الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصية بالتقوى
(والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ المكرم عبد الرحمن بن جربوع، وفقه الله للعمل بدينه المشروع.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته "وبعد" فنحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على سوابغ نعمه، وجزيل عطائه وكرمه، وعلى ما ألبسنا من ملابس فضله، وما اختصنا به من عظيم العطاء الذي صرفه عمن شاء بعدله. والخط وصل وصلك الله إلى ما يرضيه، ونظمك في سلك من يخشاه ويتقيه.
[حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وأوصيك بتقوى الله، والحرص على معرفة تفاصيلها على القلوب والجوارح، فإنك في وقت كثر قراؤه، وقل فقهاؤه.
وما ذكرت من طلب الفائدة بما ورد من النصوص الشرعية الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا مما لا يخفى على آحاد العامة من المسلمين، فضلا عن الطلبة والمتعلمين. وهذا الأصل من آكد الأصول الإسلامية وأوجبها وألزمها. وقد ألحقه بعضهم بالأركان التي لا يقوم بناء الإسلام إلا عليها، وهو من فروض الكفاية، لا يسقط عن المكلفين إلا إن قام به طائفة يحصل بها المقصود الشرعي. وفرض الكفاية من فروض العين من جهة متعلقه، لأن الخطاب به لجميع الأمة، وإنما أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب للأمر بالمعروف الذي رأسه وأصله التوحيد، والنهي عن المنكر الذي رأسه وأصله الشرك والعمل لغير الله. وشرع الجهاد لذلك، وهو قدر زائد عن مجرد الأمر والنهي، ولولا ذلك ما قام الإسلام، ولا ظهر دين الله، ولا علت كلمته. ولا يرى تركه والمداهنة فيه إلا من أضاع حظه ونصيبه من العلم والإيمان. قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 1. وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2.
فهذه الآيات تدل على وجوبه، وأن القائم به خير الناس وأفضلهم، وأن الخيرية لا تحصل إلا بذلك. وفيها أن الفلاح محصور في أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الفوز بالسعادة الأبدية.
وأما الوعيد على تركه، فمثلقوله تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} 3 الآية. ففي هذه الآية لعنهم على ألسن أنبيائهم بترك النهي عن المنكر والأمر بالمعروف. واللعن هو الطرد والإبعاد عن الله وعن رحمته.
وذكر بعض المفسرين هنا حديث: "إن من كان قبلكم كانوا إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعذيرا، فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه كأن لم يره على خطيئة بالأمس. فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}. والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا 4، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم".
وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: "أوحى الله عز وجل إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم، قال: يا رب، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم".
وذكر أيضا من حديث ابن عمر: "لينقضن الإسلام عروة عروة حتى لا يقال
1 سورة آل عمران آية: 110.
2 سورة آل عمران آية: 104.
3 سورة المائدة آية:78، 79.
4 أي تعطفونه وتثنونه.
الله الله. لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم"1 "ولتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقر كبيركم".
وفي المسند مرفوعا: "يا أيها الناس، إن الله يقول: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتستنصروني فلا أنصركم، وتسألوني فلا أعطيكم"2.
وفي حديث ابن عباس: "وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم، ولم يُسمع دعاؤهم" رواه الطبراني.
وذكر الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يوشك القرى أن تخرب وهي عامرة" قالوا: كيف تخرب وهي عامرة؟ قال: "إذا علا فجارها أبرارها، وساد القبيلة منافقوها".
والأحاديث في هذا كثيرة تطلب من مظانها.
فصل
[في مفاسد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وترك ذلك على سبيل المداهنة، والمعاشرة، وحسن السلوك، ونحو ذلك مما يفعله بعض الجاهلين أعظم ضررا، وأكبر إثما من تركه لمجرد الجهالة. فإن هذا الصنف رأوا أن السلوك، وحسن الخلق، ونيل المعيشة لا يحصل إلا بذلك؛ فخالفوا الرسل وأتباعهم، وخرجوا عن سبيلهم ومنهاجهم لأنهم يرون العقل إرضاء الناس على طبائعهم، ويسالمونهم، ويستجلبون مودتهم ومحبتهم، وهذا مع أنه لا سبيل إليه فهو إيثار للحظوظ النفسية، والدعة، ومسالمة الناس، وترك المعاداة في الله، وتحمل الأذى في ذاته. وهذا في الحقيقة هو الهلكة في الآجلة. فما ذاق طعم الإيمان من لم يوال في الله ويعادِ فيه، فالعقل كل العقل ما أوصل إلى رضى الله ورسوله. وهذا إنما يحصل بمراغمة أعداء الله، وإيثار مرضاته، والغضب له إذا انتهكت محارمه، والغضب
1 أحمد "5/ 389".
2 أحمد "6/ 158".