الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في أحكام ذبائحهم
قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 6].
ولم يختلف السلف أن المراد بذلك الذبائح. قال البخاري
(1)
: قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم.
وكذلك قال ابن مسعودٍ ومجاهدٌ وإبراهيم وقتادة والحسن وغيرهم
(2)
.
وقال أحمد بن الحسن الترمذي
(3)
: سألت أبا عبد الله عن ذبائح أهل الكتاب، فقال: لا بأس بها، فقلت: إلى أي شيء تذهب فيه؟ قال: حديث عبد الله بن مغفَّلٍ يوم فتح خيبر: دُلِّي جِرابٌ من شحمٍ
…
الحديث.
قال إسحاق: أجاد
(4)
.
(1)
في كتاب الذبائح، باب ذبائح أهل الكتاب، معلَّقًا بصيغة الجزم. ووصله الطبري (8/ 136) والبيهقي في "السنن"(9/ 282) من رواية علي بن أبي طلحة عنه.
(2)
لم أجد أثر ابن مسعود في تفسير الآية، وقد روي عنه حلُّ ذبائحهم في أثر آخر عند عبد الرزاق (10176) وابن أبي شيبة (33362)، وانظر:"المغني"(13/ 293). وأما آثار التابعين فعند الطبري في "تفسيره"(8/ 135 - 137).
(3)
أسنده عنه الخلال في "الجامع"(1021).
(4)
كما في "المغني"(13/ 293). وهو في "مسائل إسحاق بن منصور الكوسج"(2/ 358).
وقال حنبلٌ
(1)
: سمعت أبا عبد الله يقول: تؤكل ذبيحة اليهودي والنصراني.
وقال إسحاق بن منصورٍ
(2)
: قال أبو عبد الله: لا بأسَ أن يذبح أهل الكتاب للمسلمين غيرَ النسيكة.
وقال حنبلٌ
(3)
: سمعت أبا عبد الله قال: لا بأسَ بذبيحة أهل الكتاب إذا هلَّلوا لله وسمَّوا عليه، قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اِسمُ اُللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 122]، والمسلم فيه اسم الله. وما أُهِلَّ لغير الله به مما ذبحوا لكنائسهم وأعيادهم يجتنب ذلك، وأهل الكتاب يسمُّون على ذبائحهم أحبُّ إلي.
وقال مهنا بن يحيى
(4)
: سألت أبا عبد الله عن ذبائح السامرة، قال: تؤكل، هم من أهل الكتاب.
وقال عبد الله بن أحمد
(5)
: قال أبي: لا بأسَ بذبائح أهل الحرب إذا كانوا أهلَ الكتاب.
(1)
"الجامع"(1010).
(2)
المصدر نفسه (1011).
(3)
المصدر نفسه (1012).
(4)
المصدر نفسه (1019).
(5)
المصدر نفسه (1022).
وقال ابن المنذر
(1)
: أجمع على هذا كلُّ من يُحفظ عنه من أهل العلم.
وتفرَّدت الشيعة دون الأمة بتحريم ذبائحهم، واحتجُّوا بأن الذكاة الشرعية لم تدركها، وبأنه إجماع أهل البيت، وبأن التسمية شرطٌ في الحلِّ، ولا يُعلم أنهم يُسَمُّون، وخبرهم لا يقبل، وبأنهم لو سمَّوا لم يسمُّوا الله في الحقيقة؛ لأنهم غير عارفين بالله. قالوا: والآية مخصوصةٌ بما سوى الذبائح لما ذكرنا من الدليل.
وهذا القول مخالفٌ للكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فلا يُلتفت إليه
(2)
.
وأما احتجاجهم بأن الذكاة الشرعية لم تدركها، فإن أرادوا بالذكاة الشرعية ما أباح الله ورسوله الأكلَ بها فهذه ذكاةٌ شرعيةٌ، وإن أُريد بها ذكاة المسلم لم يلزم من نفيها نفْيُ الحلّ، ويصير الدليل هكذا: لأن ذكاة المسلم لم تُدرِكها، فغيَّروا العبارة وقالوا: لم تدركها الذكاة الشرعية.
وأما قولهم: إنه إجماع أهل البيت، فكذبٌ على أهل البيت. وللشيعة طريقةٌ معروفةٌ، يقولون لكل ما تفرَّدوا به عن جماعة المسلمين: هذا إجماع أهل البيت! وهذا عبد الله بن عباس عالم أهل البيت يقول: كلوا من ذبائح بني تغلب، وتزوَّجوا من نسائهم، فإن الله يقول في كتابه:{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا
(1)
"الإشراف"(3/ 442)، والمؤلف صادر عن "المغني"(13/ 293).
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(35/ 212، 213).
منهم. قال سليمان بن حربٍ: ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عكرمة عنه
(1)
.
وإنما دخلت عليهم الشبهة من جهة أن عليًّا رضي الله عنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب.
قال محمد بن موسى
(2)
: قلت لأبي عبد الله: نصارى بني تغلب تؤكل ذبائحهم؟ فقال: فيما أحسب هذا عن علي: "لا تؤكل ذبائحهم" بإسناد صحيح
(3)
.
وقال إسحاق بن منصورٍ
(4)
: سألت أحمد عن ذبائح نصارى بني تغلب، فقال: ما أَثْبَتَه
(5)
عن علي!
(1)
لم أجد رواية سليمان بن حرب، ولكن أخرجه ابن أبي شيبة (16451) والطبري في "تفسيره"(8/ 132) وكذا ابن أبي حاتم (4/ 1157) والطحاوي في "مشكل الآثار"(15/ 401) من طرق عن حمَّاد به. وأخرجه الطبري (8/ 130) وابن أبي حاتم (4/ 1156، 1157) من طريقين آخرين عن عكرمة به. وأخرجه الطبري (8/ 130، 8/ 509) من روايتي سعيد بن جبير وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس بنحوه.
(2)
"الجامع" للخلال (1025).
(3)
صحَّ ذلك من طرق عنه، انظر:"تفسير الطبري"(8/ 133، 134) و"تهذيب الآثار- مسند علي"(ص 226، 227).
(4)
"الجامع"(1026).
(5)
ضُبط في الطبعتين: "ما أُثبِته"، وهو يقلب المعنى ويجعله نفيًا لثبوته، وأحمد إنما يريد ــ والله أعلم ــ: ما أصحَّ الأثرَ عن علي في ذلك. لا سيما وقد فسَّر الخلال قول أحمد عقب الرواية فقال: "يقول أحمد: هو يثبت عن علي رضي الله عنه ".
وهذه مسألة تنازع فيها السلف والخلف، وفيها عن أحمد روايتان.
وقال الأثرم
(1)
: قلت لأحمد: ذبائح نصارى العرب، ما ترى فيها؟ بني تغلب وغيرهم من العرب، فقال: أما علي فكرهها وقال: إنهم لم يتمسَّكوا من دينهم إلا بشرب الخمر، وابن عباس رخَّص فيها. وقد تقدَّمت المسألة
(2)
.
وأما قولهم: إن التسمية شرطٌ في الحلّ، فلعمر الله إنها لشرطٌ بكتاب الله وسنة رسوله، وأهلُ الكتاب وغيرهم فيها سواءٌ، فلا يؤكل متروك التسمية سواءٌ ذبحه مسلم أو كتابي، لبضعة عشر دليلًا مذكورةٍ في غير هذا الموضع
(3)
.
وأما قولهم: إنه لا يُعلم هل سمَّى أم لا، فهذا لا يدلُّ على التحريم؛ لأن الشرط متى شقَّ العلمُ به وكان فيه أعظمُ الحرج سقطَ اعتبار العلم به كذبيحة المسلم، فإن التسمية شرطٌ فيها ولا يعتبر العلم بذلك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: إن ناسًا يأتوننا باللحم لا ندري أسمَّوا الله أم لا، فقال:"سَمُّوا أنتم وكلوا"
(4)
.
(1)
"الجامع"(1027).
(2)
انظر (ص 122 وما بعدها).
(3)
انظر: "جامع المسائل"(5/ 377 - 389).
(4)
أخرجه البخاري (2057) من حديث عائشة.
وقولهم: إن قوله غير مقبولٍ، لو صح ذلك لم يجزْ بيعه ولا شراؤه ولا معاملته ولا أكل طعامه؛ لأنه إنما يستند إلى قوله فيه.
وقولهم
(1)
: إنهم لا يسمُّون الله لأنهم غيرُ عارفين به= حجةٌ في غاية الفساد؛ فإنهم يعرفون أنه خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وإن جهلوا بعض صفاته أو أكثرها، فالمعرفة التامّة ليست بشرطٍ لتعذُّرها، وأصل المعرفة معهم.
وأما تخصيص الآية بما عدا الذبائح فمخالفٌ لإجماع الصحابة ومن بعدهم، وللسنة الصحيحة الصريحة، ومستلزمٌ لحملها على ما لا فائدة فيه، فإن الفاكهة والحبوب ونحوها لا تسمَّى من طعامهم
(2)
، بخلاف ذبائحهم، ففهمُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين بعدهم أولى من فهم الرافضة، وبالله التوفيق.
فصل
إذا ثبت هذا فلا فرقَ بين الحربي والمعاهد، لدخولهم جميعًا في أهل الكتاب.
وأما نصارى بني تغلب ففيهم روايتان، وهما قولان للصحابة رضي الله عنهم.
(1)
في الأصل: "وقوله".
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(35/ 217 - 218).
فصل
وهاهنا خمس مسائل:
إحداها: ما تركوا التسمية عليه.
الثانية: ما سمَّوا عليه غير الله.
الثالثة: ما ذبحوه غير معتقدين حلَّه وهو حلالٌ عندنا.
الرابعة: ما ذبحوه معتقدين حلَّه، هل يحرم علينا منه الشحوم التي يعتقدون تحريمها؟
الخامسة: ما ذبحوه فخرج لاصِقَ الرئة، ويسمُّونه الطَّرِيفا
(1)
، هل يحرم علينا أم لا؟
ونحن نذكر هذه المسائل، واختلاف الناس فيها ومأخذها، بعون الله وتوفيقه.
فأما المسألة الأولى: فمن أباح متروك التسمية إذا ذبحه المسلم، اختلفوا: هل يُباح إذا ذبحه الكتابي
(2)
؟ فقالت طائفةٌ: يباح؛ لأن التسمية إذا لم تكن شرطًا في ذبيحة المسلم لم تكن شرطًا في ذبيحة الكتابي.
وقالت طائفةٌ: لا يُباح وإن أبيح من المسلم، وفرقوا بينهما بأن اسم الله
(1)
انظر كلام المؤلف عليه في "إغاثة اللهفان"(2/ 1111، 1112)، و"هداية الحيارى"(ص 307 - 309).
(2)
انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/ 55، 59، 60)، و"المغني"(13/ 290، 293).
في قلب المسلم وإن ترك ذكره بلسانه، وهذا مقتضى المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما
(1)
، وهو ظاهر نصِّ أحمد، فإن أحمد قال في رواية حنبلٍ
(2)
: لا بأس بذبيحة أهل الكتاب إذا أهلُّوا بها لله وسمَّوا عليها، قال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اِسمُ اُللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 122]، والمسلم فيه اسم الله. فقد خرج بالفرق كما ترى.
ومن حرَّم متروك التسمية من المسلم فلهم قولان في متروكها من الكتابي
(3)
:
أحدهما: أنه يباح، وهذا مروي عن عطاءٍ ومجاهدٍ ومكحولٍ.
والثاني: أنه يحرم كما يحرم من المسلم، وهذا قول إسحاق وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم.
فصل
المسألة الثانية: إذا ذكروا اسم غير الله على ذبيحتهم كالزُّهرَة و المسيح وغيرهما، فهل يُلحق بمتروك التسمية فيكون حكمُه حكمَه، أو يحرم قطعًا وإن أبيح متروك التسمية؟ فيه روايتان منصوصتان عن أحمد أصحهما تحريمه.
(1)
أخرج عبد الرزاق (8548) وسعيد بن منصور (914 - التفسير) والدارقطني (4806) بإسناد صحيح عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إن في المسلم اسمَ الله، فإن ذبح ونسي اسم الله فليأكل" لفظ عبد الرزاق.
(2)
في "الجامع" للخلال (1012).
(3)
انظر: "المغني"(13/ 311، 312).
قال الميموني
(1)
: سألت أبا عبد الله عمن يذبح من أهل الكتاب ولم يُسمِّ؟ فقال: إن كان مما يذبحون لكنائسهم يَدَعون التسمية فيه على عمدٍ، إنما يذبح للمسيح، فقد كرهه ابن عمر
(2)
، إلا أن أبا الدرداء يتأوَّل أن طعامهم حلٌّ
(3)
، وأكثر ما رأيت منه الكراهية لأكل ما ذبح لكنائسهم.
وقال الميموني أيضًا
(4)
: سألت أبا عبد الله عن ذبيحة المرأة من أهل الكتاب ولم تسمِّ، قال: إن كانت ناسيةً فلا بأس، وإن كان مما يذبحون لكنائسهم قد يدَعون التسمية على عمدٍ.
وقال في رواية ابنه عبد الله
(5)
: ما ذُبِح للزُّهرة فلا يُعجِبني أكله، قيل له: أحرامٌ أكلُه؟ قال: لا أقول حرامًا، ولكن لا يعجبني.
وقال في رواية حنبلٍ
(6)
: يجتنب ما ذُبح لكنائسهم وأعيادهم.
وقال أبو البركات في "محرَّره"
(7)
: وإن ذكروا عليه اسم غير الله ففيه
(1)
"الجامع" للخلال (1032).
(2)
سيأتي لفظه وتخريجه قريبًا
(3)
سيأتي الأثر عنه قريبًا.
(4)
سقط هذا النص من "الجامع" للخلال طبعة مكتبة المعارف. وهو ثابت في طبعة دار الكتب العلمية بيروت (ص 367).
(5)
"مسائله"(ص 266).
(6)
انظر: "الجامع" للخلال (2/ 445)، و"المغني"(13/ 295).
(7)
(2/ 192).
روايتان منصوصتان، أصحهما عندي تحريمه.
وقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه: لا تؤكل ذبائحهم التي سمَّوا عليها اسم المسيح
(1)
.
قال القاضي إسماعيل في "أحكام القرآن"
(2)
: وكان أهلُ الكتاب خُصّوا بإباحة ذبيحتهم، حتى كانت قد أُهِلَّ بها لله مع الكفر الذي هم عليه، فخرجت
(3)
ما أُهلَّ به لغير الله إذ كانوا قد أهلُّوا بها وأشركوا مع الله تعالى.
ولهذا الوضع ــ فيما أحسب ــ اختلف الناس فيما ذبح النصارى لأعيادهم أو ذبحوا باسم المسيح، فكرهه قومٌ لأنهم أخلصوا الكفر عند تلك الذبيحة، فصارت مما أُهِلَّ به لغير الله، ورخَّص في ذلك قومٌ على الأصل الذي أبيح من ذبائحهم.
فأما من بلغنا عنه الرخصة في ذلك فحدثنا علي بن عبد الله، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا معاوية بن صالحٍ، عن أبي الزاهرية، عن عمير بن الأسود السَّكوني قال: أتيت أهلي فإذا كتِفُ شاةٍ مطبوخةٌ، قلت: من أين هذا؟ قالوا: جيراننا من النصارى ذبحوا كبشًا لكنيسة جرجس، قلَّدوه عمامةً وتلقَّوا دمه في طَسْتٍ، ثم طبخوا وأهدوا إلينا وإلى جيراننا. قال: قلت:
(1)
انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/ 57).
(2)
ليس في القدر المطبوع منه.
(3)
كذا في الأصل بتأنيث الفعل.
ارفعوا هذا، ثم هبطتُ إلى أبي الدرداء فسألته، وذكرتُ ذلك له، فقال: اللهم غفرًا، هم أهل الكتاب طعامهم لنا حلٌّ وطعامنا لهم حلٌّ
(1)
.
ثنا علي عن
(2)
زيد بن الحباب، أخبرني معاوية بن صالحٍ، حدثني أبو الحكم التُّجيبي، حدثني جرير بن عتبة ــ أو عتبة بن جريرٍ ــ قال: سألت عبادة بن الصامت عن ذبائح النصارى لموتاهم، قال: لا بأس به
(3)
.
ثنا علي، ثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي عن مكحولٍ فيما ذبحت النصارى لأعياد كذا، قال: كُلْه، قد علم الله ما يقولون وأحلَّ ذبائحهم
(4)
.
وثنا علي، ثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابرٍ يقول: سمعت القاسم بن مُخَيمِرة قال: كُلْها، ولو سمعتُه يقول:"على اسم جرجس" لأكلتُها
(5)
!
حدثنا علي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم،
(1)
أخرجه الطبري (8/ 138) من طريق ابن وهب عن معاوية به. وإسناده حسن.
(2)
في الأصل: "بن" تحريف.
(3)
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 214) عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح به. وفي إسناده أبو الحكم التجيبي لم أهتد إلى ترجمته، وجرير بن عتبة لم يوثّقه غير ابن حبان. والأثر ضعَّفه ابن حزم في "المحلَّى"(7/ 411).
(4)
لم أجده مسندًا، وقد ذكر البغوي في "تفسيره"(3/ 18) عنه وعن الشعبي نحوه.
(5)
لم أجده مسندًا، وقد ذكره النحاس في "الناسخ والمنسوخ"(ص 363، 435) بنحوه معلَّقًا.
عن عبد الرحمن بن جبير بن نفيرٍ عن أبيه قال: كُلْها
(1)
.
وبه إلى أبي بكر، عن حبيب بن عبيد أن العرباض بن سارية قال: كُلْه
(2)
.
ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الملك، عن عطاءٍ في النصراني يذبح ويذكر اسم المسيح، قال: كُلْه، قد أحلَّ اللهُ ذبائحهم، وقد علم ما يقولون
(3)
.
وذكر عن عطاءٍ أيضًا أنه سئل عن النصراني يذبح ويقول: باسم المسيح، فقال: كل
(4)
.
وقال إبراهيم في الذمي يذبح ويقول: باسم المسيح، فقال: إذا توارى عنك فكلْ
(5)
.
(1)
لم أجده مسندًا. وفي إسناده ضعف، لضعف أبي بكر بن عبد الله بن مريم.
(2)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(18/ 260) من طريق آخر عن الوليد بن مسلم، عن أبي بكر، عن حبيب بن عُبيد، عمَّن حدَّثه عن عرباض قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذبائح النصارى [في] أعيادهم، فقال:"إن لم تأكلوه فأطعموني". قلتُ: الصواب وقفه كما عند القاضي إسماعيل، والظاهر أن رفعه وهمٌ من شيخ الطبراني في الإسناد: بكر بن سهل الدمياطي، فإنه ضعيف. على أن الموقوف نفسه فيه ضعف كما سبق في الأثر السابق، وقد ضعَّفه ابن حزم في "المحلَّى"(7/ 411).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (10184) قال: أخبرني من سمع عطاء يقول
…
بنحوه.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10180) بنحوه.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (10185) بنحوه.
وقال عبد الله بن وهبٍ: حدثني حَيْوة بن شريحٍ، عن عقبة بن مسلم التُّجيبي وقيس بن رافعٍ الأشجعي أنهما قالا: حِلٌّ لنا ما يُذبح لعيد الكنائس، وما أُهدِي من خبزٍ أو لحمٍ، وإنما هو طعام أهل الكتاب. قال حيوة: فقلت أرأيت قول الله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اِللَّهِ بِهِ} [المائدة: 4]، فقال: إنما ذلك المجوس وأهل الأوثان والمشركون
(1)
.
وقال أيوب بن نجيحٍ: سألت الشعبي عن ذبائح نصارى العرب، فقلت: منهم من يذكر الله، ومنهم من يذكر المسيح، فقال: كُلْ وأطعِمْني
(2)
.
قال القاضي إسماعيل: وأما من بلغنا عنه أنه كره ذلك، فحدثنا محمد بن أبي بكرٍ، ثنا ابن مهدي، عن قيسٍ، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي: قال إذا سمعت النصراني يقول: "باسم المسيح" فلا تأكل، وإذا لم تسمع فكُلْ، فقد أُحِلّ ذبائحهم
(3)
.
حدثنا علي، ثنا جرير، عن قابوس
(4)
بن أبي ظبيان، عن أبيه أن امرأةً سألت عائشة فقالت: إنَّ لنا أظآرًا من العجم لا يزالون يكون لهم عيدٌ، فيُهْدون لنا فيه أفنأكلُ منه؟ فقالت: أما ما ذُبح لذلك اليوم فلا تأكلوا منه، ولكن كلوا من أشجارهم
(5)
.
(1)
أخرجه الطبري (3/ 57) عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به.
(2)
لم أجده مسندًا.
(3)
علَّقه ابن حزم (7/ 411) عن عبد الرحمن بن مهدي به. وإسناده لا بأس به.
(4)
في هامش الأصل: "كابوس" برمز خ.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (24856). وإسناده لا بأس به.
حدثنا علي، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: ما ذُبِح للكنيسة فلا تأكلْه
(1)
.
وقال حمادٌ: كُلْ ما لم تسمعهم أهلُّوا به لغير الله. وكرهه مجاهدٌ وطاوسٌ، وكرهه ميمون بن مهران
(2)
.
وقال القاضي إسماعيل: وكان مالك يكره ذلك من غير أن يوجب فيه تحريمًا
(3)
.
قال المبيحون: هذا من طعامهم، وقد أباح الله لنا طعامهم من غير تخصيصٍ، وقد علم سبحانه أنهم يسمُّون غيرَ اسمه.
قال المحرِّمون: قد صرَّح القرآن بتحريم ما أُهِلَّ به لغير الله، وهذا عامٌّ في ذبيحة الوثني والكتابي إذا أهلَّ بها لغير الله، وإباحة ذبائحهم وإن كانت مطلقةً لكنها مقيدةٌ بما لم يهلُّوا به لغيره، فلا يجوز تعطيل المقيّد وإلغاؤه، بل يُحمل المطلق على المقيّد.
قال الآخرون
(4)
: بل هذا من باب العام والخاص، فأما ما أهلَّ به لغير
(1)
علَّقه ابن حزم (7/ 411) عن ابن عمر.
(2)
أثر ميمون بن مهران أخرجه الخلال في "الجامع"(2/ 445). ولم أجد قول مجاهد وطاوس.
(3)
إلى هنا انتهى النقل الطويل من "أحكام القرآن" لإسماعيل القاضي.
(4)
أي المبيحون.
الله عامٌّ
(1)
في الكتابي وغيره، خصَّ منه ذبيحة الكتابي فبقيت الآية على عمومها في غيره.
قال الآخرون
(2)
بل قوله تعالى: {وَطَعَامُ اُلَّذِينَ أُوتُوا اُلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 6]، عامٌّ فيما أهلُّوا به لله وما أهلُّوا به لغيره، خصَّ منه ما أهلَّ به لغيره، فبقي اللفظ على عمومه فيما عداه، قالوا: وهذا أولى لوجوهٍ.
أحدها: أنه قد نصَّ سبحانه على تحريم ما لم يُذكر عليه اسمه، ونهى عن أكله، وأخبر أنه فسقٌ. وهذا تنبيهٌ على أن ما ذُكر عليه اسم غيره أشدُّ تحريمًا وأولى بأن يكون فسقًا.
الثاني: أن قوله: {وَطَعَامُ اُلَّذِينَ أُوتُوا اُلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} قد خُصَّ بالإجماع
(3)
، وأما ما أُهِلَّ به لغير الله فلم يُخصَّ بالإجماع، فكان الأخذ بالعموم الذي لم يُجمَع على تخصيصه أولى من العموم الذي قد أُجمِع على تخصيصه.
الثالث: أن الله سبحانه قال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 172]، فحصر التحريم في هذه الأربعة، فإنها محرَّمةٌ في كل ملةٍ، لا تباح بحالٍ إلا عند الضرورة، وبدأ بالأخفِّ تحريمًا ثم بما هو أشدُّ منه، فإن تحريم الميتة دون تحريم الدم، فإنه
(1)
كذا في الأصل بدون الفاء.
(2)
أي المحرمون.
(3)
في نحو الخنزير وغيره، فإنه لا يحل بالإجماع ولو كان من طعامهم.
أخبث منها، ولحم الخنزير أخبث منهما، وما أهلَّ به لغير الله أخبث الأربعة.
ونظير هذا قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 31]، فبدأ بالأسهل تحريمًا ثم ما هو أشدُّ منه إلى أن ختم بأغلظ المحرمات، وهو القول عليه بلا علمٍ. فما أُهِلَّ به لغير الله في الدرجة الرابعة من المحرمات.
الرابع: أن ما أهلَّ به لغير الله لا يجوز أن تأتي شريعةٌ بإباحته أصلًا، فإنه بمنزلة عبادة غير الله. وكل ملةٍ لا بدَّ فيها من صلاةٍ ونسكٍ، ولم يشرع الله على لسان رسولٍ من رسله أن يصلي لغيره، ولا ينسك لغيره، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام: 164 - 165].
الخامس: أن ما أُهلَّ به لغير الله تحريمه من باب تحريم الشرك، وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير من باب تحريم الخبائث والمعاصي.
السادس: أنه إذا خُصَّ من طعام الذين أوتوا الكتاب ما يستحلُّونه من الميتة والدم ولحم الخنزير؛ فلأن يُخصَّ منه ما يستحلُّونه مما أهِلَّ به لغير الله أولى وأحرى.
السابع: أنه ليس المراد من طعامهم ما يستحلُّونه وإن كان محرمًا عليهم، فهذا لا يمكن القول به، بل المراد به ما أباحه الله لهم فلا يحرم علينا أكله، فإن الخنزير من طعامهم الذي يستحلُّونه ولا يُباح لنا، وتحريم ما أهلَّ
به لغير الله عليهم أعظم من تحريم الخنزير. وسرُّ المسألة أن طعامهم ما أبيح لهم، لا ما يستحلُّونه مما حرِّم عليهم.
الثامن: أن باب الذبائح على التحريم إلا ما أباحه الله ورسوله، فلو قُدِّر تعارضُ دليلَي الحظر والإباحة لكان العمل بدليل الحظر أولى، لثلاثة أوجهٍ.
أحدها: تأيُّدُه بالأصل الحاظر.
الثاني: أنه أحوط.
الثالث: أن الدليلين إذا تعارضا تساقطا، ورجع إلى أصل التحريم.
فصل
المسألة الثالثة: إذا ذبحوا ما يعتقدون تحريمه كالإبل
(1)
والنَّعام والبطّ وكل ما ليس بمشقوق الأصابع، هل يحرم على المسلم؟ اختُلف فيه
(2)
:
فأباحه الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه، وهو قول جمهور أصحابه.
وحكى ابن أبي موسى في "الإرشاد"
(3)
أنه لا يباح ما ذكاه اليهود من الإبل.
ووجهُ هذا: أنه ليس من طعام المذكِّي، ولأنه ذبحٌ لا يعتقد الذابح حلَّه
(1)
كذا في الأصل، وفي مطبوعة "المغني":"الإيَّل". وهو الوعل.
(2)
انظر: "المغني"(13/ 312).
(3)
(ص 378).
فهو كذبيحة المُحرِم. ولأن لاعتقاد الذابح أثرًا في حلِّ الذبيحة وتحريمها. ولهذا لو ذبح المسلم ما يعتقد أنه لا يَحلُّ له ذبحُه ــ كالمغصوب ــ كان حرامًا، فالقصد يؤثِّر في التذكية كما يؤثِّر في العبادة. وهذا مذهب مالك
(1)
، واحتج أصحابه على ذلك بقوله تعالى:{وَعَلَى اَلَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 147]، ولما كانت حرامًا عليهم لم تكن تذكيتهم لها ذكاةً، كما لا يكون ذبح الخنزير لنا ذكاةً.
وهذا الدليل مبني على ثلاث مقدماتٍ:
إحداها: أن ذلك حرامٌ عليهم، وهذه المقدمة ثابتةٌ بنصّ القرآن.
الثانية: أن ذلك التحريم باقٍ لم يزل.
الثالثة: أنهم إذا ذبحوا ما يعتقدون تحريمه لم تؤثِّر الذكاة في حلِّه.
فأما الأولى فهي ثابتةٌ بالنص.
وأما الثانية فالدليل عليها أنَّ سبب التحريم باقٍ، وهو العدوان، قال تعالى:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 147]، وبغيهم لم يزل بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، بل زاد البغي منهم، فالتحريم تغلَّظ بتغلُّظ البغي. يوضحه أن رفع ذلك التحريم إنما هو رحمةٌ في حقّ من اتبع الرسول، فإن الله وضع عن أتباعه الآصار والأغلال التي كانت عليهم قبل مبعثه، ولم يَضَعْها عمن كفر به، قال تعالى: {اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ اَلرَّسُولَ اَلنَّبِيَّ اَلْأُمِّيَّ اَلَّذِي يَجِدُونَهُ
(1)
انظر: "عقد الجواهر الثمينة"(1/ 584).