الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّهُ يَنْزِلُ وَيَحْكُمُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَيْسَ يَنْزِلُ بِشَرِيعَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ قَائِمَةً بِهِ وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا، وَيَتَسَلَّمُ الْأَمْرَ مِنَ الْمَهْدِيِّ وَيَكُونُ الْمَهْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ حَتَّى أَصْحَابِ الْكَهْفِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْمَهْدِيِّ كَمَا مَرَّ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ عِيسَى عليه السلام يُصَلِّي وَرَاءَ الْمَهْدِيِّ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي نُبُّوتِهِ، وَكَذَلِكَ يُسَلِّمُ إِلَيْهِ تَابُوتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكُلَّ مَا مَعَهُ مِنْ آلَاتِ الْأَمْرِ.
[فَوَائِدُ فِي مُتَعَلِّقَاتِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ عليه السلام الأولى حليته وسيرته]
(فَوَائِدُ فِي مُتَعَلِّقَاتِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ عليه السلام
(الْأُولَى) فِي حِلْيَتِهِ وَسِيرَتِهِ، أَمَّا حِلْيَتُهُ فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ «أَنَّهُ أَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ. وَفِي رِوَايَةٍ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ سَبْطٌ يَنْطِفُ» - بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمِلَةِ أَيْ يَقْطُرُ - زَادَ فِي رِوَايَةٍ:«لَهُ لِمَّةٌ - أَيْ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ - أَحْسَنُ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا» - بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيْ سَرَّحَهَا - وَفِي رِوَايَةٍ - «لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ رَجِلُ الشَّعْرِ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا: " «وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ سَبْطَ الرَّأْسِ» - زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ: «كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ» - يَعْنِي الْحَمَّامَ - وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالْأُدْمَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أُدْمَتُهُ صَافِيَةً كَمَا مَرَّ: لَا يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ كَافِرٌ إِلَّا مَاتَ.
وَأَمَّا سِيرَتُهُ فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَقْتُلُ الْقِرْدَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَيَتَّحِدُ الدِّينُ فَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللَّهُ، وَيَتْرُكُ الصَّدَقَةَ أَيِ الزَّكَاةَ لِعَدَمِ مَنْ يَقْبَلُهَا، وَتَظْهَرُ الْكُنُوزُ فِي زَمَنِهِ وَلَا يُرْغَبُ فِي اقْتِنَاءِ الْمَالِ، وَيَرْفَعُ الشَّحْنَاءَ وَالتَّبَاغُضَ وَيَنْزِعُ اللَّهُ سُمَّ كُلِّ ذِي سُمٍّ حَتَّى تَلْعَبَ الْأَوْلَادُ بِالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ فَلَا تَضُرُّهُمْ، وَتَرْعَى الشَّاةُ مَعَ الذِّئْبِ فَلَا يَضُرُّهَا، وَتُمْلَأُ الْأَرْضُ سِلْمًا - وَيَنْعَدِمُ الْقِتَالُ، وَتُنْبِتُ الْأَرْضُ نَبْتَهَا كَعَهْدِ آدَمَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الْقِطْفِ مِنَ الْعِنَبِ فَيُشْبِعُهُمْ، وَكَذَا الرُّمَّانَةُ، وَتَرْخُصُ الْخَيْلُ لِعَدَمِ الْقِتَالِ، وَيَغْلُو الثَّوْرُ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُحْرَثُ كُلُّهَا. وَيَكُونُ مُقَرِّرًا لِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا أَنَّهُ رَسُولٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا مَرَّ، وَيَكُونُ
قَدْ عُلِّمَ أَحْكَامَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ.
وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ بِنُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام يُرْفَعُ التَّكْلِيفُ. وَهَذَا مَرْدُودٌ لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ أَنَّهُ يَكُونُ مُقَرِّرًا لِأَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَمُجَدِّدًا لَهَا إِذْ هِيَ آخِرُ الشَّرَائِعِ وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم آخِرُ الرُّسُلِ، وَالدُّنْيَا لَا تَبْقَى بِلَا تَكْلِيفٍ، فَإِنَّ بَقَاءَ الدُّنْيَا إِنَّمَا يَكُونُ بِمُقْتَضَى التَّكْلِيفِ إِلَى أَنْ لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا» . قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْقَنَاعَةِ وَابْنُ حَجَرٍ فِي الْقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: مَعْنَى ذَلِكَ لَا يَبْقَى لِقُرَيْشٍ اخْتِصَاصٌ بِشَيْءٍ دُونَ مُرَاجَعَتِهِ فَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ خَبَرُ " «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ» ". قَالَ الْبَرْزَنْجِيُّ فِي الْإِشَاعَةِ: وَيَدُلُّ لِهَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ " «فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ» " وَعَلَى هَذَا فَلَا مُنَافَاةَ أَنْ يَكُونَ الْمَهْدِيُّ أَمِيرًا حَتَّى فِي زَمَنِ عِيسَى عليه السلام وَيَكُونُ مُرَاجَعَتُهُ فِي الْأُمُورِ لِعِيسَى عليه السلام لِلتَّبَرُّكِ وَالتَّيَمُّنِ بِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَصِحُّ خَبَرُ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَعَ مُشَاهَدَتِنَا انْفِصَالَ قُرَيْشٍ عَنِ الْمُلْكِ مُنْذُ أَزْمَانٍ، فَالْجَوَابُ اسْتِحْقَاقُهَا لِهَذَا الْأَمْرِ وَإِنْ ظَلَمَهَا ظَالِمٌ.
وَأَمَّا عِيسَى فَيُظْهِرُ كَمَالَ الْعَدْلِ فَلَا يَأْخُذُ حَقَّهُمْ وَرُبَّمَا أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ الْأَمْرِ فِي قُرَيْشٍ وَلَوْ مُرَاجَعَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ قُرَيْشًا يُرَاجَعُونَ، عَلَى أَنَّ مُلُوكَ زَمَانِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَمَلَّكُونَ بِالنِّيَابَةِ عَنْ قُرَيْشٍ وَيَعْمَلُونَ صُورَةً نِيَابَةً عَنْ نَقِيبِ السَّادَةِ الْأَشْرَافِ عَلَى أَنَّ لِبَنِي هَاشِمٍ اسْتِقْلَالًا بِالْأَمْرِ فِي مَحَلَّاتٍ كَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا.
ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ الْأَمْرَ فِي أَيَّامِ عِيسَى يَكُونُ لِلْمَهْدِيِّ مَعَ كَوْنِ عِيسَى رَسُولًا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مَعْصُومًا وَالْمَهْدِيُّ رَجُلٌ مُجْتَهِدٌ، نَعَمْ يَكُونُ الْمَهْدِيُّ مِنْ خَوَاصِّ السَّيِّدِ عِيسَى بَلْ وَزِيرُهُ وَالْمُقَرَّبُ لَدَيْهِ يُرَاجِعُهُ فِي الْأُمُورِ وَتَصْدُرُ عَنْهُ الشُّورَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.