الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{المسائل الحفظية}
نصيحة في تعلم التوحيد
والطريق إليه
(وبيان ما يجب على أهل القرى من حق الضيف، وحق الإمام في زكاة النقدين، والعمل بظاهر الأحاديث)
بسم الله الرحمن الرحيم
من حسين وعبد الله ابني الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى جناب الأخ في الله محمد بن أحمد الحفظي -سلمه الله تعالى- من الآفات، واستعمله بالباقيات الصالحات.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "أما بعد": فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبيه وحبيبه محمد البشير النذير، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل الشهير، والعلم المستطير.
وقد وصل إلينا كتابك، وفهمنا ما حواه من حسن خطابك، وتذكر أنك على هذا الدين الذي نحن عليه من إخلاص الدين لله -تعالى-، وترك عبادة ما سواه، وأنك لا ترضى بالإشراك والتخلف عن التوحيد، ولو قدر فواق 1، فالحمد لله الذي من علينا وعليك. وهذا هو أفرض الفرائض على جميع الخلق، ومن انتفع بهذا الدين، واستقام عليه فله البشرى في الحياة الدنيا والآخرة، وله العزة والرفعة والجاه والملابس الفاخرة.
وفي الحديث عن الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- قال: "إن الله ليرفع بهذا الدين أقواما ويضع به آخرين"2.
1 فواق -كغراب- ما بين الحلبتين من الوقت، أو ما بين يديك وقبضهما على الضرع.
2 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها "817"، وابن ماجه: المقدمة "218" ، وأحمد "1/ 35"، والدارمي: فضائل القرآن "3365".
والذي نوصيك به، ونحضك عليه: التفقه في التوحيد، ومطالعة مؤلفات شيخنا -رحمه الله تعالى-، فإنها تبين لك حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقيقة الشرك الذي حرمه الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه لا ينفع صاحبه، وأن الجنة على فاعله حرام، وأن من فعله حبط عمله.
والشأن كل الشأن في معرفة حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وبه يكون الرجل مسلما مفارقا للشرك وأهله، وذلك لأن كثيرا من المصنفين إذا ذكر التوحيد لم يبينه، وقد يفسره بتوحيد الربوبية الذي أقر به المشركون، ومنهم من يفسره بتوحيد الذات والصفات، وذلك -وإن كان حقا- فليس هو المراد من توحيد العبادة الذي هو معنى لا إله إلا الله. وكثير من المصنفين يفسر الشرك بالإشراك في توحيد الربوبية الذي أقر به كفار العرب وغيرهم من طوائف المشركين، كما قال -تعالى-:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1، وقال:{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} 2 الآية. وغير ذلك من الآيات التي تدل على أن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية، وإنما الخلاف الذي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم هو توحيد الإلهية الذي هو توحيد العبادة، ولهذا لم يصيروا موحدين بمجرد الإقرار بتوحيد الربوبية.
فإياك أن تغتر بما أحدثه المتأخرون وابتدعوه كابن حجر الهيتمي وأشباهه، واعتمد في هذا الأصل على كتاب الله الذي أنزله تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، وعلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا تغتر بما حدث بعدهم من البدع المضلة في أصول الدين وفروعه، كما قال -تعالى-:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 3.
وبهذا تعرف حقيقة أصل الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا
1 سورة العنكبوت آية: 61.
2 سورة المؤمنون آية: 88، 89.
3 سورة الأنعام آية: 153.
رسول الله، فإن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، أن لا تعبد إلا الله وحده لا شريك له. وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، هو أن يطاع فيما أمر، وينتهى عما عنه نهى وزجر، ويكون هو الإمام المتبع، ومن سواه فيؤخذ من كلامه، ويترك فعلى أقواله وأفعاله تعرض الأقوال والأفعال، فما وافق قوله فهو المقبول، وما خالفه فهو المردود.
وأما المسائل الثلاث التي سألتم عنها:
[حكم الضيافة]
"فالأولى": مسألة الضيافة هي واجبة أم لا؟
فالذي عليه العمل أنها واجبة على أهل القرى، وعلى أهل البوادي دون الأمصار الكبار التي توجد الأطعمة تباع فيها بلا كلفة.
[طلب الزكاة من الأموال الباطنة كالنقدين]
"وأما الثانية": وهي قولكم: هل للإمام وعماله طلب الزكاة من الأموال الباطنة كالنقدين، أم يختص ذلك بالأموال الظاهرة؟
فهذه مسألة اختلف العلماء فيها، فمنهم من يقول: إن للإمام أخذ الزكاة من الأموال الباطنة كالظاهرة، ويجب دفعها إليه، وهو قول مالك، وقول في مذهب أحمد. وأما الأموال الظاهرة فيجب دفعها إلى الإمام العادل إذا طلبها، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد.
واتفق على أن للإمام طلب الزكاة من الأموال الظاهرة والباطنة، وإنما الخلاف في وجوب الدفع إليه، وهل يجزئ عن صاحبها إذا لم يدفعها إليه أم لا؟
[العمل بصريح الحديث وظاهره]
"وأما المسألة الثالثة": في العمل بصريح الحديث وظاهره، إذا وجده المرء في الأمهات الست، أو ما التزم مخرجه فيه الصحة والحسن، هل للإنسان العمل به والاعتماد عليه وإن لم يبحث عنه هل هو منسوخ أم لا؟ وهل عارضه أقوى منه أم لا؟
فنقول: الذي ينبغي لطالب العلم إذا رأى مثل ذلك أن يبحث عن كلام أهل العلم في المسألة التي دل عليها الحديث، هل هو معمول به عندهم، أم هو منسوخ، أم