المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أبو بكر الصديق] - لوامع الأنوار البهية - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ في ذِكْرِ بَعْضِ السَّمْعِيَّاتِ مِنْ ذِكْرِ الْبَرْزَخِ وَالْقُبُورِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَالْحَشْرِ وَالنُّشُورِ]

- ‌[المراد بها ما طريق العلم به النصوص الشرعية]

- ‌[أمور ما بعد الموت منها سؤال منكر ونكير]

- ‌[عذاب القبر]

- ‌[ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَظُلْمَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ في الكلام في الروح وحقيقتها]

- ‌[الاختلاف في حقيقة الروح وهل هي النفس أم غيرها]

- ‌[أين مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[خَلْقِ الْأَرْوَاحِ هَلْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا]

- ‌[أَيْنَ مُسْتَقَرُّ الْأَرْوَاحِ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[هَلْ تَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْمَوْتَى وَتَتَزَاوَرُ وَتَتَذَاكَرُ وَتَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ أَيْضًا]

- ‌[معنى السيد وهل يطلق على البشر]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا الدَّالَّةِ عَلَى اقْتِرَابِهَا وَمَجِيئِهَا]

- ‌[الأدلة على أشراط الساعة]

- ‌[أشراط الساعة ثلاثة أقسام الأول ما قد مضى وانقضى]

- ‌[القسم الثاني الْأَمَارَاتُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَهِيَ الَّتِي ظَهَرَتْ وَلَمْ تَنْقَضِ بَلْ تَزَّايَدُ وَتَكْثُرُ]

- ‌[القسم الثالث الْعَلَامَاتُ الْعِظَامُ وَالْأَشْرَاطُ الْجِسَامُ الَّتِي تَعْقُبُهَا السَّاعَةُ]

- ‌[العلامة الأولى ظهور المهدي]

- ‌[اسم المهدي وأشهر أوصافه]

- ‌[فوائد في شأن المهدي الأولى حليته وصفته]

- ‌[الثانية سيرة المهدي]

- ‌[الثالثة علامات ظهور المهدي]

- ‌[الرابعة بعض ما يسبق المهدي من الفتن]

- ‌[الخامسة فِي مَوْلِدِ المهدي وَبَيْعَتِهِ وَمُدَّةِ مُلْكِهِ وَمُتَعَلِّقَاتِ ذَلِكَ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثَّانِيَةُ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثَّالثة نزول عيسى عليه السلام]

- ‌[نزول عيسى عليه السلام ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ]

- ‌[فَوَائِدُ فِي مُتَعَلِّقَاتِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ عليه السلام الأولى حليته وسيرته]

- ‌[الثانية وقت نزول المسيح ومحله وما يجري على يديه]

- ‌[الثالثة مقدار مدة ووفاة المسيح عليه السلام]

- ‌[قتل المسيح للدجال]

- ‌[تنبيهات الأول قتل المسلمين لأتباع الدجال من اليهود]

- ‌[الثَّانِي فِي قَدْرِ لُبْثِ الدجال وَكَيْفِيَّةِ النَّجَاةِ مِنْهُ]

- ‌[الثَّالث ينبغي بث الأحاديث المنذرة بالدجال]

- ‌[الرابع في ابن صياد وهل هو الدجال]

- ‌[الخامس قصة تميم الداري حديث الجساسة]

- ‌[السادس الدَّجَّالِ عِنْدَ الْيَهُودِ وزعمهم فيه]

- ‌[السابع زيارة عيسى لقبر النبي وحجه البيت الحرام]

- ‌[العلامة الرابعة خروج يأجوج ومأجوج]

- ‌[العلامة الخامسة هَدْمُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ السادسَةُ الدُّخَانِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ السابعة رَفْعُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنَ الصُّدُورِ وَمِنَ السُّطُورِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثامنة طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]

- ‌[الْعَلَامَةُ التاسعة دَابَّةِ الْأَرْضِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ العاشرة خُرُوجُ النَّارِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ]

- ‌[الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ حَقٌّ وَاقِعٌ وَصِدْقٌ صَادِقٌ دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ]

- ‌[النفخ في الصور]

- ‌[الوقوف للحساب]

- ‌[الصحف]

- ‌[الميزان]

- ‌[الصراط]

- ‌[الحوض]

- ‌[قوم يزادون عن الحوض]

- ‌[الشفاعة]

- ‌[شفاعة الأنبياء وغيرهم]

- ‌[فَصْلٌ فِي‌‌ الْكَلَامِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌ الْكَلَامِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[جنة النعيم للأبرار]

- ‌[خلود الجنة والنار]

- ‌[سؤالَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالنَّعِيمِ وَالتَّنْعِيمِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ]

- ‌[رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة]

- ‌[الكفار والمكذبين محجوبين عن رؤية الله]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ ذِكْرِ سيدنا مُحَمَّدٍ وبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ أَصْحَابِهِ وَأُمَّتِهِ]

- ‌[إرسال الرسل منة من الله تعالى]

- ‌[الأوصاف اللازمة للنبوة]

- ‌[النبوة غير مكتسبة]

- ‌[خاتم النبيين]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَعْضِ الخَصَائِصِ النبوية]

- ‌[مزايا وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة غير ما ذكر]

- ‌[فَصْلٌ في التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تنحصر]

- ‌[القرآن وانشقاق القمر]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ فَضِيلَةِ نَبِيِّنَا وَأُولِي الْعَزْمِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ]

- ‌[أفضل العالم الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الأفضل من سائر الخلق بعد النبي أهل العزم]

- ‌[فَصْلٌ فيما يجب وما يستحيل في حق الأنبياء]

- ‌[فَصْلٌ الجائزفي حق الأنبياء]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرِ فضل الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رضي الله عنهم]

- ‌[أبو بكر الصديق]

- ‌[عمر الفاروق]

- ‌[عثمان ذو النورين]

- ‌[علي أبو السبطين]

- ‌[مَنْ أَحَب الخلفاء الأربعة فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ أَبْغَضَهُم فَهُوَ زِنْدِيقٌ]

- ‌[باقي العشرة]

- ‌[طلحة بن عبيد الله]

- ‌[الزبير بن العوام]

- ‌[سعد بن أبي وقاص]

- ‌ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ

- ‌[سعيد بن زيد]

- ‌[أبوعبيدة بن الجراح]

- ‌[أهل بدر]

- ‌[أهل الشجرة]

- ‌[أهل أحد]

- ‌[عائشة وخديجة]

- ‌[فَصْلٌ فِي فضل الصَّحَابَةِ جملة وحقهم]

- ‌[الصحابة أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَأَجْدَرُ الْخَلْقِ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ]

- ‌[أسباب تفضيل الصحابة]

- ‌[التحذير من الإزراء بفضل الصحابة]

- ‌[التابعون وفضلهم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِثْبَاتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي ذِكْرِ‌‌ الْإِمَامَةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا]

- ‌ الْإِمَامَةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا]

- ‌[أوجه تولي الإمامة وشروطه]

- ‌[وجوب طاعته بشرطه]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ]

- ‌[صلاح العباد لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الآمر بالمعروف يبدأ بنفسه]

- ‌[الْخَاتِمَةُ]

- ‌[مدارك العلوم]

- ‌[تعريف الحد وبيان شرطه]

- ‌[الإدراك بالحس وحال السفوسطائية]

- ‌[بعض اصطلاحات العلماء]

- ‌[التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ وَالْمُثُولُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ذكر المؤلف أن اقتفاء الأئمة والسلف الصالح ليس تقليدا لهم في الاعتقاد]

- ‌[ذكر أئمة المذاهب الأربعة]

- ‌[تُقَليِّدَ أحِد الأئمة الْأَرْبَعَةِ]

- ‌[حث المؤلف على الاقتداء بالأئمة]

- ‌[حث المؤلف على أخذ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ]

الفصل: ‌[أبو بكر الصديق]

يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الثُّبُوتِ لَهُمْ وَلَا وَاجِبَ النَّفْيِ عَنْهُمْ، فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ جَائِزٌ فِي حَقِّهِمْ، لَكِنَّهُ نَبَّهَ بِمَا ذَكَرَهُ لِإِيضَاحِ قِسْمِ الْجَائِزِ عَلَيْهِمْ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - ((النَّوْمُ)) وَهُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، لِتَسْتَرِيحَ أَبْدَانُهُمْ عِنْدَ تَعَبِهِمْ، وَهُوَ غَشْيَةٌ ثَقِيلَةٌ تَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ تَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَشْيَاءِ، لَكِنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم كَانَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، بَلْ قَلْبُهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَبَدًا مُسْتَيْقِظًا مُتَهَيِّئًا لِإِدْرَاكِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَمِثْلُ النَّوْمِ مِمَّا هُوَ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - الْجُلُوسُ وَالْمَشْيُ وَالْبُكَاءُ وَالضَّحِكُ، وَكُلُّ مَا هُوَ مِنَ الْخَوَاصِّ الْبَشَرِيَّةِ الْمُبَاحَةِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِ الْمُبَاحِ مِنْهُمْ، ((وَالنِّكَاحُ)) وَالتَّسَرِّي وَجِمَاعُ النِّسَاءِ، فَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ وَطْءُ النِّسَاءِ بِالْمِلْكِ بِشَرْطِ كَوْنِهِنَّ مُسْلِمَاتٍ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ((مِثْلُ الْأَكْلِ)) وَالشُّرْبِ الْحَلَالِ، وَكَذَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كُلُّ عَرَضٍ بَشَرِيٍّ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَلَا مُبَاحٍ مُزْرٍ، وَلَا مِمَّا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ، وَلَا مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى النَّفْرَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الِاحْتِلَامُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْبَشَرِ، وَأُرْسِلُوا إِلَى الْبَشَرِ، فَظَوَاهِرُهُمْ خَالِصَةٌ لِلْبَشَرِ، يَجُوزُ عَلَيْهَا مِنَ الْآفَاتِ وَالتَّغْيِيرَاتِ وَالْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَتَجَرُّعِ كَأْسِ الْحِمَامِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْبَشَرِ مِمَّا لَا نَقِيصَةَ فِيهِ، فَإِنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْرَضُ وَيَتَأَلَّمُ وَيَتَشَكَّى، وَكَانَ يُصِيبُهُ الْحَرُّ وَالْقُرُّ وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَالْغَضَبُ وَالضَّجَرُ وَالنَّصَبُ وَالتَّعَبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا يُوجِبُ الِاتِّصَافُ بِهِ نَوْعَ نُفْرَةٍ عِنْدَ كُلِّ نَبِيهٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ ذِكْرِ فضل الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رضي الله عنهم]

[أبو بكر الصديق]

((فَصْلٌ)) فِي ذِكْرِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رضي الله عنهم

اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بَقِيَّةَ أُولِي الْعَزْمِ، ثُمَّ الرُّسُلَ، ثُمَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ الْبَشَرِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم. وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ - أَعْقَبَ ذِكْرَ الْأَنْبِيَاءِ بِالصَّحَابَةِ حَسَبَ اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَبَدَأَ بِأَفْضَلِهِمِ الْإِمَامُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَخَلِيفَةُ رَسُولِ

ص: 310

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّصْدِيقِ: الصِّدِّيقُ الْأَعْظَمُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فَقَالَ:

((وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ بِالتَّحْقِيقِ

فِي الْفَضْلِ وَالْمَعْرُوفِ كَالصِّدِّيقِ))

((وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ)) أَيْ أُمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ أُمَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَأَلْ فِيهَا لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا أَفْضَلُ الْأُمَمِ، فَيَكُونُ الصِّدِّيقُ أَفْضَلَ الْبَشَرِ بَعْدَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، ((بِالتَّحْقِيقِ)) الثَّابِتِ الْمَنْصُوصِ وَالتَّدْقِيقِ الْبَاتِّ الْمَخْصُوصِ، ((فِي الْفَضْلِ)) بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ ((وَ)) بَذْلِ ((الْمَعْرُوفِ)) مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الشِّيَمِ ((كَ)) أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ الْكَعْبَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ وَلَقَّبَهُ بِـ ((الصِّدِّيقِ)) ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَلَقَّبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَتِيقًا لِجَمَالِ وَجْهِهِ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقَ، فَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، يَجْتَمِعُ نَسَبُهُ مَعَ نَسَبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَأُمُّ الصِّدِّيقِ أُمُّ الْخَيْرِ سَلْمَى بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ، بِنْتُ عَمِّ أَبِيهِ، مَاتَتْ هِيَ وَأَبُوهُ أَبُو قُحَافَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَمْرٍو مُسْلِمَيْنِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه جَاءَ بِأَبِيهِ يَوْمَ الْفَتْحِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَهُوَ أَوَّلُ النَّاسِ إِيمَانًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْلِ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَلَسْتُ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ؟ أَلَسْتُ صَاحِبَ كَذَا؟ الْحَدِيثَ. وَقِيلَ: بَلْ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَنَقَلَ الْحَاكِمُ اتِّفَاقَ الْمُؤَرِّخِينَ عَلَيْهِ، وَاسْتُنْكِرَ هَذَا مِنْهُ، وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَقِيلَ: خَدِيجَةُ، وَادَّعَى الثَّعْلَبِيُّ الِاجْمَاعَ فِيهِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَنْ بَعْدَهَا، وَصَوَّبَهُ كَثِيرٌ وَاسْتَظْهَرَهُ الْبَرَمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: أَوَّلُهُمْ بِلَالُ بْنُ حَمَامَةَ، وَقِيلَ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ حَكَاهُمَا الْمَسْعُودِيُّ،

ص: 311

وَقِيلَ: خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَسْعَدَ الْحِمْيَرِيُّ، وَنَقَلَ ابْنُ سَبْعٍ فِي الْخَصَائِصِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَهُمْ إِسْلَامًا. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْإِمَامِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْأَوْرَعُ أَنْ يُقَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنَ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ، وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنَ الْمَوَالِي زَيْدٌ، وَمِنَ الْعَبِيدِ بِلَالٌ. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ لِجَمْعِهِ الْأَقْوَالَ. وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ الصِّدِّيقِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُنْتَخَبِ الْمُنْتَخَبِ: وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَ (أَوَّلُ مَنْ) قَاءَ تَحَرُّجًا مِنَ الشُّبُهَاتِ، وَأَوَّلُ مَنْ سَمَّى الْقُرْآنَ مُصْحَفًا، وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ خَلِيفَةً، وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَنَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا رَاضٍ بِهِ. وَأَوَّلُ مَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ وَأَبُوهُ حَيٌّ، وَأَوَّلُ خَلِيفَةٍ مَاتَ وَأَبُوهُ حَيٌّ، وَأَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ بَيْتَ الْمَالِ.

وَمَنَاقِبُهُ رضي الله عنه لَا تُحْصَى، وَمَزَايَاهُ وَمَآثِرُهُ لَا تُسْتَقْصَى، وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ وَخَيْرُهُمْ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ وَالنَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، ثُمَّ سَائِرُ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ بَاقِي أَهْلِ بَدْرٍ، ثُمَّ بَاقِي أَهْلِ أُحُدٍ، ثُمَّ بَاقِي أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، ثُمَّ بَاقِي الصَّحَابَةِ، هَكَذَا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ، فَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم لَا يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ إِلَّا زَائِغٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ.

قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: هَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَلَعَنَ اللَّهُ الرَّافِضَةَ مَا أَجْهَلَهُمْ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: قَدْ نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما وَذُكِرَ نَحْوُ ذَلِكَ لِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَالرَّافِضَةُ تُكَذِّبُهُ فَهُمْ مَعَ عَلِيٍّ كَالنَّصَارَى مَعَ الْمَسِيحِ، وَالْيَهُودِ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا

ص: 312

السَّلَامُ -. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: قُلْنَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: ذَاكَ امْرُؤٌ سَمَّاهُ اللَّهُ الصِّدِّيقَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ وَعَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ، كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَضِيَهُ لِدِينِنَا فَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي تَحْيَا قَالَ: لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ اللَّهَ سَمَّى أَبَا بَكْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صِدِّيقًا. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَحْلِفُ بِاللَّهِ لَأَنْزَلَ اللَّهُ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقَ. وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] هُوَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ فِي تَفْسِيرِهَا: إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِالْحَقِّ هُوَ مُحَمَّدٌ، وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ بِالْحَقِّ، وَلَعَلَّهَا قِرَاءَةٌ لِعَلِيٍّ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ صِدِّيقًا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ الثَّقَفِيُّ فِيهِ:

وَسُمِّيتَ صِدِّيقًا وَكُلُّ مُهَاجِرٍ

سِوَاكَ يُسَمَّى بِاسْمِهِ غَيْرَ مُنْكَرِ

سَبَقْتَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ شَاهِدٌ

وَكُنْتَ جَلِيسًا فِي الْعَرِيشِ الْمُشْهَرِ

وَأَوَّلُ مَا اشْتَهَرَ أَبُو بَكْرٍ بِهَذَا الِاسْمِ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ رضي الله عنهما قَالَتْ: جَاءَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا: هَلْ لَكَ إِلَى صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ: أَوَقَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: لَقَدْ صَدَقَ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ، بِخَبَرِ السَّمَاءِ غُدْوَةً وَرَوْحَةً. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَكَانَ بِذِي طُوًى

ص: 313

قَالَ: يَا جِبْرِيلُ إِنَّ قَوْمِي لَا يُصَدِّقُونِي، قَالَ: يُصَدِّقُكَ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ الصِّدِّيقُ» . وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مَوْصُولًا عَنْ أَبِي وَهْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَوَّلَ إِسْلَامًا؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ حَسَّانٍ:

إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ

فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا

خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلُهَا

بَعْدَ النَّبِيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلَا

وَالثَّانِي التَّالِي الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ

وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلَا

وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ فُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: سَأَلْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ قُلْتُ: عَلِيٌّ أَفْضَلُ أَمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ قَالَ: فَارْتَعَدَ حَتَّى سَقَطَتْ عَصَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَبْقَى إِلَى زَمَانٍ يَعْدِلُ بِهِمَا لِلَّهِ دَرُّهُمَا، كَانَا رَأْسَ الْإِسْلَامِ. قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ أَوَّلَ إِسْلَامًا أَمْ عَلِيٌّ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ آمَنَ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ بُحَيْرَا الرَّاهِبِ حِينَ مَرَّ بِهِ، وَاخْتَلَفَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَدِيجَةَ حَتَّى أَنْكَحَهَا إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ عَلِيٌّ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَيْسَرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا بَرَزَ سَمِعَ مَنْ يُنَادِيهِ: يَا مُحَمَّدُ، فَإِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ انْطَلَقَ هَارِبًا، فَأَسَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ» ".

قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حُفَّاظِ الْإِسْلَامِ، وَأَئِمَّتِهِمْ: صَحِبَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، لَمْ يُفَارِقْهُ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا إِلَّا فِيمَا أَذِنَ لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُرُوجِ فِيهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ، وَشَهِدَ مَعَهُ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَهَاجَرَ مَعَهُ، وَتَرَكَ عِيَالَهُ وَأَوْلَادَهُ، رَغْبَةً فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَفِيقُهُ فِي الْغَارِ قَالَ تَعَالَى:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] وَأَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَجْوَدُ الصَّحَابَةِ قَالَ تَعَالَى:

ص: 314

{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ} [الليل: 17] إِلَى آخَرِ السُّورَةِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه. وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ» ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهم. وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا، وَزَادَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي فِي مَالِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا يَقْضِي فِي مَالِ نَفْسِهِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَسْلَمَ يَوْمَ أَسْلَمَ، وَلَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَنْفَقَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ. قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ: قَالَ أَبُوهَا، قُلْتُ: ثُمَّ؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» . وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِدُونِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: هَلْ قُلْتَ فِي أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ، فَقَالَ:

وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ الْمُنِيفِ وَقَدْ

طَافَ الْعَدُوُّ بِهِ إِذْ صَعَّدَ الْجَبَلَا

وَكَانَ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا

مِنَ الْبَرِيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلَا

فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقْتَ يَا حَسَّانُ هُوَ كَمَا قُلْتَ» . وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] أَنَّ الصَّاحِبَ الْمَذْكُورَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ

ص: 315

عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ» ". وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبَدِ اللَّهِ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، وَأَبِي الْمُعَلَّى، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم فَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ:" «أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ» ". وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «أَبُو بَكْرٍ صَاحِبِي وَمُؤْنِسِي فِي الْغَارِ» ". وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ حَلْقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَشْتَبِكُ حَتَّى تَصِيرَ كَالسِّوَارِ، وَإِنَّ مَجْلِسَ أَبِي بَكْرٍ مِنْهَا لَفَارِغٌ، مَا يَطْمَعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا جَاءَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ حَدِيثَهُ، وَسَمِعَ النَّاسُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَشُكْرُهُ وَاجِبٌ عَلَى أُمَّتِي» ".، وَخَرَّجَ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. وَأَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا:" «النَّاسُ كُلُّهُمْ يُحَاسَبُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» ". وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِهِ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ يَعْسُرُ اسْتِقْصَاؤُهَا، وَقَدْ أَشَرْنَا بِقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرٍ لُجِّيٍّ، وَبِذَرَّةٍ مِنْ رَمْلٍ عَالِجٍ، وَقَدْ أُفْرِدَتْ مَنَاقِبُهُ بِالتَّصْنِيفِ، فَدَعِ الْمُخَادِعَ وَالْمُعَالِجَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَبْيَضَ، نَحِيفًا، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ، أَجْنَأَ، لَا يَسْتَمْسِكُ إِزَارُهُ يَسْتَرْخِي عَنْ حَقْوَيْهِ، مَعْرُوقَ الْوَجْهِ، غَائِرَ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئَ الْجَبْهَةِ، عَارِيَ الْأَشَاجِعِ، وَلَهُ مِنَ الْوَلَدِ عَبْدُ اللَّهِ وَأَسْمَاءُ وَأُمُّهُمَا قُتَيْلَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَائِشَةُ - وَأُمُّهُمَا أُمُّ رُومَانَ، وَمُحَمَّدٌ وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ -، وَأُمُّ كُلْثُومٍ

ص: 316