وهو مرسل، فإن أبا مجلز لم يُدرك عمر.

(2)

الجريب: قطعة متميزة من الأرض يختلف مقدارها بحسب اصطلاح أهل الأقاليم.

(3)

المقصود به قصب السكر.

ص: 150

إذا قدموا علينا؟ قال: فكم يأخذون منكم إذا قدمتم عليهم؟ قالوا: العشر، قال: فخذوا منهم العشر.

حدثنا أبو معاوية عن الشيباني عن محمد بن عبيد الله الثقفي قال: وضع عمر رضي الله عنه على أهل السواد على كل جريبٍ عامرٍ درهمًا وقفيزًا، وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أَقفِزةٍ، وعلى جريب الشجر عشرة دراهم وعشرة أقفزةٍ، وعلى رؤوس الرجال ثمانيةً وأربعين، وأربعةً وعشرين، واثني عشر

(1)

.

حدثنا إسماعيل بن مجالدٍ عن أبيه مجالد بن سعيد عن الشعبي أن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حُنيفٍ، فمسح السواد فوجده ستةً وثلاثين ألف ألف جريبٍ، فوضع على كل جريبٍ درهمًا وقفيزًا

(2)

.

قال أبو عبيد

(3)

: فأرى حديث الشعبي هذا غير تلك الأحاديث، ألا ترى أن عمر رضي الله عنه إنما كان أوجب الخراج على الأرض خاصةً بأجرةٍ مسماةٍ في حديث مجالدٍ، وإنما يذهب

(4)

الخراج مذهب الكراء، وكأنه أكرى كلَّ جريبٍ بدرهم وقفيزٍ في السنة، وألغى من ذلك النخلَ والشجرَ فلم يجعل لها أجرةً.

(1)

"الأموال"(184)، وأخرجه ابن أبي شيبة (33381) أيضًا عن أبي معاوية به.

(2)

"الأموال"(185)، ومن طريقه أخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(6/ 44). وإسناده ضعيف، إسماعيل بن مجالد وأبوه ضعيفان، ورواية الشعبي عن عمر مرسلة.

(3)

"الأموال"(1/ 137).

(4)

في "الأموال": "مذهب".

ص: 151

قال

(1)

: وهذا حجةٌ لمن قال: السواد فيءٌ للمسلمين، وإنما أهلها عمَّالٌ لهم فيها بكراءٍ معلومٍ يؤدونه، ويكون باقي ما تُخرِج الأرض لهم. وهذا لا يجوز إلا في الأرض البيضاء، ولا يكون في النخل والشجر؛ لأن قَبالتهما لا تطيب بشيء مسمًّى، فيكون بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وقبل أن يُخلق. وهذا الذي كرهه الفقهاء من القَبالة.

حدثنا شريكٌ، عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن زيادٍ الإفريقي قال: قلت لابن عمر: إنَّا نتقبل الأرضَ فنصيب من ثمارها ــ قال أبو عبيد: يعني الفضل ــ قال: ذلك الربا العَجْلان

(2)

.

حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن حميدٍ، عن الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: أتقبَّل منك الأُبُلَّةَ

(3)

بمائة ألفٍ، فضربه ابن عباس مئةً وصلبه حيًّا

(4)

.

حدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن جَبَلة بن سُحيمٍ قال: سمعت ابن عمر يقول: القَبالات ربًا

(5)

.

حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي هلال عن ابن

(1)

الكلام مستمر في المصدر السابق.

(2)

"الأموال"(186).

(3)

بلدة على شاطئ دجلة في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. انظر: "معجم البلدان"(1/ 77).

(4)

"الأموال"(187).

(5)

"الأموال"(189). وأخرجه ابن زنجويه (265) من طريق آخر عن شعبة به.

ص: 152

عباس رضي الله عنهما قال: القبالات حرام

(1)

.

قال أبو عبيد

(2)

: معنى هذه القَبالة المنهي عنها أن يتقبَّل الرجل النخل والشجر والزرع النابت قبل أن يستحصد ويُدرك، وهو مفسَّرٌ في حديث يروى عن سعيد بن جبيرٍ.

ثنا عبَّاد بن العوّام، عن الشيباني قال: سألت سعيد بن جبيرٍ عن الرجل يأتي القريةَ فيتقبلها وفيها النخل والشجر والزرع والعلوج، فقال: لا يتقبلها

(3)

فإنه لا خير فيها

(4)

.

قال أبو عبيد

(5)

: وإنما أصل كراهة هذا أنه بيعُ ثمرٍ لم يبدُ صلاحه ولم يُخلَق بشيء معلومٍ. فأما المعاملة على الثلث والربع وكراء

(6)

الأرض البيضاء فليسا من القَبالات ولا يدخلان فيها، وقد رُخِّص في هذين، ولا نعلم المسلمين اختلفوا في كراهة القبالات. انتهى.

وهذا الذي ذهب إليه أبو عبيد هو المعروف عند الأئمة الأربعة، وجعلوا كراء الشجر بمنزلة بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه.

(1)

"الأموال"(188). وهذا الأثر قبل الأثر السابق في المطبوع.

(2)

عقب الآثار السابقة.

(3)

في الأصل: "لا تقبلها". والتصويب من "الأموال".

(4)

"الأموال"(190).

(5)

"الأموال"(1/ 138).

(6)

في الأصل: "وكرى".

ص: 153

ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا: ليست إجارة الشجر من بيع الثمر في شيء، وإنما هي بمنزلة إجارة الأرض لمن يقوم عليها ويزرعها ليستغلَّها. وهذا مذهب الليث بن سعدٍ، وأحد الوجهين في مذهب أحمد اختاره شيخنا

(1)

وأبو الوفاء بن عقيل، وهو الذي نختاره. وقد فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما حكاه عنه الإمام أحمد في مسائل ابنه صالحٍ

(2)

أنه قبَّل حديقة أُسيد بن حُضيرٍ ثلاث سنين، وقضى به دينًا كان عليه. ولم ينكره على عمر أحدٌ من الصحابة مع شهرة هذه القصة، وهذا إن لم يكن إجماعًا إقراريًّا فهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا نعلم له مخالفًا

(3)

.

ومن العجب أخذُ أبي عبيد بحديث مجالدٍ ــ وهو ضعيفٌ ــ عن الشعبي عن عمر وهو منقطعٌ، وإنما فيه السكوت عن جريب الشجر، لم يذكره بنفيٍ ولا إثباتٍ، وتركُه حديثَ أبي معاوية عن الشيباني عن محمد بن عبيد الله

(1)

انظر: "مجموع الفتاوى"(20/ 547 - 549، 30/ 224 وما بعدها). وذكره المؤلف في "زاد المعاد"(6/ 519) و"إغاثة اللهفان"(2/ 673)، وابن مفلح في "الفروع"(7/ 130).

(2)

لم أجده في "مسائله" المطبوعة. وأثر عمر قد أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(3/ 561) وحرب بن إسماعيل ــ كما في "زاد المعاد"(6/ 522) و"مسند الفاروق"(2/ 45) ــ وابن عساكر في "التاريخ"(9/ 93 - 95) من طرق بنحوه. وصحَّح شيخ الإسلام إسناد حرب في "مجموع الفتاوى"(29/ 479، 30/ 225).

(3)

في الأصل: "مخالف".

ص: 154

الثقفي، وهؤلاء كلهم أئمةٌ حفّاظٌ، وقد حفظ الثقفي ما لم يحفظ الشعبي وأنه جعل على جريب الكرم عشرة دراهم، قال: ولم يذكر النخل، وهذا يدل على أنه حفظ القصة وميَّز بين ما ذكره وما لم يذكره، فهذا عمر وعثمان بن حُنيفٍ قد وضعا على الشجر أجرةً لازمةً مؤبَّدةً، ولا مخالفَ لهم من الصحابة.

وقد صرَّح أبو عبيد والفقهاء بعده بأن الخراج أجرةٌ، قال

(1)

: ومعنى الخراج في كلام العرب إنما هو الكراء والغلَّة، ألا تراهم يسمُّون غَلَّة الأرض والدار والمملوك خراجًا؟ ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"

(2)

. وكذلك حديثه الآخر أنه احتجم، حجَمَه أبو طَيبة فأمر له بصاعين، وكلَّم أهله فوضعوا عنه من خراجه

(3)

. فسمَّى الغلَّة خراجًا. فأرض العنوة يؤدِّي أهلُها إلى الإمام الخراج كما يؤدي مستأجر الأرض والدار كراءها إلى ربها

(1)

"الأموال"(1/ 141).

(2)

أخرجه أحمد (24224) وأبو داود (3508 - 3510) والترمذي (1285، 1286) والنسائي (4490) وابن حبان (4927، 4928) والحاكم (2/ 15)، والبيهقي (5/ 321 - 322) عن عائشة من طرق ضعيفة أو معلولة. قال أحمد كما في "العلل المتناهية" (2/ 107): ما أرى له أصلًا، وقال البخاري كما في "العلل الكبير" للترمذي (ص 191): حديث منكر. على أن الترمذي قال في الموضع الأول ــ وقد أخرجه من طريقين ــ: حسن صحيح، وفي الثاني: حسن غريب. وصححه ابن حبان والحاكم، وحسَّنه الألباني في "الإرواء"(1315) بمجموع طرقه. وعليه العمل عند أهل العلم، كما ذكره الترمذي وغيره. وانظر:"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/ 347).

(3)

أخرجه البخاري (2102) ومسلم (1577) من حديث أنس.

ص: 155

الذي يملكها، ويكون للمستأجر ما زرع وغرس فيها.

ولما علم أبو عبيد أن وضع الخراج على جريب الشجر إجارةٌ له قال

(1)

: أرى حديث مجالدٍ عن الشعبي هو المحفوظ. وقام أبو عبيد وقعد في فعل عمر رضي الله عنه هذا، وقال

(2)

: لا أعرف

(3)

وجهه، وهي القبالة المكروهة. وقد بينّا أن حديث الشيباني أصح وأصرح، ويؤيده حديث تقبيل حديقة أُسيد بن حُضيرٍ، ومعه القياس ومصلحة الناس، فإنه لا فرقَ في القياس بين إجارة الأرض لمن يقوم عليها حتى تنبت وبين إجارة الشجر لمن يقوم عليها حتى تطلع، كلاهما في القياس سواءٌ.

فإن قيل: مستأجر الأرض هو الذي يبذرها.

قيل: قد يستأجرها لما ينبت فيها من الكلأ، وكونه يبذرها مثل قيامه على الشجر بالسقي والزبار

(4)

والإصلاح، وقد حكم الله سبحانه بصحة إجارة الظئر للبنها

(5)

، وهو بمنزلة إجارة الشجر لثمرها، وطردُ هذا ما جوَّزه مالك وغيره من إجارة الشاة والبقرة للبنها مدةً معلومةً، وهذا أحد الوجهين في

(1)

في "الأموال"(1/ 138).

(2)

"الأموال"(1/ 145).

(3)

في هامش الأصل: "أعلم" بعلامة خ.

(4)

قال البعلي في "المطلع"(ص 263): هو في عرف زماننا: تخفيف الكرم من الأغصان الرديئة وبعض الجيدة، يقطعها بمنجل ونحوه.

(5)

في قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]. وانظر: "زاد المعاد"(6/ 520)، و"أعلام الموقعين"(2/ 281).

ص: 156

مذهب أحمد اختاره شيخنا

(1)

.

والفرق بين إجارة الشجر لمن يخدمها ويقوم عليها حتى تُثمِر، وبين بيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها= من ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أن العقد هنا وقع على بيع عينٍ، وفي الإجارة وقع على منفعةٍ، وإن كان المقصود منها العين فهذا لا يضر، كما أن المقصود من منفعة الأرض المستأجرة للزراعة العين.

الثاني: أن المستأجر يتسلَّم الشجر فيخدمها ويقوم عليها كما يتسلَّم الأرض، وفي البيع البائع هو الذي يقوم على الشجر ويخدمها، وليس للمشتري الانتفاع بظلّها ولا رؤيتها ولا نَشْر الثياب عليها، فأين أحد البابين

(2)

من الآخر؟

الثالث: أن إجارة الشجر عقدٌ على عينٍ موجودةٍ مدةً

(3)

معلومةً لينتفع بها في سائر وجوه الانتفاع، وتدخل الثمرة تبعًا وإن كان هو المقصود، كما قلتم في نفع البئر ولبن الظئر أنه يدخل تبعًا وإن كان هو المقصود. وأما البيع فعقدٌ على عينٍ لم تُخلَق بعدُ، فهذا لونٌ وهذا لونٌ.

وسر المسألة: أن الشجر كالأرض، وخدمته والقيام عليه كشقِّ الأرض وخدمتها والقيام عليها، ومُغَلُّ الزرع كمغلّ الثمر، فإن كان في الدنيا قياسٌ

(1)

انظر: "مجموع الفتاوى"(30/ 230)، و"زاد المعاد"(6/ 524).

(2)

في المطبوع: "الرأيين" خطأ.

(3)

"مدة" ساقطة من المطبوع.

ص: 157

صحيح فهذا منه.

وأما ما حكاه أبو عبيد عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم من منع القَبالة فليس مما نحن فيه، بل هو من القَبالة الفاسدة، وهي أن يستأجر الرجل الضَّيعةَ بكلِّ ما فيها من زرعٍ وشجرٍ وعُلُوجٍ وما فيها من إجارة بيوتٍ أو حوانيت وغير ذلك، فيتقبل الجميع ويدفع إلى ربها مالًا معلومًا، فهذه إجارةٌ فاسدةٌ تتضمن أنواعًا من المحذور، كما يفعله كثيرٌ من الناس ويسمونها الكراء

(1)

، ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنهما: ذلك الربا.

ومعلومٌ أن إجارة الشجر بالدراهم والدنانير لا يدخلها ربًا، والذي منعها لم يمنعها لأجل الربا، وهذا بيِّن في حديث ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال له الرجل: أتقبَّلُ منك الأُبلَّة، فلم يطلب منه إجارة الشجر، بل يتقبل البلد كلَّه بما فيه، ويدفع إليه مالًا معلومًا، فهذا لا يجيزه أحدٌ، وقد صرّح بهذا في حديث ابن عباس سعيدُ بن جبيرٍ فقال: الرجل يأتي القريةَ فيتقبلُها وفيها النخل والزرع والشجر والعلوج

(2)

. فهذه هي القَبالات المحرمة، لا التي فعلها أمير المؤمنين وأقرَّه عليها جميع الصحابة، ولا تتمُّ مصلحة الناس إلا به

(3)

، كما لا تتم مصلحتهم إلا بإجارة الأرض، فإن الرجل يكون له البستان وفيه الأشجار الكثيرة، ولا يمكنه أن يُفرِد كل نوع ببيعٍ إذا بدا صلاحه.

(1)

في الأصل: "الكرى". وفي هامشه: "البلوى" بعلامة خ. ويمكن أن تكون الكلمة "التّكرِّي".

(2)

تقدَّم.

(3)

كذا في الأصل، وفي المطبوع:"بها".

ص: 158

والمساقاة

(1)

من الفقهاء من يمنعها كأبي حنيفة، ومنهم من يخصُّها بالنخل والكَرْم، ومن جوَّزها في جميع الشجر

(2)

. فقد تتعذر عليه المساقاة في بستانه، والرجل الذي له غرضٌ في الثمار قد لا يُحسِن

(3)

المساقاة، فتتعطل مصلحة صاحب البستان ومصلحة المستأجر، وفي هذا فسادٌ لا تأتي به الشريعة.

ومصلحة الإجارة أعظم مما يقدر فيها من الفساد بكثيرٍ، والشريعة جاءت بتقديم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة.

ولما كانت مصالح الناس لا تتم إلا بذلك وضع المانعون حيلًا للجواز، بأن يُؤجِروه بياضَ الأرض بأضعافِ أضعافِ ما تساوي، ثم يساقونه على ثمر الشجر بأدنى أدنى ما يكون، فلا الإجارة مقصودةٌ لهما ولا المساقاة، فقد دخلا على عقدٍ لم يقصده واحدٌ منهما، فالذي قصده هذا وهذا حرامٌ، والذي عقدا عليه لم يقصداه. ولم تكن هذه المسألة من مقصود الكتاب، وإنما وقعت في طريق الخراج الذي هو أخو الجزية وشقيقها.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخراج في الحديث الصحيح المتفق عليه

(4)

(1)

هي أن يدفع الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه وعملِ سائر ما يحتاج إليه، بجزء معلوم له من ثمره.

(2)

انظر: "المغني"(7/ 530).

(3)

في هامش الأصل: "يمس" بعلامة خ.

(4)

كذا، وإنما أخرجه مسلم (2896) من حديث أبي هريرة، ولم يخرجه البخاري.

ص: 159

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: "مَنَعتِ العراقُ درهمَها وقَفيزَها

(1)

، ومنعت الشام دينارها ومُدْيَها

(2)

، ومنعتْ مصر دينارها وإردَبَّها

(3)

، وعُدتم كما بدأتم" ثلاث مراتٍ. والمعنى: سيُمْنَع ذلك في آخر الزمان

(4)

.

فصل

(5)

فأما قدر الخراج المضروب فمعتبرٌ بما تحتمله الأرض، نصَّ عليه أحمد في رواية أحمد بن داود

(6)

، وقد سئل عن حديث عمر رضي الله عنه: وضع على جريب الكَرْم كذا، وعلى جريب الزرع كذا، أهو شيء موظَّفٌ

(7)

على الناس لا يُزاد عليهم أو إن رأى الإمام غيرَ هذا زاد ونقص؟ قال: بل هو على رأي الإمام، إن شاء زاد عليهم وإن شاء نقص. وقال: وهو بيِّنٌ في حديث عمر

(1)

القفيز: مكيال معروف لأهل العراق، وهو ثمانية مكاكيك، والمكُّوك صاع ونصف.

(2)

المُدْي: مكيال معروف لأهل الشام، يسع خمسة عشر مكُّوكًا.

(3)

الإردبُّ: مكيال معروف لأهل مصر، يسع أربعة وعشرين صاعًا.

(4)

هذا الحديث من أعلام النبوة، فإن هذه الأقطار الثلاثة لم تكن قد فتحت في عصر النبوة، ففيه إشارة إلى أنها ستُفتح ويجيء حقّ بيت المال من أموالها وغلّاتها، ثم تحدث الفتن وينقطع عنها ذلك. وهذا ما حدث بسبب ضعف الدولة الإسلامية المركزية وتفككها.

(5)

اعتمد فيه المؤلف على "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 165 - 167).

(6)

كذا في الأصل. وعند أبي يعلى: "محمد بن داود". وكلاهما من تلاميذ الإمام أحمد كما في "طبقات الحنابلة"(1/ 43، 296)، إلَّا أن محمدًا أشهر، فقد كان من خواصّ أصحابه ورؤسائهم، وكان الإمام يكرمه ويحدّثه بأشياء لا يحدِّث بها غيره.

(7)

من: وظَّف عليه الخراجَ ونحوه: قدَّره وألزمه. وعند أبي يعلى: "موصوف" تحريف.

ص: 160

- رضي الله عنه: إن زدتُ عليهم كذا لا يُجهِدهم، إنما نظر عمر رضي الله عنه إلى ما تُطيق الأرض.

فقد نصَّ على أن ذلك موقوفٌ على اجتهاد الإمام، وليس بموقوفٍ على تقدير عمر رضي الله عنه.

ونقل العباس بن محمد الخلال عن أحمد أنه قال: والإمام يُصيِّره

(1)

في أيديهم مقاسمةً على النصف وأقلَّ إذا رضي بذلك الأَكَرة

(2)

، يُحمِّلُهم بقدر ما يُطيقون.

ونصَّ في موضع آخر أنه ليس للإمام أن يقهره على ما أقرَّه عليه عمر رضي الله عنه.

وقال في رواية يعقوب بن بختان: لا يجوز للإمام أن ينقص، وله أن يزيد.

وقال في رواية ابن منصورٍ

(3)

: ووضع عليها عمر رضي الله عنه ــ يعني السواد ــ الخراج على كل جريبٍ درهمًا وقفيزًا من الحنطة والشعير، وما سوى ذلك من القصب

(4)

والزيتون والنخل أشياء موظَّفةً يؤدونها.

(1)

عند أبي يعلى: "يقره".

(2)

الأكرة جمع أكّار، وهو الحرَّاث.

(3)

هو الكوسج، انظر "مسائله"(1/ 244).

(4)

كذا في الأصل، وفي المصدر المذكور:"القَضْب".

ص: 161

وقال: خراج السواد ــ في

(1)

حديث عمرو بن ميمونٍ ــ قفيزٌ ودرهمٌ.

قال الخلال في "جامعه"

(2)

: أبو عبد الله يقول: إن للإمام النظر في ذلك؛ فيزيد عليهم وينقص على قدر ما يُطيقون. وقد ذكر ذلك عنه غير واحدٍ، وما قاله عباس الخلال عن أبي عبد الله فهو قولٌ أوَّل له، انتهى.

وقد اختلفت الرواية عن عمر رضي الله عنه في قدر الخراج، ففي حديث عمرو بن ميمونٍ قال: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأتاه ابن حُنيفٍ فجعل يكلِّمه، فسمعناه يقول له: آللهِ

(3)

لئن وضعتُ على كل جريبٍ من الأرض درهمًا وقفيزًا لا يُجهِدها

(4)

.

وفي حديث محمد بن عبيد الله الثقفي قال: وضع عمر على أهل السواد على كل جريبٍ عامر أو غامرٍ درهمًا وقفيزًا، وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم

(5)

.

وذكر الشعبي عن عمر أنه بعث عثمان بن حُنيفٍ إلى السواد، فوضع على جريب الشعير درهمين، وعلى جريب الرطبة أربعة دراهم، وعلى

(1)

كذا في الأصل. وفي هامشه: "على" بعلامة خ. وكذا عند أبي يعلى.

(2)

لم أجده في المطبوع منه، والمؤلف ينقل عن "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى.

(3)

في المطبوع: "تالله" خلاف ما في الأصل و"الأحكام السلطانية".

(4)

أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(108، 191) وابن أبي شيبة (33388) وأبو القاسم البغوي في "مسند ابن الجعد"(148) والبيهقي (9/ 196).

(5)

تقدَّم.

ص: 162

جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانيةً، وعلى جريب الكَرْم عشرةً

(1)

.

هذا ما حكاه أبو عبيد. قال أحمد

(2)

: أعلى وأصح حديث في أرض السواد حديث عمرو بن ميمونٍ.

وهذا الاختلاف عن عمر رضي الله عنه يدلُّ على أن الخراج ليس بمقدَّرٍ شرعًا بحيث لا تجوز فيه الزيادة ولا النقصان، بل هو باعتبار الطاقة. ويجب أن يكون وضع الخراج مُراعًى في كل أرضٍ بحسب ما تحتمله، وذلك يختلف من جهة جودة الأرض ورداءتها ومن جهة الزرع والشجر، فإن منه ما تكثر قيمته ومنه ما تَقِلُّ، ومن جهة خفَّة مؤونة السقي وكثرتها، فإن منها ما يشرب بالدَّوالي والنَّواضِح

(3)

، ومنها ما يشرب بالأمطار والأنهار، فلا بدَّ لواضع الخراج من اعتبار هذه الأوصاف، ليعلم قدر ما تحتمله الأرض، فيقصد العدل في وضعه، فلا يُجحِف بأربابها ولا بمستحقي الخراج. ويجب عليه أن يدعَ لأرباب الأرض بقيةً يَجْبُرون بها النوائب والجوائح، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في خرص الثمار في الزكاة أن يترك لأهل النخل الثلث أو الربع

(4)

،

(1)

تقدَّم.

(2)

كما في "الأحكام السلطانية"(ص 166).

(3)

الدوالي جمع دالية، وهي الناعورة أو الساقية يديرها الماء أو الحيوان. والنواضح جمع ناضح، دابة يُستقى عليها.

(4)

كما عند أحمد (15713) وأبي داود (1605) والترمذي (643) والنسائي (2491) وابن خزيمة (2319) وابن حبان (3280) والحاكم (1/ 402) من حديث عبد الرحمن بن مسعود بن نيار عن سهل بن أبي حثمة مرفوعًا.

وعبد الرحمن هذا لم يوثِّقه معتبر، وبه أعل الحديث ابنُ القطان في "بيان الوهم"(4/ 215) والألباني في "ضعيف أبي داود - الأصل"(2/ 115). ثم إنه قد خولف في رفعه، فقد أخرجه مسدد (922 - المطالب) والحاكم (1/ 403) والبيهقي (4/ 124) من طريق بُشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة عن عمر أنه قال له لمَّا بعثه إلى خرص التمر: إذا أتيتَ أرضًا فَاخْرِصْها ودَعْ لهم قدر ما يأكلون. قال الحافظ في "المطالب": إسناده صحيح.

ص: 163

وقال: "إن في المالِ السابلةَ والعريَّةَ والواطئة

(1)

"

(2)

.

فصل

ووضع الخراج ضربان:

أحدهما: أن يوضع على الأرض.

والثاني: أن يوضع على الزرع.

فإن وُضع على الأرض اعتُبر حولُه بالسنة الهلالية دون الشمسية، وهي التي تُعتبر بها الآجال شرعًا؛ كالزكاة والدية والجزية وغيرها.

(1)

في الأصل: "الوطنة" تصحيف. والواطئة: ما تأكل السابلة منه، سمَّوها واطئة لوطئهم الأرض. والعرية: ما يعرى للصِّلات في الحياة. انظر: "الأحكام السلطانية" للماوردي (ص 187)، ولأبي يعلى (ص 120).

(2)

أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(1342) وابن أبي شيبة (10665) وأبو داود في "المراسيل"(118) عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا بنحوه، وليس فيه "السابلة"، إذ الواطئة بمعناها. وروي نحوه عن عمر موقوفًا، كما عند أبي عبيد (1343) والبيهقي (4/ 124) من رواية الأوزاعي عن عمر بلاغًا.

ص: 164

وإن وضع على الزرع؛ فإن جعله مقاسمةً كان معتبرًا بكمال الزرع وتصفيته، وكان ذلك عامَه وأجلَه. وإن وضعه على مَكِيلته وأخذ على كل مقدارٍ معينٍ درهمًا أو نحوه اعتبر أيضًا بكمال الزرع. ووضعُه على رقبة الأرض أحوط؛ لأنه قد يُفرِّط في زرعها فيتعطَّل خراجها، وإذا وضع تأبَّد ما بقيت الأرض على حالها من شربها وقبولها للزرع.

فإن تعطَّلت وبارتْ أو انقطع شربها فهو نوعان:

أحدهما: أن يكون ذلك من جهة أهلها وهم قادرون على إصلاحها، فهذا لا يسقط الخراج لأنه بمنزلة الإجارة، فإذا عطَّل المستأجر الانتفاع لم تسقط عنه الأجرة.

الثاني: أن يكون بسببٍ لا صنعَ لهم فيه، كانقطاع المياه وإجلاء العدو لهم عن أرضهم، وجورٍ لحِقَهم من العمَّال لم تمكنهم الإقامةُ عليه، وتخرب

(1)

الأرض بالأمطار والسيول ونحو ذلك، فهذا يُسقِط الخراج عنهم حتى تعود الأرض كما كانت، ويتمكنوا من الانتفاع بها.

وعلى الإمام أن يَعمُر الأرض من بيت المال من سهم المصالح، ولا يجوز إلزامهم بعمارتها من أموالهم، فإن سألهم أن يَعْمُروها من أموالهم ويَعتدَّ لهم بما أنفقوا عليها من خراجها فرضُوا بذلك جاز، ولم يُجبَروا عليه إلا أن يكون سهم المصالح عاجزًا عن ذلك، ولا يضرُّ بهم عمارتُهم بالخراج، وفي ذلك مصلحةٌ لهم ولأصحاب الفيء، فهذا يسوغ له إلزامهم به.

(1)

في الأصل: "وعرض". والتصويب من هامشه.

ص: 165

فإن أمكن الانتفاع بتلك الأرض بعد أن بارتْ لصيدٍ أو مرعًى جاز أن يستأنف عليها خراجًا بحسب ما تحتمله، ولا يجوز أن يحمل عليها خراج الأرض العامرة.

فإن قيل: فهل للإمام أن يضع على الأرض المَوَات التي لا تزرع خراجًا يكون على مصايدها ومراعيها؟

قيل: لا يجوز ذلك لأنها مباحةٌ، ومَن أحياها ملَكَها، فكيف يجوز أن يوضع عليها الخراج؟

وسئل أحمد عن الصيد في أَجَمةِ قُطْرَبُّل

(1)

، وقيل له: إنهم يمنعوننا أن نصيد فيها حتى نعطيهم شيئًا، فقال للسائل: احرِصْ على أن لا تعطيهم شيئًا، فإن شارطْتَهم فلا تَخُنْهم

(2)

.

فصل

(3)

فإن زادت منفعة الأرض زيادةً عارضةً لا يُوثق بدوامها، لم يجز أن يزيد في خراجها بذلك، وإن وثق بدوام ذلك راعى المصلحة لأرباب الأرض وأرباب الفيء، واعتمد في الزيادة ما يكون عدلًا بين الفريقين.

(1)

في المطبوع: "فطَوْبَل" بالواو، جعله المحقق نحتًا من (طوبى لك)، فأبعد النجعة. والصواب ما أثبتناه من الأصل. وقطربل: اسم قرية بين بغداد وعُكبرا ينسب إليها الخمر. انظر "معجم البلدان"(4/ 371). والأجمة: الشجر الكثيف الملتف.

(2)

انظر: "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 168).

(3)

مأخوذ من المصدر السابق (ص 169).

ص: 166

فصل

(1)

وخراج الأرض ــ إن أمكن زرعها ــ واجبٌ وإن لم تُزرع. نصَّ عليه في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حربٍ، وقد سئل عن رجل في يده أرضٌ من الخراج لم يزرعها يكون عليه خراجها؟ قال: نعم، العامر والغامر. وإذا كان خراج ما أخلَّ

(2)

بزرعها يختلف باختلاف الزرع= أُخِذ منه فيما أخلَّ بزرعه خراجُ أقلِّ ما يُزرع فيها؛ لأنه لو اقتصر

(3)

على زرعه لم يعارض فيه.

ولو كانت أرض الخراج لا يمكن زرعها في كل عامٍ، بل تُراح في عامٍ أو تُزرع عامًا دون عامٍ= روعي حالها في ابتداء وضع الخراج عليها، واعتُبِر العدل لأهل الأرض وأهل الفيء في خصلةٍ من ثلاثٍ:

إما أن يجعل خراجها على الشطر من خراج ما يُزرع في كل عامٍ.

وإما أن يمسح كل جريبين منها بجريبٍ، ليكون أحدهما للمزروع والآخر للمتروك.

وإما أن يضعه بكماله على مساحة المتروك والمزروع، ويستوفي على أربابه الشطر من مساحة أرضهم.

وإذا كان خراج الزرع والثمار مختلفًا باختلاف الأنواع، فزُرِع أو غُرِس

(1)

هذا الفصل أيضًا مأخوذ من المصدر السابق (ص 169).

(2)

في الأصل: "أجله" تحريف. والتصويب من المصدر السابق.

(3)

في الأصل: "افترص" تحريف.

ص: 167

ما لم ينصّ عليه، اعتبر خراجه بأقرب

(1)

المنصوصات شبهًا به.

فصل

(2)

ولا يجوز أن ينقل أرض الخراج إلى العشر ويعطِّل خراجها، ولا أرضَ العشر إلى الخراج ويعطِّل عشرها، بل إذا كانت خراجيةً وزرعت ما يجب فيه العشر اجتمعا فيها كما تقدم.

وإذا سُقي بماء الخراج أرضُ عشرٍ كان المأخوذ منها عُشرا، وإذا سُقي بماء العشر أرضُ خراجٍ كان المأخوذ منها خراجًا اعتبارًا بالأرض دون الماء.

وقال أبو حنيفة: يعتبر حكم الماء فيؤخذ بماء الخراج [الخراجُ] وبماء العشرِ العشرُ. وكأنه نظر إلى أن الماء مادة الزرع، والأرض وعاءٌ له، فهو مستودعٌ فيها، كما لو وطئ رجل أمةَ غيره بريبةٍ فأولدها، فالولد للواطئ دون مالك الأمة. واعتبار الأرض أولى؛ لأن الخراج مأخوذٌ عن الأرض لا عن الماء، والزرع إنما يكون في الأرض، نحو من أخذ التراب والهواء المختص بها والبذر، فهذه ثلاثة أجزاءٍ تختص الأرض، والماء جزءٌ من أربعةٍ.

وأما مسألة الوطء فهي حجةٌ عليه، فإنه لو وطئها عالمًا بأنها أمة الغير كان الولد لمالك الأم، وإنما ألحق في هذه الصورة بالواطئ للسرية، فإن الولد يتبع اعتقاد الواطئ شرطًا. ولو نَزا فحلٌ على رَمَكةٍ

(3)

فأولدها كان

(1)

في الأصل: "أقرب". والمثبت من مصدر المؤلف.

(2)

اعتمد فيه المؤلف على "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 170).

(3)

الرمكة: الفرس البِرذَونة تُتّخذ للنسل.

ص: 168

الولد لصاحب الرمكة دون صاحب الفحل بالاتفاق. وأيضًا فالماء ليس عليه خراجٌ ولا عُشر، فلا يعتبر.

قال القاضي

(1)

: وعلى هذا الخلاف منع أبو حنيفة صاحبَ الخراج أن يَسقي بماء العشر، ومنع صاحبَ العشر أن يسقي بماء الخراج، ولم يمنع أحمد واحدًا

(2)

منهما أن يسقي بأي الماءين شاء.

وقد قال أحمد في رواية صالحٍ: الخراج مثل الجزية على الرقبة.

وقال في رواية ابن منصورٍ

(3)

: وإنما [هو] جزية رقبة الأرض.

فدل على أنه على رقبةٍ، فالاعتبار بها دون الماء الذي لم يوضع عليه خراجٌ.

فصل

(4)

وإذا بنى في أرض

(5)

الخراج دورًا وحوانيت كان خراجها مستحقًّا عليه. هذا ظاهر كلام أحمد، وأنَّ

(6)

الخراج لا يتوقف على الزرع والغرس، فإنه قال في رواية يعقوب بن بختان، وقد سأله: ترى أن يخرج الرجل عما في يده من دارٍ أو ضَيعةٍ على ما وظّف عمر رضي الله عنه على كل جريبٍ فيتصدَّق به؟

(1)

في "الأحكام السلطانية"(ص 170).

(2)

في الأصل: "واحد".

(3)

"مسائله"(1/ 246).

(4)

انظر: "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 170).

(5)

في الأصل: "الأرض". والمثبت من المصدر السابق.

(6)

في المطبوع: "لأن". والمثبت من الأصل موافق لما في المصدر السابق.

ص: 169

فقال: ما أجودَ هذا! فقال له يعقوب: بلغني عنك أنك تعطي عن دارك الخراج فتتصدق به، قال: نعم.

قلت: إنما كان أحمد يفعل ذلك؛ لأن بغداد من أرض السواد التي وضع عليها عمر الخراج، فلما بُنيت مساكن راعى أحمد حالها الأولى التي كانت عليها من عهد عمر رضي الله عنه إلى أن صارت دورًا.

قال القاضي

(1)

: وقد قيل: إن ما لا يُستغنى عن بنائه في مقامه في أرض الخراج لزارعها وفلّاحها عفوٌ لا خراجَ عليه؛ لأنه لا يستقلُّ

(2)

فيها إلا بمسكنٍ يسكنه، وما بناه للكراء والتوسعة التي لا يحتاج إليها فعليه خراجه.

قلت: وهذا هو الذي استمر عليه عمل الناس قديمًا وحديثا، وهو غير ما كان يفعله أحمد، على أن أحمد كان يفعل ذلك احتياطًا، ولم يأمر به أهل بغداد عامةً، بل عُدَّ من جملة ورعه أنه كان يُخرِج الخراج عن داره فيتصدق به، وغيره لم يكن يفعل ذلك ولا كان أحمد يُلزِم به الناس، وقد صرَّح أصحاب أحمد والشافعي وغيرهم أنه لا خراج على المساكن.

فصل

(3)

وإذا آجَرَ

(4)

أرض الخراج أو أعارها فخراجها على المُؤجِر والمعير.

(1)

في "الأحكام السلطانية"(ص 170).

(2)

عند أبي يعلى: "لا يستقر".

(3)

انظر: "الأحكام السلطانية"(ص 171).

(4)

ضبطه في المطبوع: "أجّر". وهو من الأخطاء الشائعة.

ص: 170

وقد قال أحمد في رواية أبي الصقر في أرض السواد يتقبلها الرجل: يؤدِّي وظيفةَ عمر، ويؤدِّي العشر بعد وظيفة عمر.

وظاهر هذا أن الخراج على المستأجر، فإنه هو الذي يؤدي العشر. وكذلك قال في رواية محمد بن أبي حربٍ

(1)

.

وقد صرَّح به أبو حفصٍ

(2)

فقال: باب الدليل على أن من استأجر أرضًا فزرعَها كان الخراج والعشر جميعًا عليه دون صاحب الأرض، ثم ساق في هذا الباب رواية أبي الصقر المتقدمة.

وقد يُحتجُّ لهذا القول بأن الخراج من تمام تربة الأرض، فهو بمنزلة السقي والحرث وتهيئتها للزراعة بما يصلح لها.

والصواب القول [الأول]

(3)

، فإن منفعة الأرض إنما هي للمُؤجِر، وما يأخذه من الأجرة عوضٌ عن تلك المنفعة، فلا يكون النفع له والخراج على غيره، فانتفاعه بالأرض تارةً يكون بنفسه وتارةً يكون بنائبه

(4)

، والمستأجر

(1)

كما في "الأحكام السلطانية"(ص 171).

(2)

هو العكبري المتوفى سنة 387، له "المقنع" و"شرح مختصر الخرقي". انظر:"طبقات الحنابلة"(2/ 163). وفي مصدر المؤلف "الأحكام السلطانية"(ص 171): "صرّح به أبو حفص في الجزء الثاني من الإجارة". وانظر: "الاستخراج" لابن رجب (ص 407).

(3)

زيادة ليستقيم المعنى.

(4)

في المطبوع: "بنيابته" خلاف الأصل.

ص: 171

نائبٌ عنه، وكذلك المستعير إنما دخل على أن ينتفع بالأرض مجَّانًا. والمذهب عند القاضي رواية واحدةٌ، وعند أبي حفصٍ على روايتين.

وقد حكى أبو عبد الله

(1)

بن حمدان في "رعايته" بعد أقوالٍ فقال: وخراج العنوة على ربّها، مسلمًا كان أو كافرًا، وعنه: بل على مستأجرها ومستعيرها، وقيل: بل على المستأجر دون المستعير، وقيل عكسه.

قال القاضي

(2)

: وعندي أن كلام أحمد لا يقتضي ما قال أبو حفصٍ؛ لأنه إنما نصّ على رجل تقبَّلَ أرضًا من السلطان فدفعها إليه بالخراج، وجعل ذلك أجرتها، لأنها لم تكن في يد السلطان بأجرةٍ، بل كانت لجماعة المسلمين. والمسألة التي ذكرناها إذا كانت في يد رجل من المسلمين بالخراج المضروب فآجَرها، فإن الثاني لا يجب عليه الخراج، بل يجب على الأول، لأنها في يده بأجرةٍ هي الخراج، وهي في يد الثاني بأجرةٍ عن الخراج.

فصل

(3)

وإذا اختلف العامل وربُّ الأرض في حكمها، فادعى العامل أنها أرض خراجٍ وادعى ربها أنها أرض عشر، وقولهما ممكنٌ، فالقول قول المالك دون العامل، فإن اتُّهِم

(4)

استحلف.

(1)

في الأصل: "أبو عبيد الله" خطأ. انظر: "ذيل طبقات الحنابلة"(2/ 331) وغيره.

(2)

في "الأحكام السلطانية"(ص 171).

(3)

انظر: "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 171).

(4)

في الأصل: "اتمها" تحريف.

ص: 172

ويجوز أن يُعتمد في مثل هذا على الشواهد الديوانية السلطانية، إذا عُلِم صحتها ووُثِق بكتابتها، ولم يتطرق إليها تهمةٌ.

فصل

وإذا ادعى ربُّ الأرض دفْعَ الخراج لم يُقبل قوله، ولو ادعى دفع الزكاة ويعرفها

(1)

بنفسه قُبِل قوله.

والفرق بينهما أن الزكاة عبادةٌ، فهي كالصوم والصلاة والاغتسال من الجنابة، وقول المسلم في ذلك مقبولٌ من غير يمينٍ. وأما الخراج فهو حقٌّ عليه بمنزلة الديون، فلا يُقبل قوله إلا ببينةٍ، فهو كالجزية.

فصل

ومن أَعسر بالخراج أُنظِر به إلى يساره ولم يسقط، وإن أعسر بالجزية سقطت عنه ولم تستقر في ذمته.

والفرق بينهما أن الجزية لا تجب مع الإعسار، فهي كالزكاة والنفقة الواجبة. وأما الخراج فهو أجرة الأرض، فيجب مع اليسار والإعسار كأجرة الدور والحوانيت، ولهذا لما ضربه عمر رضي الله عنه على الأرض لم يُراعِ فيه فقيرًا من غني.

فصل

وإذا مَطَل بالخراج مع يساره حُبِس حتى يؤدِّيه، فإن أصرَّ على الحبسِ

(2)

(1)

كذا في الأصل، ولعله "ويصرفها".

(2)

أي: مع الحبس.

ص: 173

ضُرِب. قال أصحابنا: وهكذا كل من عليه حقٌّ إذا امتنع من أدائه ضُرِب حتى يؤدّيه.

فإن وُجِد له مالٌ غير الأرض الخراجية بِيع في أداء ما عليه ما لا يضرُّ به، فلا تُباع ثيابه ولا بقره ولا مسكنه ولا آلات الحرث، فإن لم يوجد له غير الأرض

(1)

الخراجية وكان في بيع بعضها ما يؤدِّي عنه خراجَه ولا يضرُّ به بِيعَ منها بقدر ذلك، أو آجرَه وقبض أجرته عوضًا عن الخراج، وإن أضرَّ به بيعُها لم يبعْ وأُنظِر إلى الميسرة.

فصل

(2)

وإذا عجز رب الأرض عن عمارتها قيل له: إما أن تُؤجِرها وإما أن ترفع يدك عنها لتدفع إلى من يقوم بعمارتها، ولم تُترك على خرابها وإن دفع خراجها

(3)

. أومأ إليه أحمد، فقال في رواية حنبلٍ: من أسلم على شيء فهو له، ويؤخذ منه خراج الأرض، فإن ترك أرضه فلم يَعمُرها فذلك إلى الإمام، يدفعها إلى من يَعمُرها لا تخرب.

فقد منع من ترك عمارة أرض الخراج على وجه الخراب، فإنها تصير بالخراب في حكم المَوات، فيتضرَّر أهل الفيء وغيرهم بتعطيلها وإن أُدِّي عنها الخراج.

(1)

في الأصل: "أرض".

(2)

انظر: "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 172). وفيه الروايات عن الإمام أحمد.

(3)

بعدها في المصدر السابق: "لئلا تصير بالخراب مَواتًا".

ص: 174

وهذا بخلاف ما لو أحيا أرضًا ميتةً ثم تركها لم يُطالَب بعمارتها، نصَّ عليه أحمد، فقال في رواية حربٍ في رجل أحيا أرضَ المَوات، فيحفر فيها بئرًا أو يسوق إليها ماءً أو يحيط عليها حائطًا ثم يتركها، قال: هي له. قيل له: فهل في ذلك وقتٌ إذا تركها؟ قال: لا.

وكذلك قال في رواية أبي الصقر: إذا أحيا أرضًا ميتةً وزرعها ثم تركها حتى عادت خرابًا فهي له، وليس لأحدٍ أن يأخذها منه.

والفرق بين المسألتين أنه بإحيائها قد ملكها، فهو مخيَّرٌ بين الانتفاع بملكه وبين تركه، وغايتها أن تعود مَواتًا كما كانت. وأما أرض الخراج فهي مِلْكٌ لأصحاب الفيء، فليس له تعريضها للخراب وتعطيلها عليهم.

فصل

واختلفت الرواية عن أحمد فيما لا يناله الماء من الأرض هل يوضع عليه خراجٌ أم لا، وعنه في ذلك روايتان.

ووجه الوضع أن ما لا يناله الماء تبعٌ لما يناله

(1)

، فينتفع به في مصالح ما يناله الماء.

ووجه المنع أنه لا ينتفع به ولا يمكن زرعه، فهو كالفقير العاجز عن الجزية.

واختلفت الرواية عنه في المَوات الذي لا يمكن زرعه هل يوضع عليه

(1)

"تبع لما يناله" ساقطة من المطبوع.

ص: 175

الخراج؟ على روايتين، نصَّ في إحداهما على أنه إن أمكن أن يُحييه من هو في يده أو غيره أُخِذ منه، وإلّا فلا.

فصل

ومن كانت بيده أرضٌ خراجيةٌ فهو أحقُّ بها بالخراج كالمستأجَرة، ويَرِثها وارثه على الوجه الذي كانت عليه بيد الموروث، وليس للإمام نزعُها من يده

(1)

ودفعُها إلى غيره، فإن نزل هو عنها وآثرَ بها

(2)

غيرَه صار الثاني أحقَّ بها.

فصل

ومن ظُلِم في خراجه فهل له أن يحتسب بالقدر الذي ظُلِم فيه من العُشر؟ فيه روايتان عن أحمد

(3)

:

إحداهما: ليس له ذلك، كما لو سُرِق متاعه لم يحتسب به من الزكاة، وهذا أمر العشر والخراج، يجبان بسببين مختلفين لمستحقين مختلفين، فهذا للمساكين وهذا لأهل الفيء.

والثانية: له أن يحتسب به، لأنهما يجبان في الأرض بسبب المُغَلّ، فإذا

(1)

في الأصل: "بيده". والمثبت يقتضيه السياق.

(2)

في المطبوع: "أو اشتراها" خلاف الأصل.

(3)

انظر: "الهداية" للكلوذاني (ص 220).

ص: 176

تعدَّى عليه العامل وجب فيه التقدير

(1)

في أحدهما من ربح الآخر.

فصل

وللإمام ترك الخراج وإسقاطُه عن بعض من هو عليه وتخفيفُه عنه، بحسب النظر والمصلحة للمسلمين، وليس له ذلك في الجزية. والفرق بينهما أن الجزية المقصود بها إذلال الكافر

(2)

وصَغاره، وهي عوضٌ عن حَقْن دمه، ولم يمكِّنه الله من الإقامة بين أظهر المسلمين إلا بالجزية إعزازًا للإسلام وإذلالًا للكفر. وأما الخراج فهو أجرة الأرض وحقٌّ من حقوقها، وإنما وُضِع بالاجتهاد، فإسقاطه كله بمنزلة إسقاط الإمام أجرة الدار والحانوت عن المكتري.

فصل

ولا خراجَ على مَزارع مكة وإن فُتحت عنوةً.

وقيل: يُضرب عليها الخراج كسائر أرض العنوة. وهذا القول من أقبح الغلط في الإسلام، وهو مردودٌ على قائله. ومكة أجلُّ وأعظم من أن يُضرب على أرضها الجزية، وهي حرم الله وأمنُه ودار نُسكِ الإسلام، وقد أعاذها مما هو دون الخراج بكثيرٍ. وهذا القول استدراكٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر وعثمان والأئمة بعدهم إلى زمن هذا القائل، وكيف يسوغ ضرب

(1)

في الأصل: "وصيغة التعدير". ولا معنى له.

(2)

في الأصل: "الكفار" خلاف ما يقتضيه السياق.

ص: 177

الخراج الذي هو أخو الجزية وشقيقها ورضيعُ لبنها على خيرِ بقاع الله وأحبِّها إلى الله، ودارِ النُّسك، ومتعبَّدِ الأنبياء، وقريةِ رسول الله التي أخرجته، وحرَمِ رب العالمين وأمْنِه ومحلِّ بيته، وقبلةِ أهل الأرض.

قال أبو عبيد

(1)

: صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه افتتح مكة وأنه منَّ على أهلها، فردَّها عليهم، فلم يقسِمْها ولم يجعلها فيئًا. فرأى بعض الناس أن هذا الفعل جائزٌ للأئمة بعده. ولا نرى مكة يشبهها

(2)

شيء من البلاد من جهتين:

إحداهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد خصَّه الله من الأنفال والغنائم بما لم يجعله لغيره، وذلك لقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، فنرى هذا كان خاصًّا له.

والجهة الأخرى: أنه قد سنَّ لمكة سُننًا لم يَسُنَّها

(3)

لشيء من سائر البلاد.

حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجرٍ عن يوسف بن ماهَك عن أمِّه

(4)

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، ألا

(1)

"الأموال"(1/ 129).

(2)

في الأصل: "بستها" تحريف. والتصويب من "الأموال".

(3)

في الأصل: "من لمكة سببًا لم يسببها" تحريف. والتصويب من المصدر المذكور.

(4)

في الأصل: "عن أبيه". والتصويب من "الأموال" وبقية المصادر.

ص: 178

تبني لك بيتًا أو بناءً يُظِلُّك من الشمس؟ ــ تعني بمنًى

(1)

ــ فقال: "إنما هي مُناخٌ لمن سَبق"

(2)

.

وحدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مكَّة حرامٌ حرَّمها الله، لا يَحلُّ بيعُ رِباعها

(3)

ولا أجورُ بيوتها"

(4)

.

وحدثنا شريك

(5)

، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مكة حرامٌ" ــ أُراه رفعه ــ قال: "مكة مُناخٌ؛ لا يُباع رِباعُها، ولا تُؤخذ إجارتُها، ولا تَحِلُّ ضالَّتها إلا لِمُنشِدٍ"

(6)

.

(1)

في "الأموال": "بمكة". والمثبت من الأصل يوافق المصادر الأخرى.

(2)

"الأموال"(169)، وأخرجه أيضًا أبو داود (2019) والترمذي وحسَّنه (881) وابن راهويه (1286) والدارمي (1980) وابن خزيمة (2891) والحاكم (1/ 467) كلهم من طريق إسرائيل به. وأعله ابن خزيمة في تبويبه عليه، وابن القطَّان في "بيان الوهم"(3/ 468) والألباني في "ضعيف سنن أبي داود - الأم"(2/ 190) بجهالة مُسيكة (أم يوسف بن ماهَك). والأظهر أنه حسن كما قال الترمذي، فإن مُسيكة تابعية كانت تخدم عائشة رضي الله عنها، وقد أثنى عليها ابنُها خيرًا كما في رواية ابن راهويه في "مسنده".

(3)

الرباع جمع رَبْع: المنزل ودار الإقامة والمحلّة.

(4)

"الأموال"(170)، وأخرجه ابن أبي شيبة (14898) أيضًا عن أبي معاوية به. والحديث مرسل.

(5)

في الأصل: "إسرائيل". والتصويب من "الأموال" وبقية المصادر.

(6)

"الأموال"(171)، وأخرجه ابن أبي شيبة (14899، 14910) والطحاوي في "معاني الآثار"(4/ 49)، كلاهما عن شريكٍ به. والحديث عندهما موقوف بلا شكٍّ في ذلك.

ص: 179

وحُدِّثتُ عن محمد بن سَلَمة الحرَّاني، عن أبي عبد الرحيم

(1)

، عن زيد بن أبي أُنيسة، [عن أبي الزبير]، عن عبيد بن عميرٍ بنحوه، وزاد فيه

(2)

: "لا تحلُّ غنائمها"

(3)

.

حدثنا وكيعٌ عن عبيد الله بن أبي زيادٍ، عن أبي نَجيحٍ

(4)

، عن عبد الله بن عمرٍو قال: من أكلَ أجورَ بيوت مكة فإنما يأكل في بطنه نار جهنم

(5)

.

حدثنا أبو إسماعيل المؤدِّب، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن عطاءٍ أنه كره الكراء

(6)

بمكة

(7)

.

(1)

في الأصل: "أبي عبد الرحمن". والتصويب من "الأموال". والزيادة الآتية أيضًا منه.

(2)

في الأصل: "وروا". والتصويب من "الأموال". وفي المطبوع: "وروايته".

(3)

"الأموال"(172)، وأخرجه عبد الرزاق (9190) عن ابن جريج عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير بأطول منه، ولفظه:"لا تحلُّ لُقَطتُها" بدل "غنائمها". وهو مرسل جيِّد، وعبيد بن عمير من كبار التابعين.

(4)

في الأصل: "ابن أبي نجيح". والتصويب من "الأموال" ومصادر التخريج. وأبو نجيح اسمه يسار الثقفي، له روايات عن بعض الصحابة.

(5)

"الأموال"(173)، وأخرجه ابن ابي شيبة (14903) والفاكهي في "أخبار مكة"(2/ 163) وابن زنجويه (245) وابن المنذر في "الأوسط"(6/ 389) والدارقطني (3016، 3017) والبيهقي (6/ 35) من طرق عن عبيد الله بن أبي زياد به موقوفًا. وقد رواه بعضهم عنه فرفعه، وهو خطأ. انظر:"سنن الدارقطني"(3015).

(6)

أي أجرة البيوت.

(7)

"الأموال"(174)، وأخرجه عبد الرزاق (9210) وابن أبي شيبة (14900) والطحاوي في "معاني الآثار"(4/ 49) من طرق عن عطاء.

ص: 180

حدثنا إسماعيل بن عيّاشٍ عن ابن جريجٍ

(1)

قال: قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى الناس: ينهى عن كراء بيوت مكة

(2)

.

حدثنا إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير مكة: أن لا يدَعَ أهلَ مكة يأخذون على بيوت مكة أجرًا، فإنه لا يحلُّ لهم

(3)

.

حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافعٍ [عن ابن عمر]

(4)

عن عمر أنه نهى أن تُغْلَق دور مكة دون الحاج، وأنهم يضطربون

(5)

فيما وجدوا منها فارغًا

(6)

.

حدثنا [أبو]

(7)

إسماعيل، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن

(1)

في الأصل: "ابن نجيح" تحريف. والتصويب من "الأموال" ومصادر التخريج.

(2)

"الأموال"(175)، وأخرجه عبد الرزاق (9212) وابن أبي شيبة (14902) وابن سعد (7/ 356) والأزرقي (2/ 163، 164) من طرق عن عمر بن عبد العزيز.

(3)

"الأموال"(176)، وأخرجه البلاذري في "فتوح البلدان"(1/ 49) عن عمرو الناقد، عن إسحاق الأزرق به.

(4)

الزيادة من "الأموال".

(5)

أي يضربون خيامهم. وفي الأصل: "طربون"، والتصويب من "الأموال".

(6)

"الأموال"(177)، وإسناده صحيح على رسم الشيخين. وأخرجه أيضًا ابن زنجويه (247) عن محمد بن عُبيد عن عبيد الله بن عمر به.

(7)

الزيادة من "الأموال". وفيه: "يعني المؤدب".

ص: 181

جبيرٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الحرم كله مسجدٌ

(1)

.

حدثنا إسماعيل بن جعفرٍ عن إسرائيل عن ثُويرٍ عن مجاهدٍ عن ابن عمر: الحرم كله مسجدٌ

(2)

.

قلت: ويدلُّ عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]، وهذا لمكة كلها.

قال أبو عبيد

(3)

: فإذا كانت مكة هذه سننها أنها مُناخُ من سبق إليها، وأنها لا تُباع رِباعها ولا يطيب كراء بيوتها، وأنها مسجدٌ لجماعة المسلمين، فكيف تكون هذه غنيمةً فتُقسَم بين قومٍ يحوزونها دون الناس؟ أو تكون فيئًا فتصير أرضَ خراجٍ؟ [وهي أرضٌ من أرض العرب الأميين الذين كان الحكم عليهم

(1)

"الأموال"(179)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(6/ 1776) من طريق آخر عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن سعيد بن جبير مقطوعًا من قوله. ولأثر ابن عباس طريق آخر صحيح عند ابن زنجويه (252) من رواية ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس.

(2)

"الأموال"(178)، وإسناده ضعيف، فيه ثُوير بن أبي فاختة، متروك. وهو محفوظ من قول مجاهد مقطوعًا عليه، كما عند عبد الرزاق (8005) وابن زنجويه (251، 253) من طرق عنه.

تنبيه: ورد هذا الأثر في مطبوعة "الأموال" قبل أثر ابن عباس السابق. ولكن في "الأوسط" لابن المنذر (6/ 391) من طريق أبي عُبيد بنفس ترتيب المؤلف هنا.

(3)

"الأموال"(1/ 134).

ص: 182