الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَرْوَاحَ الْأَحْيَاءِ تَتَلَاقَى فِي النَّوْمِ كَمَا تَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّ الْأَرْوَاحَ تَتَلَاقَى فِي الْهَوَاءِ فَتَتَعَارَفُ وَتَتَذَاكَرُ فَيَأْتِيهَا مَلَكُ الرُّؤْيَا بِمَا هُوَ لَاقِيهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. قَالَ وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ مَلَكًا عَلَّمَهُ وَأَلْهَمَهُ مَعْرِفَةَ كُلِّ نَفْسٍ بِعَيْنِهَا وَاسْمِهَا وَمُنْقَلَبِهَا فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا وَطَبْعِهَا وَمَعَارِفِهَا لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا يَغْلَطُ فِيهَا فَيَأْتِيهِ نُسْخَةٌ مِنْ عِلْمِ غَيْبِ اللَّهِ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ بِمَا هُوَ مُصِيبٌ لِهَذَا الْإِنْسَانِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَيَضْرِبُ لَهُ فِيهَا الْأَمْثَالَ وَالْأَشْكَالَ عَلَى قَدْرِ عَادَتِهِ فَتَارَةً يُبَشِّرُهُ بِخَبَرٍ قَدَّمَهُ أَوْ يُقَدِّمُهُ وَيُنْذِرُهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ ارْتَكَبَهَا أَوْ هَمَّ بِهَا وَيُحَذِّرُهُ مِنْ مَكْرُوهٍ انْعَقَدَتْ أَسْبَابُهُ لِيُعَارِضَ تِلْكَ الْأَسْبَابَ بِأَسْبَابٍ تَدْفَعُهَا وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الرُّؤْيَا نِعْمَةً مِنْهُ وَرَحْمَةً وَإِحْسَانًا وَتَذْكِيرًا وَتَعْرِيفًا، وَجَعَلَ أَحَدَ طُرُقِ ذَلِكَ تَلَاقِيَ الْأَرْوَاحِ وَتَذَاكُرَهَا وَتَعَارُفَهَا وَكَمْ مِمَّنْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ وَصَلَاحُهُ وَزُهْدُهُ وَإِقْبَالُهُ عَلَى الْآخِرَةِ عَنْ مَنَامٍ رَآهُ أَوْ رُئِيَ لَهُ، وَكَمْ مِمَّنِ اسْتَغْنَى وَأَصَابَ كَنْزًا أَوْ دَفِينًا عَنْ مَنَامٍ، وَهَذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ جَدُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُلَّ فِي الْمَنَامِ عَلَى زَمْزَمَ وَأَصَابَ الْكَنْزَ الَّذِي كَانَ هُنَاكَ، وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ حِكَايَاتٌ كَثِيرَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقٌ.
[معنى السيد وهل يطلق على البشر]
((فَكُلُّ مَا عَنْ سَيِّدِ الْخَلْقِ وَرَدْ مِنْ
…
أَمْرِ هَذَا الْبَابِ حَقٌّ لَا يُرَدْ))
((فَكُلُّ مَا)) أَيِ شَيْءٍ أَوِ الَّذِي ((عَنْ سَيِّدِ الْخَلْقِ)) وَرَسُولِ الْحَقِّ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: السَّيِّدُ الَّذِي يَفُوقُ فِي الْخَيْرِ قَوْمَهُ. قَالَهُ الزَّجَاجُ، وَقِيلَ التَّقِيُّ وَقِيلَ الْحَلِيمُ وَقِيلَ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَضَبُهُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ سَيِّدُ الْقَوْمِ أَجَلُّهُمْ. وَهُوَ صلى الله عليه وسلم أَجَلُّ خَلْقِ اللَّهِ وَأَعْظَمُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْرَمُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْمَلُ خَلْقِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ إِطْلَاقِ السَّيِّدِ عَلَى الْبَشَرِ فَمَنَعَهُ قَوْمٌ، وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قِيلَ لَهُ يَا سَيِّدَنَا قَالَ:" «إِنَّمَا السَّيِّدُ اللَّهُ» ". وَجَوَّزَهُ قَوْمٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِ: " «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» " وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. قُلْتُ وَكَذَا حَدِيثُ " «إِنَّ ابْنِي هَذَا - يَعْنِي الْحَسَنَ - سَيِّدٌ» " وَحَدِيثُ
" «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةٍ.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: السَّيِّدُ أَحَدُ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ فَلَا يُقَالُ لِتَمِيمِيٍّ إِنَّهُ سَيِّدُ كِنْدَةَ وَلَا يُقَالُ لِمَلِكٍ إِنَّهُ سَيِّدُ الْبَشَرِ، قِيلَ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اللَّهِ هَذَا الِاسْمُ.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهُوَ بِمَعْنَى الْمَالِكِ وَالْمَوْلَى وَالرَّبِّ لَا بِمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْمَخْلُوقِ ((وَرَدْ)) بِالْأَسَانِيدِ الْمَقْبُولَةِ وَدَوَّنَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ الْمَشْهُورَةِ ((مِنْ أَمْرِ)) أَيْ مِنْ أُمُورِ ((هَذَا الْبَابِ)) الَّذِي مَنَاطُهُ السَّمْعُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ فَكُلُّ ذَلِكَ ((حَقٌّ)) يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ صَحَّتْ بِهِ النُّقُولُ وَلَمْ تَرُدَّهُ الْعُقُولُ وَإِنْ عَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إِدْرَاكِهِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَأْتِي بِمُحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا بِمُحَالَاتِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بَيِّنٌ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي تَبَصُّرٍ ((لَا يُرَدْ)) مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِثُبُوتِهِ عَنِ الْمَعْصُومِ وَصِحَّتِهِ عَنْ رَسُولِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، فَمَنْ تَصَدَّى لِرَدِّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَقَدْ أَخْطَأَ الصَّوَابَ وَضَلَّ وَخَابَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالِارْتِيَابِ، فَإِنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ وَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي تَعْرِيفِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ وَتَكْمِيلِ مَا يُصْلِحُهُمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَبُعِثُوا جَمِيعًا بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَتَعْرِيفِ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَيْهِ وَبَيَانِ حَالِهِمْ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.
فَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ: إِثْبَاتُ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَذِكْرُ أَيَّامِ اللَّهِ فِي أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ وَهِيَ الْقَصَصُ الَّتِي قَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَالْأَمْثَالُ الَّتِي ضَرَبَهَا لَهُمْ.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: يَتَضَمَّنُ تَفْصِيلَ الشَّرَائِعِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِبَاحَةِ وَبَيَانَ مَا يُحِبُّهُ وَيَكْرَهُهُ.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي قَاعِدَةٍ لَهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِصَامِ بِالرِّسَالَةِ: عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ مَدَارُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ وَالسَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهَا وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي إِلَى تَفَاصِيلِهَا وَمَعْرِفَةِ حَقَائِقِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ يُدْرِكُ وَجْهَ الضَّرُورَةِ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَالْمَرِيضِ الَّذِي يُدْرِكُ وَجْهَ الْحَاجَةِ إِلَى الطِّبِّ وَمَنْ يُدَاوِيهِ وَلَا يَهْتَدِي إِلَى تَفَاصِيلِ الْمَرَضِ وَتَنْزِيلِ الدَّوَاءِ عَلَيْهِ، وَحَاجَةُ الْعَبْدِ إِلَى الرِّسَالَةِ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ حَاجَةِ الْمَرِيضِ إِلَى الطَّبِيبِ فَإِنَّ آخِرَ مَا يُعَذَّبُ