الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهُ عَنْهُمْ أَخْرَجَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبَى عَقِيلٍ رضي الله عنه أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَحِكْمَةُ إِلْهَامِ النَّاسِ التَّرَدُّدَ إِلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَهُ، وَلَمْ يُلْهَمُوا الْمَجِيءَ إِلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ لِإِظْهَارِ فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ كَشْفِ عُلُومِ الْآخِرَةِ أَنَّ بَيْنَ إِتْيَانِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ آدَمَ وَإِتْيَانِهِمْ نُوحًا أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَذَا بَيْنَ كُلِّ نَبِيٍّ وَنَبِيٍّ، فَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ:
لَمْ أَقِفْ لِذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ، وَقَدْ أُكْثِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ إِيرَادِ أَحَادِيثَ لَا أَصْلَ لَهَا، فَلَا يُغْتَرُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا. انْتَهَى.
(الثَّانِيَةُ)
شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَوْعٌ مِنَ السَّمْعِيَّاتِ وَرَدَتْ بِهَا الْآثَارُ حَتَّى بَلَغَتْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ، وَانْعَقَدَتْ عَلَيْهَا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُبْتَدِعَةِ، لَكِنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى مُجْمَعٌ عَلَيْهَا لَمْ يُنْكِرْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْحَشْرِ، إِذْ هِيَ لِلْإِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْوُقُوفِ حِينَ يَتَمَنَّوْنَ الِانْصِرَافَ مِنْ مَوْقِفِهِمْ ذَلِكَ، وَلَوْ إِلَى النَّارِ.
(الثَّالِثَةُ)
سُئِلَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ سُجُودِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَيْثُ الْوُضُوءِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طِهَارَةِ غُسْلِ الْمَوْتِ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ لَيْسَتْ كَأَحْكَامِ الدُّنْيَا، إِذِ الْآخِرَةُ لَيْسَتْ بِدَارِ تَكْلِيفٍ، فَلَا يَتَوَقَّفُ السُّجُودُ فِيهَا عَلَى وُضُوءٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[شفاعة الأنبياء وغيرهم]
((فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلْمُصْطَفَى
…
كَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ أَسْبَابِ الْوَفَا))
((مِنْ عَالِمٍ كَالرُّسْلِ وَالْأَبْرَارِ
…
سِوَى الَّتِي خُصَّتْ بِذِي الْأَنْوَارِ))
((فَإِنَّهَا)) أَيِ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى وَغَيْرُهَا مِنْ سَائِرِ الشَّفَاعَاتِ الْآتِي ذِكْرُهَا (ثَابِتَةٌ) بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ بَلِ الْمُتَوَاتِرِ (لِـ) النَّبِيِّ ((الْمُصْطَفَى)) مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ((كَ)) مَا أَنَّهَا ثَابِتَةٌ لِـ ((غَيْرِهِ)) أَيْ غَيْرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ((مِنْ كُلِّ أَرْبَابِ)) أَيْ أَصْحَابِ ((الْوَفَا)) بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنِ الزَّوَاجِرِ.
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا أُجْمِلَ مِنْ أَرْبَابِ الْوَفَا بِقَوْلِهِ: ((مِنْ عَالِمٍ)) عَامِلٍ بِعِلْمِهِ مُعَلِّمٍ لِغَيْرِهِ، وَهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ، وَهَؤُلَاءِ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَهَؤُلَاءِ كَمَا نَفَعُوا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا بِالدَّلَالَةِ وَالتَّعْلِيمِ، كَذَلِكَ يَنْفَعُونَهُمْ بِالشَّفَاعَةِ عِنْدَ الْمَوْلَى الْجَوَّادِ الْكَرِيمِ، فَيَقْبَلُ شَفَاعَاتِهِمْ، وَيُعْلِي دَرَجَاتِهِمْ ((كَالرُّسْلِ))
جَمْعُ رَسُولٍ، وَهُوَ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ مِنْ بَنِي آدَمَ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَكَذَا الْأَنْبِيَاءُ، وَهُمْ - يَعْنِي الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ - خَوَاصُّ الْخَلْقِ مِنْ بَنِي آدَمَ ((وَالْأَبْرَارِ)) جَمْعُ بَارٍّ، وَهُمُ الْأَتْقِيَاءُ الْأَخْيَارُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَائِرِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالصَّحَابَةِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِهِمْ وَمَقَامَاتِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَشْفَعُونَ، وَبِقَدْرِ جَاهِهِمْ وَوَجَاهَتِهِمْ يُشَفَّعُونَ لِثُبُوتِ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ، وَتَرَادُفِ الْآثَارِ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَمْرٌ جَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ، فَيَجِبُ تَصْدِيقُهُ وَالْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ لِثُبُوتِ الدَّلِيلِ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:
(( «أَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» )) رَوَى هَذَا اللَّفْظَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ سَلَامٍ رضي الله عنه أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ:
يَشْفَعُ نَبِيُّكُمْ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ جِبْرِيلُ ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ مُوسَى ثُمَّ عِيسَى ثُمَّ نَبِيُّكُمْ، لَا يُشَفَّعُ أَحَدٌ فِي أَكْثَرَ مِمَّا يُشَفَّعُ فِيهِ نَبِيُّكُمْ، ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ النَّبِيُّونَ، ثُمَّ الصِّدِّيقُونَ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَذَا قَالَ أَبُو الزَّعْرَاءِ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ شَافِعٍ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ» " وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَفِي آخِرِهِ "«ثُمَّ الْمُؤَذِّنُونَ» ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ عُذِّبُوا فِي النَّارِ - بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ» "، وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يُشَفِّعُ اللَّهُ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ جَمِيعِ ذُرِّيَّتِهِ فِي مِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ، وَعَشْرَةِ آلَافِ أَلْفٍ» "، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَالْأَصْفَهَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يُجَاءُ بِالْعَالِمِ وَالْعَابِدِ، فَيُقَالُ لِلْعَابِدِ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، وَيُقَالُ لِلْعَالِمِ: قِفْ حَتَّى تَشْفَعَ لِلنَّاسِ» ".
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ " «بِمَا أَحْسَنْتَ أَدَبَهُمْ» ".
وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " «يُقَالُ لِلْعَالِمِ: اشْفَعْ فِي تَلَامِذَتِكَ، وَلَوْ بَلَغَ عَدَدُهُمْ نُجُومَ السَّمَاءِ» ".
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
" «الشَّهِيدُ يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» " وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُشَفَّعُ فِي الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ "، قَالُوا: سِوَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: سِوَايَ» قَالَ الْفِرْيَابِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا " «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» " وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا " «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ سَيَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا» ".
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ. وَهَنَّادٌ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ لَيْسَ بِنَبِيٍّ مِثْلُ الْحَيَّيْنِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» ".
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا يَشْفَعُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي الْفِئَامِ مِنَ النَّاسِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ، وَيَشْفَعُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لِلْقَبِيلَةِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ، وَيَشْفَعُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لِلرَّجُلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ» ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:
لَا تَزَالُ الشَّفَاعَةُ بِالنَّاسِ، وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ الْأَبَالِيسِ لَيَتَطَاوَلُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ تُصِيبَهُ.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «الْحَاجُّ يَشْفَعُ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» ".
وَالْحَاصِلُ أَنْ لِلنَّاسِ شَفَاعَاتٍ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَعُلُوِّ مَرَاتِبِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقُرْآنُ يَشْفَعُ لِأَهْلِهِ، وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَشْفَعُ لِمُسْتَلِمِهِ، وَلَكِنْ لَا يَشْفَعُونَ {إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] .
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ (سِوَى) الشَّفَاعَاتِ (الَّتِي خُصَّتْ بِذِي) أَيْ بِصَاحِبِ (الْأَنْوَارِ) نَبِيِّنَا الْمُخْتَارِ صلى الله عليه وسلم مَا دَارَتِ الْأَدْوَارُ، وَتَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، فَلَا يُشَارِكُهُ فِيهَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا صِدِّيقٌ وَلَا شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِجَنَابِهِ الرَّفِيعِ، وَقَدْرِهِ الْمَجِيدِ، وَالشَّفَاعَاتُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ صلى الله عليه وسلم عِدَّةٌ، (أَوَّلُهَا) :
وَهِيَ أَعْظَمُهَا وَأَعَمُّهَا، شَفَاعَتُهُ صلى الله عليه وسلم لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْوَرَى بَعْدَ التَّرَدُّدِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَتَدَافُعِهَا بَيْنَ أَخْيَارِ الْمَلَأِ إِلَى أَنْ تَصِلَ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، وَهَى الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ، وَقَدْ عَمَّ الْعَالَمَ زِيَادَةُ الْقَلَقِ، وَتَصَاعَدَ الْعَرَقُ، وَقَاسَوْا مِنْ ذَلِكَ مَا يُذِيبُ الْأَكْبَادَ، وَيُنْسِي الْأَوْلَادَ، وَهَذِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا لَمْ يُنْكِرْهَا أَحَدٌ. (ثَانِيهَا) :
يَشْفَعُ عِنْدَ رَبِّهِ فِي إِدْخَالِ قَوْمٍ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَإِنَّ هَذِهِ خَاصَّةٌ بِهِ أَيْضًا صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْإِمَامُ النَّوَوِيُّ، وَتَرَدَّدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الِاخْتِصَاصِ، وَتَبِعَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ:
فَإِنَّ الِاخْتِصَاصَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالدَّلِيلِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَجَزَمَ بِالِاخْتِصَاصِ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي أُنْمُوذَجِ اللَّبِيبِ. (ثَالِثُهَا) :
شَفَاعَتُهُ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَيَشْفَعُ فِيهِمْ فَلَا يَدْخُلُونَهَا، وَهَذِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَابْنُ السُّبْكِيِّ بِعَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرَدَّدَ النَّوَوِيُّ فِي ذَلِكَ. قَالَ السُّبْكِيُّ:
لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَحِيحٌ بِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ وَلَا بِنَفْيِهِ.
وَجَزَمَ فِي الْأُنْمُوذَجِ بِأَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم.
(رَابِعًا) فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ نَاسٍ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذِهِ لَا تُنْكِرُهَا الْمُعْتَزِلَةُ كَالْأُولَى، إِلَّا أَنَّ النَّوَوِيَّ جَوَّزَ اخْتِصَاصَهَا بِهِ عليه الصلاة والسلام، وَجَزَمَ فِي كِتَابِ الِانْتِقَادِ لَهُ بِاخْتِصَاصِهَا بِهِ.
قَالَ فِي الْأُنْمُوذَجِ: جَوَّزَ النَّوَوِيُّ اخْتِصَاصَ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا بِهِ، وَوَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الَّتِي قَبْلُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَابْنُ دِحْيَةَ. (خَامِسُهَا) :
الشَّفَاعَةُ فِي إِخْرَاجِ عُمُومِ أُمَّتِهِ مِنَ النَّارِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ، وَبِالشَّفَاعَةِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ صُلَحَاءِ الْمُسْلِمِينَ لِيَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ فِي تَقْصِيرِهِمْ فِي الطَّاعَاتِ، ذَكَرَهُ الْقَزْوِينِيُّ فِي الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.
(تَنْبِيهَاتٌ)
(الْأَوَّلُ) : الشَّفَاعَةُ الَّتِي تُنْكِرُهَا الْمُعْتَزِلَةُ، وَتَجْحَدُهَا هِيَ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا، وَفِيمَنْ دَخَلَهَا مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا، فَكَذَّبَتْ بِهَا الْمُبْتَدِعَةُ، وَنَفَتْهَا مَعَ ثُبُوتِ أَدِلَّتِهَا، وَتَضَافُرِ حُجَجِهَا مِمَّا يَتَعَسَّرُ إِحْصَاؤُهُ، وَيَتَعَذَّرُ اسْتِقْصَاؤُهُ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ، فَقَالَ:" إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ وَالدَّجَّالِ، وَيُكَذِّبُونَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيُكَذِّبُونَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ، وَيُكَذِّبُونَ بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا امْتَحَشُوا ".
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَهَنَّادٌ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ قَوْمًا يُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ، قَالَ: لَا تُجَالِسُوا أُولَئِكَ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ: يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ وَلَا نُكَذِّبُ بِهَا كَمَا يُكَذِّبُ بِهَا أَهْلُ حَرُورَاءَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ شَبِيبِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْمَكِّيِّ قَالَ: ذَكَرُوا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الشَّفَاعَةَ فَقَالَ رَجُلٌ:
يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَنَا أَحَادِيثَ لَمْ نَجِدْ لَهَا أَصْلًا فِي الْقُرْآنِ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ وَقَالَ لِلرَّجُلِ:
أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا، وَصَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا، وَالْغَدَاةَ رَكْعَتَيْنِ، وَالظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ أَلَسْتُمْ عَنَّا أَخَذْتُمُوهُ، وَأَخَذْنَا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي كُلِّ كَذَا شَاةٌ، وَفِي كُلِّ كَذَا بَعِيرٌ، أَوَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَوَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] أَوَجَدْتُمْ طُوفُوا سَبْعًا وَارْكَعُوا رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ؟ أَوَجَدْتُمْ هَذَا فِي الْقُرْآنِ؟ عَمَّنْ أَخَذْتُمُوهُ؟ أَلَسْتُمْ أَخَذْتُمُوهُ عَنَّا؟ ، وَأَخَذْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ: لَا جَلَبَ، وَلَا حَنَبَ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى قَالَ: فِي كِتَابِهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وَإِنَّا قَدْ أَخَذْنَا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ بِهَا عِلْمٌ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلَا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ:
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] وَقَوْلَ عِيسَى:
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، فَرَفَعَ يَدَهُ، وَقَالَ: أُمَّتِي أُمَّتِي ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ اللَّهُ:
يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ» .
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ أُمَّتِي الْجَنَّةَ - وَفِي لَفْظٍ: بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ ثُلُثَيْ أُمَّتِي - بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِي، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، قَالَ: وَهِيَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» ". وَرَوَى نَحْوَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه وَفِيهِ "«وَعَلِمْتُ أَنَّهَا أَوْسَعُ لَهُمْ، وَهِيَ لِمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِثْلَهُ عَنْ أَنَسٍ. وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ» ".
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنِّي لَأَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَكْثَرَ مِمَّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ شَجَرٍ وَمَدَرٍ» ".
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أُنَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَلَفْظُهُ " «أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ وَمَدَرٍ» " وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ
مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ» " وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ» " وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحُوهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» " وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «شَفَاعَتِي فِي أُمَّتِي الْمُذْنِبِينَ الْمُثْقِلِينَ» " وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «نِعْمَ الرَّجُلُ أَنَا لِشِرَارِ أُمَّتِي " قِيلَ: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
أَمَّا شِرَارُ أُمَّتِي فَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِي، وَأَمَّا خِيَارُهُمْ فَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِأَعْمَالِهِمْ» ".
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَالْمُقْتَصِدُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ وَأَهْلُ الْأَعْرَافِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» .
وَفِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «إِنِّي ادَّخَرْتُ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» " وَفِي الْكَبِيرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «اعْمَلِي وَلَا تَتَّكِلِي، فَإِنَّ شَفَاعَتِي لِلْهَالِكِينَ مِنْ أُمَّتِي» ".
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» " قَالَ جَابِرٌ: رضي الله عنه مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَنْ سَيِّئَاتِهِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَذَلِكَ الَّذِي يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّمَا شَفَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ أَوْبَقَ نَفْسَهُ، وَأَغْلَقَ ظَهْرَهُ.
وَأَخْرَجَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ تَشْفَعُ؟ قَالَ: لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي، وَأَهْلِ الْعَظَائِمِ وَأَهْلِ الدِّمَاءِ» .
" وَأَخْرَجَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: "«شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» ". وَأَخْرَجَ طَاوُسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ
مِنْ أُمَّتِي» " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ يَشْهَدُ لِكَوْنِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ شَائِعَةً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: " «مَازِلْتُ أَشْفَعُ إِلَى رَبِّي وَيُشَفِّعُنِي، وَأَشْفَعُ، وَيُشَفِّعُنِي، حَتَّى أَقُولَ: أَيْ رَبِّ شَفِّعْنِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ:
هَذَا لَيْسَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَا لِأَحَدٍ، هَذَا لِي، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَرَحْمَتِي لَا أَدَعُ فِي النَّارِ أَحَدًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ".
(الثَّانِي) : فِي ذِكْرِ الْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ لِشَفَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم. أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: " «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو.
وَفِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ فَقِيهٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ قَالَ:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَسْمَعُ النِّدَاءَ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْمُفْتَرَضَةِ أَعْطِ مُحَمَّدًا سُؤْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ فِي شَفَاعَتِهِ» .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَجَدْبِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي أَيُّوبَ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا» ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ اسْتَوْجَبَ شَفَاعَتِي، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْآمِنِينَ» ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبَى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا
وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: " «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً» ".
وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ، وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُ الْمَقْعَدَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» "، وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ عَنْ خَادِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ حَاجَتِي أَنْ تَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا:" مَنْ «زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي» ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ: "«مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا تَحْمِلُهُ حَاجَةٌ إِلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: " «مَنْ زَارَنِي كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا، وَمَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ بَعَثَهُ اللَّهُ مِنَ الْآمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
(الثَّالِثُ) :
فِي مَنْ لَا تُدْرِكُهُمُ الشَّفَاعَةُ، وَيُحْرَمُونَ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِاتِّصَافِهِمْ بِالْبِدَعِ وَسُوءِ الْبِضَاعَةِ، فَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا تَنَالُهُمَا شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُرْجِئَةُ، وَالْقَدَرِيَّةُ» " وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ غَشَّ الْعَرَبَ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَفَاعَتِي» .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْعَرَبُ اسْمٌ لِهَذَا الْجِيلِ الْمَعْرُوفِ مِنَ النَّاسِ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَسَوَاءٌ أَقَامَ بِالْبَادِيَةِ أَوِ الْمُدُنِ. انْتَهَى.
وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا بَنُو إِسْمَاعِيلَ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «رَجُلَانِ لَا تَنَالُهُمْ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ عَسُوفٌ، وَآخَرُ غَالٍ فِي دِينِ اللَّهِ مَارِقٌ مِنْهُ» ".
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ لَا أَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ".
(الرَّابِعُ) :
مِمَّا احْتَجَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ لِمَذْهَبِهِمْ فِي نَفْيِ الشَّفَاعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 48] وَقَوْلُهُ: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] ، وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ دَخَلَ جَهَنَّمَ يُخَلَّدُ فِيهَا لِأَنَّهُ إِمَّا كَافِرٌ أَوْ صَاحِبُ كَبِيرَةٍ مَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ، هَذَا رَأْيُهُمْ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَهُوَ رَأْيٌ فَاسِدٌ وَمَذْهَبٌ بَاطِلٌ تَرُدُّهُ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ، وَالْآثَارُ الصَّرِيحَةُ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ أَيَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئَا} [البقرة: 48] الْكُفَّارُ لِلْآيَاتِ الْوَارِدَةِ، وَالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ فِي الشَّفَاعَةِ، قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: تَمَسَّكَتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نَفْيِ الشَّفَاعَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ لِلْكُفَّارِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ مِيثَاقَ الْخِطَابِ مَعَهُمْ.
وَالْآيَةُ نَزَلَتْ رَدًّا لِمَا كَانَتِ الْيَهُودُ تَزْعُمُ أَنَّ آبَاءَهُمْ تَشْفَعُ لَهُمْ. انْتَهَى.
وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] الْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الْكُفَّارُ، فَإِنَّ الظَّالِمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ الْكَافِرُ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192]- {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]- {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] . وَمَنْ أَخْزَاهُ اللَّهُ لَا يَرْتَضِيهِ، وَمَنِ ارْتَضَاهُ لَا يُخْزِيهِ، قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم: 8] الْآيَةَ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الْأُولَى مَا قَالَ سَيِّدُنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعْنَى {مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ} [آل عمران: 192] مَنْ تُخْلِدُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: تُدْخِلُ مَقْلُوبُ تُخْلِدُ. وَلَا نَقُولُ كَمَا قَالَ أَهْلُ حَرُورَاءَ: " يَعْنِي الْخَوَارِجَ "، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ قَدْ أَخْزَيْتَهُ عَلَى بَابِهِ مِنَ الْهَلَاكِ أَيْ: أَهْلَكْتَهُ وَأَبْعَدْتَهُ وَمَقَتَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الْآيَةُ جَاءَتْ خَاصَّةً فِي قَوْمٍ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة: 270] أَيِ الْكُفَّارِ، وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ الْآيَةَ فِي عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ فَالْمُرَادُ بِالْخِزْيِ الْحَيَاءُ، يُقَالُ: خَزِيَ يَخْزَى خِزَايَةً إِذَا اسْتَحَى، فَهُوَ خَزْيَانُ، وَامْرَأَةٌ خَزْيَا، فَخِزْيُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ اسْتِحْيَاؤُهُمْ مِنْ دُخُولِ النَّارِ وَدَارِ الْبَوَارِ مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْكُفَّارِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَرَحْمَةِ الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ، وَنَفْيُ النُّصْرَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الشَّفَاعَةِ لِأَنَّهَا طَلَبٌ مِنْ خُضُوعٍ، وَالنُّصْرَةُ رُبَّمَا تُبْنَى عَلَى الْمُدَافَعَةِ وَالْمُمَانَعَةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ، عَلَى أَنَّا نَقُولَ لَا يَسْلَمُ لَهُمْ زَعْمُهُمْ أَنَّ الْفَاسِقَ