الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَبِيتُونَ فَيُصْبِحُونَ وَلَيْسَ فِيهَا حَرْفٌ مَكْتُوبٌ ثُمَّ يُرْفَعُ مِنَ الصُّدُورِ عَقِبَ ذَلِكَ لِأَعْجَلِ زَمَنٍ حَتَّى لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ مَحْفُوظًا حَتَّى يَقُولَ الْحَافِظُ لِلْآخَرِ وَقَدْ سَأَلَهُ الْآخَرُ كُنْتُ أَحْفَظُ شَيْئًا فَنَسِيتُهُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ.
وَفِي الْحَدِيثِ " «أَكْثِرُوا مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَيَنْسَى النَّاسُ مَكَانَهُ وَأَكْثِرُوا تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُرْفَعَ " قِيلَ وَكَيْفَ يُرْفَعُ مَا فِي صُدُورِ الرِّجَالِ؟ قَالَ " يُسْرَى عَلَيْهِمْ لَيْلًا فَيُصْبِحُونَ مِنْهُ فُقَرَاءَ وَيَنْسَوْنَ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ".
وَعِنْدَ الدَّيْلَمِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَرْجِعَ الْقُرْآنُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ لَهُ دَوِيٌّ حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل مَا لَكَ؟ فَيَقُولُ مِنْكَ خَرَجْتُ وَإِلَيْكَ أَعُودُ أُتْلَى فَلَا يُعْمَلُ بِي» ".
وَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْكَلَامِ مَا حَكَاهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ عَنِ السَّلَفِ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَأَنَّ مَعْنَى وَإِلَيْهِ يَعُودُ مَا جَاءَ فِي الْآثَارِ أَنَّ الْقُرْآنَ يُسْرَى بِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْمَصَاحِفِ مِنْهُ حَرْفٌ وَلَا فِي الْقُلُوبِ مِنْهُ آيَةٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ، وَلَا صَلَاةٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ» " الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ السِّجْزِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " «لَا تَقُومُ الْقِيَامَةُ حَتَّى يُرْفَعَ الرُّكْنُ وَالْقُرْآنُ» ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالضِّيَاءُ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ، وَلَا صَلَاةٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَيَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ الشَّيْخُ، وَالْعَجُوزُ وَيَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْعَلَامَةُ الثامنة طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]
(الْعَلَامَةُ الثَّامِنَةُ)
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: ((طُلُوعُ شَمْسِ الْأُفُقِ مِنْ دَبُورٍ))
وَمِنْهَا ((طُلُوعُ شَمْسِ الْأُفُقِ)) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم: 33]
وَقَالَ {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: 16] وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ خُلِقْنَ مِنْ نُورِ الْعَرْشِ» .
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الشَّمْسَ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ وَكَتَبَ فِي وَجْهِهَا إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا رِضَايَ كَلَامٌ وَغَضَبِي كَلَامٌ وَرَحْمَتِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ. وَخَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ نُورِ حِجَابِهِ الَّذِي يَلِيهِ وَكَتَبَ فِي وَجْهِهِ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا صَنَعْتُ الْقَمَرَ وَخَلَقْتُ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ فَالظُّلْمَةُ ضَلَالَةٌ وَالنُّورُ هُدًى. أَيْ أُضِلُّ مَنْ شِئْتُ وَأَهْدِي مَنْ شِئْتُ. وَكَتَبَ فِي بَطْنِهِ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِقُدْرَتِي وَعِزَّتِي أَبْتَلِي بِهِمَا مَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الشَّمْسُ قَدْرُ الدُّنْيَا وَزِيَادَةُ ثُلُثٍ، وَالْقَمَرُ عَلَى قَدْرِ الدُّنْيَا.
وَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ سَعَةِ الْأَرْضِ بَدَلَ قَدْرِ الدُّنْيَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَزَعَمَ أَهْلُ الْهَنْدَسَةِ أَنَّ الشَّمْسَ أَضْعَافُ الْأَرْضِ مِائَةً وَسِتِّينَ مَرَّةً أَوْ مِائَتَيْنِ.
وَالْأُفُقُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ النَّاحِيَةُ وَالْجَمْعُ آفَاقٌ وَالْأُفُقُ أَيْضًا مَا ظَهَرَ مِنْ نَوَاحِي الْفَلَكِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.
وَقَوْلُهُ ((مِنْ دَبُورٍ)) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفَةً فَرَاءٌ بَعْدَ الْوَاوِ جِهَةُ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا تُدَابِرُ بَابَ الْكَعْبَةِ، وَتُسَمَّى الرِّيحُ الَّتِي مَهَبُّهَا مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ دَبُورٌ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَهَلَكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وَفِي الْقَامُوسِ: دَبَرَتِ الرِّيحُ تَحَوَّلَتْ دَبُورًا وَهِيَ رِيحٌ تُقَابِلُ الصَّبَا. قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ الصَّبَا بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَقْصُورًا هِيَ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَالْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ بَلْ وَبِالْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] الْآيَةَ. أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا.
وَقَدْ خَبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلَبَطَ وَلَمْ يَهْتَدِ لِمَقْصُودِهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْمَحَطُّ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِيمَانُهُ مُتَحَقِّقًا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا لَمْ يَنْفَعْهُ تَجْدِيدُ الْإِيمَانِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ
فِعْلُ بِرٍّ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ فَقَدَ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ الْأَسَاسُ لِمَا عَدَاهُ مِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ فَلَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ الْحَادِثُ حِينَئِذٍ وَلَا مَا صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْإِحْسَانِ وَعَمَلِ الْبِرِّ مِنْ صِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَإِعْتَاقِ الرِّقَابِ، وَقِرَى الْأَضْيَافِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ قَالَ تَعَالَى:{الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [إبراهيم: 18] الْآيَةَ.
وَالْإِيمَانُ الْحَادِثُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ مَقْبُولًا حَتَّى يَكُونَ مِنْ بَابِ " أَسْلِمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنَ الْخَيْرِ) فَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُهُمْ لَا بِانْضِمَامِ الْأَفْعَالِ اللَّاحِقَةِ وَلَا بِانْضِمَامِ أَعْمَالِهِمُ السَّابِقَةِ لِفَقْدِ الْأَسَاسِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ، وَأَمَّا مَنْ تَحَقَّقَ اتِّصَافُهُ بِالْإِيمَانِ الشَّرْعِيِّ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاسْتَمَرَّ إِيمَانُهُ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَهُوَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا مُقِيمًا عَلَى الْمَعَاصِي لَمْ يَكْسِبْ فِي إِيمَانِهِ خَيْرًا أَوْ مُؤْمِنًا مُخَلَّطًا أَوْ مُؤْمِنًا تَائِبًا عَنِ الْمَعَاصِي كَاسِبًا فِي إِيمَانِهِ خَيْرًا مَا اسْتَطَاعَ، (فَالْأَوَّلُ) يَنْفَعُهُ الْإِيمَانُ السَّابِقُ الْمُجَرَّدُ مِنَ الْأَعْمَالِ لِأَصِلِ النَّجَاةِ فَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ وَإِنْ دَخَلَهَا بِذُنُوبِهِ، فَالْإِيمَانُ السَّابِقُ يَنْفَعُهُ وَيَنْفَعُهُ الْإِيمَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ وَلَكِنْ لَا تَنْفَعُهُ التَّوْبَةُ عَنِ الْمَعَاصِي وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ حَسَنَةً يَعْمَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَالثَّانِي) يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ السَّابِقُ لِأَصِلِ نَجَاتِهِ، وَيَنْفَعُهُ مَا قَدَّمَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ لِدَرَجَاتِهِ، وَيَنْفَعُهُ إِيمَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْضًا لِمَا مَرَّ وَلَكِنْ لَا تَنْفَعُهُ تَوْبَةٌ حِينَئِذٍ مِنَ التَّخْلِيطِ وَلَا حَسَنَةٌ يَعْمَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ عَمِلَهَا مِنْ قَبْلُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَمَلِهَا مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ كَانَ يَعْمَلُهُ.
(وَالثَّالِثُ) يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ السَّابِقُ لِأَجْلِ نَجَاتِهِ، وَتَنْفَعُهُ أَعْمَالُهُ السَّابِقَةُ الصَّالِحَةُ لِدَرَجَاتِهِ، وَيَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْضًا، وَيَنْفَعُهُ مَا يَعْمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي سَبَقَ مِنْهُ أَمْثَالُهَا.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَبَيَّنَتْهُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ فَذَلِكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا» " الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشِيَّةً مِنَ الْعَشِيَّاتِ فَقَالَ " «يَا عِبَادَ اللَّهِ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ - مَرَّاتٍ - فَإِنَّكُمْ تُوشِكُونَ أَنْ تَرَوُا الشَّمْسَ مِنَ الْمَغْرِبِ فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ حُبِسَتِ التَّوْبَةُ وَطُوِيَ الْعَمَلُ وَخُتِمَ الْإِيمَانُ» " الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ:{أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] يَقُولُ كَسَبَتْ فِي تَصْدِيقِهَا عَمَلًا، هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُصَدِّقَةً لَمْ تَعْمَلْ قَبْلَ ذَلِكَ خَيْرًا فَعَمِلَتْ بَعْدَ أَنْ رَأَتِ الْآيَةَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا، وَإِنْ عَمِلَتْ قَبْلَ الْآيَةِ خَيْرًا قُبِلَ مِنْهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ " «الْهِجْرَةُ خَصْلَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ، وَالْأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ» ".
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُسْلِمٌ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ " «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَخُوَيِّصَةَ أَحَدِكُمْ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ» ". قَالَ قَتَادَةُ ( «خُوَيِّصَةُ أَحَدِكُمُ» ) الْمَوْتُ، ( «وَأَمْرُ الْعَامَّةِ» ) السَّاعَةُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " «خَلَقَ اللَّهُ بَابًا لِلتَّوْبَةِ - وَفِيهِ - فَذَلِكَ الْبَابُ مَفْتُوحٌ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ إِلَى صَبِيحَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مِنْ مَغْرِبِهَا - إِلَى أَنْ قَالَ - فَإِذَا أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ لَمْ يُقْبَلْ لِعَبْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ وَلَمْ تَنْفَعْهُ حَسَنَةٌ يَعْمَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجْرِي لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا كَانَ يَجْرِي لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] » - إِلَى قَوْلِهِ خَيْرًا -) الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهُ وَاهِيًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ لَكِنَّ لَهُ شَوَاهِدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، وَيُوَضِّحُهُ مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْمُدَقِّقُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ، وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْآيَةَ مِنْ حَذْفِ الْمَعْطُوفِ أَيْ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا
وَكَسْبُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَالْآيَةُ مِنَ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ كَسَبَتْ يَنْفَعُهَا كَسْبُهَا الْمُمَاثِلُ لِلسَّابِقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
فَيَتَلَخَّصُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا هُوَ مُسَطَّرٌ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْحَافِظِ جَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيِّ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا لَا يَنْفَعُ الْإِيمَانُ الْمُحْدَثُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُشْرِكًا، وَلَا التَّوْبَةُ الْمُحْدَثَةُ فِيهِ لِمَنْ كَانَ مُخَلِّطًا وَلَا أَعْمَالُ الْبِرِّ الْمُحْدَثَةِ فِيهِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُؤْمِنًا فَإِنَّ الْإِيمَانَ الْمُجَرَّدَ عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ السَّابِقَةِ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ لِأَجْلِ نَجَاتِهِ، وَإِيمَانِهِ الْمُتَجَدِّدِ يَوْمَئِذٍ، يَنْفَعُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، وَإِنَّ الْإِيمَانَ السَّابِقَ مَعَ التَّخْلِيطِ يَنْفَعُهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي كَانَ يَعْمَلُهَا، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ عَنْ تَخْلِيطِهِ وَقَبُولُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ بِرٍّ مُحْدَثٍ يَكُونُ السَّبَبُ فِي إِحْدَاثِهِ رُؤْيَةَ الْآيَةِ وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلُهُ لَا يَنْفَعُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْأُصُولِ أَوِ الْفُرُوعِ، وَكُلُّ بِرٍّ لَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِ صَاحِبِهِ كَانَ عَامِلًا بِهِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْآيَةِ يَنْفَعُ.
وَهَذَا التَّحْقِيقُ نَبَّهَ عَلَى مِثْلِهِ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " «إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا طَبَعَ اللَّهُ عز وجل عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ» " لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْخَبَرِ تَرْكَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنَ الْفَرَائِضِ أَيْ وَكَذَا مِنَ النَّوَافِلِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمَا كَانَ يَعْمَلُهُ مِنَ الْفَرَائِضِ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَنْفَعُهُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي كَانَ يَأْتِي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ أَيْ عَمَلًا لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ.
قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ بَعْضُ الْآيَاتِ وَهُوَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ مَعَ إِيمَانِهِ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْآيَةِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي سَبَبُهُ ظُهُورُ الْآيَةِ لَا يَنْفَعُ لِأَنَّ الْآيَةَ اضْطَرَّتْهُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ يَعْمَلُهُ فَظُهُورُ الْآيَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِيهِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ كَمَا قَبْلَ الْآيَةِ.
وَنَبَّهَ عَلَى مِثْلِهِ السَّيِّدُ
مُحَمَّدٌ الْبَرْزَنْجِيُّ فِي كِتَابِهِ (الْإِشَاعَةُ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) وَشَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُورَانِيُّ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ الْقُشَاشِيِّ.
وَأَشَارَ إِلَيْهِ سَابِقًا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَالْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ مَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْمُتَحَذْلِقِينَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَإِذَا فَهِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا عِدَّةُ أَحَادِيثَ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَأَيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى أَثَرِهَا قَرِيبًا مِنْهَا» .
وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا» ". وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَفِيهِ: " «حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنُ مَنْ عَلَيْهَا» " - الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يَوْمًا " أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ " قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ " ((قَالَ إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلَعِهَا تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَلِكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ. فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا - فَقَالَ عليه السلام أَتَدْرُونَ مَتَى ذَلِكُمْ؟ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)) » الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالسِّتَّةُ غَيْرَ التِّرْمِذِيِّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا» " ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا آيَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا؟ فَقَالَ " «طُولُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ لَيْلَتَيْنِ» " وَهُوَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " «قَدْرَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» " وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " «قَدْرَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَيَسْتَيْقِظُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ فَيُصَلُّونَ وَيَعْمَلُونَ كَمَا كَانُوا وَلَا يَرَوْنَ إِلَّا قَدْ قَامَتِ النُّجُومُ مَكَانَهَا ثُمَّ يَرْقُدُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ ثُمَّ يَقْضُونَ صَلَاتَهُمْ وَاللَّيْلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ فَيَضْطَجِعُونَ حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظُوا وَاللَّيْلُ مَكَانَهُ حَتَّى يَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ اللَّيْلُ فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ خَافُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ عَظِيمٍ فَيَفْزَعُ النَّاسُ وَهَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فَقَالُوا مَا هَذَا؟ فَيَفْزَعُونَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَإِذَا أَصْبَحُوا طَالَ عَلَيْهِمْ طُلُوعُ الشَّمْسِ فَبَيْنَمَا هُمْ يَنْظُرُونَ طُلُوعَهَا مِنَ الْمَشْرِقِ إِذْ هِيَ طَالِعَةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ مَغْرِبِهَا فَيَضِجُّ النَّاسُ ضَجَّةً وَاحِدَةً حَتَّى إِذَا صَارَتْ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ رَجَعَتْ وَطَلَعَتْ مِنْ مَطْلَعِهَا» ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «صَبِيحَةَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا يَصِيرُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ تُطْوَى الدَّوَاوِينُ وَتَجِفُّ الْأَقْلَامُ لَا يُزَادُ فِي حَسَنَةٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ سَيِّئَةٍ وَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا» ".
وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ " «فَيَذْهَبُ النَّاسُ فَيَتَصَدَّقُونَ بِالذَّهَبِ الْأَحْمَرِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ وَيُقَالُ لَوْ كَانَ بِالْأَمْسِ» ) وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا ( «لَا تَزَالُ الشَّمْسُ تَجْرِي مِنْ مَشْرِقِهَا إِلَى مَغْرِبِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِتَوْبَةِ عِبَادِهِ فَتَسْتَأْذِنُ الشَّمْسُ مِنْ أَيْنَ تَطْلُعُ وَيَسْتَأْذِنُ الْقَمَرُ مِنْ أَيْنَ يَطْلُعُ فَلَا يُؤْذَنُ لَهُمَا فَيُحْبَسَانِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ لَيَالٍ لِلشَّمْسِ وَلَيْلَتَيْنِ لِلْقَمَرِ فَلَا يَعْرِفُ مِقْدَارَ حَبْسِهِمَا إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ وَهُمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَحَمَلَةُ الْقُرْآنِ، يَقْرَأُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وِرْدَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُ نَظَرَ فَإِذَا لِيَلْتُهُ عَلَى حَالِهَا فَيَعُودُ وَيَقْرَأُ وِرْدَهُ فَإِذَا فَرَغَ نَظَرَ فَإِذَا لِيَلْتُهُ عَلَى حَالِهَا فَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إِلَّا حَمَلَةُ الْقُرْآنِ فَيُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَجْتَمِعُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ بِالتَّضَرُّعِ وَالْبُكَاءِ وَالصُّرَاخِ بَقِيَّةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَمِقْدَارُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثَلَاثُ لَيَالٍ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ جِبْرِيلَ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَيَقُولُ إِنِ الرَّبَّ تَعَالَى يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَرْجِعَا إِلَى مَغْرِبِكُمَا
فَتَطْلُعَا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا ضَوْءَ لَكُمَا عِنْدَنَا وَلَا نُورَ، فَتَبْكِي الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ خَوْفَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَخَوْفَ الْمَوْتِ فَتَرْجِعُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَيَطْلُعَانِ مِنْ مَغْرِبِهِمَا فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ وَالْغَافِلُونَ فِي غَفَلَاتِهِمْ إِذْ نَادَى مُنَادٍ أَلَا إِنَّ بَابَ التَّوْبَةِ قَدْ أُغْلِقَ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ طَلَعَا مِنْ مَغَارِبِهِمَا فَنَظَرَ النَّاسُ فَإِذَا بِهِمَا أَسْوَدَانِ كَالْعِكْمَيْنِ لَا ضَوْءَ لَهُمَا وَلَا نُورَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة: 9] . " قَوْلُهُ كَالْعِكْمَيْنِ تَثْنِيَةُ عِكْمٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْغِرَارَةُ أَيْ كَالْغِرَارَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ وَمِنْهُ يُقَالُ لِمَنْ شَدَّ الْغَرَائِرَ عَلَى الْجَمَلِ: الْعِكَامُ، وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ " عُكُومُهَا رَدَاحٌ " يَعْنِي غَرَائِرَهَا الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْأَمْتِعَةُ وَغَيْرُهَا - فَيَرْتَفِعَانِ أَيِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مِثْلَ الْبَعِيرَيْنِ الْمَقْرُونَيْنِ يُنَازِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ اسْتِبَاقًا وَيَتَصَايَحُ أَهْلُ الدُّنْيَا، وَتَذْهَلُ الْأُمَّهَاتُ عَنْ أَوْلَادِهَا، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا فَأَمَّا الصَّالِحُونَ وَالْأَبْرَارُ فَيَنْفَعُهُمْ بُكَاؤُهُمْ يَوْمَئِذٍ وَيُكْتَبُ لَهُمْ عِبَادَةً، وَأَمَّا الْفَاسِقُونَ وَالْفُجَّارُ فَلَا يَنْفَعُهُمْ بُكَاؤُهُمْ يَوْمَئِذٍ وَيُكْتَبُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، فَإِذَا بَلَغَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ سُرَّةَ السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْتَصَفُهَا جَاءَهُمَا جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِقُرُونِهِمَا فَرَدَّهُمَا إِلَى الْمَغْرِبِ فَلَا يُغْرِبُهُمَا فِي مَغَارِبِهِمَا أَيْ مَغَارِبِ طُلُوعِهِمَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهِيَ جِهَةُ الْمَشْرِقِ وَلَكِنْ يُغْرِبُهُمَا فِي مَغَارِبِهِمَا اللَّذَيْنِ فِي بَابِ التَّوْبَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ بَابَ التَّوْبَةِ فَهُوَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ لَهُ مِصْرَاعَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَانِ بِالدُّرِّ وَالْجَوْهَرِ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعِ إِلَى الْمِصْرَاعِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَامًا لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ، فَذَلِكَ الْبَابُ مَفْتُوحٌ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ خَلْقَهُ إِلَى صَبِيحَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مِنْ مَغَارِبِهِمَا، وَلَمْ يَتُبْ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا وَلَجَتْ تِلْكَ التَّوْبَةُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ ثُمَّ تُرْفَعُ إِلَى اللَّهِ - فَيُغْرِبُهُمَا جِبْرِيلُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ يَرُدُّ الْمِصْرَاعَيْنِ فَيَلْتَئِمُ مَا بَيْنَهُمَا وَيَصِيرَانِ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا صَدْعٌ قَطُّ وَلَا خَلَلٌ فَإِذَا أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ لَمْ يُقْبَلْ لِعَبْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ وَلَمْ يَنْفَعْهُ حَسَنَةٌ يَعْمَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مَا كَانَ يَجْرِي لَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] الْآيَةَ. فَقَالَ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَكَيْفَ بِالنَّاسِ وَالدُّنْيَا؟ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُكْسَيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ ضَوْءَ النُّورِ ثُمَّ يَطْلُعَانِ عَلَى النَّاسِ وَيَغْرُبَانِ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا النَّاسُ فَإِنَّهُمْ حَيْثُ رَأَوْا
مَا رَأَوْا مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ وَعِظَمِهَا يُلِحُّونَ عَلَى الدُّنْيَا فَيُعَمِّرُونَهَا وَيُجْرُونَ فِيهَا الْأَنْهَارَ وَيَغْرِسُونَ فِيهَا الْأَشْجَارَ وَيَبْنُونَ فِيهَا الْبُنْيَانَ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَلَوْ أَنْتَجَ رَجُلٌ مُهْرًا لَمْ يَرْكَبْهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ لَدُنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا إِلَى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» . وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ عَنِ الثَّعْلَبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
(الْأَوَّلُ) قَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: يَمْكُثُ النَّاسُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ.
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ: يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ. وَأَخْرَجَ نُعَيْمٌ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ الْعَرَبُ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَبَعْدَ الدَّجَّالِ.
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْتَقِيَ الشَّيْخَانِ الْكَبِيرَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَتَى وُلِدْتَ؟ فَيَقُولُ زَمَنَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: الْآيَاتُ كُلُّهَا فِي ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَمَرَّ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَتَجَ مُهْرًا لَمْ يَرْكَبْهُ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ.
وَجَمَعَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَتَبِعَهُ السَّخَاوِيُّ فِي الْقَنَاعَةِ، وَالْبَرْزَنْجِيُّ فِي الْإِشَاعَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّةَ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ الْأُولَى عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ لَكِنَّهَا تَمُرُّ مَرًّا سَرِيعًا كَمِقْدَارِ عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَهْرٍ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ» " الْحَدِيثَ وَفِيهِ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ.
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَقَارُبُ الزَّمَانِ وَتَقَاصُرُ الْأَيَّامِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً زَمَنَ الدَّجَّالِ ثُمَّ تَرْجِعُ بَرَكَةُ الْأَرْضِ وَطُولُ الْأَيَّامِ إِلَى حَالِهَا، ثُمَّ تَتَنَاقَصُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِنَا عِيسَى عليه السلام إِلَى أَنْ تَصِيرَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَى مَا ذُكِرَ قُلْتُ: وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَنَّ الْآيَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ وَقِسْمٌ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِهَا، وَأَنَّ مِنَ الْأَوَّلِ الدَّجَّالَ، وَنُزُولَ عِيسَى عليه السلام، وَخُرُوجَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَالْخُسُوفَ، وَمِنَ الثَّانِي
الدُّخَانَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجَ الدَّابَّةِ، وَالنَّارَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَحْشُرُ النَّاسَ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَالْقَصِيرَةِ بِاعْتِبَارِ الثَّانِي لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْخَبَرَ نَاطِقٌ بِأَنَّ الْعِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَلِهَذَا مَالَ الْكُورَانِيُّ إِلَى الْأَوَّلِ أَوْ أَنَّ خَبَرَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَاسْتَدَلَّ لِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ مَعَ مَا مَرَّ بِقَوْلِ السَّخَاوِيِّ ثَبَتَ أَنَّ الْآيَاتِ الْعِظَامَ مِثْلَ السِّلْكِ إِذَا انْقَطَعَ تَنَاثَرَ الْخَرَزُ سُرْعَةً.
وَفِي مُرْسَلٍ لِأَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ «بَيْنَ أَوَّلِ الْآيَاتِ وَآخِرِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَتَتَابَعْنَ كَتَتَابُعِ الْخَرَزَاتِ فِي النِّظَامِ» . وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَيَشْهَدُ لِتَوَالِيهَا، خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ إِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَفِي رِوَايَةٍ «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ عَشْرُ آيَاتٍ كَالنَّظْمِ فِي الْخَيْطِ إِذَا سَقَطَ مِنْهَا وَاحِدَةٌ تَوَالَتْ» .
(الثَّانِي)
فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّ «أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا» . وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْفَعِ الْكُفَّارَ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى عليه السلام وَلَا الْفُسَّاقَ تَوْبَتُهُمْ لِانْغِلَاقِ بَابِ التَّوْبَةِ، وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ جَزْمًا وَإِلَّا لَمَا صَارَ الدِّينُ وَاحِدًا وَلَا كَانَ فِي نُزُولِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، وَقَدِ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُفَسِّرِينَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ أُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلْحَافِظِ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ إِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ سَابِقٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ قَبُولِ تَوْبَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا انْقَرَضُوا وَتَطَاوَلَ الزَّمَنُ وَعَادَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ عَادَ تَكْلِيفُ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ.
قَالَ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو آيَاتٍ أُخَرَ غَيْرَ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى - يَعْنِي وَخُرُوجِ الْمَهْدِيِّ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ عَنِ الْأَخِيرِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ بَابَ التَّوْبَةِ يُغْلَقُ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ خُرُوجَ الدَّجَّالِ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الْمُؤْذِنَةِ بِتَغَيُّرِ انْتِظَامِ الْأَحْوَالِ الْعَامَّةِ فِي مُعْظَمِ الْأَرْضِ وَيَنْتَهِي ذَلِكَ بِمَوْتِ سَيِّدِنَا عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا هُوَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الْمُؤْذِنَةِ بِتَغَيُّرِ انْتِظَامِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَيَنْتَهِي ذَلِكَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَأَمَّا خُرُوجُ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ.
قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ يَسْبِقُ خُرُوجَ الدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ يُغْلَقُ بَابُ التَّوْبَةِ فَتَخْرُجُ الدَّابَّةُ تُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ تَكْمِيلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْ إِغْلَاقِ بَابِ التَّوْبَةِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْحِكْمَةُ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عليه الصلاة والسلام لَمَّا قَالَ لِلنُّمْرُودِ {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] وَأَنَّ السَّحَرَةَ وَالْمُنَجِّمِينَ عَنْ آخِرِهِمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ هُوَ غَيْرُ كَائِنٍ - أَطْلَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمًا مِنَ الْمَغْرِبِ لِيُرِيَ الْمُنْكِرِينَ عَظِيمَ قُدْرَتِهِ وَبَاهِرَ حِكْمَتِهِ وَأَنَّ الشَّمْسَ فِي مُلْكِهِ إِنْ شَاءَ أَطْلَعَهَا مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ أَوْ لَا وَلَا.
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَوَّلُ الْآيَاتِ الدَّجَّالُ ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى عليه السلام ثُمَّ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا.
(قُلْتُ) وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجُ الْمَهْدِيِّ، ثُمَّ الدَّجَّالُ، ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى، ثُمَّ خُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ثُمَّ هَدْمُ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ الدُّخَانُ، ثُمَّ ارْتِفَاعُ الْقُرْآنِ، ثُمَّ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى رَفْعِ الْقُرْآنِ وَخُرُوجَ الدَّابَّةِ عَقِبَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فِي يَوْمِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا. وَهَذَا هُوَ النَّسَقُ الَّذِي مَشَيْنَا عَلَيْهِ وَاخْتَرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَدَّ خُرُوجُهُ آيَةً وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ لِخُرُوجِ الْمَهْدِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ)
قَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الدَّوَاوِينَ تُطْوَى وَالْأَقْلَامَ تَجِفُّ وَلَا يُزَادُ فِي حَسَنَةٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ سَيِّئَةٍ.
وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ وَلَا يُكْتَبُ عَمَلٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا فَأَجْسَامُهُمْ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ كَمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: إِذَا خَرَجَتْ أَوَّلُ الْآيَاتِ تَعْنِي طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ طُرِحَتِ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ وَخَلُصَتِ