الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة
في العهد والأمان
هل يشترط في احترامهما أن يكون من يعقدهما مؤمنًا عدلًا أم لا؟ وفي العهد والأمان الذي يكون من البدو والأعراب لبعضهم ولغيرهم
تأليف
بعض علماء نجد لم يذكر اسمه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
"وبعد": فقد وقع مذاكرة في حال الأعراب الذين يوجد فيهم شيء من المكفرات، هل يصلح أمانهم لبعضهم عن بعض؟ فنقول، وبالله التوفيق:
يصح أمان الكفار بعضهم بعضا، ولغيرهم بالكتاب، والسنة، والاعتبار.
أما الكتاب: فقوله -تعالى-: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} 1 الآيات، قال مجاهد وقتادة: نزلت في حلف أهل الجاهلية، وآخر السياق يدل على عموم الآية، وهو قوله:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} 2 قال المفسرون: على ملة واحدة وهي الإسلام، {وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 3 فدل على أن هذا الخطاب شامل للمهديين وغيرهم.
وقال -تعالى- في شأن اليهود: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} 4 إلى قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} 5 قال أهل التفسير: يقول -تعالى- منكرًا على اليهود ما كانوا يأتونه مع الأوس، فإن يهود المدينة كانوا ثلاث قبائل: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة. فبنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج، وبنو قريظة حلفاء الأوس، فكانت الحرب إذا شبت بينهم قاتل كل فريق منهم مع حلفائه، فيقتل اليهودي غير اليهودي من أعدائه، وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرام عليهم بنص الكتاب،
1 سورة النحل آية: 91.
2 سورة النحل آية: 93.
3 سورة النحل آية: 93.
4 سورة البقرة آية: 84.
5 سورة البقرة آية: 85.
ويخرجونهم من بيوتهم، وينهبون ما فيها من الأثاث والأموال، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها فكوا الأسارى من الفريق المغلوب، عملا بحكم التوراة، ولهذا قال:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} 1.
فهذه الآية تدل على أن الله -تعالى- حرم قتال بعضهم بعضا، وإن كان الكل كفارا وقت النزول؛ لأن هذا القتل ليس على حق، وإنما هو في سبيل الشيطان.
وأما الأحاديث: فما رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن ابن عنبسة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان بينه وبين قوم عهد فلا يخلف عهده، ولا يشدنه حتى يمضي أمرها، وينبذ إليهم على سواء"2 وهذا الحديث عام.
وروى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم، عن عمرو بن شعيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته:"أوفوا بحلف الجاهلية، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام"3.
قال العلماء في معنى الحديث: إن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان يفعله أهل الجاهلية، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه، وما كان منه على نصرة الإسلام وصلة الأرحام، كحلف المطيبين وما جرى مجراهم، فذاك الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة"4.
وفي صحيح مسلم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء؛ فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان"5 وهذا العقاب لا يختص بالمسلم، بل هو عام في المسلم وغيره.
وروى البخاري وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين خريفا"6 قال ابن الأثير: يجوز أن يقرأ بفتح الهاء وكسرها على الفاعل والمفعول. والمعاهد من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة، وقال صلى الله عليه وسلم يوم الفتح:"قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ"7 وهي من مسلمة الفتح.
1 سورة البقرة آية: 85.
2 الترمذي: السير "1580"، وأبو داود: الجهاد "2759" ، وأحمد "4/ 111 ،4/ 113 ،4/ 385".
3 أحمد "2/ 207".
4 مسلم: فضائل الصحابة "2530"، وأبو داود: الفرائض "2925" ، وأحمد "4/ 83".
5 البخاري: الأدب "6177"، ومسلم: الجهاد والسير "1735"، والترمذي: السير "1581"، وأبو داود: الجهاد "2756" ، وأحمد "2/ 16 ،2/ 29 ،2/ 56 ،2/ 69 ،2/ 75 ،2/ 96 ،2/ 103 ،2/ 112 ،2/ 116 ،2/ 123 ،2/ 142 ،2/ 156".
6 البخاري: الجزية "3166"، والنسائي: القسامة "4750"، وابن ماجه: الديات "2686" ، وأحمد "2/ 186".
7 البخاري: الصلاة "357"، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها "336" ، وأحمد "6/ 423"، ومالك: النداء للصلاة "359"، والدارمي: الصلاة "1453".