المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ذكر أئمة المذاهب الأربعة] - لوامع الأنوار البهية - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ في ذِكْرِ بَعْضِ السَّمْعِيَّاتِ مِنْ ذِكْرِ الْبَرْزَخِ وَالْقُبُورِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَالْحَشْرِ وَالنُّشُورِ]

- ‌[المراد بها ما طريق العلم به النصوص الشرعية]

- ‌[أمور ما بعد الموت منها سؤال منكر ونكير]

- ‌[عذاب القبر]

- ‌[ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَظُلْمَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ في الكلام في الروح وحقيقتها]

- ‌[الاختلاف في حقيقة الروح وهل هي النفس أم غيرها]

- ‌[أين مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[خَلْقِ الْأَرْوَاحِ هَلْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا]

- ‌[أَيْنَ مُسْتَقَرُّ الْأَرْوَاحِ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[هَلْ تَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْمَوْتَى وَتَتَزَاوَرُ وَتَتَذَاكَرُ وَتَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ أَيْضًا]

- ‌[معنى السيد وهل يطلق على البشر]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا الدَّالَّةِ عَلَى اقْتِرَابِهَا وَمَجِيئِهَا]

- ‌[الأدلة على أشراط الساعة]

- ‌[أشراط الساعة ثلاثة أقسام الأول ما قد مضى وانقضى]

- ‌[القسم الثاني الْأَمَارَاتُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَهِيَ الَّتِي ظَهَرَتْ وَلَمْ تَنْقَضِ بَلْ تَزَّايَدُ وَتَكْثُرُ]

- ‌[القسم الثالث الْعَلَامَاتُ الْعِظَامُ وَالْأَشْرَاطُ الْجِسَامُ الَّتِي تَعْقُبُهَا السَّاعَةُ]

- ‌[العلامة الأولى ظهور المهدي]

- ‌[اسم المهدي وأشهر أوصافه]

- ‌[فوائد في شأن المهدي الأولى حليته وصفته]

- ‌[الثانية سيرة المهدي]

- ‌[الثالثة علامات ظهور المهدي]

- ‌[الرابعة بعض ما يسبق المهدي من الفتن]

- ‌[الخامسة فِي مَوْلِدِ المهدي وَبَيْعَتِهِ وَمُدَّةِ مُلْكِهِ وَمُتَعَلِّقَاتِ ذَلِكَ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثَّانِيَةُ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثَّالثة نزول عيسى عليه السلام]

- ‌[نزول عيسى عليه السلام ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ]

- ‌[فَوَائِدُ فِي مُتَعَلِّقَاتِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ عليه السلام الأولى حليته وسيرته]

- ‌[الثانية وقت نزول المسيح ومحله وما يجري على يديه]

- ‌[الثالثة مقدار مدة ووفاة المسيح عليه السلام]

- ‌[قتل المسيح للدجال]

- ‌[تنبيهات الأول قتل المسلمين لأتباع الدجال من اليهود]

- ‌[الثَّانِي فِي قَدْرِ لُبْثِ الدجال وَكَيْفِيَّةِ النَّجَاةِ مِنْهُ]

- ‌[الثَّالث ينبغي بث الأحاديث المنذرة بالدجال]

- ‌[الرابع في ابن صياد وهل هو الدجال]

- ‌[الخامس قصة تميم الداري حديث الجساسة]

- ‌[السادس الدَّجَّالِ عِنْدَ الْيَهُودِ وزعمهم فيه]

- ‌[السابع زيارة عيسى لقبر النبي وحجه البيت الحرام]

- ‌[العلامة الرابعة خروج يأجوج ومأجوج]

- ‌[العلامة الخامسة هَدْمُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ السادسَةُ الدُّخَانِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ السابعة رَفْعُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنَ الصُّدُورِ وَمِنَ السُّطُورِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثامنة طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]

- ‌[الْعَلَامَةُ التاسعة دَابَّةِ الْأَرْضِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ العاشرة خُرُوجُ النَّارِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ]

- ‌[الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ حَقٌّ وَاقِعٌ وَصِدْقٌ صَادِقٌ دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ]

- ‌[النفخ في الصور]

- ‌[الوقوف للحساب]

- ‌[الصحف]

- ‌[الميزان]

- ‌[الصراط]

- ‌[الحوض]

- ‌[قوم يزادون عن الحوض]

- ‌[الشفاعة]

- ‌[شفاعة الأنبياء وغيرهم]

- ‌[فَصْلٌ فِي‌‌ الْكَلَامِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌ الْكَلَامِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[جنة النعيم للأبرار]

- ‌[خلود الجنة والنار]

- ‌[سؤالَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالنَّعِيمِ وَالتَّنْعِيمِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ]

- ‌[رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة]

- ‌[الكفار والمكذبين محجوبين عن رؤية الله]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ ذِكْرِ سيدنا مُحَمَّدٍ وبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ أَصْحَابِهِ وَأُمَّتِهِ]

- ‌[إرسال الرسل منة من الله تعالى]

- ‌[الأوصاف اللازمة للنبوة]

- ‌[النبوة غير مكتسبة]

- ‌[خاتم النبيين]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَعْضِ الخَصَائِصِ النبوية]

- ‌[مزايا وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة غير ما ذكر]

- ‌[فَصْلٌ في التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تنحصر]

- ‌[القرآن وانشقاق القمر]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ فَضِيلَةِ نَبِيِّنَا وَأُولِي الْعَزْمِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ]

- ‌[أفضل العالم الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الأفضل من سائر الخلق بعد النبي أهل العزم]

- ‌[فَصْلٌ فيما يجب وما يستحيل في حق الأنبياء]

- ‌[فَصْلٌ الجائزفي حق الأنبياء]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرِ فضل الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رضي الله عنهم]

- ‌[أبو بكر الصديق]

- ‌[عمر الفاروق]

- ‌[عثمان ذو النورين]

- ‌[علي أبو السبطين]

- ‌[مَنْ أَحَب الخلفاء الأربعة فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ أَبْغَضَهُم فَهُوَ زِنْدِيقٌ]

- ‌[باقي العشرة]

- ‌[طلحة بن عبيد الله]

- ‌[الزبير بن العوام]

- ‌[سعد بن أبي وقاص]

- ‌ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ

- ‌[سعيد بن زيد]

- ‌[أبوعبيدة بن الجراح]

- ‌[أهل بدر]

- ‌[أهل الشجرة]

- ‌[أهل أحد]

- ‌[عائشة وخديجة]

- ‌[فَصْلٌ فِي فضل الصَّحَابَةِ جملة وحقهم]

- ‌[الصحابة أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَأَجْدَرُ الْخَلْقِ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ]

- ‌[أسباب تفضيل الصحابة]

- ‌[التحذير من الإزراء بفضل الصحابة]

- ‌[التابعون وفضلهم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِثْبَاتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي ذِكْرِ‌‌ الْإِمَامَةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا]

- ‌ الْإِمَامَةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا]

- ‌[أوجه تولي الإمامة وشروطه]

- ‌[وجوب طاعته بشرطه]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ]

- ‌[صلاح العباد لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الآمر بالمعروف يبدأ بنفسه]

- ‌[الْخَاتِمَةُ]

- ‌[مدارك العلوم]

- ‌[تعريف الحد وبيان شرطه]

- ‌[الإدراك بالحس وحال السفوسطائية]

- ‌[بعض اصطلاحات العلماء]

- ‌[التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ وَالْمُثُولُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ذكر المؤلف أن اقتفاء الأئمة والسلف الصالح ليس تقليدا لهم في الاعتقاد]

- ‌[ذكر أئمة المذاهب الأربعة]

- ‌[تُقَليِّدَ أحِد الأئمة الْأَرْبَعَةِ]

- ‌[حث المؤلف على الاقتداء بالأئمة]

- ‌[حث المؤلف على أخذ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ]

الفصل: ‌[ذكر أئمة المذاهب الأربعة]

فِي صَدْرِ الْكِتَابِ.

((وَيَنْبُوعِ الصَّفَا)) مَعْطُوفٌ عَلَى مَعَادِنَ وَالْيَنْبُوعُ - بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ - عَيْنُ الْمَاءِ أَوِ الْجَدْوَلُ الْكَثِيرُ الْمَاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالصَّفَاءُ ضِدُّ الْكَدَرِ كَالصَّفْوِ وَالصَّفْوَةِ، وَصَفْوَةُ الشَّيْءِ مُثَلَّثَةٌ مَا صُفِّيَ مِنْهُ وَمِنْهُ صَفَا الْجَوُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَطْخَةُ غَيْمٍ، فَالصَّحَابَةُ الْكِرَامُ يَنْبُوعُ كُلِّ خَالِصٍ مِنَ الْكَدَرِ نَقِيٍّ مِنْ غُبَارِ الْبِدَعِ وَقَذَى الْفِكْرِ، فَمَنْ وَرَدَ مَوْرِدَهُمْ كَرَعَ صَافِيًا زُلَالًا، وَمَنْ زَلَّ عَنْ نَهْجِهِمْ شَرِبَ أُجَاجًا قَذِرًا وَبَالًا، ((وَ)) عَلَى ((تَابِعٍ)) لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ((وَتَابِعٍ لِلتَّابِعِ)) عَلَى نَهْجِ الِاسْتِقَامَةِ وَالْإِتْقَانِ، وَهَؤُلَاءِ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ ((خَيْرُ الْوَرَى)) كَفَتَى: الْخَلْقُ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلِهِمْ أَحَقُّ بِذَلِكَ ((حَقًّا بِنَصِّ الشَّارِعِ)) لِلشَّرَائِعِ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ". قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَلَفْظُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:" «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِ» ".

وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ:

[ذكر أئمة المذاهب الأربعة]

((وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَعَ الرِّضْوَانِ

وَالْبِرِّ وَالتَّكْرِيمِ وَالْإِحْسَانِ))

((تُهْدَى مَعَ التَّبْجِيلِ وَالْإِنْعَامِ

مِنِّي لِمَثْوَى عِصْمَةِ الْإِسْلَامِ))

((أَئِمَّةِ الدِّينِ هُدَاةِ الْأُمَّةِ

أَهْلِ التُّقَى مِنْ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ))

((لَا سِيَّمَا أَحْمَدَ وَالنُّعْمَانِ

وَمَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ الصِّنْوَانِ))

((وَرَحْمَةُ اللَّهِ)) تَعَالَى ((مَعَ الرِّضْوَانِ)) مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ((وَالْبِرِّ)) - بِالْكَسْرِ - الْإِحْسَانِ وَالشَّفَقَةِ ((وَالتَّكْرِيمِ)) لَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ وَكَرَمِهِ الْكَرِيمِ، ((وَالْإِحْسَانِ)) إِلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ أَحْسَنُوا عَمَلًا وَأَخْلَصُوا قَوْلًا وَفِعْلًا فَيُجَازِيهِمْ بِالْإِحْسَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] .

((تُهْدَى)) - بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ - عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ الرَّحْمَةُ وَالرِّضْوَانُ وَالْبِرُّ وَالتَّكْرِيمُ وَالْإِحْسَانُ، ((مَعَ التَّبْجِيلِ)) أَيِ التَّعْظِيمِ وَفِي حَدِيثٍ أَنَّهُ عليه السلام أَتَى قُبُورًا فَقَالَ:" «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا بَجِيلًا» ". أَيْ وَاسِعًا كَثِيرًا مِنَ التَّبْجِيلِ يَعْنِي التَّعْظِيمَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: بَجَّلَهُ تَبْجِيلًا عَظَّمَهُ، ((وَالْإِنْعَامِ)) مِنَ الْمَلِكِ الْمُنْعِمِ

ص: 457

الْمُهَيْمِنِ السَّلَامِ ((مِنِّي)) أَيْ بِأَنْ أَسَالَ اللَّهَ تبارك وتعالى أَنْ يَفْعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَطَوْلِهِ وَحِلْمِهِ ((لِمَثْوَى)) أَيْ مَنْزِلٍ وَمَقَامٍ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمَثْوَى الْمَنْزِلُ مِنْ ثَوِيَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ فِيهِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْمَثْوَى الْمَنْزِلُ وَجَمْعُهُ مَثَاوِي. وَهُوَ مَجَازًا لِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّاوِينَ فَأَطْلَقَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ الْحَالَّ، ((عِصْمَةِ)) أَهْلِ ((الْإِسْلَامِ)) مِنَ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَالْآرَاءِ الْمُخِلَّةِ وَأَهْلِ الزَّيْغِ وَالْإِلْحَادِ وَالْإِفْكِ وَالْعِنَادِ. وَالْعِصْمَةُ الْمَنَعَةُ وَالْعَاصِمُ الْمَانِعُ الْحَامِي، وَالِاعْتِصَامُ الِامْتِسَاكُ بِالشَّيْءِ افْتِعَالٌ مِنْهُ، وَفِي شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

أَيْ يَمْنَعُهُنَّ مِنَ الضَّيَاعِ وَالْحَاجَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إِنَّمَا عِصْمَةُ هَذَا الدِّينِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانَ بِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ.

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: ((أَئِمَّةِ)) أَهْلِ هَذَا ((الدِّينِ)) الْمَتِينِ وَنُورِ اللَّهِ الْمُبِينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ((هُدَاةِ الْأُمَّةِ)) أَيِ الدَّالِّينَ الْأُمَّةَ عَلَى نَهْجِ الرَّسُولِ، وَالْكَاشِفِينَ لَهُمْ عَنْ مَعَانِي الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمُعَوَّلُ، وَالذَّابِّينَ زَيْغَ الزَّائِغِينَ وَبِدَعَ الْمُبْتَدِعِينَ وَضَلَالَ الْمُضِلِّينَ وَإِلْحَادَ الْمُلْحِدِينَ، فَقَدْ شَيَّدُوا مَبَانِيَهَا وَسَدَّدُوا مَعَانِيَهَا، وَأَصَّلُوا أُصُولَهَا وَفَصَّلُوا فُصُولَهَا، فَأَصْبَحَتِ الشَّرِيعَةُ بِهَذَا التَّرْتِيبِ مَضْبُوطَةً، وَأَحْكَامُهَا بِهَذَا الْوَصْفِ وَالتَّبْوِيبِ مَرْبُوطَةً، فَمَنْ رَامَ اخْتِلَاسَ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهَا نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَهُوَ خَائِبٌ، وَمَنْ دَنَا مِنْ سَمَاءِ أَحْكَامِهَا رَمَتْهُ كَوَاكِبُ حَرَسِهَا بِشِهَابٍ ثَاقِبٍ، وَلَسْتُ أَخُصُّ بِهَذَا الْوَصْفِ وَالدُّعَاءِ أَحَدًا دُونَ أَحَدٍ، بَلْ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى لَهُمْ جَمِيعًا، لِأَنَّهُمْ هُمْ ((أَهْلُ التُّقَى مِنْ سَائِرِ)) أَيْ جَمِيعِ ((الْأَئِمَّةِ)) مِنَ الْمُقْتَدَى بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، مِنْ كُلِّ عَالِمٍ هُمَامٍ وَحَبْرٍ قَمْقَامٍ وَمُقْدِمٍ مِقْدَامٍ، كَالْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعَةِ الْآتِي ذِكْرُهُمْ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَالْحَمَّادَيْنِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، وَدَاوُدَ، وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ تَبَايَنَتْ أَقْوَالُهُمْ وَاخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ، فَالْجَمِيعُ سَلَفِيَّةٌ أَثَرِيَّةٌ، وَلَهُمْ فِي السُّنَّةِ التَّصَانِيفُ النَّافِعَةُ وَالتَّآلِيفُ النَّاصِعَةُ، كَابْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَشْبَاهِهِمْ. ثُمَّ بَعْدَ أَنْ عَمَّ جَمِيعَ الْأَئِمَّةِ بِالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ خَصَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ، الَّذِينَ مَدَارُ الشَّرِيعَةِ الْآنَ عَلَى مَا أَوْصَلُوهُ، وَأَحْكَامُهَا

ص: 458

ضِمْنَ مَا فَصَّلُوهُ، فَقَالَ:((لَا سِيَّمَا)) هَذِهِ الْكَلِمَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى دُخُولِ مَا بَعْدَهَا فِي مَا قَبْلَهَا بِالْأَوْلَى، فَكُلُّ مَا نُسِبَ لِمَنْ قَبْلَهَا مِنَ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ فَمَنْ بَعْدَهَا كَذَلِكَ وَأَوْلَى بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ فِي الِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهَا الْجَرُّ وَالرَّفْعُ مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ النَّصْبُ أَيْضًا إِذَا كَانَ نَكِرَةً وَقَدْ رُوِيَ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَلَا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ

وَأَرْجَحُهَا الْجَرُّ وَهُوَ عَلَى الْإِضَافَةِ وَمَا زَائِدَةٌ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ مِثْلُهَا فِي: أَيُّمَا رَجُلَيْنِ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُضْمَرٍ مَحْذُوفٍ وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِالْجُمْلَةِ وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا مِثْلُ الَّذِي هُوَ أَوْ وَلَا مِثْلُ شَيْءٍ هُوَ يَوْمٌ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَتْحَةُ سِيَّ إِعْرَابٌ لِأَنَّهُ مُضَافٌ. وَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ كَمَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ بَعْدَ مِثْلٍ فِي مِثْلِ:{وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] وَمَا كَافَّةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ وَفَتْحَةُ سِيَّ فَتْحَةُ بِنَاءٍ مِثْلُهَا فِي، لَا رَجُلَ، وَأَمَّا انْتِصَابُ الْمَعْرِفَةِ نَحْوَ وَلَا سِيَّمَا زَيْدًا فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ، وَتَشْدِيدُ سِيَّمَا وَدُخُولُ لَا عَلَيْهَا وَدُخُولُ الْوَاوِ عَلَى لَا وَاجِبٌ عِنْدَ قَوْمٍ، حَتَّى قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنِ اسْتَعْمَلَ لَا سِيَّمَا عَلَى خِلَافِ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: وَلَا سِيَّمَا يَوْمٍ - فَهُوَ مُخْطِئٌ - وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا قَدْ تُخَفَّفُ وَقَدْ تُحْذَفُ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ:

فِهْ بِالْعُقُودِ وَبِالْأَيْمَانِ لَا سِيَمَا

عَقْدٌ وَفَاءٌ بِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ

وَهِيَ عِنْدَ الْفَارِسِيِّ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ اسْمٌ لِلَا التَّبْرِئَةِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ.

الْإِمَامُ ((أَحْمَدُ)) بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ، سَيِّدُنَا وَإِمَامُنَا وَقُدْوَتُنَا وَمُتَبُوعُنَا، وَالْوَاسِطَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْإِمَامُ الشَّهِيرُ وَالْأُمَّةُ الْعَلَمُ الْمُنِيرُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ وَالتَّفْسِيرِ وَالزُّهْدِ وَغَيْرِهَا رضي الله عنه وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ((وَ)) الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْحَبْرُ الْمُعَظَّمُ أَبِي حَنِيفَةَ ((النُّعْمَانِ)) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ الْأَكْثَرِ، وَيَصِحُّ الرَّفْعُ فِيهِمَا كَمَا أَشَرْنَا أَوْلًا عَلَى الْأَشْهَرِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْكُوفِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَفَقِيهُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِمَامُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالَ الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْحُفَّاظِ: قِيلَ إِنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ، فَإِنَّهُ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا الطُّفَيْلِ رضي الله عنهما وَرَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَعَطَاءٍ وَعَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَخَلْقٍ،

ص: 459

وَعَنْهُ ابْنُهُ حَمَّادٌ وَوَكِيعٌ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُمَا الصَّاحِبَانِ إِذَا أُطْلِقَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً لَا يُحَدِّثُ بِمَا لَا يَحْفَظُ، وَقَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ فِي الْفِقْهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَمَا رَأَيْتُ فِي الْكُوفِيِّينَ أَوْرَعَ مِنْهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: النَّاسُ فِي الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُئِلَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَيُّهُمَا أَفْقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْ سُفْيَانُ؟ فَقَالَ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ لِلْحَدِيثِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَفْقَهُ. أُكْرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَلَى الْقَضَاءِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلَاةً وَدُعَاءً وَتَضَرُّعًا، وُلِدَ رضي الله عنه سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ إِحْدَى، وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

((وَ)) الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ((مَالِكٍ)) بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ، هُوَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ وَالنَّجْمُ الْمُنِيرُ وَالْعَلَمُ الشَّهِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْأَصْبَحِيُّ الْحِمْيَرِيُّ الْمَدَنِيُّ، شَيْخُ الْأَئِمَّةِ وَإِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ، رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ نَافِعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَخَلْقٌ جَمَعَهُمُ الْخَطِيبُ فِي مُجَلَّدٍ، قَالَ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: لِمَالِكٍ نَحْوُ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْإِمَامِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: قُلْتُ لِأَبِي: مَنْ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: مَالِكٌ أَثْبَتُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رضي الله عنه: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: إِذَا جَاءَ الْأَثَرُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ، قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: أَخَذَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ الْأَوْزَاعِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُمَا، وَنُودِيَ فِي الْمَدِينَةِ أَلَا لَا يُفْتِي النَّاسَ إِلَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. مَاتَ فِي الْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً رضي الله عنه وَدُفِنَ فِي الْبَقِيعِ، وَكَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ إِلَى الشُّقْرَةِ، طَوِيلًا عَظِيمَ الْهَامَةِ أَصْلَعَ، يَلْبَسُ

ص: 460

الثِّيَابَ الْعَدَنِيَّةَ الْجِيَادَ، وَيَكْرَهُ حَلْقَ الشَّارِبِ وَيَعِيبُهُ وَيَرَاهُ مِنَ الْمُثْلَةِ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ.

وَالْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ((مُحَمَّدٍ)) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ سَقَطَ حَرْفُ الْعَطْفِ لِإِقَامَةِ الْوَزْنِ، فَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُطَّلِبِيُّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، يَجْتَمِعُ نَسَبُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَبْدِ مَنَافٍ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ ((الصِّنْوَانِ)) أَيِ الْقَرَابَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لِلنَّخْلَتَيْنِ فِي مَا زَادَ فِي الْأَصْلِ الْوَاحِدِ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِنْوٌ وَيُضَمُّ وَرَكِيَّتَانِ صِنْوَانِ مُتَجَاوِرَتَانِ أَوْ يَنْبُعَانِ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه:" «فَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " «الْعَبَّاسُ صِنْوُ أَبِي» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " صِنْوِي ". يُرِيدُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَصْلَ الْعَبَّاسِ وَأَصْلِي وَاحِدٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ الصِّنْوَانِ: الْمِتْقَانِ، مِنَ الْإِتْقَانِ لِإِتْقَانِهِ لِلْعُلُومِ وَإِحْكَامِهِ لِلْمَنْطُوقِ مِنْهَا وَالْمَفْهُومِ، فَهُوَ إِمَامُ الْأُمَّةِ وَقُدْوَةُ الْأَئِمَّةِ.

وُلِدَ بِغَزَّةِ هَاشِمٍ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَحُمِلَ إِلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَقِيلَ وُلِدَ بِعَسْقَلَانَ، وَقِيلَ بِالْيَمَنِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ كَذَا فِي طَبَقَاتِ الْحُفَّاظِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ، وَشَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْحَدِيثِ لِلْمُصَنِّفِ، وَفِي طَبَقَاتِ الْحُفَّاظِ أَيْضًا: وُلِدَ بِبِلَادِ غَزَّةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَحُمِلَ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ فَنَشَأَ بِهَا، وَكَانَ رضي الله عنه جَمَّ الْمَفَاخِرِ مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ، اجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَآثَارِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ - حَتَّى قَرَأَ عَلَيْهِ الْأَصْمَعِيُّ مَعَ اشْتِهَارِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ أَشْعَارَ الْهُذَلِيِّينَ - مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي غَيْرِهِ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: عَرَفْنَا نَاسِخَ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخَهُ لَمَّا جَالَسْنَا الشَّافِعِيَّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ رَجُلٍ كَانَ الشَّافِعِيُّ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُكَ تُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ كَانَ الشَّافِعِيُّ كَالشَّمْسِ لِلدُّنْيَا وَكَالْعَافِيَةِ لِلْبَدَنِ، هَلْ لِذَيْنِ مِنْ خَلَفٍ أَوْ عَنْهُمَا مِنْ عِوَضٍ؟ كَذَا فِي وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ لِابْنِ خِلِّكَانَ. قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْحُفَّاظِ: رَوَى

ص: 461

الشَّافِعِيُّ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي أُسَامَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالْإِمَامِ مَالِكٍ، وَإِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَخَلْقٍ، وَعَنْهُ ابْنُهُ أَبُو عُثْمَانَ مُحَمَّدٌ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَأَبُو طَاهِرِ بْنُ السَّرْحِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ، وَأَبُو الْوَلِيدِ الْمَكِّيُّ، وَأَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَمَّا حَمَلَتْ أُمُّ الشَّافِعِيِّ بِهِ رَأَتْ كَأَنَّ الْمُشْتَرَى خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا حَتَّى انْقَضَّ بِمِصْرَ ثُمَّ وَقَعَ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْهُ شَظِيَّةٌ، فَتَأَوَّلَهُ أَصْحَابُ الرُّؤْيَا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَالِمٌ يَخُصُّ عِلْمُهُ أَهْلَ مِصْرَ ثُمَّ يَنْتَشِرُ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقَيِّضُ لِلنَّاسِ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ يُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ، وَيَنْفِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الْكَذِبَ. فَنَظَرْنَا فَإِذَا فِي رَأْسِ الْمِائَةِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه. قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَحَفِظْتُ الْمُوَطَّأَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يُفْتِي وَلَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ إِلَى أَنْ مَاتَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: كَتَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ شَابٌّ أَنْ يَضَعَ لَهُ كِتَابًا فِيهِ مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَيَجْمَعَ قَبُولَ الْأَخْبَارِ فِيهِ وَحُجَّةَ الْإِجْمَاعِ، وَبَيَانَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَوَضَعَ لَهُ كِتَابَ الرِّسَالَةِ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا أُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا وَأَنَا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا. وَقَالَ هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ: لَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَاظَرَ عَلَى هَذَا الْعَمُودِ الَّذِي مِنْ حِجَارَةٍ أَنَّهُ مِنَ الْخَشَبِ لَغَلَبَ لِاقْتِدَارِهِ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ. وَكَانَ الْحُمَيْدِيُّ يَقُولُ حَدَّثَنَا سَيِّدُ الْفُقَهَاءِ.

تُوُفِّيَ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ - فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، وَدُفِنَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِهِ بِالْقَرَافَةِ الصُّغْرَى، وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ يُزَارُ وَيُتَبَرَّكُ بِهِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى ثِقَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَعَدَالَتِهِ، وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَنَزَاهَةِ عِرْضِهِ وَعِفَّةِ نَفْسِهِ، وَحُسْنِ سِيرَتِهِ وَعُلُوِّ قَدْرِهِ وَسَخَائِهِ رضي الله عنه، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَيْهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، قَالَهُ ابْنُ خِلِّكَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ

ص: 462