الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» ". وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «يَبْعَثُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسًا فِي صُوَرِ الذَّرِّ يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِمْ فَيُقَالُ مَا هَؤُلَاءِ فِي صُوَرِ الذَّرِّ؟ فَيُقَالُ:
هَؤُلَاءِ الْمُتَكَبِّرُونَ فِي الدُّنْيَا» ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «يُجَاءُ بِالْجَبَّارِينَ، وَالْمُتَكَبِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِجَالٌ فِي صُورَةِ الذَّرِّ تَطَؤُهُمُ النَّاسُ مِنْ هَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: ثُمَّ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى نَارِ الْأَنْيَارِ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا نَارُ الْأَنْيَارِ؟ " قَالَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
" «الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَهُوَ الْغَافِقِيُّ الْمِصْرِيُّ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ مَنَاكِيرُ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ قَالَ كُلُّ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنَّ الْمُرَادَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا: أَيْ فِي أَعْمَالِهِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ، وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الْآخَرِ:
يُبْعَثُ الْعَبْدُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ.
قَالَ:
وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْأَكْفَانِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنَّمَا يُكَفَّنُ بَعْدَ الْمَوْتِ. انْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، وَفِعْلُ أَبِي سَعِيدٍ رَاوِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، «وَأَنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا» ، وَفِي الصِّحَاحِ، وَغَيْرِهَا:«إِنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ عُرَاةً» . فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَحَمَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَدِيثَ عَلَى الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ أَمَرَ أَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمُ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا، وَأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ فِي الشُّهَدَاءِ فَحَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
يُجْمَعُ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحْشَرُ عَارِيًا وَبَعْضَهُمْ بِثِيَابِهِ، أَوْ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ بِثِيَابِهِمُ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا تَتَنَاثَرُ عَنْهُمْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْحَشْرِ.
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
«يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ صَنِيعِهِمْ فِي الصَّلَاةِ» .
وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِقَبْضِ شِمَالِهِ بِيَمِينِهِ، وَالِانْحِنَاءِ هَكَذَا.
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ: يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا، وَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى.
نَقَلَهُ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ الذِّكْرِ وَالِانْكِسَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ:
[الوقوف للحساب]
(كَذَا وُقُوفُ الْخَلْقِ لِلْحِسَابِ
…
وَالصُّحْفُ وَالْمِيزَانُ لِلثَّوَابِ) .
(كَذَا) أَيْ: كَمَا يَجِبُ الْجَزْمُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْحَشْرِ بَعْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ يَجِبُ أَنْ نَجْزِمَ جَزْمًا بَاتًّا بِأَمْرِ (وُقُوفِ الْخَلْقِ) مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ تَعَالَى {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47] وَقَالَ {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [النساء: 87] وَقَالَ {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} [النبأ: 18] أَيْ زُمَرًا زُمَرًا.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْشُرُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مِنْ دَابَّةٍ وَطَائِرٍ وَإِنْسَانٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5] يُحْشَرُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الذُّبَابُ لَيُحْشَرُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْمَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ حَتَّى لَا يَدْرِيَ الشَّخْصُ أَيْنَ يَضَعُ قَدَمَهُ لِشِدَّةِ الزِّحَامِ.
وَفِي تَفْسِيرِ مَكِّيٍّ: يُحْشَرُ الْخَلْقُ مِنْ دَابَّةٍ وَطَائِرٍ وَإِنْسَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَهُمْ فِي ضِيقِ مَقَامِهِمْ فِيهَا كَضِيقِ سِهَامٍ اجْتَمَعَتْ فِي كِنَانَتِهَا، فَالسَّعِيدُ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَجِدُ لِقَدَمِهِ مَقَامًا.
قَالَ: وَأَكْثَرُ الْأَقْدَامِ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ:
إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ صَرَخَتِ الْحِجَارَةُ صُرَاخَ النِّسَاءِ، وَقَطَرَتِ الْعِضَاةُ دَمًا. وَاعْلَمْ أَنَّ لِيَوْمِ الْوُقُوفِ أَهْوَالًا عَظِيمَةً، وَشَدَائِدَ جَسِيمَةً تُذِيبُ الْأَكْبَادَ وَتُذْهِلُ الْمَرَاضِعَ، وَتُشَيِّبُ الْأَوْلَادَ، وَهُوَ حَقٌّ ثَابِتٌ وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، قِيلَ لِكَوْنِ النَّاسِ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، قَالَ تَعَالَى {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا} [المعارج: 43] . وَقِيلَ: لِوُجُودِ أُمُورِ الْمَحْشَرِ وَالْوُقُوفِ وَنَحْوِهِمَا فِيهِ.
وَقِيلَ: لِقِيَامِ النَّاسِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ يَقُومُ النَّاسُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى نِصْفِ أُذُنَيْهِ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُومُونَ مِائَةَ سَنَةٍ.
وَيُرْوَى عَنْ كَعْبٍ: يَقُومُونَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ. وَرَوَى أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " « {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] مِقْدَارُ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا فَيُهَوَّنُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ
إِلَى أَنْ تَغْرُبَ» ". وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] فَقِيلَ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لِيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِ أَخَفَّ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ» ".
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ أَحَدُهَا صَحِيحٌ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ» ". الْحَدِيثَ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَقُومُونَ سَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا، وَلَفْظُهُ:" «أَمَّا مَقَامُ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأَلْفُ سَنَةٍ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ» ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ: «يَمْكُثُونَ أَلْفَ عَامٍ فِي الظُّلْمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَتَكَلَّمُونَ» .
وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقِيَامِ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ فِيهِ صَفًّا قَالَ تَعَالَى {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
الْقِيَامَةُ قِيَامَتَانِ، صُغْرَى وَكُبْرَى، الصُّغْرَى مَا تَقُومُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ فِي خَاصَّتِهِ مِنْ خُرُوجِ رُوحِهِ وَانْقِطَاعِ سَعْيِهِ وَحُصُولِهِ عَلَى عَمَلِهِ، وَالْكُبْرَى هِيَ الَّتِي تَعُمُّ النَّاسَ وَتَأْخُذُهُمْ أَخْذَةً وَاحِدَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ قَامَتْ قِيَامَتُهُ «قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْمٍ مِنَ الْأَعْرَابِ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ، فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَقَالَ " إِنْ يَعِشْ هَذَا حَتَّى يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
خَرَجْتُ مِنَ الدُّنْيَا وَقَامَتْ قِيَامَتِي
…
غَدَاةَ أَقَلَّ الْحَامِلُونَ جِنَازَتِي
وَعَجَّلَ أَهْلِي حَفْرَ قَبْرِي وَصَيَّرُوا
…
خُرُوجِي وَتَعْجِيلِي إِلَيْهِ كَرَامَتِي
(لَطِيفَةٌ) سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَهْوَ مِنَ الدُّنْيَا أَمْ مِنَ الْآخِرَةِ؟ قَالَ: صَدْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الدُّنْيَا، وَآخِرُهُ مِنَ الْآخِرَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمَ وُلِدَ إِلَى يَوْمَ يَمُوتُ هَرَمًا فِي
مَرْضَاةِ اللَّهِ لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ:
لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ مِثْلُ عَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَخَشِيَ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ» "، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيحِ " سَبْعِينَ بَاعًا " وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنِ الْمِقْدَادِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ قَالَ: فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ كَقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا» " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» " قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ:
مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ مَسَافَةَ الْأَرْضِ أَوِ الْمِيلُ الَّذِي تُكَحَّلُ بِهِ الْعَيْنُ قَالَ:
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ:" «وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ» " وَأَشَارَ بِيَدِهِ أَلْجَمَهَا فَاهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ هَكَذَا " «وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ» " وَضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَشَارَ، وَمَرَّ بِيَدِهِ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصِيبَ الرَّأْسَ دَوَّرَ رَاحَتَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: الْأَرْضُ كُلُّهَا نَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةُ مِنْ وَرَاءِهَا كَوَاعِبُهَا وَأَكْوَابُهَا، وَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَفِيضُ عَرَقًا حَتَّى يَسِيخَ فِي الْأَرْضِ قَامَتَهُ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ حَتَّى يَبْلُغَ أَنْفَهُ، وَمَا مَسَّهُ الْحِسَابُ.
قَالُوا: مِمَّ ذَاكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ مِمَّا يَرَى النَّاسُ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَوِيٍّ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُلْجِمُهُ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَرِحْنِي وَلَوْ إِلَى النَّارِ» " وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ " «إِنَّ الْكَافِرَ لَيُلْجِمُهُ الْعَرَقُ» " الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ مَرْفُوعًا " «إِنَّ الْعَرَقَ لَيَلْزَمُ الْمَرْءَ فِي الْمَوْقِفِ حَتَّى يَقُولَ: يَا رَبِّ إِرْسَالُكَ بِي إِلَى النَّارِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِمَّا أَجِدُ» " وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ صَحَّ أَنَّ الْفُقَرَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَيَكُونُونَ قَدْ سَلِمُوا مِنْ تِلْكَ الْأَهْوَالِ، وَنَجَوْا مِنْ ذَلِكَ النَّكَالِ وَالْوَبَالِ، فَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ يَدْخُلُهَا الْفُقَرَاءُ، إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الْجِدِّ - أَيِ الْحَظِّ وَالثَّرْوَةِ وَالْمَالِ مَحْبُوسُونَ - إِلَّا أَنَّ أَهْلَ النَّارِ فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ» " الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا» " وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ» " وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَلْقَ يَقِفُونَ الْمِقْدَارَ الَّذِي مَرَّ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْ رُءُوسِ الْخَلَائِقِ مِقْدَارَ مِيلٍ، وَيُصِيبُهُمْ مِنَ الْعَرَقِ بِشِدَّةِ الْهَوْلِ وَعِظَمِ حَرِّ الشَّمْسِ يَوْمَئِذٍ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَوْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى هَيْئَتِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَأَحْرَقَتِ الْأَرْضَ، وَأَذَابَتِ الْجَوَامِدَ، وَنَشَّفَتِ الْأَنْهَارَ.
وَهَذَا الْوُقُوفُ مَعَ مَا مَرَّ ((لِلْحِسَابِ)) الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ وَالْكِتَابِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ بِلَا ارْتِيَابٍ، قَالَ تَعَالَى:
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93] وَقَالَ فِي حَقِّ أَعْدَائِهِ: {أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} [الرعد: 18]- {وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]- {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] قَالَ الثَّعْلَبِيُّ:
الْحِسَابُ تَعْرِيفُ اللَّهِ عز وجل الْخَلَائِقَ مَقَادِيرَ الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَتَذْكِيرُهُ إِيَّاهُمْ مَا قَدْ نَسُوهُ مِنْ ذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6] وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَعْنَى كَوْنِهِ مُحَاسِبًا لِخَلْقِهِ أَنَّهُ تَعَالَى يُعْلِمُهُمْ مَا لَهُمْ، وَمَا عَلَيْهِمْ.
وَالْحِسَابُ مَصْدَرُ حَاسَبَ. وَحَسِبَ الشَّيْءَ يَحْسُبُهُ بِالضَّمِّ إِذَا عَدَّهُ سَمَاعًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْحِسَابُ لِغَدٍ الْعَدُّ، وَاصْطِلَاحًا تَوْقِيفُ اللَّهِ عِبَادَهُ
قَبْلَ الِانْصِرَافِ مِنَ الْمَحْشَرِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ خَيْرًا كَانَتْ أَوْ شَرًّا تَفْصِيلًا لَا بِالْوَزْنِ إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَى مِنْهُمْ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى مُحَاسَبَتِهِ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) : أَنَّهُ يُعْلِمُهُمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ عُلُومًا ضَرُورِيَّةً بِمَقَادِيرِ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ (الثَّانِي) : وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنْ يُوقِفَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُؤْتِيَهِمْ كُتُبَ أَعْمَالِهِمْ فِيهَا سَيِّئَاتُهُمْ وَحَسَنَاتُهُمْ فَيَقُولُ: هَذِهِ سَيِّئَاتُكُمْ وَقَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهَا، وَهَذِهِ حَسَنَاتُكُمْ وَقَدْ ضَاعَفْتُهَا لَكُمْ (الثَّالِثُ) : أَنْ يُكَلِّمَ اللَّهُ عِبَادَهُ فِي شَأْنِ أَعْمَالِهِمْ، وَكَيْفِيَّةِ مَا لَهَا مِنَ الثَّوَابِ، وَمَا عَلَيْهَا مِنَ الْعِقَابِ، وَفِي هَذَا مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَصَرِيحِ الْآثَارِ مَا يَقْلَعُ شُرُورَ مَنْ فِي قَلْبِهِ نَوْعُ اخْتِلَاجِ أَصْلِ كُلِّ شُبْهَةٍ وَبِدْعَةٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، وَلَفْظُهُ " لَنْ «تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ، عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ " فَقُلْتُ:
أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا - وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7 - 9] فَقَالَ:
" إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ» .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما وَلَفْظُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» ".
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ " «يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى لِلذَّرَّةِ مِنَ الذَّرَّةِ» "، وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ
الصَّحِيحِ، الْجَلْحَاءُ وَالْجَمَّاءُ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَ انْتَطَحَا» " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " «يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ: النَّاسَ - عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا - قَالَ قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ:
أَنَا الدَّيَّانُ، أَنَا الْمَلِكُ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقْضِيَهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقْضِيَهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ " قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قَالَ: " الْحَسَنَاتُ، وَالسَّيِّئَاتُ» " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " «الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» ". وَفِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
(الْأَوَّلُ) إِنَّمَا قَدَّمَ الْحِسَابَ بَعْدَ الْحَشْرِ وَالْوُقُوفِ عَلَى أَخْذِ الصُّحُفِ مَعَ أَنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَنْ أَخْذِ الصُّحُفِ فِي الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَأَخْذَ الصُّحُفِ مِنَ الْوَسَائِلِ، فَقُدِّمَتِ الْمَقَاصِدُ عَلَى الْوَسَائِلِ مَعَ مَرَاعَاتِ قَافِيَةِ النَّظْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي)
كَيْفِيَّاتُ الْحِسَابِ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَحْوَالُهَا مُتَبَايِنَةٌ، فَمِنْهُ الْعَسِيرُ وَمِنْهُ الْيَسِيرُ، وَمِنْهُ الْعَدْلُ وَالْجَهْدُ، وَمِنْهُ التَّكْرِيمُ وَمِنْهُ التَّوْبِيخُ وَالتَّبْكِيتُ، وَمِنْهُ الْفَضْلُ وَالصَّفْحُ، وَمُتَوَلِّي ذَلِكَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
(الثَّالِثُ)
أَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ الْعُلَمَاءُ وَالْمُغَازُونَ وَأَرْبَابُ الْأَمْوَالِ وَالسَّعَةِ، وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ كَمَا أَخْرَجَ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
" «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا لِصَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّمَهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ نَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ اللَّهُ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ:
أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ؟ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكَ» ". وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "«أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ» ". فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَدَ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ النَّاسَ لَا يُسْأَلُونَ قَالَ تَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 39]، وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93] ، وَيُجَابُ عَنِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ سُؤَالَ اسْتِفْهَامٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ أَعْمَالِهِمْ، وَإِنَّمَا يُسْأَلُونَ سُؤَالَ تَقْرِيرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ: فَعَلْتُمْ كَذَا.
قَالَ فِي الْبَهْجَةِ كَغَيْرِهِ: قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: لَا يُسْأَلُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَفِظَهَا عَلَيْهِمْ، وَكَتَبَتْهَا الْمَلَائِكَةُ.
وَقِيلَ: يُسْئَلُونَ فِي مَوْطِنٍ دُونَ مَوْطِنٍ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ - وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 35 - 36]، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31] فَلِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَالَاتٌ، وَالْآيَاتُ مُخْرَجَةٌ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْحَالَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي أَجْوِبَتِهِ الْقُرْآنِيَّةِ:
أَوَّلُ مَا تُبْعَثُ الْخَلَائِقُ عَلَى مِقْدَارِ سِتِّينَ سَنَةً لَا يَنْطِقُونَ، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الِاعْتِذَارِ فَيَعْتَذِرُونَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ فَيَتَكَلَّمُونَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} [السجدة: 12] الْآيَةَ فَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ تَكَلَّمُوا وَاخْتَصَمُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31] عِنْدَ الْحِسَابِ وَإِعْطَاءِ الْمَظَالِمِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: 28] يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْعَذَابَ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ كَائِنٌ. انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) اخْتُلِفَ عَنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَالْمَسْئُولِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
عَنْ خَطَايَاهُمْ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
عَنْ جَمِيعِ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]- {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93] قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ:
وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنِ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، بَلِ السُّؤَالُ وَاقِعٌ عَنْهُمَا وَعَنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لَنَسْأَلَنَّهُمْ عَائِدٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى سُؤَالِهِمْ صَرِيحًا قَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَاسِبُ كُلَّ عِبَادِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ أَنْ يَكُونُوا مُرْسَلِينَ أَوْ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ، وَيَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا حِسَابَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَا الْكُفَّارُ. انْتَهَى.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا حِسَابَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاقَشَةِ وَالتَّقْرِيعِ، قَالَ النَّسَفِيُّ فِي بَحْرِ الْكَلَامِ:
الْأَنْبِيَاءُ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَذَلِكَ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ.
هَذَا حِسَابُ الْمُنَاقَشَةِ، وَعُمُومُ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ مَخْصُوصٌ بِأَحَادِيثِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي عَقَائِدِهِمْ:
وَيُحَاسَبُ الْمُسْلِمُونَ الْمُكَلَّفُونَ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَكُلُّ مُكَلَّفٍ مَسْئُولٌ، يَسْأَلُ مَنْ شَاءَ مِنَ الرُّسُلِ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَمَنْ شَاءَ مِنَ الْكُفَّارِ عَنْ تَكْذِيبِ الرُّسُلِ.
قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْبَدْرُ الْبَلْبَانِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ:
الْكُفَّارُ لَا يُحَاسَبُونَ بِمَعْنَى أَنَّ صَحَائِفَ أَعْمَالِهِمْ لَا تُوزَنُ، وَإِنْ فَعَلَ كَافِرٌ قُرْبَةً مِنْ نَحْوِ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ظَلَمَهُ مُسْلِمٌ رَجَوْنَا لَهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ الْعَذَابُ. انْتَهَى.
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُ عَذَابِ الْكُفْرِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي عَقِيدَتِهِ الْوَاسِطِيَّةِ:
يُحَاسِبُ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ، وَيَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ كَمَا وُصِفَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ:
وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا يُحَاسَبُونَ مُحَاسَبَةَ مَنْ تُوزَنُ حَسَنَاتُهُ، وَسَيِّئَاتُهُ فَإِنَّهُمْ لَا حَسَنَاتٍ لَهُمْ، وَلَكِنْ تُعَدُّ أَعْمَالُهُمْ وَتُحْصَى فَيُوقَفُونَ عَلَيْهَا وَيُقَرَّرُونَ بِهَا. انْتَهَى.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: مَا مِنْ عَبْدٍ يَخْطُو خُطْوَةً إِلَّا وَيُسْأَلُ عَنْهَا مَا أَرَادَ بِهَا، وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ أُصَحِّحْ جِسْمَكَ وَأَرْوِيكَ الْمَاءَ الْبَارِدَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْئَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظِلٌّ بَارِدٌ وَرَطْبٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ» "، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَغَوِيُّ.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنِ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثٌ لَا يُحَاسَبُ بِهِنَّ الْعَبْدُ: ظِلُّ خُصٍّ يَسْتَظِلُّ بِهِ، وَكِسْرَةٌ يَشُدُّ بِهَا صُلْبَهُ، وَثَوْبٌ يُوَارِي بِهِ عَوْرَتَهُ» " وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «ثَلَاثَةٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ فِيمَا طَعِمُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا كَانَ حَلَالًا: الصَّائِمُ وَالْمُتَسَحِّرُ وَالْمُرَابِطُ فَى سَبِيلِ اللَّهِ» " وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ أَيْضًا، وَأَبُو نُعَيْمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " مَا «فَوْقَ الْإِزَارِ وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَظِلُّ الْحَائِطِ وَجَرُّ الْمَاءِ فَضْلٌ يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ يُسْأَلُ عَنْهُ» ". وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبَى عَسِيبٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ بِعَذْقٍ فَوَضَعَهُ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ بَارِدٍ فَشَرِبَ فَقَالَ: " لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَمَسْئُولُونَ عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " نَعَمْ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: خِرْقَةٍ يَكُفُّ بِهَا عَوْرَتَهُ، وَكِسْرَةٍ يَسُدُّ بِهَا جُوعَتَهُ، وَجُحْرٍ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ حَاسَبَهُ اللَّهُ حِسَابًا يَسِيرًا وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ - قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ» ، وَفَى تَرْغِيبِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "«إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُمْسِيَ وَتُصْبِحَ وَلَيْسَ فَى قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ فِي الْحِسَابِ» "، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يُحَاسِبُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: نَجَوْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: وَكَيْفَ يَا أَعْرَابِيُّ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا قَدَرَ عَفَا. وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ مِنَ الْحِكَمِ الْمُدَوَّنَةِ: الْكَرِيمُ إِذَا قَدَرَ غَفَرَ، وَإِذَا زَلَلْتَ مَعَهُ سَتَرَ. وَمِنْهَا: لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْكِرَامِ سُرْعَةُ الْغَضَبِ وَالِانْتِقَامُ» .
(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ كَغَيْرِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُكَلِّمُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْحِسَابِ مِنْ غَيْرِ تُرْجُمَانٍ إِكْرَامًا لَهُمْ، وَلَا يُكَلِّمُ الْكَافِرِينَ، بَلْ تُحَاسِبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِهَانَةً لَهُمْ، وَتَمْيِيزًا لِأَهْلِ الْكَرَامَةِ.
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
" «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا مَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلًا بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى كَذَا وَكَذَا - فَصَدَّقَهُ، وَلَمْ يُعْطِ بِهَا» ".
(الْخَامِسُ)
ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ عَنِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ صلى الله عليه وسلم مَا كَرَّ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِلَا ارْتِيَابٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَيَدْخُلُونَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ قَبْلَ وَضْعِ الْمَوَازِينِ، وَأَخْذِ الصُّحُفِ بِالشِّمَالِ وَالْيَمِينِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ:
" عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِيَ انْظُرْ؛ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، فَقِيلَ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا، فَقِيلَ لِي: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَذَاكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا مَا قَالُوا، أَمَّا نَحْنُ فِي الشِّرْكِ، وَلَكِنْ قَدْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، هَؤُلَاءِ أَبْنَاؤُنَا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
" هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ:
فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ؟ وَفِي لَفْظٍ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
نَعَمْ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: " سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ» . قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ (الدَّاءُ وَالدَّوَاءُ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ، لَمْ يُرِدْ أَنَّ عُكَاشَةَ وَحْدَهُ
أَحَقُّ بِذَلِكَ مِمَّنْ عَدَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ لَوْ دَعَا لَهُ لَقَامَ آخَرُ وَآخَرُ، وَانْفَتَحَ الْبَابُ، وَرُبَّمَا قَامَ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ فَكَانَ الْإِمْسَاكُ أَوْلَى.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " «وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَثَلَاثَةُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي» ". وَيُرْوَى " حَفَنَاتٍ " بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الْغَرْفُ مِلْءُ الْيَدَيْنِ، وَقِيلَ الْحَثْيَةُ بِالْيَدِ، وَالْحَفْنَةُ بِالْيَدَيْنِ.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:
" إِنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي بَيْنَ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَفْوًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَبَيْنَ الْخَبِيئَةِ عِنْدَهُ لِأُمَّتِي " فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَيُخَبِّأُ ذَلِكَ رَبُّكَ؟ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ يُكَبِّرُ فَقَالَ: " إِنَّ رَبِّي زَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَالْخَبِيئَةُ عِنْدَهُ ". فَقِيلَ:
يَا أَبَا أَيُّوبَ، وَمَا نَظُنُّ خَبِيئَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَكَلَهُ النَّاسُ بِأَفْوَاهِهِمْ فَقَالُوا:
مَا أَنْتَ وَخَبِيئَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ دَعُوهُ أُخْبِرْكُمْ عَنْ خَبِيئَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ خَبِيئَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ رَبِّ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مُصَدِّقًا لِسَانَهُ قَلْبُهُ فَأُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ» ، الْخَبِيئَةُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ وَهَمْزَةٍ بِوَزْنِ خَطِيئَةٍ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «سَأَلْتُ رَبِّي فَوَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَاسْتَزَدْتُهُ فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ مُهَاجِرِي أُمَّتِي؟ قَالَ:
إِذَنْ أُكْمِلَهُمْ لَكَ مِنَ الْأَعْرَابِ» ". وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: تَغَيَّبَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةً لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ، خَرَجَ إِلَيْنَا فَقُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ احْتَبَسْتَ عَنَّا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ حَدَثٌ، قَالَ:
" «لَمْ يَحْدُثْ إِلَّا خَيْرٌ، إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي وَعَدَّنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ الْمَزِيدَ فَوَجَدْتُ رَبِّي مَاجِدًا كَرِيمًا فَأَعْطَانِي
مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعِينَ أَلْفًا، قُلْتُ يَا رَبِّ، وَتَبْلُغُ أُمَّتِي هَذَا؟ قَالَ أُكْمِلُ لَكَ الْعَدَدَ مِنَ الْأَعْرَابِ» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أُعْطِيتُ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَقُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَاسْتَزَدْتُ رَبِّي فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
فَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَيُصِيبُ مِنْ حَافَّاتِ الْبَوَادِي» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِنَّ رَبِّي أَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ "، وَقَالَ عَمْرٌو:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلَّا اسْتَزَدْتَهُ قَالَ:
" قَدِ اسْتَزَدْتُهُ فَأَعْطَانِي مَعَ كُلِّ رَجُلٍ سَبْعِينَ أَلْفًا ". قَالَ عَمْرٌو فَهَلَّا اسْتَزَدْتَهُ؟ قَالَ: " قَدِ اسْتَزَدْتُهُ فَأَعْطَانِي هَكَذَا، وَفَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَسَطَ بَاعَيْهِ، وَحَثَا " قَالَ هِشَامٌ: هَذَا مِنَ اللَّهِ مَا يُدْرَى مَا عَدَدُهُ» .
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنَا، قَالَ:" وَهَكَذَا " فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِحَفْنَةٍ وَاحِدَةٍ» ، وَأَخْرُجُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «إِنَّ رَبِّي اسْتَشَارَنِي فِي أُمَّتِي مَاذَا أَفْعَلُ بِهِمْ؟ فَقُلْتُ مَا شِئْتَ يَا رَبِّ هُمْ خَلْقُكَ، فَقَالَ:
لَا نُخْزِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ» "، وَأَخْرَجَ هَنَّادٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ فَيَقُومُ مُنَادٍ يُنَادِي:
أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ؟ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، ثُمَّ يَعُودُ فَيُنَادِي أَيْنَ الَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، ثُمَّ يَعُودُ فَيُنَادِي لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانُوا لَا تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، ثُمَّ يَقُومُ سَائِرُ النَّاسِ