المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[العلامة التاسعة دابة الأرض] - لوامع الأنوار البهية - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ في ذِكْرِ بَعْضِ السَّمْعِيَّاتِ مِنْ ذِكْرِ الْبَرْزَخِ وَالْقُبُورِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَالْحَشْرِ وَالنُّشُورِ]

- ‌[المراد بها ما طريق العلم به النصوص الشرعية]

- ‌[أمور ما بعد الموت منها سؤال منكر ونكير]

- ‌[عذاب القبر]

- ‌[ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَظُلْمَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ في الكلام في الروح وحقيقتها]

- ‌[الاختلاف في حقيقة الروح وهل هي النفس أم غيرها]

- ‌[أين مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[خَلْقِ الْأَرْوَاحِ هَلْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا]

- ‌[أَيْنَ مُسْتَقَرُّ الْأَرْوَاحِ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[هَلْ تَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْمَوْتَى وَتَتَزَاوَرُ وَتَتَذَاكَرُ وَتَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ أَيْضًا]

- ‌[معنى السيد وهل يطلق على البشر]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا الدَّالَّةِ عَلَى اقْتِرَابِهَا وَمَجِيئِهَا]

- ‌[الأدلة على أشراط الساعة]

- ‌[أشراط الساعة ثلاثة أقسام الأول ما قد مضى وانقضى]

- ‌[القسم الثاني الْأَمَارَاتُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَهِيَ الَّتِي ظَهَرَتْ وَلَمْ تَنْقَضِ بَلْ تَزَّايَدُ وَتَكْثُرُ]

- ‌[القسم الثالث الْعَلَامَاتُ الْعِظَامُ وَالْأَشْرَاطُ الْجِسَامُ الَّتِي تَعْقُبُهَا السَّاعَةُ]

- ‌[العلامة الأولى ظهور المهدي]

- ‌[اسم المهدي وأشهر أوصافه]

- ‌[فوائد في شأن المهدي الأولى حليته وصفته]

- ‌[الثانية سيرة المهدي]

- ‌[الثالثة علامات ظهور المهدي]

- ‌[الرابعة بعض ما يسبق المهدي من الفتن]

- ‌[الخامسة فِي مَوْلِدِ المهدي وَبَيْعَتِهِ وَمُدَّةِ مُلْكِهِ وَمُتَعَلِّقَاتِ ذَلِكَ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثَّانِيَةُ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثَّالثة نزول عيسى عليه السلام]

- ‌[نزول عيسى عليه السلام ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ]

- ‌[فَوَائِدُ فِي مُتَعَلِّقَاتِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ عليه السلام الأولى حليته وسيرته]

- ‌[الثانية وقت نزول المسيح ومحله وما يجري على يديه]

- ‌[الثالثة مقدار مدة ووفاة المسيح عليه السلام]

- ‌[قتل المسيح للدجال]

- ‌[تنبيهات الأول قتل المسلمين لأتباع الدجال من اليهود]

- ‌[الثَّانِي فِي قَدْرِ لُبْثِ الدجال وَكَيْفِيَّةِ النَّجَاةِ مِنْهُ]

- ‌[الثَّالث ينبغي بث الأحاديث المنذرة بالدجال]

- ‌[الرابع في ابن صياد وهل هو الدجال]

- ‌[الخامس قصة تميم الداري حديث الجساسة]

- ‌[السادس الدَّجَّالِ عِنْدَ الْيَهُودِ وزعمهم فيه]

- ‌[السابع زيارة عيسى لقبر النبي وحجه البيت الحرام]

- ‌[العلامة الرابعة خروج يأجوج ومأجوج]

- ‌[العلامة الخامسة هَدْمُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ السادسَةُ الدُّخَانِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ السابعة رَفْعُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنَ الصُّدُورِ وَمِنَ السُّطُورِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثامنة طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]

- ‌[الْعَلَامَةُ التاسعة دَابَّةِ الْأَرْضِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ العاشرة خُرُوجُ النَّارِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ]

- ‌[الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ حَقٌّ وَاقِعٌ وَصِدْقٌ صَادِقٌ دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ]

- ‌[النفخ في الصور]

- ‌[الوقوف للحساب]

- ‌[الصحف]

- ‌[الميزان]

- ‌[الصراط]

- ‌[الحوض]

- ‌[قوم يزادون عن الحوض]

- ‌[الشفاعة]

- ‌[شفاعة الأنبياء وغيرهم]

- ‌[فَصْلٌ فِي‌‌ الْكَلَامِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌ الْكَلَامِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[جنة النعيم للأبرار]

- ‌[خلود الجنة والنار]

- ‌[سؤالَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالنَّعِيمِ وَالتَّنْعِيمِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ]

- ‌[رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة]

- ‌[الكفار والمكذبين محجوبين عن رؤية الله]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ ذِكْرِ سيدنا مُحَمَّدٍ وبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ أَصْحَابِهِ وَأُمَّتِهِ]

- ‌[إرسال الرسل منة من الله تعالى]

- ‌[الأوصاف اللازمة للنبوة]

- ‌[النبوة غير مكتسبة]

- ‌[خاتم النبيين]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَعْضِ الخَصَائِصِ النبوية]

- ‌[مزايا وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة غير ما ذكر]

- ‌[فَصْلٌ في التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تنحصر]

- ‌[القرآن وانشقاق القمر]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ فَضِيلَةِ نَبِيِّنَا وَأُولِي الْعَزْمِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ]

- ‌[أفضل العالم الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الأفضل من سائر الخلق بعد النبي أهل العزم]

- ‌[فَصْلٌ فيما يجب وما يستحيل في حق الأنبياء]

- ‌[فَصْلٌ الجائزفي حق الأنبياء]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرِ فضل الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رضي الله عنهم]

- ‌[أبو بكر الصديق]

- ‌[عمر الفاروق]

- ‌[عثمان ذو النورين]

- ‌[علي أبو السبطين]

- ‌[مَنْ أَحَب الخلفاء الأربعة فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ أَبْغَضَهُم فَهُوَ زِنْدِيقٌ]

- ‌[باقي العشرة]

- ‌[طلحة بن عبيد الله]

- ‌[الزبير بن العوام]

- ‌[سعد بن أبي وقاص]

- ‌ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ

- ‌[سعيد بن زيد]

- ‌[أبوعبيدة بن الجراح]

- ‌[أهل بدر]

- ‌[أهل الشجرة]

- ‌[أهل أحد]

- ‌[عائشة وخديجة]

- ‌[فَصْلٌ فِي فضل الصَّحَابَةِ جملة وحقهم]

- ‌[الصحابة أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَأَجْدَرُ الْخَلْقِ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ]

- ‌[أسباب تفضيل الصحابة]

- ‌[التحذير من الإزراء بفضل الصحابة]

- ‌[التابعون وفضلهم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِثْبَاتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي ذِكْرِ‌‌ الْإِمَامَةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا]

- ‌ الْإِمَامَةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا]

- ‌[أوجه تولي الإمامة وشروطه]

- ‌[وجوب طاعته بشرطه]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ]

- ‌[صلاح العباد لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الآمر بالمعروف يبدأ بنفسه]

- ‌[الْخَاتِمَةُ]

- ‌[مدارك العلوم]

- ‌[تعريف الحد وبيان شرطه]

- ‌[الإدراك بالحس وحال السفوسطائية]

- ‌[بعض اصطلاحات العلماء]

- ‌[التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ وَالْمُثُولُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ذكر المؤلف أن اقتفاء الأئمة والسلف الصالح ليس تقليدا لهم في الاعتقاد]

- ‌[ذكر أئمة المذاهب الأربعة]

- ‌[تُقَليِّدَ أحِد الأئمة الْأَرْبَعَةِ]

- ‌[حث المؤلف على الاقتداء بالأئمة]

- ‌[حث المؤلف على أخذ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ]

الفصل: ‌[العلامة التاسعة دابة الأرض]

الْحَفَظَةُ وَشَهِدَتِ الْأَجْسَادُ عَلَى الْأَعْمَالِ. رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَعِنْدَ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنِ ابْنِ حَمَّادٍ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو فَيُنَادِيهِمْ مُنَادٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ قُبِلَ مِنْكُمْ، وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ أُغْلِقَ عَنْكُمْ بَابُ التَّوْبَةِ وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ.

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ يُطْبَعُ عَلَى الْقُلُوبِ بِمَا فِيهَا وَتُرْفَعُ الْحَفَظَةُ وَتُؤْمَرُ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يَكْتُبُوا عَمَلًا.

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ الْآيَةُ الَّتِي تُخْتَمُ الْأَعْمَالُ بِهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا.

فَهَذِهِ آثَارٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِيَوْمِ طُلُوعِهَا بَلْ يَمْتَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَبُولُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، قَالُوا وَأَمَّا مَنْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَسْلَمَ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي مَا مُلَخَّصُهُ: الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ الصِّحَاحُ وَالْحِسَانُ أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ مُغَيًّا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَمَفْهُومُهَا أَنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ بَلْ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْقَبُولِ كَمَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَيِّ، وَالطَّبَرَانِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. رَفَعُوهُ:«لَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ» .

وَقَدْ مَرَّ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ إِفَادَةً صَرِيحَةً لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ إِبْلِيسَ يَخِرُّ سَاجِدًا وَأَنَّ الدَّابَّةَ تَقْتُلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَمُوتُ إِلَّا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَلِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[الْعَلَامَةُ التاسعة دَابَّةِ الْأَرْضِ]

((الْعَلَامَةُ التَّاسِعَةُ))

خُرُوجُ دَابَّةِ الْأَرْضِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

((كَذَاتِ أَجْيَادٍ عَلَى الْمَشْهُورِ))

((كَذَاتِ)) أَيْ صَاحِبَةِ ((أَجْيَادٍ)) وَأَجْيَادٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ اسْمُ أَرْضٍ بِمَكَّةَ أَوْ جَبَلٍ بِهَا، قَالَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَوْضِعَ خَيْلِ تُبَّعٍ. انْتَهَى.

قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ بِأَجْيَادٍ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى تُبَّعٍ وَخَيْلِهِ فَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ

ص: 143

وَرَوَاهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما لَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِرَفْعِ الْقَوَاعِدِ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ، إِنِّي مُعْطِيكُمَا كَنْزًا ادَّخَرْتُهُ لَكُمَا ثُمَّ أَوْحَى إِلَى إِسْمَاعِيلَ أَنِ اخْرُجْ إِلَى أَجْيَادٍ فَادْعُ يَأْتِكَ الْكَنْزُ فَخَرَجَ إِلَى أَجْيَادٍ وَلَا يَدْرِي مَا الدُّعَاءُ وَلَا الْكَنْزُ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ الدُّعَاءَ فَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَرَسٌ إِلَّا جَاءَتْهُ وَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَاصِيَتِهَا وَذَلَّلَهَا لَهُ.

وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ أَوَّلُ مَنْ رَكِبَ الْخَيْلَ إِسْمَاعِيلُ عليه السلام وَلِذَلِكَ سُمَّيَتِ الْعِرَابَ وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَحْشًا كَسَائِرِ الْوُحُوشِ فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام بِرَفْعِ الْقَوَاعِدِ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِنِّي مُعْطِيكُمَا كَنْزًا ادَّخَرْتُهُ لَكُمَا، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَى إِسْمَاعِيلَ - الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: وَلِذَلِكَ قَالَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم " «ارْكَبُوا الْخَيْلَ فَإِنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ» ".

قُلْتُ وَلَعَلَّ تَسْمِيَةَ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ لِمَجِيءِ الْخَيْلِ الْجِيَادِ إِلَيْهِ مُجِيبَةً سَيِّدَنَا إِسْمَاعِيلَ عليه السلام وَيُقَالُ لَهُ جِيَادٌ أَيْضًا بِغَيْرِ أَلْفٍ قَبْلَ الْجِيمِ وَقَوْلُهُ ((عَلَى)) الْقَوْلِ ((الْمَشْهُورِ)) مِنْ إِضَافَتِهَا إِلَى أَجْيَادٍ لِكَوْنِهَا تَخَرُجَ مِنْهُ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنْ أَجْيَادٍ فَيَبْلُغُ صَدْرُهَا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَمْ يَخْرُجْ ذَنَبُهَا بَعْدُ وَهِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ قَوَائِمَ» ".

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضًا أَنَّهُ أَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَكَانَ الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " «بِئْسَ الشِّعْبُ شِعْبُ أَجْيَادٍ» " قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ " «تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ فَتَصْرُخُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ فَيَسْمَعُهَا مَنْ فِي الْخَافِقَيْنِ» " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ.

وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ ذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَوْضِعٍ بِالْبَادِيَةِ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ فَإِذَا بِأَرْضٍ يَابِسَةٍ حَوْلَهَا رَمْلٌ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ» ".

وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ أَقْوَالًا مِنْ أَشْهَرِهَا أَجْيَادٌ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ. قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي الْقَنَاعَةِ: وَخُرُوجُهَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ مَكَّةَ إِمَّا مِنْ صَدْعِ الصَّفَا وَبِهِ جَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَوْ مِنَ الْمَرْوَةِ أَوْ مِنْ شِعْبِ أَجْيَادٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ أَوْ مِنْ وَرَاءِ مَكَّةَ أَوْ مِنْ مَدِينَةِ قَوْمِ لُوطٍ. انْتَهَى.

ص: 144

وَقِيلَ بَلْ أَوَّلُ خُرُوجِهَا مِنْ أَقْصَى الْيَمَنِ، وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " «يَكُونُ لِلدَّابَّةِ ثَلَاثُ خَرَجَاتٍ فِي الدَّهْرِ تَخْرُجُ فِي أَوَّلِ خَرْجَةٍ فِي أَقْصَى الْيَمَنِ مُنْتَشِرًا ذِكْرُهَا بِالْبَادِيَةِ وَلَا يَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ - يَعْنِي مَكَّةَ - ثُمَّ تَمْكُثُ زَمَانًا طَوِيلًا تَخْرُجُ خَرْجَةً أُخْرَى دُونَ تِلْكَ فَيَعْلُو ذِكْرُهَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَيَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ، ثُمَّ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً وَأَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَكْرَمِهَا عَلَى اللَّهِ - يَعْنِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ - لَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ مِنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَبَابِ بَنِي مَخْزُومٍ فَيَرْفُضُ النَّاسُ عَنْهَا وَتَثْبُتُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَنْ يُعْجِزُوا اللَّهَ فَتَنْفُضُ عَنْ رَأْسِهَا التُّرَابَ فَتَجْلُوا عَنْ وُجُوهِهِمْ حَتَّى كَأَنَّهُمُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ» - الْحَدِيثَ.

وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ لِلدَّابَّةِ ثَلَاثُ خُرُجَاتٍ فَفِي بَعْضِ خُرُجَاتِهَا تَخْرُجُ فِي مَدِينَةِ قَوْمِ لُوطٍ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مِنْ أَقْصَى الْبَادِيَةِ، وَفِي بَعْضِهَا تَخْرُجُ مِنْ بَعْضِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مِنْ وَرَاءِ مَكَّةَ وَأَنَّهَا مِنَ الْيَمَنِ لِأَنَّ الْحِجَازَ يَمَانِيَةٌ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ الْكَعْبَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْمَرَّةُ الثَّالِثَةُ تَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ وَهِيَ مِنْ كِبَرِهَا وَعِظَمِ جُثَّتِهَا وَطُولِهَا يُمْكِنُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَجْيَادٍ فَإِنَّهَا تَمْتَدُّ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ وَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنَ الْمَرْوَةِ وَمِنَ الصَّفَا وَمِنْ أَجْيَادٍ وَمِنَ الْمَسْجِدِ وَمِنَ الْبَادِيَةِ الَّتِي بِقُرْبِ مَكَّةَ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ.

وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ خَرْقًا لِلْعَادَةِ فِي صُوَرٍ مُتَبَايِنَةٍ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ كَمَا فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ دَابَّةٌ مِمَّا هُوَ مَبْثُوثٌ نَوْعُهَا فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَتْ بِوَاحِدَةٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ دَابَّةٌ اسْمُ جِنْسٍ.

وَذَكَرَ الْكُورَانِيُّ أَنَّهُ حَيْثُ وَرَدَ فِي الْمَرْفُوعِ، لَهَا ثَلَاثُ خُرُجَاتٍ مِنْ ثَلَاثِ مَحَلَّاتٍ، وَمِنَ الْمَذْكُورِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ: وَالتَّخْصِيصُ بِالْعَدَدِ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّائِدِ وَالنَّاقِصِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ خُرُجَاتٍ كُلُّ خَرْجَةٍ مِنْ مَحَلٍّ فَيَصِحُّ خُرُوجُهَا مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ ذَكَرُوهُ، وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي طُولِهَا وَغَيْرِهِ فَإِنَّ الْأَقَلَّ لَا يُنَافِي الْأَكْثَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ. انْتَهَى.

وَوَرَدَ أَنَّ خُرُوجَهَا لَيْلَةَ جَمْعٍ

ص: 145

وَالنَّاسُ سَائِرُونَ إِلَى مِنًى فَيَتَصَدَّعُ الصَّفَا فَتَخْرُجُ مِنْهُ، وَقِيلَ تَخْرُجُ مِنَ الْحِجْرِ، وَقِيلَ مِنْ أَرْضِ الطَّائِفِ، وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ عليهما السلام لَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ وَلَا يُعْجِزُهَا هَارِبٌ.

إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَخُرُوجُ الدَّابَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " «دَابَّةُ الْأَرْضِ طُولُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ وَلَا يَفُوتُهَا هَارِبٌ» " وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنْ أَجْيَادٍ فَيَبْلُغُ صَدْرُهَا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَمْ يَخْرُجْ ذَنَبُهَا بَعْدُ وَهِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ قَوَائِمَ» ".

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ يَرْفَعُهُ " «أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهَا رَأْسُهَا مُعَلَّمَةً ذَاتِ وَبَرٍ وَرِيشٍ» ". وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رضي الله عنه تَخْرُجُ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَلَا يَخْرُجُ إِلَّا ثُلُثُهَا.

وَرُوِيَ فَلَا يَخْرُجُ إِلَّا رَأْسُهَا فَيَبْلُغُ عَنَانَ السَّمَاءِ وَتَبْلُغُ السَّحَابَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ وَمَا بَيْنَ قَرْنَيْهَا فَرَسَخٌ لِلرَّاكِبِ.

وَقَالَ وَهْبٌ: وَجْهُهَا وَجْهُ رَجُلٍ وَسَائِرُ خَلْقِهَا كَخَلْقِ الطَّيْرِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: رَأْسُهَا رَأْسُ الثَّوْرِ، وَعَيْنُهَا عَيْنُ خِنْزِيرٍ، وَأُذُنُهَا أُذُنُ فِيلٍ، وَقَرْنُهَا قَرْنُ إِبِلٍ، وَعُنُقُهَا عُنُقُ نَعَامَةِ، وَصَدْرُهَا صَدْرُ أَسَدٍ، وَلَوْنُهَا لَوْنُ نَمِرٍ، وَخَاصِرَتُهَا خَاصِرَةُ هِرٍّ، وَذَنَبُهَا ذَنَبُ تَيْسٍ، وَقَوَائِمُهَا قَوَائِمُ بَعِيرٍ، بَيْنَ كُلِّ مَفْصِلَيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ آدَمَ عليه السلام.

وَقَالَ كَعْبٌ: صَوْتُهَا صَوْتُ حِمَارٍ. وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ، وَعَصَا مُوسَى فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا: يَا مُؤْمِنُ وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ» ".

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ ثُمَّ يُعَمِّرُونَ فِيكُمْ ثُمَّ يَشْتَرِي الرَّجُلُ الدَّابَّةَ فَيَقُولُ مِمَّنِ اشْتَرَيْتَ فَيَقُولُ مِنَ الرَّجُلِ الْمُخَطَّمِ» ".

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنَّ لَهَا عُنُقًا مُشْرِفًا أَيْ طَوِيلًا

ص: 146

يَرَاهَا مَنْ بِالْمَشْرِقِ كَمَا يَرَاهَا مَنْ بِالْمَغْرِبِ، وَلَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ، وَمِنْقَارٌ كَمِنْقَارِ الطَّيْرِ، ذَاتُ وَبَرٍ وَزَغَبٍ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا ذَاتُ زَغَبٍ وَرِيشٍ فِيهَا مِنْ أَلْوَانِ الدَّوَابِّ كُلِّهَا وَلَهَا مِنْ كُلِّ أُمَّةِ سِيمَةٌ وَسِيمَاهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّهَا تُكَلِّمُ النَّاسَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَتُكَلِّمُهُمْ بِكَلَامِهِمْ.

(قَوْلُهُ) ذَاتُ زَغَبٍ أَيْ عَلَيْهَا زَغَبٌ وَهُوَ صِغَارُ الرِّيشِ أَوَّلُ مَا يَطْلُعُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْأَيِّلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً وَبِضَمِّ وَبِفَتْحِ (الْوَاوِ وَكَسْرِ) الْعَيْنِ وَهُوَ تَيْسُ الْجَبَلِ وَالسِّيمَةُ الْعَلَامَةُ.

وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّكَ دَابَّةُ الْأَرْضِ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لِدَابَّةِ الْأَرْضِ رِيشًا وَزَغَبًا وَمَا لِي رِيشٌ وَلَا زَغَبٌ، وَإِنَّ لَهَا حَافِرًا وَإِنَّهَا لَتَخْرُجُ حَضَرَ الْفَرَسِ الْجَوَادِ ثَلَاثًا وَمَا خَرَجَ ثُلُثَاهَا.

وَفِي الْمِيزَانِ لِلْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: دَابَّةُ الْأَرْضِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

قَالَ الذَّهَبِيُّ وَكَانَ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ شِيعِيًّا يَرَى الرُّجْعَةَ - أَيْ أَنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا.

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ مَا لَقِيتُ أَحَدًا أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَلَا أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ كُنَّا فِي مَنْزِلِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ فَنَزَلْنَا خَوْفًا أَنْ يَقَعَ عَلَيْنَا السَّقْفُ.

وَمَعَ ذَلِكَ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَشْهُورٌ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ، وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا - وَذَكَرَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِيهِ - قَالَ: وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.

وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ (التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ) : جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ عَالِمُ الشِّيعَةِ تَرَكَ يَحْيَى الْقَطَّانُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكٌ، وَوَثَّقَهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَقَالَ وَكِيعٌ: مَا شَكَكْتُمْ فِي شَيْءٍ فَلَا تَشُكُّوا أَنَّ جَابِرَ الْجُعْفِيَّ ثِقَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ مَعَ الدَّابَّةِ عَصَا مُوسَى

ص: 147

وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ عليهما السلام وَتُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهَا {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82] وَتَسِمُ النَّاسَ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُرَى وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ وَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِنٌ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتُنْكَتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا نُكِتَ فِي مَسْجِدِهِ بِعَصَا مُوسَى نُكْتَةً بَيْضَاءَ فَتَفْشُو تِلْكَ النُّكْتَةُ حَتَّى يَبْيَضَّ لَهَا وَجْهُهُ، وَلَا يَبْقَى كَافِرٌ إِلَّا نُكِتَ فِي وَجْهِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ بِخَاتَمِ سُلَيْمَانَ فَتَفْشُو تِلْكَ النُّكْتَةُ حَتَّى يَسْوَدَّ لَهَا وَجْهُهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ «فَتَلْقَى الْمُؤْمِنَ فَتَسِمُهُ فِي وَجْهِهِ نُكْتَةً فَيَبْيَضُّ لَهَا وَجْهُهُ، وَتَسِمُ الْكَافِرَ نُكْتَةً يَسْوَدُّ لَهَا وَجْهُهُ» .

وَفِي أُخْرَى فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ حَتَّى أَهْلُ الْخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُونَ لِهَذَا: يَا مُؤْمِنُ، وَلِهَذَا: يَا كَافِرُ، وَيَتَعَوَّذُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْهَا بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِهِ فَتَقُولُ: يَا فُلَانُ، الْآنَ تُصَلِّي فَيُقْبِلُ عَلَيْهَا فَتَسِمُهُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ تَنْطَلِقُ، وَيَشْتَرِكُ النَّاسُ فِي الْأَمْوَالِ وَيَصْطَحِبُونَ فِي الْأَمْصَارِ يَعْرِفُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَبِالْعَكْسِ حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَقُولُ لِلْكَافِرِ يَا كَافِرُ اقْضِ حَقِّي، وَتَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تَنْفُذُهَا، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الشَّامَ فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تَنْفُذُهَا، ثُمَّ الْمَغْرِبَ وَالْيَمَنَ كَذَلِكَ.

وَأَخْرَجَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي الْفِتَنِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَا يَلْبَثُونَ - يَعْنِي النَّاسَ - بَعْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ وَلَا يُقْبَلُ لِأَحَدٍ تَوْبَةٌ، وَيَخِرُّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا يُنَادِي إِلَهِي مُرْنِي أَسْجُدُ لِمَنْ شِئْتَ، وَتَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ تَقُولُ يَا سَيِّدَنَا إِلَى مَنْ نَفْزَعُ فَيَقُولُ إِنَّمَا سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُنْظِرَنِي إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَأَنْظَرَنِي إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وَقَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَهَذَا يَوْمُ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ. وَتَصِيرُ الشَّيَاطِينُ ظَاهِرَةً فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَقُولَ الرَّجُلُ هَذَا قَرِينِي الَّذِي كَانَ يُغْوِينِي فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاهُ. وَلَا يَزَالُ إِبْلِيسُ سَاجِدًا بَاكِيًا حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ فَتَقْتُلُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي سُؤَالِ إِبْلِيسَ أَنْ يُنْظَرَ لِيَوْمِ الْبَعْثِ مَكْرٌ مِنْهُ وَخِدَاعٌ وَجَهْلٌ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا حَاوَلَ أَنْ لَا يَذُوقَ الْمَوْتَ لِأَنَّ يَوْمَ الْبَعْثِ لَيْسَ بِيَوْمِ مَوْتٍ وَإِنَّمَا هُوَ يَوْمُ بَعْثٍ وَنُشُورٍ وَإِحْيَاءٍ وَبَعْثَرَةٍ لِمَنْ فِي الْقُبُورِ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يُقْبَضُ إِذْ ذَاكَ إِبْلِيسُ أَوْ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ يَوْمُ الْجَزَاءِ فَأَجَابَهُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ بِأَنَّهُ مُنْظَرٌ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.

وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ بِأَنَّ

ص: 148