الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم التزام مذهب معين
(والانتقال من مذهب إلى آخر)
رسالة من الشيخ سعيد بن حجي الحنبلي النجدي، إلى الشيخ محمد بن أحمد الحفظي الشافعي التهامي - هي جواب سؤال.
"السؤال" ما قول العلماء رحمهم الله فيمن التزم مذهبا. هل له الانتقال عنه إلى غيره أم لا؟
"الجواب" قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية في "الفتاوى المصرية"*:
"وإذا كان الرجل متبعا لأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد، ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه كان قد أحسن في ذلك، ولم يقدح ذلك في دينه ولا عدالته بلا نزاع، بل هذا أولى بالحق، وأحب إلى الله ورسوله ممن يتعصب لواحد معين غير النبي صلى الله عليه وسلم كمن يتعصب لأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد، ويرى أن قول هذا المعين هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون الإمام الذي خالفه، فمن فعل هذا كان جاهلا، بل قد يكون كافرا". انتهى.
وقال في "الإقناع" وشرحه: "ولزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره الأشهر عدمه. قال الشيخ تقي الدين بن تيمية**: العامي، هل عليه أن يلتزم مذهبا معينا يأخذ بعزائمه ورخصه؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد، وهما وجهان لأصحاب الشافعي والجمهور من هؤلاء وهؤلاء لا يوجبون ذلك، والذين يوجبون يقولون إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه ما دام ملتزما له، أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام منه.
ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغير أمر ديني، مثل أن يلتمس مذهبا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه أو نحو ذلك - فهذا مما لا يحمد عليه، بل يذم عليه في نفس الأمر، ولو كان ما انتقل إليه خيرا مما انتقل عنه وهو
* مجموع الفتاوى 22/ 248 - 249. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
** مجموع الفتاوى 20/ 222 - 223. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
بمنزلة من يسلم لا يسلم إلا لغرض دنيوي، والمهاجر من مكة إلى المدينة لامرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها. قال: وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني فهو مثاب على ذلك، بل واجب على كل واحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر أن لا يعدل عنه، ولا يتبع أحدا في مخالفة الله ورسوله؛ فإن الله فرض طاعة رسوله على كل أحد في كل حال". انتهى.
وفي "الرعاية": من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بلا دليل ولا تقليد سائغ ولا عذر. ومراده بقوله: "بلا دليل" إذا كان من أهل الاجتهاد، وقوله:"ولا تقليد سائغ" أي: لعالم أفتاه إذا لم يكن أهلا للاجتهاد، وقوله:"ولا عذر" أي: يبيح له ما فعله فينكر عليه؛ لأنه يكون متبعا لهواه.
وقال في موضع آخر: يلزم كل مقلد أن يلتزم بمذهب معين في الأشهر ولا يقلد غيره، وقيل بلى، وقيل لضرورة". انتهى كلام صاحب "الإقناع" وشرحه بلفظه.
وقال في "الإنصاف" في (كتاب القضاء): "وقال الشيخ تقي الدين*: من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قُتل 1، وإن قال "ينبغي" كان جاهلا ضالا، ومن كان متبعا لإمام فخالفه لقوة الدليل أو لكون أحدهما أعلم أو أتقى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته بلا نزاع. وقال: في هذه الحال يجوز تقليد من اتصف بذلك عند أئمة الإسلام. وقال: بل يجب". انتهى.
ومن قول الشافعي وقواعده: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". وفي لفظ: "فاضربوا بقولي الحائط". وفي رواية عنه: "إذا رأيتم عن النبي صلى الله عليه وسلم الثبت فاضربوا على قولي وارجعوا إلى الحديث". انتهى، نقلته من كتاب "الآداب".
فقد علم السائل أن من كان متَّبِعا مذهبا من المذاهب الأربعة، ورأى الحق مع غيره فاتبعه أنه محسن، ولا يقدح في عدالته - لا سيما إن كان مع الغير نص أو إجماع أو قول صحابي بشرطه أو جمهور العلماء، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
"تم الكتاب"
* "الفروع" لابن مفلح 11/ 346، و"الاختيارات الفقهية" لابن اللحام ص 625، و"الإنصاف" للمرداوي 11/ 170، وهو في "المستدرك على مجموع الفتاوى" 2/ 251. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
1 أي: لأن هذا الإيجاب إشراك بالله في التشريع الذي هو من خصائصه بنص قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} .