المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[العلامة العاشرة خروج النار] - لوامع الأنوار البهية - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ في ذِكْرِ بَعْضِ السَّمْعِيَّاتِ مِنْ ذِكْرِ الْبَرْزَخِ وَالْقُبُورِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَالْحَشْرِ وَالنُّشُورِ]

- ‌[المراد بها ما طريق العلم به النصوص الشرعية]

- ‌[أمور ما بعد الموت منها سؤال منكر ونكير]

- ‌[عذاب القبر]

- ‌[ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَظُلْمَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ في الكلام في الروح وحقيقتها]

- ‌[الاختلاف في حقيقة الروح وهل هي النفس أم غيرها]

- ‌[أين مستقر الأرواح في البرزخ]

- ‌[خَلْقِ الْأَرْوَاحِ هَلْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا]

- ‌[أَيْنَ مُسْتَقَرُّ الْأَرْوَاحِ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[هَلْ تَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْمَوْتَى وَتَتَزَاوَرُ وَتَتَذَاكَرُ وَتَتَلَاقَى أَرْوَاحُ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ أَيْضًا]

- ‌[معنى السيد وهل يطلق على البشر]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا الدَّالَّةِ عَلَى اقْتِرَابِهَا وَمَجِيئِهَا]

- ‌[الأدلة على أشراط الساعة]

- ‌[أشراط الساعة ثلاثة أقسام الأول ما قد مضى وانقضى]

- ‌[القسم الثاني الْأَمَارَاتُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَهِيَ الَّتِي ظَهَرَتْ وَلَمْ تَنْقَضِ بَلْ تَزَّايَدُ وَتَكْثُرُ]

- ‌[القسم الثالث الْعَلَامَاتُ الْعِظَامُ وَالْأَشْرَاطُ الْجِسَامُ الَّتِي تَعْقُبُهَا السَّاعَةُ]

- ‌[العلامة الأولى ظهور المهدي]

- ‌[اسم المهدي وأشهر أوصافه]

- ‌[فوائد في شأن المهدي الأولى حليته وصفته]

- ‌[الثانية سيرة المهدي]

- ‌[الثالثة علامات ظهور المهدي]

- ‌[الرابعة بعض ما يسبق المهدي من الفتن]

- ‌[الخامسة فِي مَوْلِدِ المهدي وَبَيْعَتِهِ وَمُدَّةِ مُلْكِهِ وَمُتَعَلِّقَاتِ ذَلِكَ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثَّانِيَةُ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثَّالثة نزول عيسى عليه السلام]

- ‌[نزول عيسى عليه السلام ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ]

- ‌[فَوَائِدُ فِي مُتَعَلِّقَاتِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ عليه السلام الأولى حليته وسيرته]

- ‌[الثانية وقت نزول المسيح ومحله وما يجري على يديه]

- ‌[الثالثة مقدار مدة ووفاة المسيح عليه السلام]

- ‌[قتل المسيح للدجال]

- ‌[تنبيهات الأول قتل المسلمين لأتباع الدجال من اليهود]

- ‌[الثَّانِي فِي قَدْرِ لُبْثِ الدجال وَكَيْفِيَّةِ النَّجَاةِ مِنْهُ]

- ‌[الثَّالث ينبغي بث الأحاديث المنذرة بالدجال]

- ‌[الرابع في ابن صياد وهل هو الدجال]

- ‌[الخامس قصة تميم الداري حديث الجساسة]

- ‌[السادس الدَّجَّالِ عِنْدَ الْيَهُودِ وزعمهم فيه]

- ‌[السابع زيارة عيسى لقبر النبي وحجه البيت الحرام]

- ‌[العلامة الرابعة خروج يأجوج ومأجوج]

- ‌[العلامة الخامسة هَدْمُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ السادسَةُ الدُّخَانِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ السابعة رَفْعُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنَ الصُّدُورِ وَمِنَ السُّطُورِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ الثامنة طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]

- ‌[الْعَلَامَةُ التاسعة دَابَّةِ الْأَرْضِ]

- ‌[الْعَلَامَةُ العاشرة خُرُوجُ النَّارِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ]

- ‌[الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ حَقٌّ وَاقِعٌ وَصِدْقٌ صَادِقٌ دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ]

- ‌[النفخ في الصور]

- ‌[الوقوف للحساب]

- ‌[الصحف]

- ‌[الميزان]

- ‌[الصراط]

- ‌[الحوض]

- ‌[قوم يزادون عن الحوض]

- ‌[الشفاعة]

- ‌[شفاعة الأنبياء وغيرهم]

- ‌[فَصْلٌ فِي‌‌ الْكَلَامِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌ الْكَلَامِ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ]

- ‌[جنة النعيم للأبرار]

- ‌[خلود الجنة والنار]

- ‌[سؤالَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالنَّعِيمِ وَالتَّنْعِيمِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ]

- ‌[رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة]

- ‌[الكفار والمكذبين محجوبين عن رؤية الله]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ ذِكْرِ سيدنا مُحَمَّدٍ وبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ أَصْحَابِهِ وَأُمَّتِهِ]

- ‌[إرسال الرسل منة من الله تعالى]

- ‌[الأوصاف اللازمة للنبوة]

- ‌[النبوة غير مكتسبة]

- ‌[خاتم النبيين]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَعْضِ الخَصَائِصِ النبوية]

- ‌[مزايا وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة غير ما ذكر]

- ‌[فَصْلٌ في التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تنحصر]

- ‌[القرآن وانشقاق القمر]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ فَضِيلَةِ نَبِيِّنَا وَأُولِي الْعَزْمِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ]

- ‌[أفضل العالم الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الأفضل من سائر الخلق بعد النبي أهل العزم]

- ‌[فَصْلٌ فيما يجب وما يستحيل في حق الأنبياء]

- ‌[فَصْلٌ الجائزفي حق الأنبياء]

- ‌[فَصْلٌ ذِكْرِ فضل الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رضي الله عنهم]

- ‌[أبو بكر الصديق]

- ‌[عمر الفاروق]

- ‌[عثمان ذو النورين]

- ‌[علي أبو السبطين]

- ‌[مَنْ أَحَب الخلفاء الأربعة فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ أَبْغَضَهُم فَهُوَ زِنْدِيقٌ]

- ‌[باقي العشرة]

- ‌[طلحة بن عبيد الله]

- ‌[الزبير بن العوام]

- ‌[سعد بن أبي وقاص]

- ‌ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ

- ‌[سعيد بن زيد]

- ‌[أبوعبيدة بن الجراح]

- ‌[أهل بدر]

- ‌[أهل الشجرة]

- ‌[أهل أحد]

- ‌[عائشة وخديجة]

- ‌[فَصْلٌ فِي فضل الصَّحَابَةِ جملة وحقهم]

- ‌[الصحابة أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَأَجْدَرُ الْخَلْقِ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ]

- ‌[أسباب تفضيل الصحابة]

- ‌[التحذير من الإزراء بفضل الصحابة]

- ‌[التابعون وفضلهم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِثْبَاتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي ذِكْرِ‌‌ الْإِمَامَةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا]

- ‌ الْإِمَامَةِ وَمُتَعَلِّقَاتِهَا]

- ‌[أوجه تولي الإمامة وشروطه]

- ‌[وجوب طاعته بشرطه]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ]

- ‌[صلاح العباد لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الآمر بالمعروف يبدأ بنفسه]

- ‌[الْخَاتِمَةُ]

- ‌[مدارك العلوم]

- ‌[تعريف الحد وبيان شرطه]

- ‌[الإدراك بالحس وحال السفوسطائية]

- ‌[بعض اصطلاحات العلماء]

- ‌[التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ وَالْمُثُولُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[ذكر المؤلف أن اقتفاء الأئمة والسلف الصالح ليس تقليدا لهم في الاعتقاد]

- ‌[ذكر أئمة المذاهب الأربعة]

- ‌[تُقَليِّدَ أحِد الأئمة الْأَرْبَعَةِ]

- ‌[حث المؤلف على الاقتداء بالأئمة]

- ‌[حث المؤلف على أخذ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ]

الفصل: ‌[العلامة العاشرة خروج النار]

إِبْلِيسَ إِنَّمَا يَذُوقُ الْمَوْتَ يَوْمَ الْحَشْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكِسَائِيُّ فِي الْعَرَائِسِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَائِدَةٌ)

رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ الدَّابَّةَ هِيَ الْجَسَّاسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قِصَّةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنَّهَا الثُّعْبَانُ الَّذِي كَانَ فِي بِئْرِ الْكَعْبَةِ فَاخْتَطَفَتْهُ الْعُقَابُ حِينَ أَرَادَتْ قُرَيْشٌ بِنَاءَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَأَنَّ الطَّائِرَ حِينَ اخْتَطَفَهَا أَلْقَاهَا بِالْحَجُونِ.

وَفِي التَّمْهِيدِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ رَمَى بِهَا فِي أَجْيَادٍ فَالْتَقَمَتْهَا الْأَرْضُ فَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي تَخْرُجُ تُكَلِّمُ النَّاسَ وَتَخْرُجُ عِنْدَ الصَّفَا.

وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ جَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما إِنَّهَا أَيِ الْجَسَّاسَةَ دَابَّةُ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ وَهِيَ بِجَزِيرَةِ بَحْرِ الْقَلْزَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْعَلَامَةُ العاشرة خُرُوجُ النَّارِ]

(الْعَلَامَةُ الْعَاشِرَةُ)

خُرُوجُ النَّارِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

((وَآخِرُ الْآيَاتِ حَشْرُ النَّارِ

كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الْأَخْبَارِ))

((وَآخِرُ الْآيَاتِ)) الْعِظَامِ وَالْعَلَامَاتِ الْجِسَامِ ((حَشْرُ النَّارِ)) لِلنَّاسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَمِنَ الْيَمَنِ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَهُوَ أَرْضُ الشَّامِ ((كَمَا أَتَى)) ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ ((فِي مُحْكَمِ الْأَخْبَارِ)) وَفِي صَحِيحِ الْآثَارِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ ذَلِكَ.

فَإِنْ قُلْتَ فِي قَوْلِكَ (وَآخِرُ الْآيَاتِ) مُصَادَمَةٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْخَبَرِ الثَّابِتِ الصَّرِيحِ عَنْ سَيِّدِ الْبَشَرِ وَخُلَاصَةِ الْعَالَمِ وَأَصْدَقِ مَنْ أَخْبَرَ وَصَفْوَةِ بَنِي آدَمَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (( «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى الْمَغْرِبِ» )) الْحَدِيثَ.

قُلْتُ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " «لَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى تُرَى قَبْلَهَا عَشْرُ آيَاتٍ» ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ

ص: 149

وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام وَخُرُوجَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلَاثَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، قَالَ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ.

وَفِي لَفْظٍ: " «إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ فَعَدَّهَا، وَفِي آخِرِهَا نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَرْحَلُ بِالنَّاسِ» .

قَالَ شُعْبَةُ وَأَحْسَبُهُ قَالَ تَنْزِلُ مَعَهُمْ إِذَا نَزَلُوا وَتُقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِعِدَّةِ طُرُقٍ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ آخِرِيَّةَ خُرُوجِ النَّارِ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنَ الْآيَاتِ وَأَوْلِيَّتَهَا بِأَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الْآيَاتِ الَّتِي لَا شَيْءَ بَعْدَهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَصْلًا بَلْ يَقَعُ بِانْتِهَائِهَا النَّفْخُ فِي الصُّورِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا فَإِنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا أَشْيَاءُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا.

ذَكَرَهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ النَّارَ نَارَانِ إِحْدَاهُمَا تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَالثَّانِيَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ فَتَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ الَّذِي هُوَ أَرْضُ الشَّامِ، فَلَعَلَّ إِحْدَى النَّارَيْنِ فِي أَوَّلِ الْآيَاتِ وَالْأُخْرَى فِي آخِرِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْجَمْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا نَارٌ وَاحِدَةٌ فَجَمْعُ السَّخَاوِيِّ مُوَجَّهٌ وَعَلَيْهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ:«نَارٌ تَخْرُجُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ فَتَسُوقُ النَّاسَ» ، وَفِي لَفْظٍ «تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَرْحَلُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ» ، وَحَدِيثُ:«نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ» ، فَبِأَنْ يُقَالَ إِنَّ الشَّامَ الَّذِي هُوَ الْمَحْشَرُ مَغْرِبٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِقِ فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ خُرُوجِهَا قَعْرَ عَدَنَ مِنَ الْيَمَنِ فَإِذَا خَرَجَتِ انْتَشَرَتْ إِلَى الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُ أَهْلَهُ إِلَى الْمَغْرِبِ الَّذِي هُوَ الشَّامُ وَهُوَ الْمَحْشَرُ، وَلَفْظَةُ أَبْيَنَ بِوَزْنِ أَحْمَرَ اسْمُ الْمَلِكِ الَّذِي بَنَاهَا، وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ عَدَنُ أَبْيَنَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْيَمَنِ أُضِيفَتْ إِلَى أَبْيَنَ بِوَزْنِ أَبْيَضَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ عَدَنَ بِهَا أَيْ أَقَامَ. انْتَهَى.

وَفِي الْقَامُوسِ: عَدَنُ أَبْيَنَ مُحَرَّكَةً جَزِيرَةٌ بِالْيَمَنِ أَقَامَ بِهَا، وَعَدَنُ لَاعَةَ قَرْيَةٌ بِقُرْبِهِ.

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ وَتُقَذِّرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا وَتُقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ.

ص: 150

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ.

(قَوْلُهُ) تُقَذِّرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ هُوَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ كَمَا أَخْبَرَ لَا كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الْبَشَرُ. وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو أَيْضًا رضي الله عنهما مَرْفُوعًا:«سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ بِحَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ» . يَعْنِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِمُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه مَرْفُوعًا:«لَتَقْصِدَنَّكُمْ نَارٌ هِيَ الْيَوْمَ خَامِدَةٌ فِي وَادٍ يُقَالُ لَهُ: بَرْهُوتَ يَغْشَى النَّاسَ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تَأْكُلُ الْأَنْفُسَ وَالْأَمْوَالَ، تَدُورُ الدُّنْيَا كُلَّهَا فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، تَطِيرُ طَيْرَ الرِّيحِ وَالسَّحَابِ، حَرُّهَا بِاللَّيْلِ أَشَدُّ مِنْ حَرِّهَا بِالنَّهَارِ، وَلَهَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ الرَّعْدِ الْقَاصِفِ. هِيَ مِنْ رُءُوسِ الْخَلَائِقِ أَدْنَى مِنَ الْعَرْشِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسَلِيمَةٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؟ قَالَ وَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ يَوْمَئِذٍ؟ شَرٌّ مِنَ الْحُمُرِ يَتَسَافَدُونَ كَمَا تَتَسَافَدُ الْبَهَائِمُ وَلَيْسَ فِيهِمْ رَجُلٌ يَقُولُ مَهْ مَهْ» .

وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ، وَالْبَارُودِيُّ، وَابْنُ قَانِعٍ، وَابْنُ حِبَّانَ:«يُوشِكُ أَنَّ تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ حَبْسِ سَيْلٍ تَسِيرُ سَيْرَ بَطِيئَةِ الْإِبِلِ، تَسِيرُ بِالنَّهَارِ وَتُقِيمُ بِاللَّيْلِ، تَغْدُو وَتَرُوحُ، يُقَالُ غَدَتِ النَّارُ أَيُّهَا النَّاسُ فَاغْدُوا، قَالَتْ أَيُّهَا النَّاسُ فَقِيلُوا، رَاحَتِ النَّارُ أَيُّهَا النَّاسُ فَرُوحُوا، مَنْ أَدْرَكَتْهُ أَكَلَتْهُ» ".

فَإِذَا قِيلَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ كَوْنِهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ وَمِنْ بَرْهُوتَ وَمِنْ حَبْسِ سَيْلٍ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا تَخْرُجُ أَوَّلًا مِنْ بَرْهُوتَ وَيُقَالُ لَهُ وَادِي النَّارِ وَهُوَ فِي قَعْرِ عَدَنَ وَعَدَنُ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَالْعِبَارَاتُ مَآلُهَا وَاحِدٌ، وَتَمُرُّ بِحَبْسِ سَيْلٍ أَيْضًا وَالْخِطَابُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَبْسُ سَيْلٍ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَوُصُولُ النَّارِ إِلَيْهِ يَكُونُ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَبْسِ سَيْلٍ.

فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ كَوْنِهَا تَطِيرُ طَيْرَ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ وَتَدُورُ الدُّنْيَا كُلَّهَا فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَبَيْنَ كَوْنِهَا تَسِيرُ سِيَرَ بَطِيئَةِ الْإِبِلِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ لَهَا حَالَاتٍ فَتَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، وَإِنْ ثَبَتَ تَعَدُّدُ النَّارِ زَالَ أَصْلُ الِاسْتِشْكَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَتِمَّةٌ) ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ يَكْفُرُونَ وَيَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ.

ص: 151

وَأَنَّهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «تَجِيءُ بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى عليه السلام رِيحٌ بَارِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الشَّامِ فَلَا تُبْقِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُونَ مَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَيَعْبُدُونَهَا وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ» ".

فَإِنْ قُلْتَ أَلَيْسَ قَدْ ذَكَرْتَ أَنَّ الدَّابَّةَ تَقْتُلُ إِبْلِيسَ؟ فَالْجَوَابُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُمْ إِبْلِيسُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْطَانًا آخَرَ غَيْرَ إِبْلِيسَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ.

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ " «فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُرِ - أَيْ يَتَسَافَدُونَ تَسَافُدَ الْحُمُرِ، جَمْعُ حِمَارٍ - فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ» ".

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا عِنْدَ الْحَاكِمِ " «أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ فَلَا تَدَعُ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبْضَتْهُ» ".

وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَةٌ بِأَنَّ الرِّيحَ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ الشَّامِ وَهُنَا أَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا رِيحَانِ شَامِيَّةٌ وَيَمَانِيَةٌ.

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ " «حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ» " فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ هَذَا مَعَ مَا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» "؟ (فَالْجَوَابُ) هَذَا غَيْرُ مُصَادِمٍ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ هَذِهِ الرِّيحُ اللَّيِّنَةُ قُرْبَ الْقِيَامَةِ وَعِنْدَ تَظَاهُرِ أَشْرَاطِهَا، فَأَطْلَقَ فِيهِ بَقَاءَهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ مُرِيدًا أَشْرَاطَهَا وَدُنُوَّهَا الْمُتَنَاهِي فِي الْقُرْبِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَمْرُ اللَّهِ هُوَ هُبُوبُ تِلْكَ الرِّيحِ الْآتِي بَعْدَ وُقُوعِ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الَّتِي بَعْضُهَا (1) قِيَامُ السَّاعَةِ وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا

ص: 152

وَلَيْسَ فِيهِمْ يَعْنِي مَنْ يَبْقَى بَعْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ مُؤْمِنٌ وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ.

وَعَلَى هَذَا فَآخِرُ الْآيَاتِ الْمُؤْذِنَةِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ هُبُوبُ تِلْكَ الرِّيحِ كَمَا فِي الْقَنَاعَةِ لِلْحَافِظِ السَّخَاوِيِّ.

وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا " «لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَيَبْعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَتَوَفَّى مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ» ".

وَفِي مَرْفُوعِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما " لَا «تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ رِيحًا لَا تَدَعُ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ وَيَلْحَقُ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيَبْقَى عَجَاجٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَأْمُرُونَ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ يَتَنَاكَحُونَ فِي الطُّرُقِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَقَامَ السَّاعَةَ» ".

وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ مِنْ مَرْفُوعِ أَبِي هُرَيْرَةَ " «وَحَتَّى تُؤْخَذَ الْمَرْأَةُ جَهَارًا نَهَارًا تُنْكَحُ وَسَطَ الطَّرِيقِ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ» ". وَفِي لَفْظٍ " «حَتَّى يَنْكِحَ أَحَدُكُمْ أُمَّهُ فَيَكُونُ أَمْثَلُهُمْ يَوْمَئِذٍ الَّذِي يَقُولُ لَوْ نَحَّيْتَهَا عَنِ الطَّرِيقِ قَلِيلًا، فَذَلِكَ فِيهِمْ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِيكُمْ» ".

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ انْقِرَاضَ الدُّنْيَا وَتَمَامَ لَيَالِيهَا وَقَرُبَتِ النَّفْخَةُ خَرَجَتْ نَارٌ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ تَبِيتُ مَعَهُمْ وَتُقِيلُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْخَلْقُ بِالْمَحْشَرِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالدَّوَابُّ وَالْوَحْشُ وَالسِّبَاعُ وَالطَّيْرُ وَالْهَوَامُّ وَخَشَاشُ الْأَرْضِ وَكُلُّ ذِي رُوحٍ. ثُمَّ ذَكَرَ النَّفْخَةَ.

((فَكُلُّهَا صَحَّتْ بِهَا الْأَخْبَارُ

وَسَطَّرَتْ آثَارَهَا الْأَخْيَارُ))

((فَكُلُّهَا)) أَيْ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْمَذْكُورَةُ وَعَلَامَاتُهَا الْمَسْطُورَةُ ((صَحَّتْ بِهَا الْأَخْبَارُ)) عَنِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ وَأَصْحَابِهِ الْأَبْرَارِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، ((وَ)) كُلُّهَا قَدْ ((سَطَّرَتْ)) أَيْ كَتَبَتْ وَأَصْلُ السَّطْرِ الصَّفُّ مِنَ الشَّيْءِ وَالْكِتَابُ وَالشَّجَرُ وَغَيْرُهُ وَالْجَمْعُ أَسْطُرٌ وَسُطُورٌ وَأَسْطَارٌ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَسَاطِيرُ، وَيُطْلَقُ السَّطْرُ أَيْضًا عَلَى الْخَطِّ وَالْكِتَابَةِ وَيَتَحَرَّكُ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ((آثَارَهَا)) مَفْعُولُ سَطَّرَتْ أَيِ الْآثَارَ الدَّالَّةَ عَلَيْهَا وَالْمُتَضَمِّنَةَ لِإِثْبَاتِهَا وَمَجِيئِهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَعَلَامَاتِهَا الْمُشِيرَةِ إِلَى اقْتِرَابِهَا ((الْأَخْيَارُ)) فَاعِلُ سَطَّرَتْ وَإِنَّمَا أُنِّثَ الْفِعْلُ لِأَنَّ الْجَمْعَ مُؤَنَّثٌ فِي

ص: 153

الْمَعْنَى إِذْ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ جَمْعُ خَيْرٍ وَخَيْرٌ كَكَيْسٍ وَالْمُؤَنَّثَةُ خِيَرَةٌ، وَيُجْمَعُ خَيْرٌ أَيْضًا عَلَى خِيَارٍ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ قَبْلَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَقِيلَ إِنَّ الْمُخَفَّفَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَا فِي الْجَمَالِ وَالْمِيسَمِ وَالْمُشَدَّدَةَ فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ.

وَالْخَيْرُ ضِدُّ الشَّرِّ وَالْأَخْيَارُ ضِدُّ الْأَشْرَارِ. وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ وَمُقَلِّدِيهِمْ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْخَطِيبُ فِي التَّارِيخِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَالْقُضَاعِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ " «خِيَارُ أُمَّتِي عُلَمَاؤُهَا وَخِيَارُ عُلَمَائِهَا رُحَمَاؤُهَا، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَغْفِرُ لِلْعَالِمِ أَرْبَعِينَ ذَنْبًا قَبْلَ أَنْ يَغْفِرَ لِلْجَاهِلِ ذَنْبًا وَاحِدًا، أَلَا وَإِنَّ الْعَالِمَ الرَّحِيمَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ نُورَهُ قَدْ أَضَاءَ يَمْشِي فِيهِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَمَا يُضِيءُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ» ) وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

وَقَدْ عَزَوْنَا كُلَّ قَوْلٍ لِقَائِلِهِ وَكُلَّ حَدِيثٍ لِنَاقِلِهِ غَالِبًا لِنَخْرُجَ مِنْ تَبِعَتِهِ. وَلِيَعْلَمَ مَنْ أَنْعَمَ النَّظَرَ وَأَمْعَنَ الْفِكْرَ فِي مَا حَرَّرْتُهُ أَنَّهُ زُبْدَةُ مَا مَخَضَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَثَمَرَةُ مَا غَرَسَهُ الْمُحَرِّرُونَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(تَنْبِيهَانِ)

(الْأَوَّلُ) ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ أَنَّ الْحَشْرَ أَرْبَعٌ: حَشْرَانِ فِي الدُّنْيَا وَحَشْرَانِ فِي الْآخِرَةِ، فَاللَّذَانِ فِي الدُّنْيَا الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَهُوَ حَشْرُ الْيَهُودِ إِلَى الشَّامِ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اخْرُجُوا قَالُوا إِلَى أَيْنَ قَالَ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ» . ثُمَّ أَجْلَى آخِرَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.

وَالْحَشْرُ الثَّانِي الْمَذْكُورُ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهم فِي الْحَاكِمِ مَرْفُوعًا " «تُبْعَثُ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ نَارٌ فَتَحْشُرُهُمْ إِلَى الْمَغْرِبِ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتُقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَيَكُونُ لَهَا مَا سَقَطَ مِنْهُمْ وَتَخَلَّفَ وَتَسُوقُهُمْ سَوْقَ الْجَمَلِ» " قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَكَوْنُهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ لَا يُنَافِي حَشْرَهَا النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهَا مِنْ عَدَنَ فَإِذَا خَرَجَتِ انْتَشَرَتْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَالْمُرَادُ تَعْمِيمُ الْحَشْرِ لَا خُصُوصُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، أَوْ أَنَّهَا بَعْدَ الِانْتِشَارِ أَوَّلُ مَا تَحْشَرُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَمَّا اللَّذَانِ فِي الْآخِرَةِ فَحَشْرُ الْأَمْوَاتِ

ص: 154

مِنْ قُبُورِهِمْ بَعْدَ الْبَعْثِ جَمِيعًا قَالَ تَعَالَى {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47] وَحَشْرُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَشْرِ لَيْسَ حَشْرًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ لِفِرْقَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهَذَا وَقَعَ كَثِيرًا كَمَا وَقَعَ لِبَنِي أُمَيَّةَ حِينَ أَخْرَجَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا سُمِّيَ حَشْرًا عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ ذَلِكَ حَشْرًا.

(الثَّانِي)

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَشْرِ النَّاسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ هَلْ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَبْلَهُ؟ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَصَوَّبَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِنَّ هَذَا الْحَشْرَ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الْحَشْرُ مِنَ الْقُبُورِ فَهُوَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا " «إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» ".

وَقَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَرْفُوعًا " «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَة وَعَشْرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ تُقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا» " قَالَ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} [الواقعة: 7] قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ «أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْوَاجٍ: فَوْجٌ يُحْشَرُونَ طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ، وَفَوْجٌ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ» - الْحَدِيثَ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَا يُبَايِنُ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ (وَالْجَمْعُ) أَنَّ الْحَشْرَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ النَّشْرِ أَيْضًا لِاتِّصَالِهِ بِهِ، وَهُوَ أَيِ النَّشْرُ إِخْرَاجُ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ كَمَا يَأْتِي فَيَخْرُجُونَ حُفَاةً عُرَاةً يُسَاقُونَ وَيَجْتَمِعُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ لِلْحِسَابِ، ثُمَّ يُحْشَرُ الْمُتَّقُونَ رُكْبَانًا عَلَى الْإِبِلِ وَالْمُجْرِمُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّ الْحَشْرَ إِذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ شَرْعًا الْحَشْرُ مِنَ الْقُبُورِ مَا لَمْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ.

(وَأَيْضًا) التَّقْسِيمُ الْمَذْكُورُ فِي الْخَبَرِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْحَشْرِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ لِأَنَّ الْمُهَاجِرَ

ص: 155

لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا أَوْ جَامِعًا بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ (وَأَيْضًا) حَشْرُ بَقِيَّةِ النَّاسِ وَإِلْجَاءُ النَّارِ لَهُمْ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ وَمُلَازَمَتُهَا حَتَّى لَا تُفَارِقَهُمْ قَوْلٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ التَّوْقِيفُ وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ بِتَسْلِيطِ النَّارِ عَلَى أَهْلِ الشِّقْوَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ.

(وَأَيْضًا) الْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَقَدْ وَقَعَ فِي طَرِيقٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ ثُلُثًا عَلَى الدَّوَابِّ وَثُلُثًا يَنْسِلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَثُلُثًا عَلَى وُجُوهِهِمْ قَالَ وَنَرَى هَذَا التَّقْسِيمَ نَظِيرَ التَّقْسِيمِ الَّذِي فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} [الواقعة: 7] فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ يُرِيدُ عُمُومَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخَلِّطِينَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَقَوْلُهُ اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ. . إِلَخْ يُرِيدُ السَّابِقِينَ وَهُمْ أَفَاضِلُ الْمُؤْمِنِينَ رُكْبَانًا. وَقَوْلُهُ وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، يُرِيدُ أَصْحَابَ الْمَشْأَمَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْبَعِيرَ يَحْمِلُ الْعَشَرَةَ دُفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْ بَدِيعِ قُدْرَةِ اللَّهِ فَيَقْوَى عَلَى مَا يَقْوَى عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ مِنْ بِعْرَانِ الدُّنْيَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَاقَبُوهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَانْتَصَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لِقَوْلِ الْخَطَّابِيِّ وَالْقُرْطُبِيِّ بِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ تُقِيلُ مَعَهُمْ وَتَبِيتُ وَتُصْبِحُ وَتُمْسِي يُؤَيِّدَانِ الْحَشْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّامِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ مُخْتَصَّةٌ بِالدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ إِلَى عَشْرَةٍ - يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَعْتَقِبُونَ الْبَعِيرَ الْوَاحِدَ يَرْكَبُ بَعْضٌ وَيَمْشِي بَعْضٌ وَذَلِكَ لِقِلَّةِ الظَّهْرِ كَمَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَرَجَّحَ هَذَا الطِّيبِيُّ وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَأَجَابَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ بِمَا يَطُولُ، (ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ) بَعْدَ مَا انْتَصَرَ لِلْخَطَّابِيِّ وَالْقُرْطُبِيِّ وَزَيَّفَ كَلَامَ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِمَا حَاصِلُهُ: ثُمَّ رَأَيْتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْحَشْرِ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ. فَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ التُّورُ بَشْتَى مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ. انْتَهَى.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ نَقْلِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الطِّيبِيِّ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَلَى لَفْظِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي صَحِيحِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ فِيهِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.

ثُمَّ اخْتَارَ هُوَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا لِمَا وَقَعَ فِيهِ أَنَّ الظَّهْرَ يَقِلُّ لِمَا يُلْقَى عَلَيْهِ مِنَ الْآفَةِ وَأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي الشَّارِفَ الْوَاحِدَ بِالْحَدِيقَةِ الْمُعْجَبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ جِدًّا فِي أَنَّهُ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا.

قَالَ فِي

ص: 156