المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسائل وفتاوىفي الطلاق والعدة والإجارة والثمار والعاقلة، والتيمم لنجاسة الثوب والبدن، والحدود والنكاح والإقرار وغير ذلكللعلامة الشيخ سعيد بن حجي - مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - ط المنار - جـ ٥

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌تشديد الشيخ ابن تيمية وتلميذه في أمر الشرك(إنما هو اتباع لما جاء عن الله ورسوله في ذلك)

- ‌رسالةفي دحض شبهات على التوحيدمن سوء الفهم لثلاثة أحاديث

- ‌(رسالة)معنى قوله صلى الله عليه وسلم "إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة"، ومحاجة آدم لموسى عليهما السلام

- ‌الطلاق على عوض

- ‌(نصيحة في التمسك بالتوحيد، والأمر بإنكار المنكر)

- ‌فتاوى في الاستشفاع والاستغاثة وغيرها

- ‌معنى كلمة التوحيدوحكم من قالها ولم يكفر بما يعبد من دون الله

- ‌[معنى كلمة التوحيد وما تنفي وما تثبت]

- ‌فتاوى فقهية ومسائل(في تصرف وصي الصبي في ماله، وفي الطلاق، وأيهما يقدم من مال الميت: سداد الدين أو الحج عنه

- ‌{رسالة في هبة ثواب الأعمال إلى الميت هل يجوز أم لا

- ‌رسالةفي حكم من يكفِّر غيره من المسلمينوالكفر الذي يعذر صاحبه بالجهل(فلا يحكم عليه به إلا بعد أن تقوم عليه الحجة)والذي لا يعذر

- ‌فائدة عظيمةمن كلام مفتي الديار النجدية عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين -قدس الله سره-(في موضوع التكفير المتقدم عنه)

- ‌رسالة أخرىفي سكوت أكثر الناس عن المنكرات{وكونه لا يعد إجماعا يحتج به على مشروعيتها

- ‌رسالة له أخرى(في الرد على من احتج على جواز الشرك والضلال بعمل الناس وكثرة السواد)

- ‌أسئلة عن أحاديث غير صحيحة وأجوبتها

- ‌[قول بعضهم: الجمعة خلف غير المتزوج لا تصح. وإتمام التراويح 20 ركعة]

- ‌(الكلام على إعادة الروح إلى الميت في قبره وقت السؤال)

- ‌{المسائل الحفظية}نصيحة في تعلم التوحيدوالطريق إليه(وبيان ما يجب على أهل القرى من حق الضيف، وحق الإمام في زكاة النقدين، والعمل بظاهر الأحاديث)

- ‌[رسائل للشيخ عبد الرحمن بن حسن]

- ‌(وجوب جهاد أهل الفساد ودفع فسادهم في الدين)

- ‌(الآيات في التوحيد الذي دعت إليه كل الأنبياء)

- ‌أقوال العلماء في الاشتغال بفن المنطق

- ‌رسالة أدبية، سياسية صوفيةفيها الإشارة إلى ما حدث للمسلمين من العقاب بذنوبهم(وما يجب عليهم في هذا المشهد من التوبة عن السيئات، وما فوقه من مشهد الأسماء والصفات)

- ‌وجوب صلاة الجمعة على أهل القرىوالعدد الذي تنعقد به جماعتها

- ‌وصية بالتقوى(والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

- ‌رسالة{في بيان فضل من يحيي السنة ويهدم الشرك والبدعة}

- ‌{الإشارة إلى إيواء أهل عنيزة لبعض الخارجين وأخذ العهود عليهم في الامتناع منه}

- ‌(عموم المصاب بقسوة القلوب وانصراف الخلق عن العبادة وغربة الإسلام)

- ‌{حكم العمل بالخط المعروف في الوصية وغيرها}

- ‌(فتوى في حق الضيف على أهل القرى والبادية)

- ‌المسائل الشرعية إلى علماء الدرعية

- ‌فتاوى ومسائل فقهية مختلفة{لبعض علماء نجد

- ‌أجوبة مسائل سئل عنها الشيخ سليمان بن علي وغيره

- ‌(مسألة في أن على مؤجر الأرض قيمة حفر البئر إذا كان فيها دفين أو غيره)(للشيخ عبد الله بن عضيب)

- ‌مسألة في حق النخلة في الماء المجاور لها

- ‌[مسألتان: دعوى أن الميت أقر له بنخلتين من ثلاث وجهل عين أحدهما، ورجوع المقر عن إقراره]

- ‌النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين

- ‌رسالة فيما يدلي به العاصب من الورثة وما لا يدلي

- ‌{رسالة فيما يلحق بالنقدين في الزكاة وما لا يلحق فيها مما يتعامل الناس به}من حسن بن حسين

- ‌تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهاتلبعض علماء نجد

- ‌رسالةفيما هو الميثاق الذي أخذ الله على بني آدم

- ‌الرد على المدعو عبد المحمود البخاري{فيما موّه به من أقوال الاتحادية والمشركين}

- ‌رسالةفي العهد والأمانهل يشترط في احترامهما أن يكون من يعقدهما مؤمنًا عدلًا أم لا؟ وفي العهد والأمان الذي يكون من البدو والأعراب لبعضهم ولغيرهم

- ‌مسائل وفتاوىفي الطلاق والخلع والشهادات والعينة وشروط الصلاة وغيرهالأحد علماء نجد

- ‌مسائل وفتاوى فقهيةلبعض علماء نجد

- ‌مسائل وفتاوى أخرىلبعض علماء نجد*

- ‌مسائل وفتاوىفي القراءة في الصلاة والطهارة والوضوء والتيمم والطلاق والعدة وعورة الأمة والكلام عند الأذان وتلاوة القرآن وغير ذلكلأحد علماء نجد

- ‌ مسائل سئل عنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌مسائل وفتاوىفي الطلاق والعدة والإجارة والثمار والعاقلة، والتيمم لنجاسة الثوب والبدن، والحدود والنكاح والإقرار وغير ذلكللعلامة الشيخ سعيد بن حجي

- ‌الكَلامُ المُنْتَقى مما يتعلّق بكلمَة التقوى

- ‌حكم التزام مذهب معين(والانتقال من مذهب إلى آخر)

الفصل: ‌مسائل وفتاوىفي الطلاق والعدة والإجارة والثمار والعاقلة، والتيمم لنجاسة الثوب والبدن، والحدود والنكاح والإقرار وغير ذلكللعلامة الشيخ سعيد بن حجي

‌مسائل وفتاوى

في الطلاق والعدة والإجارة والثمار والعاقلة، والتيمم لنجاسة الثوب والبدن، والحدود والنكاح والإقرار وغير ذلك

للعلامة الشيخ سعيد بن حجي

الحنبلي النجدي

رحمه الله وعفا عنه آمين

ص: 821

مسائل في الطهارة والطلاق والعدة والإجارة والحدود والنكاح وغيرها، وهي سبع عشرة مسألة للشيخ سعيد بن حجي

بسم الله الرحمن الرحيم

من: سعيد بن حجي إلى الأخ: مسفر بن عبد الرحمن.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "وبعد": الخط وصل -وصلك الله إلى رضوانه- وتسأل فيه عن مسائل:

[طلقت قبل الدخول مرتين من رجلين هل تحل للأول]

"الأولى": قول العلماء في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أعني الجماع، ثم تزوجها بعده آخر فطلقها قبل أن يدخل بها، هل تجوز أم لا؟

"الجواب": لا تحل له إن كان الأول طلقها ثلاثا بكلمة واحدة لعدم تمام شروط النكاح الثاني، وإن كان طلاقه أعني الأول دون الثلاث حلت له.

[عتق العبد وتحته أمة ولم تعتق هي ما الحكم]

"الثانية": إذا عتق العبد وتحته أمة ولم تعتق هي ما الحكم؟.

"الجواب": قال في الإنصاف: لو عتق العبد وتحته أمة فلا خيار له على الصحيح من المذهب. وقاله الموفق والشارح؛ لأن الكفاءة تعتبر فيه لا فيها، انتهى. وكذا قال في المغني والإقناع، فقد علمت أنه لا بأس باستدامة النكاح لهما.

[طلاق البتة]

"الثالثة": طلاق البتة هل المراد به جمع الثلاث بكلمة واحدة أو غيره؟

"الجواب" في المطلع: وبتة بمعنى مقطوعة يقال: طلقها ثلاثا بتة، وفي حديث فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو طلقها البتة وهو غائب. وفي رواية طلقها ثلاثا. الحديث متفق عليه. قال ابن دقيق العيد على هذا الحديث ما نصه: أن لفظة البتة يعبر بها عن طلاق الثلاث دفعة، وتارة عن طلقة يتم بها الثلاث.

[المعتدة في حكم الزوجات]

"الرابعة": إذا كان عند الرجل أربع نسوة فطلق واحدة بالثلاث، وأراد أن يتزوج رابعة، والتي طلق لم تزل في العدة هل يجوز أم لا؟.

"الجواب": مذهب أحمد بن حنبل وأبي حنيفة لا يجوز حتى تنقضي عدة المطلقة فيتزوج رابعة إن شاء، قال في الإقناع وشرحه: ومن طلق واحدة من

ص: 822

نهاية جمعه لم يجز أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها ولو كانت بائنا؛ لأن المعتدة في حكم الزوجات، وإن ماتت واحدة جاز في الحال نص عليه انتهى. ولأنه لا يجوز أن يجمع ماءه في رحم خمس نسوة، وهذا هو المفتى به عندنا الآن، ومذهب مالك والشافعي في البائن بخلافه.

[استأجر أرضا بطعام وبقطعة من أرض معلومة]

"الخامسة": إذا استأجر أرضا بطعام وبقطعة من أرض معلومة هل يصح أم لا؟.

"الجواب": إذا تمت شروط الإجارة صح إن كان المراد رقبة الأرض؛ لأن الأرض من العروض، وإن كان المعنى على حذف مضاف، تقديره وزرع قطعة من أرض لم يصح؛ لأنه من المخابرة المنهي عنها، ولأنه يعود بجهالة الأجرة.

[بيع الثمار خرصا وقبل بدو صلاحه]

"السادسة": إذا كان رجلان شريكان في ثمرة نخل، واحتاج أحدهما إلى أخذ ثمرة نخلة بعضها ثمر وبعضها بسر، وقال لشريكه: إذا صرم النخل؛ فخذ قيمتها ثمرًا هل يصح أم لا؟.

"الجواب": قد ذكر العلماء أنه يجوز قسمة الثمار خرصا، ولو كانت الثمار على شجر قبل بدو صلاحه أي: الثمر ولو بشرط التبقية، وأنه يجوز تفرقهما قبل القبض؛ لأنها إفراز حق لا بيع، وأما المسألة المسئول عنها؛ فلا تجوز؛ لأنها في الحقيقة بيع وهو غير صحيح.

[الأب وإن علا والابن وإن سفل من العاقلة]

"السابعة": هل الأب وإن علا والابن وإن سفل من العاقلة أم لا؟

"الجواب": المسألة فيها روايتان عن أحمد بن حنبل المذهب عند متأخري الحنابلة أنهم من العاقلة؛ لأنهم أحق العصبات بميراثه؛ فكانوا أولى بتحمل عقله ولحديث عمرو بن شعيب وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.

[إحصان الأمة]

"الثامنة": وهل الإحصان للأمة من قبل إقامة الحد عليها إذا زنت الإسلام أو التزويج؟.

"الجواب": قال في المغني: إذا زنى العبد أو الأمة جلد كل واحد منهما خمسين

ص: 823

ولم يغربا، بكرين كانا أو ثيبين، في قول أكثر الفقهاء منهم عمر وعلي وابن مسعود والحسن والنخعي ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي انتهى. ثم ذكر اختلاف العلماء في المسألة وأصلها قوله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} 1 الآية. وقد استدلوا على ما ذكرنا بقوله: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} 2 والعذاب الجلد منه؛ فينصرف التنصيف له دون غيره، وبقوله صلى الله عليه وسلم لعلي:"إذا تعالت من نفاسها فاجلدوها خمسين"3 رواه عبد الله بن أحمد. ورواه مالك عن ابن عمر، وبعمومات الأحاديث التي وردت في إقامة الحد على الإماء.

[التيمم لإزالة نجاسة الثوب والبدن]

" التاسعة": رجل أصاب ثوبه أو بدنه نجاسة وعدم الماء وصلى بها هل يعيد إذا وجد الماء أم لا؟

" الجواب": قال الشيخ تقي الدين*: أما التيمم للنجاسة على الثوب؛ فلا نعلم له قائلا من العلماء، وإن كانت النجاسة في البدن فهل يتيمم لها؟ فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد:"إحداهما" لا يتيمم لها وهذا قول جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة والشافعي إلى أن قال: لما كان عاجزًا عن إزالة النجاسة سقط وجوب إزالتها وجازت الصلاة معها بدون تيمم انتهى ملخصًا. وقال في الكافي: وفي وجوب الإعادة روايتان: "إحداهما" لا يجب لقوله عليه السلام: "التراب كافيك ما لم تجد الماء" وقياسا على التيمم. والأخرى تجب الإعادة.

[اللواط وإتيان البهيمة]

"العاشرة": ما حكم من فعل اللواط وأتى بهيمة؟.

"الجواب": أجمع أهل العلم على تحريم اللواط، وأما حكمه فإنه اختلفت الرواية عن أحمد، فعنه أن حده الرجم بكرًا كان أو ثيبًا، وهذا قول علي وابن عباس وجابر وغيرهم ومالك وأحد قولي الشافعي.

1 سورة النساء آية: 25.

2 سورة النساء آية: 25.

3 أحمد "1/ 136".

* انظر "المسائل الماردينية" ص 176. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]

ص: 824

"والرواية الثانية" حده حد الزنى وبه قال ابن المسيب وغيره. ووجه الرواية الأولى قوله صلى الله عليه وسلم "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"1 رواه أبو داود. وفي لفظ: "فارجموا الأعلى والأسفل" ولأن الصحابة أجمعوا على قتله وإنما اختلفوا في صفته. انتهى ملخصا من المغني.

وقال الشيخ تقي الدين في جواب له*: وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"2 ولهذا اتفق الصحابة على قتلهما جميعا، لكن اختلفوا في صفة القتل فمذهب جمهور السلف والفقهاء أنهما كانا يرجمان بكرين كانا أو ثيبين، حرين كانا أو مملوكين أو كان أحدهما مملوكا للآخر، واتفق المسلمون على أن من استحلها من مملوك أو غيره أنه كافر مرتد انتهى. وإنما يثبت هذا الحد ببينة أو إقرار كالزنى سواء.

وأما من أتى بهيمة فهو يعزر ويبالغ في تعزيره ولا حد عليه. روي ذلك عن ابن عباس وحماد ومالك وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي، وتقتل البهيمة، ويكره أكل لحمها، وإنما يثبت هذا التعزير بشهادة رجلين عدلين أو إقراره ولو مرة.

[سرقة الثمر وجمار النخل]

"الحادية عشرة": ما معنى قوله عليه السلام: "لا قطع في ثمر ولا كثر"3 رواه أبو داود وأحمد والترمذي وابن ماجه، ما الكثر؟

"الجواب": الكُثْر -بضم الكاف وسكون الثاء- جُمّار النخل، والجمار بالضم والتشديد شحم النخل الذي في جوفه، وجمرت النخلة قطعت جمارها.

[الفرق بين المختلس والمنتهب]

" الثانية عشرة": ما الفرق بين المختلس والمنتهب؟

"الجواب": السرقة أخذ مال محترم على وجه الاختفاء فلا قطع على منتهب، وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة لما روى جابر مرفوعا قال: "ليس على

1 الترمذي: الحدود "1456"، وأبو داود: الحدود "4462".

* انظر "مجموع الفتاوى" 11/ 543. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]

2 الترمذي: الحدود "1456"، وأبو داود: الحدود "4462".

3 الترمذي: الحدود "1449"، والنسائي: قطع السارق "4960"، وأبو داود: الحدود "4388"، وابن ماجه: الحدود "2593" ، وأحمد "3/ 463 ،3/ 464 ،4/ 140 ،4/ 142"، ومالك: الحدود "1583"، والدارمي: الحدود "2304 ،2305 ،2306 ،2308".

ص: 825

منتهب قطع"1 رواه أبو داود ولا على مختلس، والاختلاس نوع من الخطف والنهب، وإنما سمي اختفاء في ابتداء اختلاسه. انتهى من "الإقناع" وشرحه.

[اشتراط المرأة طلاق ضرتها]

"الثالثة عشرة": إذا شرطت المرأة طلاق ضرتها، هل يصح هذا الشرط أم لا؟.

"الجواب": قال في "الشرح": وإن شرطت طلاق ضرتها فالصحيح أنه باطل لنهيه صلى الله عليه وسلم أن تشترط المرأة طلاق أختها رواه البخاري. والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وعند متأخري الحنابلة: أنه صحيح للزوجة بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه ولا يجب عليه الوفاء به بل يسن.

[إقرار المريض في المرض المخوف]

"الرابعة عشرة": إذا أقر المريض في مرضه المخوف بشيء لوارث أو لغيره هل يصح أم لا؟.

"الجواب": قال في الشرح: ويصح إقرار المريض في المرض المخوف بغير المال، وإن أقر بمال لمن لا يرثه، صح حكاه ابن المنذر إجماعا، وإن أقر لوارث لم يقبل إلا ببينة، وقال عطاء والحسن وإسحاق: يقبل، وقال مالك: يصح إلا أن يتهم إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فأقل، فيصح في قول الجميع إلا الشعبي. انتهى.

[الوكالة في النكاح]

"الخامسة عشرة": إذا شهد رجل عدل أن فلانا وكل فلانا على تزويج ابنته فزوجها، ثم أنكر الموكل، هل تمضي الشهادة أم لا؟.

"الجواب": للولي أن يوكل من يزوج موليته، قال في "المغني": ولا يعتبر في صحة الوكالة إذن المرأة في التوكيل، ولا يفتقر إلى حضور شاهدين؛ لأنه إذن من الولي في التزويج، فلم يفتقر إلى إذن المرأة، ولا إلى الإشهاد كإذن الحاكم انتهى. لكن لابد من إذنها للوكيل، فقد علمت أنه إذا أذن للوكيل صح وإن لم يشهد، والإشهاد أحوط.

1 الترمذي: الحدود "1448"، والنسائي: قطع السارق "4971 ،4972 ،4975"، وأبو داود: الحدود "4391"، وابن ماجه: الحدود "2591" ، وأحمد "3/ 380"، والدارمي: الحدود "2310".

ص: 826

[شهادة العبد إذا كان عدلا]

"السادسة عشرة": هل تجوز شهادة العبد إذا كان عدلا في كل شيء، أم لا؟.

"الجواب": تجوز شهادته في كل شيء إلا في الحدود والقصاص في إحدى الروايتين عن أحمد، وعنه تقبل فيهما أيضا على الصحيح من المذهب، واختاره ابن القيم في إعلام الموقعين، ونصره هو وغيره بأدلة، ولعل مذهب الأئمة الثلاثة على خلافه.

[إقرار السارق]

"السابعة عشرة": هل يقطع السارق بإقراره مرة أم لا بد من مرتين؟.

"الجواب": قال في المغني: ولا يقطع إلا بشهادة عدلين أو اعترف مرتين، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن قطع السارق يجب إذا شهد بالسرقة شاهدان حران مسلمان ووصفا ما يوجب القطع انتهى. أو يعترف مرتين، روي ذلك عن علي، وبه قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وقال أبو حنيفة والشافعي: يقطع بإقراره مرة.

ولنا ما روى أبو داود أنه عليه السلام أتي بلص قد اعترف فقال: "ما إخالك سرقت؟ قال: بلى. فأعاد عليه مرتين فأمر به فقطع"1 انتهى، ولحديث علي، وهذا مذهب الحنابلة والله أعلم.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

1 النسائي: قطع السارق "4877"، وأبو داود: الحدود "4380"، وابن ماجه: الحدود "2597" ، وأحمد "5/ 293"، والدارمي: الحدود "2303".

ص: 827

رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة

التي كانت لسان الحسين بن علي بمكة المكرمة

فيما افتراه على أهل نجد من تنقيص الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الفرى والضلال

وضعها أحد علماء نجد، لم يذكر اسمه على الأصل*

من مطبوعات صاحب الجلالة السعودية، ومحيي السنة المحمدية

الإمام عبد العزيز آل سعود

ملك الحجاز ونجد وملحقاتها

أيده الله ووفقه

(وقد وقفها على من ينتفع بها من أهل العلم والدين)

{لا يحل لمن وقعت بيده بيعها}

* نشرها مفردة الشيخ عبد السلام بن برجس عام 1410 هـ في دار العاصمة بالرياض بعنوان "رد على جريدة القبلة"، وأثبت أنها من تصنيف الشيخ سليمان بن سحمان، رحمه الله. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]

ص: 829

رسالة في الرد على صاحب جريدة القبلة الهاشمية، لأحد علماء نجد

بسم الله الرحمن الرحيم

[بعثة النبي محمد وظهور نور الشريعة]

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، ونشهد أنه صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وفتح الله به عيونا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله مخلصا له الدين حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

"أما بعد": فاعلم يا من نور الله قلبه بالإسلام أن الله سبحانه وتعالى ما أنعم على خلقه نعمة أجل وأعظم من نعمته ببعثة محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله بعثه وأهل الأرض عربهم وعجمهم كتابيهم وأميهم، قرويهم وبدويهم، جهال ضلال على غير هدى، ولا دين يرتضى، إلا من شاء الله من غُبَّر 1 أهل الكتاب - فصدع بما أوحي إليه وأمر بتبليغه، وبلغ رسالة ربه، وأنكر ما الناس عليه من الديانات المتفرقة، والملل المتباينة المتنوعة، ودعاهم إلى صراط مستقيم، ومنهج واضح قويم، يصل بسالكه إلى جنات النعيم، ويتطهر به من كل خلق ذميم، وجاءهم من الآيات والأدلة القاطعة الدالة على صدقه وثبوت رسالته، بما أعجزهم وأفحمهم عن معارضته، ولم يبق لأحد على الله حجة. ومع ذلك كابر من كابر وعاند من عاند، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ورأوا أن الانقياد له صلى الله عليه وسلم وترك ما هم عليه من النحل والملل يجر عليهم من مسبة آبائهم، وتسفيه أحلامهم، أو نقص رياستهم، أو ذهاب مآكلهم، ما يحول بينهم وبين مقاصدهم ومآربهم.

فلذلك عدلوا إلى ما اختاروه من الرد والمكابرة، والتعصب على باطلهم والمثابرة، وأكثرهم

1 غبر - بضم الغين المعجمة بعدها باء موحدة، كركع: بقية أهل الكتاب.

ص: 830

يعلمون أنه محق، وأنه جاءهم بالهدى ودعا إلى الله، لكن في النفوس موانع، وهناك إرادات ومؤاخاة ورياسات لا يقوم ناموسها، ولا يحصل مقصودها إلا بمخالفته، وترك الاستجابة له وموافقته، وهذا هو المانع في كل زمان ومكان من متابعة الرسل وتقديم ما جاءوا به، ولولا ذلك ما اختلف من الناس اثنان، ولا اختصم في الإيمان بالله وإسلام الوجه له خصمان.

ثم بعد أن ظهر نور الشريعة وطبق مغارب الأرض ومشارقها، وشامها ويمنها، حدث بعد ذلك في الدين من الأغيار، ما لا يعلمه إلا العليم الغفار، وتفرق الناس في أديانهم، وتشعبت بهم الأهواء، وصاروا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، ومن طاف البلاد وخبر أحوال الناس منذ أزمان متطاولة عرف انحرافهم عن الأصل الأصيل، وبعدهم عما جاءت به الرسل من التفريع والتأصيل. فكل بلد وكل قطر وكل جهة فيما نعلم فيها من الآلهة التي عبدت مع الله بخالص العبادات، وقصدت من دونه في الرغبات والرهبات، ما هو معروف مشهور لا يمكن جحده ولا إنكاره، بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن ادعوا لمعبوديهم مشاركة في الربوبية بالعطاء والمنع والتدبير، ومن أنكر ذلك عليهم فهو خارجي ينكر الكرامات، وكذلك في باب الأسماء والصفات، ورؤساؤهم وأحبارهم معطلة، وكذلك يدينون بالإلحاد والتحريفات، وهم يظنون أنهم من أهل التنزيه والمعرفة باللغات، ثم إذا نظرت إليهم وسبرتهم في باب فروع العبادات، رأيتهم قد شرعوا لأنفسهم شريعة لم تأت بها النبوات. هذا وصف من يدعي الإسلام منهم في سائر الجهات.

وأما من كذب بأصل الرسالة أو أعرض عنها ولم يرفع بذلك رأسا؛ فهؤلاء نوع آخر وجنس ثان ليسوا مما جاءت به الرسل في شيء، بل هم كما قال تعالى:{وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 1.

1 سورة الأعراف آية: 179.

ص: 831

[ملخص عقيدة الوهابية السلفية الحنبلية]

فإذا تقرر هذا فاعلم أن الذي نعتقده وندين الله به هو إفراد الله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، فلا ندعو إلا الله وحده لا شريك له، ولا نستغيث إلا به، ولا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، ولا نرجو إلا إياه ولا نخاف إلا منه، ولا ننيب إلا إليه، ولا نذبح إلا له، ولا نستعيذ إلا به، ولا ننذر إلا له، ولا نرغب إلا إليه - إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي من صرفها لغير الله كان مشركا، ونقر أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت النافع الضار المدبر لجميع الأمور، وأنه رب كل شيء وخالقه ومليكه - إلى غير ذلك من أفعال الربوبية التي لا يقدر أحد عليها إلا هو سبحانه.

وبالجملة فنحن على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الفقه والتقوى في باب معرفة الله وإثبات صفات كماله، ونعوت جلاله، التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت بها الأخبار النبوية وتلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبول والتسليم، نثبتها ونؤمن بها، ونمرها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. ونحن في هذا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل -رحمه تعالى- خلافا لما يزعمه أعداء الله ورسوله من أن مذهبنا مذهب خامس.

ولبسط هذه الجمل موضع آخر، مذكورة فيه بأدلتها من الكتاب والسنة ليس هذا موضع بسطها، وما ذاك إلا أنا اتبعنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقدمناهما على قول كل أحد كائنا من كان، فزعموا أن ذلك مذهب خامس، فمن أنكر شيئا مما ذكرناه وأراد المناظرة على ذلك ناظرناه، ومن سألنا عن بيان ذلك أجبناه بحول الله وقوته.

إذا تحققت هذا فاعلم أن السبب الداعي لهذا الكلام وتسطيره، والباعث على تصويره وتحريره، هو ما رأيناه في جريدة صاحب القبلة مما نسب إلينا معاشر الوهابية من الأكاذيب والأوضاع، التي تمجها النفوس وتنفر منها الطباع، وتستك عند سماعها الأسماع.

ص: 832

(افتراؤه عليهم تفضيل العصا على المصطفى)

وذلك أنه زعم أنا نقول: إن العصا أنفع من النبي صلى الله عليه وسلم.

فنقول: الله أكبر على هؤلاء الملاحدة الذين ينفرون الناس عن الدخول في دين الله، {يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} 1 {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} 2 {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} 3.

فمن نسب هذا إلينا، وافتراه علينا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وفضحه على رءوس الأشهاد {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} 4.

ويا سبحان الله، كيف يتصور وقوع هذا عاقل أو جاهل أو مجنون؟ ولا يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه موقوف بين يدي الله، ومسئول عن ذلك، بل لا يقوله إلا من هو أضل من حمار أهله، نعوذ بالله من رين الذنوب، وانتكاس القلوب {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} 5.

بل نشهد الله وملائكته وجميع خلقه أنا نشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، بعثه للإيمان مناديا، وإلى دار السلام داعيا، وللخليقة هاديا، ولكتابه تاليا، وفي مرضاته ساعيا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا. أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيره وتوقيره والقيام بحقه. وسد إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه، فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتح لهم حتى يكونوا خلفه من الداخلين، وعلى منهاجه وطريقته من السالكين.

1 سورة الأعراف آية: 45.

2 سورة المائدة آية: 64.

3 سورة الأنعام آية: 112 - 113.

4 سورة غافر آية: 52.

5 سورة النور آية: 16.

ص: 833

إذا تحققت ما قدمته لك فكيف يصح مع هذا أن نقول: إن العصا أنفع من النبي صلى الله عليه وسلم؟ سبحان الله ما أعظم شأنه وأعز سلطانه {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 1.

{فرية أنهم اتخذوا ملة إبراهيم وأعرضوا عن ملة محمد}

وأما قوله فيما نسبه هذا المفتري إلينا: إنا اتخذنا ملة إبراهيم وأعرضنا عن سنة محمد عليه الصلاة والسلام فنقول:

وهذا أيضا من الكذب علينا والظلم والعدوان، والزور والبهتان، فإن دين محمد صلى الله عليه وسلم وما سنه هو من ملة إبراهيم عليه السلام، وملة إبراهيم هي دين محمد لا فرق في ذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2 وقال تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3 وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} 4 وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} 5.

فمن زعم أنا نفرق بين دين محمد وملة إبراهيم فقد كذب علينا، وافترى وأعظم الفرية على الله وعلى رسله ودينه وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وقد قال صلى الله عليه وسلم "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، الأب واحد والأمهات متفرقات" فدين الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- من أولهم إلى آخرهم دين واحد وشرائعهم مختلفة كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} 6.

ومراد هؤلاء الملاحدة بهذه الأوضاع الكاذبة الخاطئة تنفير الناس عن دين الله ورسوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 7.

1 سورة الروم آية: 59.

2 سورة الأنعام آية: 161.

3 سورة النحل آية: 123.

4 سورة البقرة آية: 130.

5 سورة البقرة آية: 285.

6 سورة المائدة آية: 48.

7 سورة التوبة آية: 32.

ص: 834

{فرية أن الوهابية يلزمون الناس تكفير آبائهم وأجدادهم}

وأما قوله: إنا نلزم الناس أن يكفروا آبائهم وأجدادهم فنقول:

وهذا أيضا من نمط ما قبله من الكذب والبهتان. والذي نقوله في ذلك: إن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة إليه فالذي يحكم عليه إذا كان معروفا بفعل الشرك: ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه.

وأما حقيقة أمره فإلى الله -تعالى- فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله.

وأما من لا نعلم حاله في حال حياته ولا ندري ما مات عليه، فإنا لا نحكم بكفره وأمره إلى الله. فمن نسب إلينا غير هذا فقد كذب علينا وافترى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ثم لو قدر أن بعض الجهال الذين لا يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله قال ذلك جهلا منه بحقائق الأمور ومدارك الأحكام وتفاصيلها، أفينسب إلينا ما قاله هذا الجاهل؟ نحن نبرأ إلى الله من هذه المقالة التي قالها من قالها بغير دليل ولا برهان من الكتاب والسنة.

{إبطال قياس دعاء الموتى على الأسباب الطبيعية وبيان أن هناك أسبابا محرمة لا يجوز تعاطيها}

وأما قوله: في اعتقادهم في الأنبياء والصالحين أنه كما يقول الرجل لابنه: رد إبلي علي، أو لجاره رد ناقتي علي.

"فالجواب" أن نقول: هذا قياس من هؤلاء الملاحدة على أن هذه الأسباب العادية

ص: 835

الطبيعية يقاس عليها دعاء الأنبياء والصالحين بمعنى أنهم أسباب ووسائط بينهم وبين الله.

فيقال لهذا الجاهل: ليس الأمر كما زعمت ولا على ما توهمت، فإن هذا القول لا ينبغي أن يؤخذ على إطلاقه؛ لأنه من المعلوم بالضرورة أن من الأسباب أسبابا محرمة لا يجوز لأحد أن يتعاطاها ويجعلها أسبابا إلى ما حرمه الله ورسوله ونحن لا ننازع في إثبات ما أثبته الله من الأسباب والحكم، لكن من هو الذي جعل الاستغاثة بالمخلوق ودعاءه سببا في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؟.

ومن الذي قال: إنك إذا استغثت بميت أو غائب من البشر نبيا كان أو غيره كان سببا في حصول الرزق والنصر والهدى وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله؟ ومن الذي شرع ذلك وأمر به؟ ومن الذي فعل ذلك من الأنبياء والصحابة والتابعين لهم بإحسان؟.

فإن هذا المقام يحتاج إلى مقدمة وهي أن الأسباب المشروعة لا يحرم فعلها، فإنه ليس كل ما كان سببا كونيا يجوز تعاطيه، فإن المسافر قد يكون سفره سببا لأخذ مال وكلاهما محرم.

والدخول في دين من الأديان غير الإسلام قد يكون سببا لمال يعطونه وهو محرم، وشهادة الزور قد تكون سببا لنيل المال يؤخذ من المشهود له وهو محرم، وكثير من الفواحش والظلم قد يكون سببا لنيل مطلب وهو محرم. وكذلك الشرك كدعوة الكواكب والشياطين بل وعبادة البشر قد يكون سببا لبعض المطالب وهو محرم.

فإن الله تعالى حرم من الأسباب ما كان مفسدته راجحة على مصلحته كالخمر وإن كان يحصل به بعض الأغراض أحيانا. وهذا المقام مما يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقا وأمرا، فإنهم مطالبون بالأدلة الشرعية.

ص: 836

(جواز الاستعانة بالأسباب الظاهرية الحسية)

وأما قوله في الأسباب العادية: مثل قول الرجل لابنه: رد إبلي علي أو لجاره رد ناقتي علي. فنقول:

لا نزاع بين العلماء في جواز الاستعانة بالأسباب العادية الطبيعية الظاهرة الحسية، كأن يستعين الرجل بأصحابه في قتال أو إدراك عدو أو سبع ونحوه من الأسباب العادية المتعلقة مسبباتها بأسبابها، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور. وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه، لكن هذه الأفعال العادية القائمة بفعالها تنسب إليه وتضاف إليه حقيقة، من إضافة الفعل إلى فاعله، فيقال: أكل وشرب وقام وقعد وحكى ودعا واستغاث حقيقة لا مجازًا بإجماع العقلاء، ولم يخالف في إضافة الأفعال إلى فاعلها حقيقة إلا من هو من أجهل الناس وأضلهم عن سواء السبيل.

إذا عرفت هذا؛ فالالتفات إلى الأسباب غير المشروعة شرك في التوحيد، ومحو الأسباب العادية أن تكون أسبابا نقص في العقل. والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع.

إذا تبين لك هذا فقياس الأموات من الأنبياء والصالحين في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله على الأحياء القادرين على الأسباب العادية المقدور عليها من أفسد القياس وأبطل الباطل وأمحل المحال؛ لأن الله سبحانه وتعالى فرق بين الأحياء والأموات ولم يسو بينهما بقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} 1.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} 2 وقال تعالي: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ

1 سورة فاطر آية: 22.

2 سورة النحل آية: 20، 21.

ص: 837

اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} 1. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 2.

هذا ملخص الجواب عما افتراه علينا كل آفك كذاب، ونحن نعلم أن من خالفنا في ديننا، وعاب علينا سلوك طريق نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم من السلف الصالح والصدر الأول، أن عندهم من الترهات والأكاذيب والخرافات أضعاف أضعاف ما ذكره هذا المفتري. وجوابنا عن كل ما يفتريه علينا أعداء الله ورسوله مما خالف دين الإسلام، وما كان عليه الأئمة الأعلام من سلف هذه الأمة وأئمتها أن نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

تم بحمد الله وحسن توفيقه، والحمد لله أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنا. وصلى الله تعالى على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

"انتهى الرد على الجريدة المسماة بالقبلة"

1 سورة الأحقاف آية:5، 6.

2 سورة فاطر آية:13، 14.

ص: 838