الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولُهُ كَذَا، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ كَذَا وَكَذَا، وَهُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَأَحْظَى الْأُمَّةِ بِهِمَا، فَقُوَاهُمْ مُتَوَافِرَةٌ مُجْتَمِعَةٌ عَلَيْهِمَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[أسباب تفضيل الصحابة]
وَلِهَذَا نَقُولُ فِي النَّظْمِ:
((فَإِنَّهُمْ قَدْ شَاهَدُوا الْمُخْتَارَا
…
وَعَايَنُوا الْأَسْرَارَ وَالْأَنْوَارَا))
((وَجَاهَدُوا فِي اللَّهِ حَتَّى بَانَا
…
دِينُ الْهُدَى وَقَدْ سَمَا الْأَدْيَانَا))
((وَقَدْ أَتَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ
…
مِنْ فَضْلِهِمْ مَا يَشْفِي لِلْغَلِيلِ))
((وَفِي الْأَحَادِيثِ وَفِي الْآثَارِ
…
وَفِي كَلَامِ الْقَوْمِ وَالْأَشْعَارِ))
((مَا قَدْ رَبَا مِنْ أَنْ يُحِيطَ نَظْمِي
…
عَنْ بَعْضِهِ فَاقْنَعْ وَخُذْ عَنْ عِلْمِ))
((فَإِنَّهُمْ)) أَيِ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ مِنَ الْمَلِكِ السَّلَامِ، ((قَدْ شَاهَدُوا)) ، وَصَحِبُوا ((الْمُخْتَارَا)) بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ فِي الْمُخْتَارِ مِنْ سَائِرِ الْأَنَامِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَأَتَمُّ السَّلَامِ، ((وَعَايَنُوا)) فِي صُحْبَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ الْمُخْتَارِ ((الْأَسْرَارَ)) الْقُرْآنِيَّةَ، وَعَلِمُوهَا مِنَ الْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَعَلِمُوا التَّنْزِيلَ وَالتَّأْوِيلَ وَآدَابَهُ، ((وَ)) عَايَنُوا ((الْأَنْوَارَ)) الْقُرْآنِيَّةَ، وَالْأَشِعَّةَ الْمُصْطَفَوِيَّةَ، فَهُمْ أَسْعَدُ الْأُمَّةِ بِإِصَابَةِ الصَّوَابِ، وَأَجْدَرُ الْأَئِمَّةِ بِعِلْمِ فِقْهِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ، لِفَوْزِهِمْ بِصُحْبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمُشَاهَدَةِ نُزُولِ الْوَحْيِ، وَمَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ، فَلَا يُجَارُوا فِي عِلْمِهِمْ، وَلَا يُبَارُوا فِي فَهْمِهِمْ، فَكُلُّ عِلْمٍ وَفَهْمٍ وَخَيْرٍ عَنْهُمْ وَصَلَ، وَكُلُّ سَعَادَةٍ وَسِيَادَةٍ وَفِقْهٍ مِنْ عِلْمِهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ حَصَلَ، فَرِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مَا زَيَّنَ ذِكْرُهُمُ الدَّفَاتِرَ، وَشَرَّفَ نَشْرُهُمُ الْمَنَابِرَ، ((وَجَاهَدُوا فِي)) سَبِيلِ ((اللَّهِ)) ، لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَبَذَلُوا نُفُوسَهُمُ النَّفِيسَةَ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ، ((حَتَّى بَانَا)) بِأَلْفِ الْإِطْلَاقِ أَيْ ظَهَرَ وَوَضَحَ وَاسْتَعْلَنَ ((دِينُ الْهُدَى)) أَيْ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بِهِ الْهُدَى وَالدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ وَالْفَوْزُ وَالْفَلَاحُ، وَأَشْرَقَ نُورُ الِاهْتِدَا وَشُعَاعُ الْوُصُولِ فَلَاحَ ((وَقَدْ سَمَا)) أَيْ عَلَا دِينُ الْإِسْلَامِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ((الْأَدْيَانَا)) أَيْ سَائِرَ الْأَدْيَانِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ، وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الدِّينِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، فَسَائِرُ الْأَدْيَانِ غَيْرُ دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَ بِهِ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ مَنْسُوخَةٌ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ مَمْسُوخَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] وَقَالَ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] .
((وَقَدْ أَتَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ))
مِنَ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ، وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، ((مِنْ فَضْلِهِمْ)) أَيِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ - عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ وَالسَّلَامُ - ((مَا)) أَيِ الَّذِي يَعْنِي مِنَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ، وَالْكَلِمَاتِ الْبَاهِرَاتِ ((يَشْفِي)) مِنْ شَفَى يَشْفِي أَيْ يُبْرِئُ ((لِلْغَلِيلِ)) - بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - كَأَمِيرٍ الْعَطَشِ أَوْ شِدَّتِهِ، أَوْ حَرَارَةِ الْجَوْفِ، كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ مَا يُطْفِئُ حَرَارَةَ الْجَهْلِ بِمَقَامَاتِهِمُ الْبَاذِخَةِ، وَبِنَفْيِ الْوَهْمِ وَالْغُلِّ عَنْ أَطْوَادِ عُلُومِهِمُ الرَّاسِخَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] الْآيَاتِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54] وَكَقَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] الْآيَاتِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] وَقَوْلِهِ: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] وَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] وَقَوْلُهُ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الصَّادِقِينَ، وَكُلُّ صَادِقٍ بَعْدَهُمْ فَبِهِمْ يَأْتَمُّ فِي صِدْقِهِ، بَلْ حَقِيقَةُ صِدْقِهِ اتِّبَاعُهُ لَهُمْ، وَكَوْنُهُ مَعَهُمْ، وَقَوْلُهُ:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] أَيْ أُمَّةً خِيَارًا عُدُولًا فَإِنَّ هَذِهِ حَقِيقَةُ الْوَسَطِ، فَهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَعْدَلُهَا فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَإِرَادَاتِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ، وَبِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ لِلرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ شُهَدَاؤُهُ، وَلِهَذَا نَوَّهَ بِهِمْ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78] الْآيَةَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْكَلِمَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ.
((وَ)) قَدْ أَتَى أَيْضًا ((فِي الْأَحَادِيثِ)) النَّبَوِيَّةِ ((وَفِي الْآثَارِ))