الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال العلماء في الاشتغال بفن المنطق
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الرحمن بن حسن إلى الأخ القادم من بلاد الأوغان* عبد الله بن محمد -وفقه الله لحقيقة الإسلام والإيمان-. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد:
فالذي يجب علينا محبة الخير لمن أراده وقصده، فلعل الله -تعالى- أن يجعله مؤثرا للحق على غيره، لكن نبحث مع مثلك في شيئين:
(الأول): إن علم المنطق قد حرمه كثير من المحققين، وأجازه بعض العلماء 1.
* كذا في الأصل، وفي "الدرر السنية"(بلاد الأفغان). [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
1 الذي تلقيناه عن مشايخنا أن المنطق الذي اختلفوا فيه هو منطق اليونان الذي نقل في عهد المأمون، إذ كان في كتبه من المسائل والأمثلة ما يخالف الإسلام، وربما يكون شبهة عليه، وفيه قال الشيخ الأخضري صاحب السلم:
فابن الصلاح والنواوي حرما
…
وقال قوم ينبغي أن يعلما
والقولة المشهورة الصحيحة
…
جوازه لكامل القريحة
ممارس السنة والكتاب
…
ليهتدي به إلى الصواب
أي الصواب في طرق الاستدلال العقلي، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعرف المنطق وجميع علوم الفلسفة التي ألف المنطق لتحريرها وفهمها بأدلتها. وقد بين خطأ كثير من مسائله، وله مصنف في ذلك يوجد في الهند بخطه، وقد درس هذا العلم الشيخ عبد اللطيف ابن صاحب الفتوى -رحمهما الله-. والأمور الثلاثة التي ذكرها لا تدل على تحريم علم المنطق المعروف اليوم في كتب المسلمين، وإن كانت في نفسها صحيحة، فالمنطق ليس علما شرعيا فيؤخذ عن أئمة الدين، ولكنه كعلوم اللغة والصناعة والزراعة
…
إلخ.
وأما قوله "فصار ضرره أكثر من نفعه" فهو يصح في علم اليونان الذي ذكره، ولكن جل الضرر كان في الفلسفة النظرية التي استعمل فيها لا فيه هو. والمنطق الموجود اليوم ليس فيه ضرر مطلقا، ولكن فائدته قليلة؛ لأنه آلة للعلوم النظرية، وهو قلما يستعمل فيها، ويمكن الاستغناء عنه بعلم الأصول كما أشار إليه، وغرضي من هذه الحاشية أن لا يتجرأ من يقرؤون هذه الفتوى على تحريم علم المنطق المعروف، فإن التحريم الديني أمر عظيم جدا، وقد قال شيخ الإسلام: إن السلف لم يكونوا يحرمون شيئا إلا بنص قطعي. ولما نزل قوله -تعالى- في الخمر والميسر "وإثمهما أكبر من نفعهما" لم يحرمهما النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة به لأن دلالته على التحريم غير قطعية إلى أن نزلت آيات سورة المائدة القطعية الدلالة.
لكن الصواب تحريمه لأمور: "منها": أنه ليس من علوم الشريعة المحمدية، بل هو من علوم اليونان، وأول من أحدثه المأمون بن الرشيد، وأما في خلافة من قبله من أسلافه من بني العباس، وقبلهم خلفاء بني أمية فلا يعرف في عصرهم.
(الأمر الثاني): أن أئمة التابعين من الفقهاء والمفسرين والمحدثين لا يعرفون هذا العلم، وهم نقلة العلم، والإسلام في وقتهم أظهر، والعلوم النافعة عندهم أكثر، وقد توافرت دواعيهم على نقل العلم، وكذلك من أخذ عنهم من الأئمة الأربعة، ومن في طبقتهم من المحدثين، ومن الفقهاء والمفسرين، فلا تجد في كتبهم، ولا من أخذ عنهم شيئا من هذا العلم.
(الأمر الثالث): أن هذا العلم إنما أحدثه الجهمية لما ألحدوا في أسماء الله وصفاته، واستمالوا المأمون إلى تعريب كتب اليونان، فعظمت فتنة الجهمية، وظهرت بدعتهم من أجل ذلك، فصار ضرره أكثر من نفعه. وذكر العلماء أن ما فيه من صحيح فهو موجود في كتب أصول الفقه، فيتعين تركه وعدم الالتفات إليه، والمعول إنما هو على الكتاب والسنة، وما عليه السلف والأئمة.
وهذه كتبهم موجودة بحمد الله ليس فيها من شبهات أهل المنطق شيء أصلا. فهذا الذي ندين الله به.
[التوحيد وأنواعه وحقيقة كل نوع منه]
(البحث الثاني): السؤال عن التوحيد وأنواعه وحقيقة كل نوع منه، فإن كان عند القادم من ذلك تحقيق، وإلا فيجب إرشاده إلى ذلك وتعليمه، لأن العلم أقسام ثلاثة لا رابع لها.
فيجب عليك أيها الرجل القادم أن تسعى لنفسك بمعرفة الحق بدليله واللي يبي 1 يقبل علمنا هذا الذي منَّ الله به علينا من تمييز الحق من الباطل، فهو أخونا، والحمد لله على هداية من اهتدى، واللي يرى غير ذلك فلا نحن بإخوان له. والسلام وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
1 والذي يحب.